حكم
بالاعدام عام 2006
أديب
الحموي
كان يمني النفس ويصبرها ببلده
الذي ما رأه
منذ خمسة وعشرين سنة،
كلما اشتد عليه الوضع سوءا، وجار
عليه ظرفه، واوغل فيه رزءه.
كان يعيش في العراق منذ أن
ارسله بلده سوريا في بعثة قصرية
مجهولة المدة إلى منفاه … كان
عمره حينئذ خمس سنوات، ولا
جريرة له إلا ان أبوه كان يفكر
بطريقة لم تعجب النظام، وكان له
تصور على غير ما يرى النظام.. هذه
الاسباب .. ولكن هذه الامور وكما
لا تخفى عليكم تجري في بلد قد
زكمت انفه (الديمقراطية )… فكان
نتاجها خمسة وعشرون سنة من
الغربة ..
جاءت الدبابة الاميركية بكل
عنجهيتها تصير مكان مرورها
خرابا ودمارا، عبثا وايذاء.
تجتر رواسب الانسانية
المتبقية في اذهان المواطن
العربي. كان هذا الوضع مرتعا لكل
من في قلبه حقدا يَسلّه على بني
جلدته، فضلا عن من يسكنون ارضه،
ولكل من عركته حياته بجبلة من
الخبث ابى الا ان يطعم منها ذويه
،فكان نصيب من عاش في كنف هذا
الوضع الرهيب من الهول اشده،
ومن العيش شظفه، ومن الراحة
عدمها. كان يوسف عمر محمد من
مواليد جسر الشغور هو ممن جار
عليه النظام في سوريا وابعده
الى العراق ..
فحمل عليه الوضع على غير ما
يطيق كأنما يصعد في السماء، فلا
يعرف كيف يمسي او كيف يصبح حيا
أم ميتا، مخطوفا أم ممزقا، في
ابو غريب أم بوكا. عندها تحار
الدمعة في مآقي العيون ولا تعرف
النفس منقذا لها سواه تعالى….
فضاقت عليه الارض بما رحبت عليه
في سابق عهدها ، واصبح يتعثر بين
طرقها التي كانت لاحبَة سابق
عهده بها، تتنكر له تنكر الام
لولدها …
كانت لاتزال تتعلق بين طيات
صدره انفاس امه وابية، وهما
يتحدثان في شوق عن بلدهما سوريا
فكان ينتشي بحديثهما، ويسعد
بعبق جلستهما، فتسكن في جوف
صدره تلك الصروة الصافية عن
مدينته في سوريا جسر الشغور وعن
بساتينها الغناء وعن رياضها
الخضراء …. فيعلق في ذهن الفتى -ولو
بفهم بسيط- ان له بلدا اسمه
سوريا وإن جار عليه من فيه، يبقى
يلم به في المحن، واذا عتى عليه
عاد من عاديات الدهر ..
كان يتنامى لديه حب وطنه مع كل
زفرة تغلب على ابيه فيعتقها
ألما، وكل تنهيدة تطلقها امه
شوقا ..
لذلك كان قراره أن يلتجأ له (لبلده)
بعد ان
احس بسعير الموت ولهبه يعلق
برداء حياته، كما تعلق النار
بالهشيم، وسواد الليل برداء
النهار… فقرر وكان ماكان ..
فما ان حطت قدماه ارض وطنه
الغالي شعر بذرات التراب تداعب
اديم قدميه، ونسائم هواء جسر
الشغور تتحسس بشرته فلطالما
اخبرها اهل المدينة ان لها
ابناء مهجريين ستلاقيهم لا
محالة .. فطار بوطنة وطار به …
ولكن.. مع النسائم ذرات تراب
تؤذي العيون، ومع سلسبيل الماء
شوائب تشعر شاربها بالغصة.. فكان
ما يُحذر منه ..
محاكم وتفتيش ، سؤال وجواب ،
من نظمك ومن كان مسؤولك ، من اين
رضعت افكارك المسمومة ، لماذا
اتيت الى هذا البلد .. ما هي
غاياتك، وما هو عمقك
الامبريالي، واي ايد تدفعك …
مسلسل لا ينتهي إلى كما يُعلم في
وطننا العربي (الاعدام او
الاختفاء) …وعلى ماذا؟؟ انا اظن
انهم انفسهم لا يفهموم سوى
انهم قد غُمّ عليهم الا عن
قانون (49) الذي يحكم على كل منتمٍ
لجماعة الاخوان المسلمين في
سوريا بالاعدام .. فذلك هو افضل
جزاء لم طلب وطنة ملجأ وملاذا .
فكان الحكم بالاعدام ثم خفف (جازاهم
الله) الى
12 سنة وهذا ان لم يكن اعداما في
سلب روح، فهو اعدام في سلب شاب
زهرة حياته، واغتيال مستقبل لم
يكمل منه اللبانه بعد. وماكان
جرمه الا انه فكر ان يكون النظام
في سوريا حامي العروبة (كلها) ان
يحمية بضعا من السنين ويعوضه
ببعض الحنان الذي الفه علقما.
حتى تحول عبق ريح الشوق لوطنه
الذي كان يتبلغه من ابويه إلى
ريح السموم،| تقض مضجعه وتلهب
ليله ونهاره. ذاك جزاء المواطن
السوري (يوسف عمر محمد) على
غربته … ورسالة تقول لكم ايها
المهجرين .. (لماذا تلجأون من
الرمضاء بالنار أما لكم من عقول)
…
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|