لقد
قطع الشعب الفلسطيني على نفسه
العهد
ألا
يستسلم
أ.د.
محمد اسحق الريفي
توشك
قوات الاحتلال على ارتكاب مجزرة
رهيبة في قطاع غزة بعد أن قامت
بكل الاستعدادات والتجهيزات
العسكرية لشن هجوم واسع على
القطاع، وقد أطلقت الحكومة
الصهيونية تهديداتها بعدم
العصمة لأحد من الفلسطينيين من
بطش جيشها وإجرامه، وكل هذا
يجري تحت بصر العالم وسمعه، في
ظل الحصار الظالم الذي يتعرض له
شعبنا، والذي أدى إلى شح في
الأدوية والمواد التموينية
واستشراء البطالة.
وتكاد تنحصر الجهود العربية
والدولية المحمومة، في هذا
السياق، في محاولات إطلاق سراح
الجندي الأسير، دون اكتراث
المجتمع الدولي بما سيلحقه هذا
الهجوم من قتل وخراب ودمار
بشعبنا، ودون دعوة الجانب
المعتدي للتعقل ونبذ العنف
والالتزام بالقانون الدولي
وتجنيب المدنيين هلاكاً مؤكداً.
يصمت
المجتمع الدولي حتى البكم عندما
يتعرض الفلسطينيون للمجازر
والمذابح والاغتيالات التي
ترتكبها قوات الاحتلال
الصهيوني بشكل يومي ضد الأطفال
والنساء والرجال، كما تغيب كل
القيم والمعاني الإنسانية التي
يرفع رايتها الأمريكيون
والأوروبيون، والتي تدعو إلى
التسامح ونبذ العنف واللجوء إلى
المفاوضات لفض النزاعات
والمشاكل بين الشعوب والدول،
وكذلك يغيب القانون الدولي الذي
يحمي المدنيين من بطش المحتل
وعدوانه، الذي باسمه يقوم
المجتمع الدولي بمصادرة حقه في
تقرير مصيره على أرضه. أين
الذارفون دموعهم على قتلى
الصهاينة وجرحاهم مما يتعرض له
أطفالنا ونساؤنا من مذابح
ومجازر يومية!! أين تلك الأصوات،
التي صمت آذاننا دفاعاً عن
الأطفال والنساء في دارفور، مما
يتعرض له شعبنا من حصار شامل
وعقاب جماعي!!
لم
يبذل المجتمع الدولي أي ضغوط
على الحكومة الصهيونية التي
تحشد جيشها المجرم وطائراته
وآلياته استعداداً للانقضاض
على الفلسطينيين، وكأن هذا
الجيش المجرم يستعد لمواجهة جيش
جرار مزود بشتى أسلحة الدمار،
لقد انصبت الجهود الدولية للضغط
على الفلسطينيين وحث الحكومة
الفلسطينية على المسارعة
بالاستجابة للمطالب الصهيونية
وأخذ التهديدات على محمل الجد. وتتظاهر
جميع الجهات الضاغطة بحرصها على
مصلحة الفلسطينيين ورغبتها في
تجنيبهم شراً مستطيراً، ولكن
أين كان هؤلاء عند قيام
الاحتلال المجرم، بما ألفناه من
مسلسل يومي، من خطف الفلسطينيين
واعتقالهم واغتيالهم وارتكاب
المجازر ضدهم؟!
وأين جهودهم المبذولة لحمل
الكيان الصهيوني على الكف عن
الهجوم على الفلسطينيين وإعطاء
الجهود الدبلوماسية فرصتها
لإنجاح عملية تبادل الأسرى؟! أم
أن أسرانا ليسوا بشراً ولا
يستحقون الرحمة ولا يشملهم
القانون الدولي؟!
كان
من المفروض أن يطلق الاحتلال
الصهيوني سراح كل الأسرى
والمعتقلين الفلسطينيين من
سجونه بعد توقيع ما يطلق عليه
اتفاقيات السلام بين السلطة
الفلسطينية والكيان الصهيوني،
ومما يؤسف له أن الكثير من
الأسرى الفلسطينيين في سجون
الاحتلال تم اختطافهم
واعتقالهم من خلال المعابر
الحدودية والتجارية بعد توقيع
اتفاقية أوسلو، ولا تزال عمليات
الاعتقال والاختطاف مستمرة حتى
هذه اللحظة، والعجيب أن حكومة
الاحتلال الصهيوني تبرر نيتها
واستعدادها لشن هجوم واسع على
غزة بأن أسر الجندي الصهيوني
يخالف القانون الدولي!! أما
قيامهم بالاختطاف فهو لا يخالف
القانون الدولي!! ألا يعلم
الصهاينة أن كيانهم الغاصب
مخالف للقانون الدولي وغير
شرعي؟!
لقد
ارتكب أعداء شعبنا باسم القانون
جرائم إنسانية يستحقون من أجلها
تعليقهم على أعواد المشانق
بصفتهم مجرمي حرب أشراراً،
فباسم ما يسمى بقانون مكافحة
الإرهاب الفلسطيني يحاصر
الأمريكيون الفلسطينيين
ويجوعونهم، ويحاربون حكومتهم
الشرعية ويتآمرون عليها، وباسم
القانون يستعد الجيش الصهيوني
المجرم لارتكاب مجازر جديدة ضد
الفلسطينيين، وكأن القانون ما
خلق إلا لقتل شعبنا وسحق كرامته
وسلب حقوقه واحتلال أرضه
وتهجيره منها!!
ويحق
لشعبنا، إزاء نفاق المجتمع
الدولي ومؤسساته، أن يشك في كل
الدعوات التي ينادي بها المجتمع
الدولي من تعقل وتسامح وواقعية
ولجوء إلى الشرعية الدولية
للدفاع عن الحقوق ونيلها، فقد
أدرك شعبنا أن تلك الدعوات لا
هدف لها سوى الاعتراف بـ (إسرائيل)
ونبذ المقاومة ضد الاحتلال
والالتزام بما يسمى قرارات
الشرعية الدولية التي تعطي الحق
للاحتلال بسلب الأرض وتوسيع
كيانه والاعتداء على
الفلسطينيين، إنها دعوات
لتضييع حقوق شعبنا واضطراره
للتنازل عنها والتوقيع على
الاستسلام، وإلا لماذا لا يلتزم
الكيان الصهيوني بالشرعية
الدولية والقانون الدولي؟!
ولماذا يستخدم الإرهاب والعنف
سبيلاً وحيداً لسحق شعبنا
واحتلال أرضه؟!!
يأتي
هذا الاستعداد الصهيوني للهجوم
الجبان على قطاع غزة بعد أن فشلت
كل الجهود الظالمة في إفشال
الحكومة الفلسطينية وإجبارها
على الاعتراف بالكيان
الصهيوني، وبعد أن فشلت كل
الجهود المحلية والعالمية في
تأليب الشعب الفلسطيني المرابط
على حكومته وتحريضه على القيام
بمظاهرات واسعة ضدها. لقد
استطاعت الحكومة الفلسطينية
الحفاظ على مستوى التأييد
الشعبي الذي حظيت به في بداية
تشكيلها، ونجحت في إفشال
محاولات نزع ثقة الشعب
الفلسطيني بها، واستطاعت، بفضل
الله وعنايته، إفشال فتنة "الاستفتاء"
التي كانت تهدف إلى الالتفاف
عليها وإفشالها.
ولقد
نجحت حركة المقاومة الإسلامية
"حماس" في الوفاء بوعودها
باستمرار المقاومة حتى دحر
الاحتلال وتحرير الأرض وتقرير
المصير، وتمكنت من شغل حكومة
الاحتلال بأزمات حادة تنذر
بانقسامها وزيادة تقهقر
المشروع الصهيوني، كما أنها
استطاعت أن تخفف من حدة
الاستقطاب السائدة في المجتمع
الفلسطيني، وتمكنت من فضح
المجتمع الدولي الذي تقوده
الولايات المتحدة الأمريكية
ويشارك فيه الاتحاد الأوروبي،
ونجحت كذلك في تعرية الأهداف
الصهيونية الحقيقية وأظهرت ضعف
السلطة الفلسطينية وخذلانها
لشعبنا، كما أنها نجحت في إحياء
قضية الأسرى الفلسطينيين
الأبطال وإبراز معاناتهم في
سجون الاحتلال الغاشم، وأظهرت
لشعبنا الفرق الواضح بين من
يقدر الأسرى ويحترم تضحياتهم
ونضالهم ويعمل من أجل تحريرهم،
وبين من أراد أن استغلال
مكانتهم العزيزة عند الشعب
الفلسطيني لخداعه وتضليله
وإجباره على التوقف عن مقاومة
الاحتلال والتمسك بحقوقه.
لقد
بات من المؤكد للجميع أنه لا
يوجد أي خيار أمام الشعب
الفلسطيني، في ظل الغطرسة
الأمريكية والصمت الدولي
والضعف العربي والتشرذم
الإسلامي والإصرار الصهيوني
على إلغاء وجوده وسحق كرامته،
إلا التمسك بحقه ومواصلة مسيرة
جهاده ومقاومته للاحتلال، فلا
بديل لهذا الخيار إلا الموت أو
الاستسلام، ولقد اتخذ شعبنا
قراره متوكلاً على الله عز وجل
وقطع على نفسه عهداً ألا يستسلم
مهما كانت النتائج.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|