حكام
سورية :
بين
السلطة المغتصَبة ,, والسيادة
المجتَـلَبة ..!
عبدالله
القحطاني
للسلطة مع السيادة ثلاثة
أحوال :
1- أن تجتمعا معاً.
2- أن توجد السلطة بلا سيادة.
3- أن توجد السيادة بلا سلطة.
أمّا
الحالة الرابعة ، وهي انعدام
السلطة والسيادة معاً ، فلا
تدخل في سياق البحث هنا ..!
وإذا كان لابدّ من تعريف كل
منهما ، من حيث دلالة المصطلح ،
أو مضمونه ، فيمكن القول ببساطة
، وباختصار :
* إن السلطة هي حقّ شخص ما في
اتخاذ القرارعلى مَن ـ أو ما ـ
تحت ولايته ، مِن بشَر أو سواهم
، مِن مخلوقات حيّة أو جامدة ..!
ويدخل في ذلك سلطة الموظف
العامّ في الدولة ، والموظف في
القطاع الخاص .. أيّا كانت درجة
الموظف في السلم الوظيفي ..
وسلطة الأب على أبنائه القاصرين
.. و سلطة المالك على ملكه .. (
وتختلف السلطات ، بحسب طبيعة كل
منها .. فسلطة الوظف تختلف عن
سلطة الأب ، وهذه تختلف عن سلطة
المالك .. وهكذا..).
وهذه
السلطة تكتسَب بقانون ، أوعرف ،
أو اتّفاق ..
* أمّا السيادة ( وهي أوسع من
النفوذ ، إذ النفوذ أحد أركانها
ومظاهرها ) فيمكن تقسيمها إلى
قسمين :
أ- قسم مرتبط بالسلطة ،
ونعني به العلاقة الإيجابية ،
بين صاحب السلطة ومَن تحت سلطته
.. وهي التي تعطي قراراته
السلطوية قوّة النفاذ ( على
مرؤوسيه)، دون خوف من العقوبة
التي يقررها القانون للتقصير أو
المخالفة ..! ويدخل فيها الجانب
الشخصي لصاحب القرار، من حيث
تأثيره الإيجابي على عقول مَن
تحت سلطته ، أو قلوبهم ، أو على
العقول والقلوب معا .. أي
الاحترام والحب ..!
ب ـ
وقسم مرتبط بشخص ما ، خارج أطار
أيّة سلطة .. كسيادة الوجيه في
الحيّ أو القرية، على من حوله ..
وسيادة العالِم على طلبة العلم
لديه .
ولنبدأ بعد هذه المقدمة ،
بالحديث عن أحوال السلطة مع
السيادة :
البند
الأول : اجتماع السلطة مع
السيادة : هذا هو الوضع الطبيعي
السليم ، لكل صاحب سلطة يحترم
نفسه وسلطته ! وهذا لا يتحقّق
إلا بوجود رجال مؤهّلين لمواقع
السلطة ، من حيث الكفاءة الفنية
والإدارية.. ومن حيث الخلق
الرفيع ، الذي يشمل : النزاهة
والصدق ، والعدل ، والإخلاص في
العمل ، ومحبّة المرؤوسين
واحترامهم ، والاهتمام
بأوضاعهم المالية والاجتماعية
، والترفّع عن صغائر الأمور،
وعفّة اليد واللسان ..!
وكلّ نقص في الكفاءة ، أو في
الصفات الخلقية ، يؤدّي إلى نقص
في السيادة ـ بالمعنى المذكور
آنفاً ـ ويَدفع صاحب السلطة إلى
المبالغة في استعمال سلطته ،
ليغطّي هذا النقص..! حتى إذا فقد
أكثر المؤهّلات التي يحتاجها
عمله ، لجأ إلى التعسّف في
استعمال سلطته ، حتى يحسّ
مرؤوسوه بالضيق منه ، ثم بكرهه ،
ثم بالسعي إلى عزله ، بوسائل
شتّى ، تختلف بحسب الحالة
والظرف ، والموقع السلطوي ،
وصفات المرؤوسين ، وإمكاناتهم
الفكرية والثقافية ..!
البند
الثاني : إزاء ماتقدّم ـ من نقص
مفترَض في الكفاءة والأهلية ـ
نجد أنفسنا أمام سلطة رسمية
بحتة ، عارية من كل سيادة .. أي أن
صاحب السلطة ، يحكم بسلطته
الرسمية وحدَها، مدعومةً بقوّة
القانون ..!
فإذا
كان صاحب السلطة العارية ،
موظفاً في دولة دستورية تحكمها
القوانين ، وفيها قضاء عادل
نزيه ، وصحافة حرّة تراقب
مؤسسات الدولة ، وتكتب عما يجري
فيها من خلل وتقصير .. فلن يتمكّن
صاحب السلطة المجرّدة العارية ،
من البقاء في منصبه طويلاً ..!
أمّا إذا كانت الدولة
محكومة بقوانين استثنائية ،
وتهيمن على الحكم فيها مجموعة
من الفاسدين، المتسلّطين بقوّة
السلاح ، وصاحبُ السلطة يستمدّ
سلطته من العصابة المتسلطة في
كراسيّ الحكم ، فإن الأمر هنا
يختلف تماماً.. ولا تبقى المسألة
في حدود السلطة (القانونية) ، بل
تنتقل إلى إطار السلطة (الواقعية)
المفروضة بقوّة السلاح ..!
وعندئذ يصبح التغيير المطلوب،
هو تغيير السلطة العليا الممسكة
بأزمّة الحكم ! وأيّ سعي للتغيير
في المستويات الأدنى ، هو ضرب من
العبث ، الذي يضيع الوقت والجهد
بغير طائل ..! بل هو يطيل عمر
الفساد الكامن في الرأس ، والذي
ينشَرـ عن عمد وتصميم ـ في سائر
الأنحاء ، أفقياً وشاقولياً ،
لكي لايبقى من يطالب السلطة
العليا بصلاح أو إصلاح ..! وقديما
قال الشاعر :
لا
تَقطعنْ ذنبَ الأفعى وترسَـلها
إنْ كنتَ شَهماً فأتْبِعْ
رأسَها الذنَبا
البند الثالث : أما السيادة
بلا سلطة ، فمظاهرها كثيرة في
الواقع الحيّ وفي التاريخ ..!
فربّ وجيه في قرية أو حيّ ، له
سيادة على الناس ، أقوى من سيادة
أصحاب السلطة في الدولة جميعاً..!
وينسحب هذا على نماذج من
العلماء العاملين ، وعلى نخَب
مميّزة من المفكرين، وعلى بعض
الزعماء القبليين ..!
وهنا
يأتي دور هؤلاء في إسقاط
السلطات الفاسدة ..! إذ هم عناصر
تحريض وتحريك، للجماهير
المسحوقة ، الواثقة بهم ،
الملتفّة حولهم ..! ومعلوم أن
أكثر الحركات الشعبية الناجحة
في التاريخ ، القريب والبعيد ،
حرّكها ، وقادها ، أناس من أمثال
هؤلاء ..! لذا تحرص السلطات
المستبدّة ، عادةً ، على كسب ودّ
هؤلاء ، وشراء ولائهم ،
بالمناصب والهبات ..! ومَن يَصعب
شراؤه ، يمارَس عليه نوع من
التهديد ، والضغط المستمرّ، حتى
يلين ويخضع ، ويقدّم الولاء
لصاحب السلطة ..! ومَن لا يفلح
فيه إغراء ولا تهديد ولا خداع،
ويظلّ صاحبُ السلطة يراه عثرة
في طريقه ، فإن إزالته من الطريق
تصبح واجبة ، من وجهة نظر صاحب
السلطة ..!
ولقد مارس حافظ أسد
الأساليب كلّها ..! بعد أن أدرك
أنه ، هو بشصه ، لاسيادة له ولا
كرامة ـ ..!
فكسِب ولاء بعض هؤلاء بالإغراء
، وضمنَ ولاء آخرين منهم
بالتهديد ، ومارس أنواعاً من
الخداع على بعض أصحاب المبادئ ،
فأقنعهم بأنه رجل مبادئ من
الطراز الرفيع ! فصاروا يدافعون
عن نظام حكمه ، كما لو أنه قد
تجسّد في شخصه أبوبكر الصديق ،
أو عمر ابن الخطّاب ، أو صلاح
الدين الأيوبي ..! ومَن عجزَعن
الهيمنة عليه بوسائله كلّها ،
لجأ إلى تصفيته جسدياً ، داخل
أحد السجون ، أو في أحد المنافي
..! والأمثلة على هذا كثيرة في
تاريخ حافظ أسد ، سواء فيما
يتعلق بالمواطنين السورين ، أو
المواطنين اللبنانيين ـ بعد أن
حكَم لبنان ، وطبّق فيه سلطاته
التي يمارسها على المواطنين
السوريين ! ـ .
وغنيّ
عن البيان ، أن حافظ أسد كان
يدرك تماماً ، أن أيّ شخص ، من
أصحاب السيادة الحقيقيين في
المجتمع ، يعطي ولاءه لحاكم
مثلِه ، سوف يَسقط في نظر الناس
.. ولاسيّما أولئك الخاضعين
لسيادته ، ويفقد بالتالي تأثيره
عليهم ، فيخسرهم ، ويخسرنفسه
عندهم ، ويخسر حافظ نفسُه ، أحدَ
المفاتيح الشعبية ، التي تفتح
له قلوب الجماهير..! إلاّ أن حاجة
حافظ إلى السيادة (المجتلَبة)
لتوطيد دعائم حكمه ، من ناحية ،
ومراهنتَه على عامل الزمن ،
الذي يحتاجه الناس ، لإسقاط
صاحب السيادة المستأجَر أو
المشترَى ، من ناحية ثانية ،
وعدمَ اكتراث حافظ بسقوط أصحاب
الكرامة في بلاده ـ في أيّة
هاوية سقَطوا ـ ، من ناحية ثالثة
..كل ذلك دفعه إلى اللهاث
المحموم ، وراء ذوي السيادة ،
ليَخصف مِن أوراق سيادتهم،
مايغطّي به سوءات حكمِه العاري
، الذي لم يفلح حزب البعث ،
والجبهة الوطنية التقدمية ، في
تغطية وجهه الاستخباري القمعي
المقيت ..!
وبعد أن صعد حافظ إلى (الفردوس
!) الذي وهبَه إيّاه / نيابةً عن
ربّ العالمين/ ! أحد المشترَين ـ
أو المخدوعين ، من المحسوبين
على أصحاب المبادئ ..! ـ كما وهبَ
قبلَه ، ابنَه الفارسَ المعَدّ
ليخلفه في (ولاية
أمر المسلمين!) ، الذي قتِل في
حادث سيرغامض ـ مرتبةً سامية في
الفردوس الأعلى .. بجزم وإصرار،
وتأكيد ينفي عن صاحبه الخطأ
والسهو..!
نقول
: بعد أن صعدَ ـ أو نزلَ ! ـ (أميرالمؤمنين!)
إلى فردوسه الخاصّ ذاك ..! تغيّرت
الأحوال في عهد ابنه الخليفة
الوريث ..! الذي لايعرف كيف
تُشترى السيادة التي تجمّل وجهَ
السلطة ، ولا كيف تنتزَع من
أصحابها بالإكراه ، ولا كيف
تُصطاد بشباك المكر والخداع..! ـ
أو.. ربّما لم يكن يبالي بذلك ـ
فارتاح أصحاب السيادة الحقيقية
، من مساومة المتسلّطين لهم على
سيادتهم ، وأفـلسَ أصحاب
السيادات الموهومة ، وسقَط ـ أو
أسقِط ـ بعض أصحاب السيادة ،
الذين يهَبون الجنان والفراديس
لعتاة المجرمين، بأثمان بخسة ـ
وربّهم يقول : إنّا مِن المجرمين
منتقِمون ـ ..! وعادت الأمور إلى
مجاريها : سلطة عارية من كلّ
سيادة ، تمارسها شِرذمة عارية
من كلّ خلق .. ! وهذا من أهمّ
المكاسب ، التي كسبها شعب سورية
، من حماقات الوريث ، وعصابةِ
المجرمين التي تَحكم باسمِه ..!
لقد تخلّى عن أهم عنصر في تركة
أبيه ، وهو عنصر السيادة (المجتـلَبَة!)
من الآخرين ، برغم تأكيده
الدائم على فلسفة ( الاستمرار مع
التطوير!) .. بل تخلّى حتى عمّن
وهبَ أباه وأخاه منزلتَيهما في
أعالي الجنان ..! وظلّ محتفظا
بالعناصر الضارّة وحدَها، من
عناصر التركة ، وأهمّها نزعة
البطش والإرهاب ، ونزعة
اللصوصية ورعايةِ اللصوص،
ونزعةُ التخريب الإجراميّة في
الدول الأخرى ..!
إلا
أنه ـ والحقّ يقال ـ تنبّه إلى
أمر لم يكن أبوه يعوّل عليه
كثيراً ، وإن كان لم يهمله، وهو
(السيادة المستوردة) ! ويمكن
تسميتها (سيادة الأزمات!)
نظراً إلى كونها هامشاً من
هوامش (ديبلوماسية الأزمات) !
وتستند هذه السيادة أساساً ،
على عنصر واحد محدّد ، هو (الشعار!)
وهو هنا شعار واحد محدّد أيضاً ،
هو ( شعار : الصمود والتصدّي
والممانَعة !). فبهذا الشعار،
الذي أفلس مِن كل مضمون عملي ،
وأفلس التجار الذين تاجروا به
نصف قرن، أو يزيد .. بهذا
الشعارالبراق ، يجتذب الرئيس
الأسد الصغير ، طوائف شتّى من
البشر ، من خارج سورية ،
أكثريتها الساحقة من التجار ،
بسائر مِللهم ونِحلهم : تجار
الشعارات ، وتجار الإعلانات ،
وتجار المواقف ، وتجار المبادئ
، وتجار الأكف المصفّقة ، وتجار
الحناجر الهتّافة ..! ولا يستثني
من هؤلاء تاجرَ جملة أو تاجر
مفرّق ..! بَيدَ أن أهمّ عنصر من
عناصر السيادة المجتلبة هنا، هو
الفصيل المحسوب على أصحاب
المبادئ حقاً..! وهذا هو الفصيل
الذي يقع عليه أكثر الغبن ، في
بازارالأسرة الأسدية ..! لأنه ـ
ببساطة ـ يضمّ جمعاً من الرجال
الكرام العقلاء، المتحمّسين
لنصرة الأمّة وقضاياها ، ومِن
الذين يملكون ، أو يَملك كثير
منهم ، سيادة حقيقية في بلادهم ،
مَن كان منهم عالماً فعلى طلابه
، وعلى أتباعه إن كان وجيهاً ،
وعلى جنوده إن كان زعيماً
حزبياً ، وعلى عناصر مدرسته إن
كان صاحب مدرسة فكرية ..! وهؤلاء
هم الذين يمكن التعويل عليهم في
بلادهم ، لتغيير الأوضاع
السياسية ، أو دعمها ..! إلاّ أن
المفارقة هنا ، هي أن السيادة
المستوردة لا تنتقل من بلادها
بوزنها الفعلي الجماهيري
المؤثّر، بل بوزنها الرمزي ،
عبر الرموز التي تمثّلها في
بازارات ( الشعارات القومية )..!
والأوزان الرمزية جُرّبت
كثيراً في بازارا ت كثيرة ، فما
أفلحت في شيء : * لا مَنحت مَن
يوظّفها مِن الزعماء سيادةً ،
عند جماهير شعبه التي تعرفه
أكثر ممّا يعرفه الهتّافون
المستورَدون جميعاً ..! * ولاصدّت
عنه غارةً معادية ـ لأنها لا
تتقن هذه الصنعة ، وليست مؤهلة
لها أصلاً.. ـ *ولا حرّكت
جماهيرها في بلادها، في مظاهرات
واعتصامات ، دعماً لصاحب
البازار..! لأنها لاتستطيع ذلك ،
للظروف السياسية التي تَحول دون
ذلك في بلادها ..! وبالتالي ،
لايبقى من هذه السيادة
المجتلَبة ، سوى طابعها
الموسِمي الرمزي ، المفصّل على
حجم مناسَبة البازار ، ووقته
باليوم والساعة ..! ثمّ إذا انفضّ
هذا البازار، ذابت فقاعة
السيادة البازارية المؤقتة ،
كما تذوب فقاعة الصابون ،
وانتهى مفعولها ، ليبدأ صاحب
البازار بالبحث عن عناصر جديدة
، لبازار جديد ..! ويظلّ إفلاسه
من السيادة الحقيقية داخل بلاده
، ماثلاً نصب عينيه ، فلا هو
مؤهل لكسب سيادة مباشرة لنفسه ،
بين أبناء شعبه ، ولا السيادات
الموهومة ، التي يحاول صناعتها
لعملائة وأزلامه ، تجديه شيئاً..!
فماذا
يَنتظرهذا من الناس ، داخلَ
بلاده وخارجها ..!؟ وما المصير
الذي يتوقّعه لنفسه ، سوى أن
يبادر أحد (المصنوعين!) لممارسة
سيادة مزيّفة، فيحجز له مكاناً
بجوار أبيه وأخيه، في إحدى
المراتب العليا ، في جنّات
النعيم..!؟
وسبحان
القائل :( أفَمنْ زيِّن له سوءُ
عملِه فرآه حَسناً فإنّ الله
يُضِلّ مَن يَشاء..)/فاطر8/.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|