ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 06/07/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

الوعي النخبوي العربي

بين "نجمة السرّة" .. ومكاييل أمريكا

عبدالله القحطاني        

في أواخر الخمسينات من القرن الماضي , نشرت مجلة المصوّر المصريّة ، تحقيقاً حول جدل كان يدور في الأوساط الفنيّة والثقافيّة ، حول وضع النجمة على السرّة ، في الرقص الشرقي .. ! ذلك أن إحدى الراقصات " المبدعات "! كانت تؤدي رقصاتها في أحد الأندية الليلية " الكباريهات " دون أن ( تستر ) سرتها بنجمة ، كما هو متعارف عليه في الأوساط الفنيّة ، لا سيما الرصينة المحترمة منها !

وبالطبع من يعرف الرقص الشرقي وطبيعته ، واللباس ( المحتشم ) ! الذي تلبسه الراقصة عند ممارسته ، يدرك جيّداً أهمية ستر السرّة ، بالنجمة التي تعارف عليها أهل الفن وعشاقه ومناصروه ..

تذكرت ذلك التحقيق ، الذي كنت قد قرأته في تلك الأيام ، وكنت حينها فتىً يافعاً في الخامسة عشرة من عمري ، وتذكرت كيف أني قد تأثرت بوجهة نظر " الأخلاقيين " ، الذين كانوا يصرّون على وجوب ستر السرّة ، عند تأدية " الفنانة " لرقصتها الشرقية .. فالحشمة مطلوبة ، إذ لا تكفي " أخلاقياً " تغطية السوأة والنصف العلوي من الثديين ، بل لابدّ من تغطية السرّة أيضاً ، وإلاّ فما معنى صفة " شرقيّ " وأين القيم العربيّة الأصيلة !؟

أقول تذكرت ذلك التحقيق ، وتذكرت ذلك الإسهام " الجليل " الذي أضافه ، إلى بنية الوعي " الخلقي والاجتماعي " لديّ في تلك المرحلة المبكرة من عمري ..

لكن .. بأيّة مناسبة تذكرت ذلك التحقيق ، وما الذي دفعه إلى ساحة الوعي لديّ بعد ما يقارب خمسة وأربعين عاماً !؟

إنها مكاييل أمريكا ،بل الأدقّ : إنه تعامل النخب العربيّة مع مكاييل أمريكا .. النخب السياسيّة ، والإعلاميّة ، والثقافيّة .. وربّما الفنيّة  ولست أجزم ما إذا كانت نخبة أنصار الرقص الشرقي منها أم لا -.. !

أجل ! إن النخب العربيّة ، التي تتبوأ مراكز القيادة والتوجيه في بلادنا ، لا سيّما في وسائل الإعلام ، هي  تحديداً التي دفعت ذلك التحقيق إلى سطح الذاكرة لديّ ، بطريقة تعاملها مع مكاييل أمريكا " المزدوجة " !

فهل الربط واضح ، بين تعامل نخب الخمسينات مع أخلاقيات الرقص الشرقي ، وسرّة الراقصة التي يجب سترها بنجمة  من أجل الحشمة -.. وتعامل النخب الحاليّة مع مكاييل أمريكا ،التي يجب ألاّ تكون " مزدوجة " !؟ أحسب الربط بل أكاد أحسبه واضحاً ، لكل عقل " نخبوي " يتصدّى للتنظير في المسائل العامّة ، السياسيّة ، والاجتماعيّة ، والثقافيّة.. 

وإلاّ ، فلمَ سميت النخبة نخبة !؟ وهل الصفات ( الكبيرة !) تعطى بالمجّان، أو تباع في أسواق " البالة " !؟

لن أتحدث عن عورات أمريكا ، المفضوحة بصورة أشنع من صورة أية راقصة في العالم شرقية كانت أو غربيّة  فهذا مما عرفته دهماء الناس وعامتهم ، في قارات الأرض كلها ، بلهَ النخب المثقفة المتنورة .. فالربط ليس بين راقصتين ، شرقية متخلفة ، وغربيّة نصبت نفسها إمبراطورة على العالم ..!

لا .. الربط بين تفكير نخبة ، وتفكير نخبة أخرى ..

فلماذا ؟

لماذا وقفت أخلاقيات تلك النخبة المثقفة  بعض النخبة عند وجوب ستر السرّة ، في جسد عارٍ كله ..!؟ ووقفت أخلاقيات النخبة الجديدة، عند ازدواج المكاييل ، في سياسة مدمّرة كلها !؟ وما دور تلك الأخلاقيات الرفيعة ، في بناء الوعي الإنساني والاجتماعي والخلقي ، لدى الفرد في أمتنا ، في أي قطر من أقطارها ؟

ثم ما دور الأخلاقيات السياسيّة الراهنة الرفيعة ، في بناء الوعي السياسي والثقافي ، لدى المواطن في عالمنا العربي اليوم ؟

وإذا كانت الراقصة الشرقية  عارية الجسد تضحك من " تزمّت " تلك النخبة التي تأمرها بستر السرّة ..

وإذا كانت الراقصة الغربية الإمبراطورية  العارية من كل قيمة خلقية تضحك ، بل تقهقه ، من " صرامة " نخبة اليوم التي تأمرها بتوحيد المكاييل السياسيّة .. فتعامل إسرائيل كما تعامل باكستان ، أو الصومال ، أو اليمن .. فهل ينبغي على جماهير أمتنا ، أن تضحك أم تبكي ، حين تصرّ نخبها التي تقودها ، وترود لها مواقع الحياة الكريمة - والرائد لا يكذب أهله حين تصرّ هذه النخب على تزييف وعي الجماهير بشكل بشع ، وبصورة متعمّدة ، وبتصميم غريب !؟

عري الراقصة أمام الناس مقبول ، يسوّغه " الفن " !.. لو غطت سرّتها ..! وعربدة أمريكا في العالم ، ونهبها لثروات الشعوب ، وعبثها بمقدرات الدول والأمم .. كل ذلك مقبول ، تسوّغه " القوّة " أو يسوّغه " التمدن " .. لو كالت بمكيال واحد ، في تعاملها مع  (إسرائيل والسودان ) ، أو مع ( كندا وإيران ) ، أو مع ( بريطانيا وليبيا ) ، أو مع (نيويورك ومقديشو ) ..!

هل سألت النخب الكريمة نفسها هذا السؤال :

لماذا يطلب من أمريكا أن توحّد معاملتها مع الناس جميعاً ، مع خصومها وحلفائها ، ومع أنصارها وأعدائها !؟

أهي قاضٍ عالميّ ، انتخبه العالم كله ، ليعامل أفراده بالعدل والمساواة والحيدة والنزاهة !؟

وهل تقرّ النخب العربيّة لأمريكا بهذه الصفة ، صفة القاضي العالمي ؟ وإذا كانت لا تقرّ لها بهذه الصفة ، فبأي منطق إنساني ، تطلب منها أن تسوّي بين أعدائها وأصدقائها !؟

وهل هذا التركيز على ( وجوب العدالة ) في تعامل أمريكا مع أعدائها وأصدقائها .. هل هذا مما يصحح الوعي الإنساني والوطني لدى أبناء أمتنا ، أم مما يزيّفه ويفسده !؟

قد نستطيع أن ندرك بعض الأسباب ، التي تدفع تلاميذ أمريكا في بلادنا ، وأتباعها ، والخاضعين لها..إلى التعامل مع أمريكا على أنها " وليّ حميم " ! متمثلين بقول الشاعر : "كفى المرء نبلاً أن تعدّ معايبه " والعيب الوحيد لأمريكا ، هو عدم المساواة في التعامل مع الأعداء والأصدقاء ..!

قد نستطيع أن ندرك بعض الأسباب لدى هؤلاء ، التي تدفعهم إلى تزييف الوعي الإنساني والوطني لدى أبناء شعوبنا ..

فما بال الآخرين ، الذين يعرفون حقيقة أمريكا ، وحقيقة اندماجها التام في المصالح والمبادئ ، مع دولة اليهود في فلسطين ..

ما بالهم يرددون المصطلحات ذاتها ، و( يعتبون ) العتب ذاته على أمريكا الصهيونيّة ، التي تغلغل فيها النفوذ اليهودي حتى النخاع ، وحكوماتها كلها خاضعة لهذا النفوذ !؟ أهي السذاجة ، أم الغفلة ، أم مجاراة التيار ، أم الخوف من فضح حقيقة أمريكا ، العدوّ الأول والأشرس ، لكل ما هو عربي أو مسلم !؟

ترى لو سئل أحد أفراد هذه النخب " الجوقات " :

هل تعامل أخاك كما تعامل ابنك ؟ وهل تعامل ابن عمك كما تعامل أخاك ؟ وهل تعامل الغريب كما تعامل ابن عمك ؟ وهل تعامل عدوّك كما تعامل صديقك ..؟ " وكل ذلك في مجال المصالح والمشاعر ، دون أن يكون له علاقة بالقضاء والتقاضي .." .. لو سئل هذه الأسئلة، فكيف ستكون إجاباته ؟

وإذا كانت إجاباته كلها بالنفي ، فكيف يسمي مطالبته لأمريكا ،بأن تعدل بين أعدائها وأصدقائها في تعاملاتها المصلحيّة .. ومعاملات الدول كلها قائمة على المصالح -!؟ فلندع جانباً مجال القضاء والتقاضي ، ولنقرّ بأن لكل منّا آلاف المكاييل ، في تعامله مع أقاربه وأصدقائه وخصومه وأعدائه ومعارفه .. على مستوى المصالح والمشاعر والمواقف والتفضيلات ..

وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الدول .. ( ولن نتحدث عن مصطلح الدول المارقة، ومصطلح الدولة الأَولى بالرعاية ) فما معنى الثرثرة اليومية المستمرّة ، التي تصدّع الرؤوس في وسائل الإعلام ، حول ازدواجيّة المكاييل لدى أمريكا ؟

ومن المستفيد من هذه الثرثرة المضللة البائسة ؟

وإلى متى يستمر مسلسل تزييف الوعي ، لدى أبناء هذه الأمّة الكريمة ، المثخنة بطعنات المحسوبين عليها قبل طعنات أعدائها..!؟

 المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها    

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ