بمناسبة
يوم الوفاء الوطني لشهداء الرأي
في سورية:
مجزرة
تدمر ذكرى حاضرة
محمد
الحسناوي*
من الغباء الظن بأن
تعذيب السجين المعارض حتى الموت
أو الإجهاز عليه فرداً أو
مجموعة عزلاء
.. بطولة من البطولات ، ومن
الغباء الظن أن الصمت على
الجريمة ، أو أن تطاول الزمن من
غير حل عادل يمكن أن ينسي
الجريمة بالتقادم ، ومن أغبى
الغباء الظن بأن الكرسي يدوم
للجالسين
عليه أو
نجاة المجرمين من العقاب ، أو
تضييع فرص الحل الإنساني أو
المصالحة الوطنية .
في يوم 27 حزيران تمر
الذكرى السادسة والعشرون
لمجزرة (تدمر) ، وهي ما تزال حية
نابضة بالألم والمرارة ، كأنها
اقترفت البارحة
، للطريقة التي اقترفت بها ،
ولحجم الكارثة الإنسانية
الوطنية ، ولاستمرار النهج الذي
أفرزها ، فضلاً عن محاولات
طمسها المنظمة ، ورفض معالجتها
ومعالجة تداعياتها
، برغم مرور ربع قرن كامل
على اقترافها .
أما وصف المجزرة
التي طبقت الآفاق في حينها
فتجمله (منظمة العفو الدولية )
بقولها : في صباح يوم 27
حزيران – يونيو 1980م هبط في مطار
تدمر الحربي 12 هيلوكوبتر من
حماة تحمل 350 فدائياً من رجال
سرايا الدفاع ، وعشرة
هيلوكبترات من دمشق تحمل مئة من
رجال الفيلق الأربعين للجيش
السوري ومئة جندي من اللواء 138
لفرق الأمن . وصدرت التعليمات
لثمانين رجلاً بالتوجه إلى سجن
تدمر . وإلى عشرين بحراسة
الهيلوكبترات ، وأن يقف الباقون
بحالة تأهب ، وقسم الثمانون إلى
وحدات ، كل منها تضم عشرة رجال ،
وبمجرد أن دخلوا السجن صدرت
إليهم الأوامر بقتل السجناء في
زنزاناتهم وفي عنابر النوم ،
ويقال إن عدد أولئك السجناء كان
يتراوح بين 600و 1000 سجين . ويروى
أن ذلك إجراء كان بمثابة
الانتقام من هؤلاء السجناء (
وكان يشتبه في أن معظمهم من
الإخوان المسلمين ) لمحاولتهم
الفاشلة لاغتيال الرئيس حافظ
الأسد في اليوم السابق . وعلى
أثر هذه المذبحة نقلت جثث
القتلى ودفنت في مقبرة كبيرة
مشتركة خارج السجن . وقد ذكر
الجنود السوريون الذين أُلقي
القبض عليهم في الأردن بتهمة
محاولة اغتيال رئيس الوزارة
الأردنية ، على التلفزيون
الأردني ، أنهم كانوا قد
اشتركوا في تلك المذبحة ،
وأعطوا بعض المعلومات عن تلك
العملية . وقد تقدمت منظمة العفو
الدولية إلى السلطات السورية
طالبة تشكيل لجنة تقصي الحقائق
حول تلك الأحداث ، ولم تتلق أي
جواب . (انظر تقرير المنظمة إلى
حكومة الجمهورية العربية
السورية – عام 1983م ص 41-42) .
الجدير بالذكر أن
عدد شهداء هذه المجزرة هو 1100
شهيد بالضبط ، وبعضهم دفن وهو حي
، وأن المحاولة المزعومة لقتل
الرئيس حافظ الأسد لم يقم بها
هؤلاء المعتقلون ، وأن الرئيس
نفسه لم يُقتل بعد المحاولة ،
وحتى لو قُتل هو فرد والذين
استشهدوا بسببه ألف ويزيدون ،
والفقه القانوني عند العرب
والمسلمين ، كما هو في شرائع
الأرض والسماء ( ألا تزر وازرة
وزر أخرى ) ، أي ما ذنب هؤلاء
المعتقلبن إذا اقترف غيرهم
جريمة ، والجريمة لم تتم على كل
حال ؟
في تاريخنا العربي
الإسلامي اغتيل الخليفتان
الصحابيان عمر بن الخطاب وعلي
بن أبي طالب رضي الله عنهما ،
وهما حاكمان شرعيان بإجماع
المسلمين ، فكيف عوقب الجناة ؟
إن قاتل أمير المؤمنين عمر ،
وهو أبو لؤلؤة ، وقاتل الإمام
عليّ ، وهو عبد الرحمن بن ملجم ،
لم تتعد العقوبة أحدهما إلى
ذويهما
من قوم أو تنظيم ، مع العلم
أن أبا لؤلؤة فارسي ، وأن ابن
ملجم من تنظيم الخوارج ، وهو حزب
سياسي في ذلك الحين .
وتتجلى فظاعة
الجريمة من تحليل مفرداتها
وتداعياتها . فمنظمة العفو
الدولية تشير إلى أن معظم
الشهداء المغدورين من الإخوان
المسلمين . وللواقع والتاريخ
فإن معظمهم ليس من الإخوان
المسلمين إلا إذا أخذنا بآخر
تعريف مبتكر للإخوان المسلمين
الذي جاء به الحزبي ، عضو
المؤتمر القطري أيمن عبد النور
– صاحب موقع كلنا شركاء-
قاله على بث (قناة الجزيرة
الفضائية ) وهو كل من يعتقد
بأفكار الإخوان أو يتعاطف معهم
أو يحاورهم أو يتصل بهم بسبب من
الأسباب التي لا ترضي أجهزة (
التأديب الحضاري جداً ) ، ولو
كانوا رهائن عن إخوتهم أو
أقاربهم .
وعلى ضوء هذا التعريف حوكم بعض
العائدين من الجالية السورية في
العراق مثل جمال محمود الوفائي
ومحمود حاج علي النبهان اللذين
خفف حكم إعدامهما إلى 12 سنة ،
والطفل مصعب الحريري لأن أباه
من الإخوان بالسجن ست سنوات بعد
تخفيف حكم الإعدام عليه تطبيقاً
لقانون /49/ القاضي بإعدام كل
منتسب لجماعة الإخوان ...الصادر
عام 1980 من أجل التغطية على مجزرة
تدمر ومجازر المحافظات
المشهورة . وعلى ضوء هذا التعريف
أيضاً تم اعتقال الناشط علي
العبد الله لأنه قرأ رسالة من
المراقب العام علي صدر الدين
البيانوني في منتدى الأتاسي ،
كما اعتقلت من ثم إدارة المنتدى
كلها دفعة واحدة .
الأمر الآخر التعرف
على نماذج من النخبة البريئة
التي ذهبت في تلك المجزرة .
نضرب على ذلك أمثلة
معبرة : فمن أساتذة الجامعات
الدكتور حسن محمد حسين من أصل
فلسطيني ، وهو المختص الوحيد
بالفيزياء النووية في سورية يوم
اعتقاله ، وهو جدير أن يقتل كما
يقتل اليوم علماء العراق
النوويون ليرضى أصحاب مفاعل (ديمونة
) .
ومن الأدباء
المبدعين إبراهيم عاصي من مدينة
جسر الشغور ، صاحب خمس مجوعات
قصصية متميزة ، تحله موقع
الصدارة من أدباء سورية
المعدودين .
ومن حلب المدرسون :
مصطفى ذاكري ومحمد أديب صالح (لغة
عربية ) ،
وعبد الرؤوف محمد ومحمد عثمان
جمال (تربية إسلامية )
، وثانيهما صدر له كتابان (
عبد الله بن المبارك – ثورة
الزنج ) ، ومهتدي كسحة عضو إدارة
محلية ،
والطبيب زاهد داخل
. ولاستشهاد الطبيب زاهد
داخل قصة تفرض
علينا روايتها
نموذجاً لمن لم يذهبوا في
المجزرة المذكورة ، وإنما في
المجزرة المستمرة حيث كان يشنق
مجموعات في سجن تدمر مرتين في
الأسبوع ، فضلاً عن الذين
يذهبون تحت التعذيب .
أيام الدراسة
الجامعية في حلب كان الشهيد
زاهد داخل يحمي زميلة له من
تحرشات زميل من (عصابة) النظام ،
فلما جاء المتحرش طبيباً لسجن
تدمر انتقم من زاهد داخل بوضع
عصا غليظة على رقبته ، ودوس
اثنين من الجلادين على طرفيها
حتى الموت – رحمه الله تعالى
رحمة واسعة .
ومن المحافظات
الأخرى المهندس
رياض جعمور من حماة ، والمفسر
الداعية الدكتور عبد الودود
يوسف من دمشق ( صاحب تفسير
المؤمنين وعدد من الروايات وعضو
اتحاد الأدباء ) ، والداعية
المفسر محمود سويد من حمص ،
والطبيب إبراهيم عبادي من إدلب .
والطبيب عادل عثماني من
اللاذقية الذي تمت تصفيته علناً
أمام سجناء تدمر بربط إحدى
ساقيه إلى سيارة جيب والأخرى
إلى سيارة جيب ثانية ثم سيرهما
المتعاكس حتى فسخ جسمه شقين فسخ
الدجاجة .
ومن دير الزور 38
شاباً في عمر الزهور – بعضهم
أطفال طلاب من المرحلة
الإعدادية - اعتقلوا من تظاهرة
شعبية عام 1980 ثم انقطعت أخبارهم
. ذكرت أسماءهم (منظمة العفو
الدولية ) في تقريرها لعام 1983م ،
وأن آباءهم في تشرين الأول (أكتوبر)
1980 وجهوا رسالة مفتوحة إلى
الرئيس حافظ أسد ، آملين في
الحصول على معلومات عن أبنائهم
، ولكنهم لم يتلقوا أي رد ، وفي
شهر أكتوبر 1981 بدأت منظمة العفو
الدولية بالتحقيق في تلك (الاختفاءات)
لكنها لم تتلق أية إجابة من
السلطات السورية .
وبعد احتلال العراق
طفت على السطح أخبار المجازر
الجماعية المقترفة في العراق
وتحريض المجتمع الدولي للتحقيق
فيها ، ارتفعت أصوات المعارضة
السورية بالتذكير بالمجازر
الجماعية السورية أيضاً ،
ولاسيما أن الصحفي السوري نزار
نيوف كان قد قام بنفسه يوماَ ما
يستكشف موقع دفن ضحايا تدمر،
ولفت الأنظار إلى ذلك ، فما كان
من السلطات السورية إلا أن عمدت
إلى عمليات نقل العظام وتجريف
الأرض وسحق الآثار المتبقية
للطمس النهائي للمجزرة الرهيبة
، بدلا من محاسبة المسؤولين أو
إعادة دفن الجثث بما يليق من
تكريم للبشر ، أو تقديم اعتذار
لذوي الضحايا البريئة ، أو
إغلاق الملف وأمثاله بمصالحة
وطنية تنهي هذا النهج الدموي
وإلى الأبد .
والسؤال لماذا
يستمر النظام الحالي في التكتم
على مثل هذه المجزرة ، ويتحمل
طائعاً مختاراً وزر ارتكابها مع
من سبق أن ارتكبوها ، بحمايتهم
والتستر عليهم ، والضرب عرض
الحائط بمطالبات ذوي الضحايا
ولجان حقوق الإنسان والمعارضة
السورية بإنهاء هذا الملف
العالق كالشوكة بل السكين في
حلق الوطن والمواطنين ؟
الجواب : هو أن
النهج الذي أفرز مجزرة تدمر
مستمر استمرار المادة الثامنة
في الدستور التي تقسم المواطنين
إلى أبناء الست وأبناء الجارية
جهارأ نهاراً ، ولأن النظام
الذي جاء على الدبابة لا يستمر
ولا يمكن أن يستمر إلا باستمرار
نهج الاختطاف ، والتعذيب حتى
الموت ، وارتكاب المجازر
الجماعية والحرب الأهلية إذا
لزم الأمر ، كما حصل في
الثمانينات من القرن الماضي .
وما قرارات المؤتمر العاشر
للقيادة القطرية للحزب الحاكم
إلا إصرار على هذا النهج ، فماذا
ينتظر الشعب السوري ؟؟
*
كاتب سوري وعضو رابطة أدباء
الشام
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|