الصراع
في سورية :
أهوَ
على السلطة .. أم على كرامة
الإنسان!؟
عبدالله
القحطاني
باتريك سيل ، الكاتب
البريطاني المعروف ، كتب كتابين
، أحدهما عنوانه: (الصراع على
السلطة في سورية) منذ حوالي
ثلاثين عاما . والثاني عنوانه : (الصراع
على سورية ..) منذ حوالي عشر
سنوات ..!
وإذا كان الصراع على السلطة
ـ إقليمياً ودولياً ـ صراعاً ذا
طابع استراتيجي ، يدور حول
سورية الوطن والموقع
الاستراتيجي والدور الإقليمي ..
فإن الصراع على السلطة في
سورية، في مرحلة تأليف الكتاب
والمرحلة التي سبقتها، كان بين
قوى سياسية محلية لها ،
حساباتها الإقليمية والدولية ،
وعلاقاتها المبنية على هذه
الحسابات ..!
أمّا
مايهمّنا اليوم ، من الصراع
القائم في سورية ، منذ سنوات عدة
، فهو تحديد طبيعة هذا
الصراع ، ومعرفة أبعاده
الحقيقية ..!
ونقول
ببساطة متناهية : إن الإطار
العامّ للصراع واحد ، لكن زوايا
النظر إليه مختلفة :
أ- المجموعة
الحاكمة : تصارع لأجل البقاء في
السلطة ، التي استولت عليها
بقوّة السلاح، ولا شرعية لها
فيها سوى شرعية السلاح ـ سلاح
الجيش الذي وظّفته المجموعة
لحماية سلطتها ، وصرفته عن
مهمته الأصلية ، التي هي حماية
الوطن ، وسمّته : الجيش العقائدي
..! ـ وهي مصرّة على الاحتفاظ
بالسلطة ، بقوّة السلاح ، لأنها
تعتقد أنها إذا فقدتها ، فلن
تتمكن من الحصول عليها بالطرق
الديموقراطية ، عن طريق
الانتخاب الحرّ النزيه ، من قبل
الشعب ..! برغم ادّعائها بأن
لديها مليوني رفيق بعثي ،
وراءهم عشرة ملايين مواطن سوري
ـ أي أكثر من نصف الشعب السوري ـ
..! وهي من خلال وجودها في السلطة
، تعبث بكل شيء في الوطن : تنهب
الثروات ، وتصادر حريات الناس ،
وتستبيح مقدّساتهم وكراماتهم
وممتلكاتهم ، وتعتقل من تشاء
منهم ، وتقتل في السجون
والشوارع من تشاء ، وتقامر
بمصير الوطن وسيادته.. ولاتقبل
من مواطن واحد أن يقول لها كلمة :
(لا) .. وإن قالها فمصيره السجن ،
أو الموت ، أو المنفى إذا استطاع
الهرب من أجهزة الأمن ،
المنتشرة كالجراد ، ومن مخبريها
المندسّين في كل شارع وزاوية ،
وخلف كل جدار..!
ب-
وهنا ، تحديداً
تكمن زاوية الرؤية الثانية
، في النظر إلى طبيعة الصراع :
فالمواطن السوري يريد أن يعيش
في بلاده كسائر خلق الله ، آمناً
على حياته ورزقه وبيته ،
وحريّته وكرامته
، من عبث أجهزة (الأمن !) .. وآمناً
على وطنه من استباحة القوى
الأجنبيه له ، بسبب حماقات
الزمرة الحاكمة ، ومغامراتها
الطائشة في العبث بأمن الدول
الأخرى ، وجبنها في الوقت ذاته ،
عن التصدّي لأيّ عدوان تتعرض له
البلاد ..! المواطن السوري ـ وفي
مقدمته قواه الحيّة الفاعلة ،
المعارضة للزمرة الحاكمة ـ
لايصارع على السلطة ، ولاينازع
عليها ، لذاتها ، بل لأنها صارت
في أيدي الزمرة الحاكمة ، وسيلة
لقمعه وإذلاله ، وتحطيم شخصيّته
، وهدر كرامته .. وبالجملة :
تدمير إنسانية الإنسان فيه ..!
فبِها يمزّق المجرمون جلده في
السجون ، وبها ينهبون أمواله
ويستبيحون حرمة بيته ، وبها
يشرّدون أسرته وأقاربه ، بين
القبور والسجون والمنافي ..!
ولولاها لَما جَرؤ وحش من
وحوشهم ، على إهانة مواطن واحد ،
أو الاقتراب من بيته ، أو نهب
قرش واحد من ماله ..!
ولقد أعلنت قوى المعارضة
السورية ، كلها بلا استثناء ،
منذ استلام بشار الأسد للسلطة ،
في اللعبة الصبيانية السمجة ،
التي عدّل فيها الدستور ليناسب
مقاسه ( عمره !).. أعلنت هذه القوى
، وفي مقدمتها القوى الإسلامية
، أنها مستعدّه للتعاون مع بشار
الأسد ، على أساس برنامجه (
الإصلاحي!) ، الذي أعلنه على
الناس يوم استلامه . وأنها
لاتريد منه إلاّ المحافظة على
حقوق الإنسان ، التي قررتها
شرائع السماء ، وقوانين الأرض
التي اتفقت عليها شعوب الدنيا
جميعاً ، في مدوّنات الهيئات
الدولية ..!
ولقد
أرسِلت إلى رأس النظام الحالي ،
رسائل شفوية ومكتوبه ، تحمل هذه
المعاني كلها ..! إلاّ أن رأس
النظام لم يكن لديه ـ أصلاً ـ
أيّة ذرة من الجدّية ، أو من
احترام تعهداته ووعوده
بالإصلاح .. إنما كان يتّخذ من
هذه التعهدات والوعود ، وسائل
لكسب الوقت، وتعزيز سلطته على
مقدرات البلاد ..! وقد كان يعلم ،
منذ ورّثه أبوه السلطة ، أنه
سيكون استمراراً لأبيه .. وما
ورّثه أبوه السلطة أصلاً ، إلا
ليكون استمراراً له ، لعهده
الدكتاتوري القمعي الفاسد ..!
ولو علم أنه من النوع الإصلاحي
الحقيقي ، لصرف عنه (ولاية العهد!)
إلى ابن آخر من أبنائه ، يكون
امتداداً حقيقياً له ، ولايقطع
سلسلة القمع والفساد ، التي
دشّنها (المؤسّس!) ، مع بداية
تدشين عهد الأسرة الميمون ..!
والآن..
بعد صنوف المآسي التي حصلت في
عهد بشار، وعلى يديه ، لو أيقنت
قوى المعارضة السورية ـ بشكل
قاطع جازم ـ أنه جادّ في القيام
بإصلاح حقيقي ، وقادر عليه ، (
بمعنى أنه قادر على أن يقود
عملية انقلاب حقيقي ، ضدّ حكمه
الفاسد ، وعصابته المتسلطة
المجرمة ، ويعيد للمواطن السوري
إنسانيته ، التي أهدرها هو
وعصابته ـ بكل ماتعنيه كلمة
إنسانية من حقوق ـ ..) لو علمت قوى
المعارضة ، أنه يريد هذا
الإصلاح جدّياً ، ويحرص عليه
حقيقة ، ويستطيعه فعلاً ،
ويقدّم على ذلك براهين عملية
حسّية مقنِعة ، ملموسة على
الأرض ، بقرارات فورية ،
لاتؤجّل ، أو يؤجّل تنفيذها ،
عقوداً أوسنين ـ وقد جمِعت له
سلطات الدولة كلّها ـ .. لو علمت
قوى المعارضة هذا ، لما تردّدت
في وضع أيديها في يديه لتحقيق
هذه الغاية..! ( وهذا الكلام هو
رأي شخصي لكاتب هذه السطور،
جرّأه على قوله ، مايعرفه من
تفكير الكثيرين من رموز
المعارضة ! ويمكن لأيّ معارض
جادّ واع من هذه الرموز، أن
يفنّده بحجج وبراهين مقنِعة ،
أو أن يصوّب مافيه من خطأ ،
ويقرّ مافيه من صواب . وفي كل
الأحوال لايتحمّل مسؤولية
الكلام غير صاحبه ..! على أننا
نرجو ممّن يتصدّى لمناقشة
الأمر، ألاّ ينظر في الفكرة
العامّة وحدَها ، أو في ظلالها ،
ويصدر حكماً عامّاً بالنفي
المطلق ، أو بالقبول المطلق ..!
بل أن يدقّق في الكلمات جيداً ،
ويعرف وظيفة كلّ كلمة في سياقها..!
).. لكن الرجل نفسه ـ إضافة إلى
كونه فاسداً مفسداً .. لايفتأ
يعتزّ بأنه استمرار لعهد أبيه
القمعي البشع المقيت .. ـ جعل
نفسه مطيّة
للآخرين ، ووسيلة لهدر
كرامة الإنسان السوري ـ علِم
ذلك أم جَهِله ـ ..! وسيلةً لقوى
داخلية تنهب باسمه البلاد، (
وتحفظ له نصيبه من الغنيمة !) ،
وتسحق باسمه العباد ، بحجّة
المحافظة على كرسيه ونظام حكمه
..! ووسيلة لقوى خارجية ، تريد من
سورية أن تظل ، تحت حكمه ، دولة
هشّة مهيضة الجناح ،لاقدرة لها
على صدّ سرب من الجراد ؛ بَـلهَ
صدّ الدبابات المعادية
الزاحفة، والطيران
الإسرائيلي ، الذي يهوى التحليق
فوق القصر الجمهوري ..! والقائد
الهمام ، القائد الأعلى للجيش
والقوات المسلحة ، يحمل في إحدى
يديه سيف دون كيشوت ، وفي الأخرى
سيف أبي حيّة النميري المسمّى (
لعاب المنيّة !) ويلوّح بهما في
الهواء ، لابيديه ـ فحتى هذه
يخاف من أن تجرّه إلى معركة لم
يحدّد زمانها ومكانها ..! ـ ، بل
يشير إليهما بلسانه ، وألسنة
الأشاوس من قادة جيشه الميامين
، الذين أسلمَهم أزمّة القيادة
في الجيش ، ليدجّنوه ، ويدمّروه
، ويتّخذوا منه مزارع لهم ، ومن
عساكره عبيداً لهم ، وخدماً في
الحدائق والقصور..! فلم يكتفِ
بهدر إنسانية المواطن المدني،
بل هدَر إنسانية العسكري ،
المكلف بحفظ سيادة الوطن
وكرامته ، وهو بلا سيادة في وطنه
ولاكرامة..!
ولعلّ
سيادة الرئيس ، المحنّك البطل
الفيلسوف ، سيعضّ أصابعه ندماً
، في يوم قريب ، على ما أضاعه من
فرص ذهبية حقيقية ، لحفظ موقعه
وكرامته السياسية والشخصية،
وتاريخه القادم ـ إن كان ممّن
يحرصون على صفحة نقيّة في
التاريخ ـ .. بعد أن استخفّ بسائر
الأيدي الممدودة له ..! ولعله
سيسمع مَن يتمثّل له بقول
البدوي القديم ، ـ لو طلَب من
بعض قوى المعارضة ، التعاون معه
لأجل الإصلاح ـ : الصيفَ ضيّعتِ
اللبَن ..!
هي ذي حقيقة الصراع في سورية
.. يعرفها الجميع : الزمرة
الحاكمة ، وقوى المعارضة جميعاً
، وكل مواطن سوري يهتمّ بالشأن
العامّ في بلاده ، ويتابع
مايجري فيها بوعي ودأب وإخلاص..!
( وإنّ غداً لناظره قريب ) .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|