المعتـقلات
في عـهد حافـظ الأسـد
خالد
الأحمـد*
مقـدمـة :
يقول فلاسفة
التاريخ : الهدف من دراسة
التاريخ ليس اجترار الآلام ،
ونبش الماضي بروائحه المتعفنة
واسترجاع الصـور المبكيـة ،
وإنما هو أخذ العبرة من الماضي ،
الماضي الذي كلف سوريا عشرات
الألاف من خيرة أبنائها ، كي
لايضيع الماضي سـدى ، فنستفيد
منه في الحاضر ، وعندما أتحدث عن
المذابح الجماعية
أو النهب والسلب الذي قام به
الجيش العقائدي ، أو أبين بعض
الصـور من المعتقلات في عهد
نظام حافظ الأسـد في سوريا ، لا
أقصد منها سوى أن نعتبر من
الماضي المؤلم ، وأن نتخذ كافة
الاجراءات والاحتياطات كي
لايعود هذا الماضي ، ونجتث
الأسباب المؤدية لهذا الماضي
المروع من جذورها ، وأهم تلك
الجذور الحكم الفردي
الديكتاتوري ، الذي استخدم
الجيش ( جيش الشعب ) كما قالوا
عنه ، استخدم جيش الشعب ليقتل
الشعب بدلاً من أن يحميه. وينهب
أموالـه وأثاث منازلـه بدلاً من
المحافظة عليها .
كما أقصـد من ذلك
كشـف الحقيقـة ، التي غطتـها
وسائل الإعلام العالمية
والعربية والإقليمية ،
الموجهـة من الصهيونية
العالمية التي تسيطر على
الإعلام العالمي ، هذه الوسائل
التي تكتـم أخبـار ذبـح
المسلمين ، فعندما يذبح غربي
واحد ، أو صهيوني واحد ، تقوم
الدنيا ولاتقعد ، ويذبح
المسلمون يومياً بالعشرات ،
والمئات ، والآلاف كما حصل في
حماة (1982م) ، ووسائل الإعلام
مازالت سـاكتة عن الحق ، لأنـها
شيطان أخرس ، من واجبها السكوت
عن الحـق وطمس الحقيقة ، ونشر
الأكاذيب والأباطيل والترويج
لها .
واليوم سنمر على
بعض المعتقلات في عهد حافظ
الأسـد ، لنرى كيف كان زبانية
النظام يعاملون المواطن العربي
السوري في تلك المعتقلات . وكيف
فهم النظام شعار الحريـة التي
ينعق بها صباح مساء ، والتي
جعلها ثالث ثلاثة من أهدافه
المعلنـة للشعب .
حيث
يعلن البعثيون أن أهدافهم
هي : الوحدة والحرية
والاشتراكية ، وحسب مبدأ فهم
السياسة السورية وهو ( غمز على
اليسار واذهب يمين ) ، هذه
المعتقلات ثـمرة من ثمـرات
الحريـة التي ينادي بها
البعثيون ، وخلاصتها أن النظام
السوري بنى سجوناً صرف عليها ،
كما صرف على أجهزته الأمنية
التي قامت بقمع الشعب وقتل
عشرات ألألوف منه ، وتشريد مئات
الألوف أيضاً ، صرف على ذلك أكثر
مما صرف على مؤسسات التعليم
العام والعالي أيضاً . وهذه عينة
من هذه المعتقلات :
1 ـ ســجن تـدمر :
لاشك أن سجن تدمر
ذاع صيتـه ، من حيث بشاعة أساليب
التعذيب المستخدمة فيه ، وقد
قيض الله لنا بعض الأخوة الذين
قيض الله لهم النجاة ، والخروج
من سجن تدمر أحياء ، فوصفوا لنـا
ما تمكنوا من وصفه ، وها أنا
أنقلـه عنهم :
يقول صاحب كتاب (
تدمر شاهد ومشهود ) جزاه الله
خيراً ومـد في عمـره ، ونفع
المسلمين بـه :
[ وانطلقت السياط تسلخ
جلودنا المكشوفة لهم ، ولم ألبث
أن طرق سمعي صيحة أبي جهل (
المساعد كيساني ) ينادي عسكره : ـ
احضروا هذا ( ... ) أبو الجينز ،
وكنت عند اعتقالي البس بنطال
جينز ، فجذبتني الأيدي كملاقط
الحديد ، وبطحوني أرضاً يركلوني
ويجلدونني من كل اتجاه ، ثم توقف
الضرب وسألني قائلاً :
ـ ولك ( ....) (....) كم عملية
عملت ؟ فأجبت : ولاعملية سيدي .
فانهالت الكبلات والسياط
علي من جديد ، وصرت أتلوى على
الأرض كالذبيحة ] .
[ ولم يلبث
الزبانية أن بدأوا يسحبون
الواحد منا تلو الآخر فيعرونه
من ثيابه ، إلا الشـورت ، وتجذب
الأيدي القاسية الأخ الذي تعرى
وتدفعه فيختل توازنه ويسقط فيجد
الدولاب واثنان من الشرطة
العسكرية ، يقعدانه في الدولاب
فترتفع رجلاه ، ثم تربط بجنزير
الحديد ، ويبدأ الضرب من غير
رحمة ومن غير عـد ، والانتهاء
عندما تنفتـح بطن الرجل وتسيل
منها الدماء ، فيتركون القدمين
، ويبدأ الجلد على االراحتين
بجلد من سيور الدبابات حتى يسيل
منها الـدم ، والضحية منبطح على
الأرض ، ثم تنتقل السياط إلى
الظهر والجنبين ، وربما ضربوا
مائة أو مائتي سـوط ، ثم يقف
أحدهم فوق ظهر الضحية ، ثم يقلبه
ويقف على صدره ، حتى تتكسر ضلوعه
من أحذيتهم العسكرية ، وكم مات
أخوة في مثل هذا الحفل يرحمهم
الله تعالى ].
مهجـع الســل :
[ دخلت المهجع 35
في الباحة اليابعة فوجدت
ويالهول ماوجدت ! أكثر من مائة
من الأخوة القى مرض ( السل )
بكلكله عليهم فسلبهم نضارة
الحياة وسمت العافية ، فهذا
لايكف عن السعال ، وفي يديه علبة
صفيح صدأة يبصق فيها البلغم
والدم ، وذاك يتقيأ ين الفينة
والأخرى ، وثالث أصاب السل
كليتيه فانتفخ جوفه كالمرأة
الحامل ، ووجدت المصاب بسل
الخصيتين ،وسل العظام ، وسل
السحايا ، وسل الرئتين ، وكان
على كل أولئك وعليّ أن نستخدم
حماماً واحداً ، وأن ننام
متلاصقين نتبادل العدوى
ونتلقاها شئنا أم أبينا . ... وفوق
هذا كله كنا ننال من الضرب
والجلد والعذاب ما لايختلف عن
الآخرين ، والميزة الوحيدة هي
جرعة الدواء التي كنا نتلقاها
للعلاج من السل ، ولايكاد ينقضي
شهر على توفرها حتى تنقطع
أسبوعاً أو اسبوعين ، واستمر
الأخوة يتساقطون موتاً حتى عددت
أكثر من عشرين ، منهم محمد حسن
عجعوج من حماة يرحمهم الله
تعالى ] .
المعتقـلات في
مجزرة حمـاة الكبرى (1982م) :
كان القتل هو
الأساس الذي بنت عليه السلطة
استراتيجيتها في معالجة موضوع
حماة ، أما الاعتقال فهو وسلة
مساعدة لتحقيق الهدف
الاستراتيجي
الأول ( القتل ) . ومما زاد
عدد المعتقلين زيادة كبيرة
المسالمون الذين هموا بمغادرة
البلد ، فجمعهم عناصر السلطة ،
وكذلك الجرحى الذين أصابتهم
نيران السلطة ، وكان من الأوامر
التي صدرت من حافظ الأسد نفسـه
يوم الخميس
(25/2/1982م) رفع عدد القتلى إلى عدد
محدد ، حدده بنفسـه ، وفي صبيحة
يوم الجمعة [ بعد انتهاء عمليت
القتال يوم الثلاثاء ] ، وجمع
حوالي (1500) شخص منهم الشيخ بشير
المراد ( مفتي حماة ) ، وسلمت
للمخابرات العسكرية ، ومازال
أمرها مجهولاً إلى يومنا هذا .
رفعـت الأسـد
قائد ميداني في مأساة حماة :
عين المجلس
الأمني الأعلى للنظام في أيلول
(1981م) اللواء
رفعت الأسد أمراً عرفياً لمناطق
حماة وحلب ودمشق ، وتسمية حماة
منطقة عمليات أولى ، خاضعة
للحاكم العرفي ( رفعت أسد ) ،
وأرسل (12000) جندي من سرايا الدفاع
فوراً إلى حماة . وكان المقدم
علي ديـب [ قائد القوات السورية
التي قاتلت العراقيين جنباً إلى
جنب مع الأميركيين في عام 1991 ] ،
كان نائباً لرفعت في حماة ،
يطلعه على سير العمل في حماة
أولاً بأول ، حتى انفجر الوضع ،
وصل رفعت إلى حماة ليدير عمليات
القتل الجماعي وتدمير المدينة
بنفسه ، والتقطت بعض مكالماته
اللاسلكية وهو في حمص ،
أما في اليوم
الثالث للأحداث فقد ذكر شاهد
عيان أن رأى رفعت في ثكنـة مدينة
حماة المطلة على نهر العاصي ،
وانتقل إلى جنوب الملعب البلدي
ليشرف بنفسه يوم الخميس الأول
من المأساة على أول مجزرة مدبرة
في حماة ذهب ضحيتها (1500) من
الأبرياء [ اقرأ مجزرة جنوب
الملعب البلدي في موقع الشرق
العربي ـ باب مشاركات ] .
1ـ معتقل مدرسة
الصناعة :
جمع فيه قرابة
خمسة عشر ألف مواطن ، بمعدل (200)
شخص للقاعة ، و(100) للغرفة ، في
فصل الشتاء حيث البرد والجوع
والظمأ ، والناس محشورون بملابس
النوم ، وحظهم من الطعام (5) كلغ
من الخبز لكل (100) مواطن كل ثلاثة
أيام ، أما فنون التعذيب فكانت :
آ ـ التعذيب بالملزمة
حيث تشد الملزمة على يد المعتقل
أو رجله ، أو راسـه احياناُ حتى
تهشم ذلك المعتقل وتكسر يده أو
رجله أو رأسـه .
ب ـ المكبس الحديدي : حيث
يضغط عللا رأس المواطن حتى
يهشمه .
ج ـ كرسي سليمان : أو
الخازوق الحديدي .
د ـ بساط الريح : حيث
يعلق المعتقل من يديه ورجليه في
السقف ، مع تجريح بطنه وظهره
بالسكين ، ويترك ينزف حتى الموت
.
هـ ـ
الكهرباء : في اللسان والقبل
والدبر .
و ـ السخانة الكهربائية
: حيث
يوضع عليها المعتقل مقيداً حتى
تفوح رائحة لحمه كالشواء .
ز ـ الكي بالحديد المحمى
: حيث تغرز أسياخ الحديد المحمى
بالنار في جسـد المواطن . في
الصدر أو البطن أو الظهر .
ح ـ الخنق : وذلك بأنبوب
حديدي يضغطون بـه على رقبـة
المواطن حتى يموت خنقاً .
ط ـ مرور الدبابات فوق
الجرحى وهم أحياء في الشوارع .
2 ـ معتقل
البورسـلان :
زج فيه ( 7 ـ 8) آلاف
مواطن معتقل ، ألقي بهم على
الأرض المعبدة في ساحة المعمل ،
يفترشون الأرض ، ويلتحفون
السماء في ذلك الشتاء القارس ،
ثلاثة ايام مكتوفي الأيدي ،
يوزع عليهم نصف رغيف يومياً ،
حتى توفي منهم (10) مواطنين خلال
الأيام الثلاثة . واستمر معدل
الوفيات ( 6 ـ 7 ) اشخاص يومياً .
3 ـ معتقل
المحلجـة الخماسية : وحصل فيه
ماحصل في غيره .
والواقع أن عدد
المعتقلات وصل إلى (14) معتقلاً
وهي : معتقل اللواء (47) ـ معتقل
الثكنة ، معتقل المطار ـ معتقل
المحلجة الخماسية ـ معتقل
المنطقة الصناعية ـ معتقل مدرسة
غرناطة ـ معتقل مدرسة الصناعة ـ
معتقل معمل البورسلان ـ معتقل
المخابرات العسكرية ـ معتقل
المن السياسي ـ معتقل أمن
الدولـة ـ معتقل معمل الغـزل ـ
معتقل معمل البـلاط ـ معتقل
مركز الدفاع المدني .
هكذا عامل أزلام
نظـام الطاغيـة المواطنين ،
الأبرياء العزل ، الذين كانوا
يهمون بالخروج من حماة بعد أن
تأكد عـزم النظام على تدميرها
فوق ساكنيها ، وهم يهمون
بالخروج جمعتهم المخابرات
العسكرية ، وحشرتهم في هذه
المعتقلات لتستفيد من التحقيق
معهم ، وتحقق أهداف النظام في
قتل المـزيـد من أبناء حماة
البررة .
*
كاتب سوري في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|