موقفُ
أمريكا من النِّظامِ السوري
عبد
المنعم مصطفى حليمة
"
أبو بصير الطرطوسي "
بسم الله الرحمن
الرحيم ، الحمد لله وحده،
والصلاة والسلام على من لا نبي
بعده، وبعد.
فقد كثُرَ الكلام
عن عملية التغيير للنظام الحاكم
في سورية، وعن موقف أمريكا
الضاغِط عليه .. وكثير من الناسِ
ـ فيما يُحلِّلُون ويُخمِّنون ـ
بين مُشرِّقٍ ومُغرِّبٍ .. لذا
وجدت نفسي مشدوداً لكتابة هذه
الكلمات؛ مجليَّاً فيها بعض
الحقائق ـ الظاهرة الخفية ـ حول
هذا الموضوع.
وقبل أن نتعرف على
موقف أمريكا من النظام الحاكم
في سورية .. لا بد من أن نقف ـ ولو
بشيء من الإيجاز ـ على الوضع
والظروف الآنية للنظام السوري،
وهي كالتالي:
1- على المستوى
الداخلي؛ فإن النظام الحاكم
يُعاني من عزلة كبيرة .. ومن
نفورٍ شعبي عارم؛ حيث وُضع
للنظام ـ بسبب سياساته القمعية
والمتخلفة والباطلة ـ في نفوس
الشعب السوري أقصى معاني البغض
والكره والسُّخط .. وبالتالي فإن
الشعب وآلامه وآماله في وادٍ ..
والنظام الحاكم ـ بفئته
الطائفية القليلة ـ في وادٍ آخر
.. فلا الشعب يهمه من أمر النظام
الطاغي الحاكم شيء .. مهما حلَّ
به ودارت عليه الدوائر .. والشعب
محقٌ في ذلك .. ولا النظام الحاكم
ـ الممثل بفئته الطائفية
الحاكمة ـ يهمه من مصالح الشعب
السوري شيء .. مهما كثرت معاناته
وآلامه ومشاكله .. ونظام بلا
رصيد داخلي .. ولا شعبٍ يركن إليه
عند الشدائد والمحن .. نظام ضعيف
خاوٍ .. لا يقوى على مواجهة
التحديات .. وتراه يخافُ من أي
نسمة هواء تأتي من الخارج .. مهما
انتفش وانتفخ وظهر للعيان بأنه
نظام قوي ومتماسك!
2- النظام السوري
لا تحكمه المؤسسات، ولا يقوم
على نظام مؤسساتي .. كما هو سائد
في المجتمعات المدنية المتقدمة
.. وإنما هو نظام طائفي قائم على
حكم الفرد .. تحكمه مجموعة
أفراد؛ قد لا يتجاوزون أصابع
اليد .. أكثرهم ينتمي للطائفة
النصيرية .. يزول النظام بزوالهم
.. وزوال مكاسبهم .. وأصنامهم!
3- الفساد
بكل أبعاده ومعانيه:
الأخلاقي، والإداري،
والاقتصادي، والاجتماعي،
والسياسي، والإعلامي،
والتعليمي .. من سمات وثمار
النظام الطائفي الحاكم في سورية
.. وهو منتشر بصورة تستعصي على
الإصلاح .. إذ لا ينفع معها سوى
الاستئصال .. وهذا واقع ظاهر
يعرفه الجميع .. ويُقر به الجميع
.. لا يحتاج منا إلى استدلال أو
ذكر للبراهين .. نسوِّد بها
الصفحات ..
ونؤذي بها أعين
القرَّاء!
4- الجيش السوري ..
مُهمَل وضعيف .. وفقير .. وذليل ..
فاقد للروح القتالية الفعَّالة
.. لا يقوى على أي مواجهة خارجية
.. مُربى تربية طائفية وبعثية
ومبرمج عليها .. مهمته الأساسية
بل والوحيدة .. حماية الطاغوت
الحاكم ونظامه .. وحزب البعث ..
ومكاسب الطائفة النصيرية
الحاكمة التي حققتها ـ بالسطو
والسوط والنهب ـ طيلة فترة
حكمها لسورية .. الممتدة لأكثر
من أربعة عقود!
فهو جيش خامِلٌ
مُهمَل الإعداد والتدريب .. إلا
كيف يُروِّع الآمنين .. وكيف
ينقضُّ على الشعب السوري
المقهور ـ المحكوم بالحديد
والنار ـ إذا
ما بدا منه أيُّ تذمِّرٍ أو
اعتراضٍ على سياط الجلاد .. فهذا
يتقنه وبكل جدارة وهِمَّة ـ كما
فعل في مجزرة حماه وتدمر
وغيرهما ـ هذه رسالة الجيش وهذه
غايته من الوجود .. وللأسف!!
5- لا يَقدرُ
النظام الطائفي الحاكم على
إجراء أية مُصالحة جادة وفاعلة
وصادقة مع الشعب السوري؛ لأنّ
مصالحة النظام لشعبه ـ المقهور
والمغلوب ـ تعني خسران مكاسب
الطائفة النصيرية الحاكمة ..
وخسران مكاسب حزب البعث المنبوذ
.. وخسران مكاسب العناصر الحاكمة
المتنفِّذة .. التي اكتسبتها ـ
خلال عدة عقود ـ على حين غفلة من
رقابة الشعوب .. وهذه خطوط حمراء
لا يُمكن للنظام الحاكم أن
يتهاون بها أو يتجاوزها .. وعلى
دُعاة الإصلاح أن يفهموا ذلك!!
لذلك فالنظام
السوري .. يستحلي ويَستعذِب .. كل
ذلٍّ وانبطاح للقوى الخارجية ..
ودفع كل ضريبة ـ مهما كانت
باهظةً ومُكلِفَةً ـ تُطلَب منه
من قبل المجتمع الدولي .. مقابل
أن يُحافظ على مكاسبه الآنفة
الذكر .. ومُقابل أن لا يُجري تلك
المصالحة والمصارحة مع شعبه
المقهور .. والتي تعني فقدان
المكاسب الآنفة الذكر!!
6- يقوم النظام
الحاكم ـ ومنذ أربعة عقود ـ بكل
جد وإخلاص، بدور كلب الحراسة
الوفي على حدود دولة الصهاينة
اليهود .. يحرس أمنها وشعبها
ومصالحها من سهام المجاهدين ..
والشعوب الراغبة في الثأر
لفلسطين .. وتحرير فلسطين ..
فطيلة فترة حكم البعث لم
تُسجَّل حالة اختراق أو تسلل
واحدة ضد قوات الصهاينة اليهود
عبر الحدود السورية الفلسطينية
.. وهذه خاصية ينبغي أن تُذكَر
عند الحديث عن موقف أمريكا من
النظام السوري!
7- يقوم النظام
السوري الحاكم بكل جد وإخلاص
بعرض خدماته المجانية لأمريكا
في حملتها المزعومة ضد الإرهاب
.. كما أنه يقوم بحراسة الحدود
العراقية السورية بكل ما أوتي
من قوة وإمكانيات؛ حرصاً منه
على حراسة الحدود، ومنع أي تسلل
للمجاهدين عبر حدودها للأراضي
العراقية .. واعتقال النظام
لمئات من الشباب العرب المتواجد
على الأراضي السورية ولأدنى
شبهة، ومن ثم تسليمهم إلى
بلدانهم .. لهو أمر معلوم للجميع
.. وهذه خاصية ينبغي أن تُذكَر
كذلك عند الحديث عن موقف أمريكا
من النظام السوري!
8- معاناة النظام
الحاكم ـ لأسباب عدة ـ من عِزلة
عربية ودولية قاتلة، تزيده
وهناً على وهن .. وضَعفاً على
ضَعف!
هذا الوضع
والواقع للنظام السوري تعرفه
أمريكا جيداً .. وربما تعرف أكثر
منه .. وعلى ضوء معرفتها هذه
بواقع النظام السوري .. فهي
تُحدد موقفها، وتتعامل معه!
فما هو موقفها من
النظام السوري ..؟!
قبل أن نجيب عن
هذا السؤال .. ولكي نتعرف على
الموقف الأمريكي جيداً من
النظام السوري .. لا بد من أن
نسلط الضوء ـ بعض الشيء ـ على
العقلية والسياسة التي تحكم
أمريكا في تعاملها مع الآخرين،
وذلك من خلال النقاط التالية:
1- أمريكا ـ بحكم
قوتها العسكرية، وشعورها كأقوى
دولة في العالم ـ ذات نفوذ
وأطماع توسعية واستعمارية لا
تقف عند حد؛ فهي تتدخل في كل شيء
.. ولو استطاعت أن تبني في كل
دولة قواعد عسكرية لها ـ تهدد
بها من يعترضها أو يُنكر عليها
سياساتها أو لا يدخل في حلفها ـ
لما قصَّرت ولا ترددت!
2-
الذي يُحدد السياسة
الخارجية لأمريكا هي مصالحها
الذاتية والمنتشرة في أنحاء
العالم، ومصلحة دولة الصهاينة
اليهود في فلسطين؛ فهي ـ مقابل
تحقيق مصالحها ومصالح دولة
الصهاينة ـ على استعداد أن
تتحالف وتضع يدها مع الأنظمة
الطاغية الديكتاتورية، وأن
تدعم الطغاة المتسلطين على رقاب
شعوبهم بالحديد والنار .. وأن
تتجاهل مصالح ورغبات وتطلعات
الشعوب المقهورة والمغلوبة ..
وما أكثر الأمثلة والشواهد
الدالة على ذلك لو أردنا
الاستدلال!
فأمريكا التي
تتظاهر بعدائها للنظام السوري ـ
هذه الأيام ـ هي أول من أرسلت
وزيرة خارجيتها السابقة "
مادلين أولبرايت "، ومعها زير
خارجية بريطانيا، وولي العهد
السعودي .. يوم هلاك الأسد الأب ..
ليجددوا لنظامه الولاء ..
وليقولوا وبكل وضوح للأسد الابن
نحن معك، ومع نظامك الفاشي، رغم
ديكتاتورية أبيك .. ودكتاتورية
نظامك .. ورغم ما ارتكبتموه من
مجازر جماعية بحق الشعب السوري!
فأمريكا لا يمكن
أن تقف مع الشعوب إذا كان موقفها
مع الشعوب ضد الطغاة
الديكتاتوريين سيكون على حساب
مصالحها وأطماعها وسياساتها
التوسعية الآنفة الذكر .. كما
أنها لا يمكن أن تقبل
بديمقراطية ـ في أي دولة من
الدول ـ لا تصب تلك الديمقراطية
في خدمتها وخدمة مصالحها
وأطماعها وأهدافها التوسعية في
المنطقة .. أو تأتي ـ هذه
الديمقراطية ـ بعناصر واتجاهات
لا تروق لأمريكا، ولا تعمل على
تنفيذ مخططاتها .. وما أكثر
الشواهد الدالة على ذلك لو
أردنا التوسع والاستطراد!
3- رغم قوة أمريكا
العسكرية، وشعورها بأنها أقوى
دولة في العالم؛ إلا أنها تحب أن
تسبح في المياه السهلة التي لا
يكلفها العوم فيها كثيراً، وهي
قبل أن تُمارس أي ضغط على أي
نظام آخر تنظر إلى مدى قوته
وتماسكه، وحجم ردة الفعل عنده
لو هاجمته؛ فإن وجدته ضعيفاً
يسهل السطو عليه، تجرأت عليه ..
وزأرت بوجهه .. واستعرضت قوتها ..
ورفعت ضده أقصى درجات التهديد
والتدخل في شؤونه الداخلية ..
كما فعلت مع نظام البعث
العراقي، ومن قبله نظام دولة
الطالبان في أفغانستان .. واليوم
تمارس نفس الضغوط والأسلوب مع
النظام السوري المريض ..
والمتآكل!
أما إن وجدت ذلك
النظام التي تريد أن تمارس
الضغوط ضده قوياً ومتماسكاً،
وردة فعله ستكون عنيفة لو صعدت
من ضغطها أو لهجتها ضده .. اتخذت
معه أقصى درجات الحيطة
والدبلوماسية .. بعيداً عن أي
تصعيد عسكري، كما هو موقفها من
الصين الشيوعية الديكتاتورية،
ومن كوريا الشمالية الشيوعية
الديكتاتورية؛ لامتلاك
الدولتين على أسلحة ردع نووي ..!
4- من أهداف
السياسة الخارجية الأمريكية
الرئيسية، الوقوف ـ وبكل ما
أوتيت من قوة ومكر ودهاء .. ومهما
كانت التكاليف والتضحيات ـ ضد
أي عمل أو مشروع إسلامي ـ في أي
بقعة من بقاع الأرض ـ يهدف إلى
قيام دولة إسلامية تحكم
بالإسلام، أو استئناف قيام
خلافة إسلامية راشدة غير منحازة
إلى شرق ولا غرب .. وإن كانت هذه
الدولة مطلباً أجمعت عليه
الشعوب والجماهير!
هذه أبرز معالم
السياسة الخارجية الأمريكية ..
فإن عُلم ذلك، نأتي إلى الجواب
عن السؤال الذي كتبنا هذا
المقال لأجله: ما هو موقف أمريكا
الحالي من النظام السوري .. وهل
هي فعلاً جادة في الخلاص منه،
وتريد تغييره واستبداله بنظام
آخر؟!
الجواب: فهي تريد
ولا تريد .. وترغب بتغييره ولا
ترغب .. كيف؟!
فهي تريد وترغب
بتغييره للأسباب التالية:
1- نظام البعث
الحاكم في سورية امتداد لنفس
ديكتاتورية ومنهجية نظام البعث
البائد في العراق؛ فالذي يزعم
عدم رضاه بديكتاتورية نظام
البعث العراقي، ويغزو العراق من
أجل ذلك ـ كما يزعمون! ـ لا يمكن
أن يتظاهر برضاه بديكتاتورية
نظام البعث السوري، وبخاصة أن
نظام البعث السوري أشد ظلماً
وطغياناً، وإجراماً، وطائفية،
وديكتاتورية من النظام البعثي
العراقي ..!
2- رغم استعداد
النظام السوري على التعاون
الكامل مع أمريكا .. في حربها ضد
الإرهاب ـ زعموا! ـ وغزوها
للعراق .. وغير ذلك من المجالات ..
كما ظهر في توصيات مؤتمر حزب
البعث الأخير؛ حيث أوصى بضرورة
توسيع وتكثيف الاتصالات مع
الإدارة الأمريكية الحالية ..
ودخولها في ذلك عملياً كما
تقدمت الإشارة إلى ذلك .. إلا أن
النظام السوري لم يعد يلبي
حاجيات وطموحات الدولة
الأمريكية في المنطقة، وبخاصة
بعد غزوها واحتلالها لأرض
العراق!
3- نظام الحكم في
سورية .. نظام متلون وذو أوجه،
يتقن النفاق والابتزاز؛ فهو من
جهة ـ وحتى لا يفقد مطلق
مصداقيته ـ تراه يرفع شعاراته
القديمة الجوفاء: الوطنية
والبعثية والقومية ضد
الاستعمار المحتل .. وأن مقاومة
المحتل حق مشروع .. ومن جهة أخرى
تراه يدخل في موالاة هذا
المستعمر المحتل، وفي
ونصرته، ويمد له يد العون ..
ويحرسه .. ويضرب هذه المقاومة
المشروعة .. وأمريكا لم يعد
يعجبها هذا التلون .. وهذا
النفاق، فقد صرحت على لسان
رئيسها مراراً: إما أن تكون معي
ومع أهدافي ظاهراً وباطناً،
وإما أن تكون ضدي، وكل من لم يكن
معي ولم يدخل في حلفي صراحة، فهو
ضدي .. وهو هدف من أهدافي!
فسورية دولة
متاخمة للعراق .. وهي تستطيع ـ لو
صدقت في المقاومة ودعم المقاومة
ـ أن تعكر استقرار وصفو الغزاة
الأمريكان في العراق .. وتخرِّب
عليهم أهدافهم ومشاريعهم
الاستعمارية الضخمة التي جاءوا
من أجلها .. وهذا ما يُخيف أمريكا
ومن معها من الغزاة .. لذا فهي
ترغب بنظام يحكم سورية يكون
أكثر وضوحاً .. وأكثر طواعية لها
على مصالحها وأهدافها في العراق
والمنطقة كلها!
4- تقاطع المصالح
الطائفية للنظام السوري في
لبنان، والداعمة لحزب الله
الشيعي الموالي لإيران .. والذي
يعمل لصالح إيران .. مع مصالح
أمريكا، وربيبتها دولة بني
صهيون .. وهذا لا يمكن أن تقبل به
أمريكا!
5- النظام السوري
نظام منبوذ .. وضعيف بكل ما تعني
هذا الكلمة من معنى .. قد انتهى
بريقه .. وانتهى دوره .. وهو في
مرحلة الشيخوخة رغم صغر سن
حاكمه .. وهذا ما يشجع أمريكا على
أن تُمارس ضده سياسة الاستقواء
والبلطجة كما تقدم .. ولا
يُستبعد أن تقوم ضده بعمليات
جزئية محدودة يحمله على مزيد من
الانبطاح والتنازلات، والعمالة!
6- سقوط النظام
السوري مطلب شعبي وجماهري .. وقد
ازداد وقوي هذا المطلب ..
للأسباب الآنفة الذكر .. وأمريكا
تخشى أن يأتي هذا التغيير عن غير
طريقها .. ومن دون سابق ترتيب
معها .. فتفقد حينئذٍ الهيمنة
على القديم والجديد .. فيحصل
المكروه والخيار الأسوأ
لأمريكا، ولربيبتها إسرائيل،
وهذا ما لا تريده .. لذا فهي ترغب
بأن يأتي التغيير عن طريقها،
وبعد الترتيب معها، والاتفاق
على المغانم والمصالح،
والسياسات!!
7- تفكيك وإضعاف
الجبهة الطائفية ـ رغم عمالتها
ـ الإيرانية السورية .. فأمريكا
لا ترضى بعميل قوي، قد يهدد بعض
مصالحها وسياساتها ـ في العراق
والمنطقة ـ في مرحلة من مراحل
التمرد والاستعصاء!
لأجل هذه الأسباب
مجتمعة فأمريكا تريد وترغب
بتغيير النظام السوري!
أمَّا أنها لا
تريد ولا ترغب بتغييره،
فللأسباب التالية:
1- فهي إلى الساعة
لم تُعدِّ البديل الأنسب لها ..
فتخشى أن تستعجل بإزالته
وتغييره .. فيأتي من لا تريد
مجيئه .. أو لا يُحقق لها مصالحها
بصورة أفضل من النظام الحالي!
لذا فأمريكا
أعلنت منذ أشهرٍ عن رغبتها في
الاتصال بالمعارضة السورية بكل
أطيافها، بما في ذلك الاتجاه
الإسلامي المعتدل ـ كما يسمونه!
ـ الممثل في الإخوان المسلمين ..
من أجل إعداد البديل المناسب
لها ولسياساتها في المنطقة ..
والذي يمكن أن يحكم كبديل عن
النظام الحاكم في سورية!
2- النظام السوري ـ
كما تقدم ـ ليس شراً محضاً
لأمريكا ولسياساتها في المنطقة
.. بل هو يحقق لها كثيراً من
المصالح والمكاسب .. وهي تخشى أن
تستعجل زواله فتزول معه تلك
المصالح والمكاسب!
3- خشيتها من أن
يكون البديل عن النظام الحاكم
الحالي هو النظام الإسلامي؛
وبخاصة أن شعب سورية غالبيته
ينتمي للطائفة السنية، ويطوق
لأن يُحكَم بالإسلام .. وهذا
مالا يمكن أن ترضى به أمريكا!
4- النظام السوري
النصيري .. عدو شرس للإسلام
والمسلمين .. ولفكرة قيام دولة
إسلامية على ثرى الشام .. وهذا
وصف ترضاه أمريكا من النظام
الحاكم، وهو يلتقي مع سياساتها
وأهدافها وتوجهاتها في المنطقة!
5- خشيتها من أن
تستعجل زواله وتغييره .. فتظهر
ضدها مقاومة إسلامية شرسة
كالمقاومة الموجودة الآن في
العراق .. يصعب السيطرة عليها ..
وبخاصة أن سورية على حدود
فلسطين .. وهذا ما تخشاه أمريكا
ولا تريده أن يحصل ويتكرر!
هذه أهم الأسباب
التي تجعل أمريكا تتردد في
العمل على تغيير النظام وإزالته
.. وتتذبذب في تصريحاتها نحوه ..
وهي في حقيقتها تتنازعها
الأسباب الداعية لإزالته،
والأسباب الداعية للبقاء عليه ..
ولم تحسم أمرها على خيار منهما
بعد .. لكن أعتقد لو أن أمريكا
استطاعت أن تجد البديل القوي،
والأنسب لها .. الذي يستطيع أن
يحمي لها مصالحها ومصالح الدولة
العبرية في المنطقة .. ويسهر على
حمايتها بصورة أفضل من النظام
الحالي .. فإن أمريكا لن تتردد
لحظة في العمل على تغييره؛
وحينئذٍ سترجح الكفة لصالح
الأسباب الداعية لتغيير النظام
وإزالته، على الأسباب المانعة
من ذلك .. وهي إلى أن تجد ذلك
البديل ستمارس مزيداً من الضغوط
على النظام المريض .. لتحظى منه
على مزيدٍ من العمالة
والتنازلات!
هذا هو موقف
أمريكا .. فما هو الموقف الذي
ينبغي أن يقفه الشعب السوري
المسلم من هذه الطغمة الحاكمة
المجرمة .. هل ينتظر أمريكا إلى
أن تقتنع بإزالة ذلك النظام
الطاغي الفاسد، لتستبدله بنظام
طاغٍ فاسد آخر .. يهتم بمصالح
ومخططات أمريكا في المنطقة أكثر
مما يهتم بمصالح شعبه وبلده ..
كما حصل ولا يزال يحصل في
العراق؟!
أقول: جميع الأدلة
النقليَّةِ والعقلية توجب على
الشعب السوري المسلم بأن ينتفض
في وجوه تلك الطغمة الحاكمة
الظالمة .. ويُعلن الخروج عليها
وعلى نظامها الطائفي الفاسد ..
ويتحرر من الخوف والجبن .. وأن
يسترد حريته وحقوقه المسلوبة
بيده لا بيد غيره!
الاستعانة بالغير
الأجنبي ـ سواء كان هذا الغير
أمريكا أو غيرها ـ يعني أن هذا
الغير من حقه أن يتدخل في سياسات
وشؤون البلاد والعباد .. وفي
مستقبلها وسياساتها .. وأنظمة
حكمها ـ كما حصل ويحصل في العراق
وأفغانستان وغيرهما ـ ويعني أن
الاستقلال والتحرر من هيمنة
الطغاة الظالمين سيكون منقوصاً
ومجتزءاً .. لا طعم له ولا رائحة
.. وهذا مالا نرضاه ولا نقبله
لأهلنا وشعبنا في سورية
الأبيَّة!
الحرُّ لا يجعل
دينه .. وأهله .. ورقبته .. وقراره
.. وبلده وخيراتها .. رهينة عند
المستعمر الكافر الأجنبي ..
يتصرف بها كيفما يشاء!
كفانا استجداءً
وفراراً من ظلمٍ إلى ظلم .. ومن
طاغوت إلى طاغوت .. ومن كفرٍ إلى
كفر، ومن لصٍّ إلى لص .. ومن حِلف
إلى حِلف .. وكأنَّ الأمة مُصابة
بالشلل .. عاجزة عن استرداد
حقوقها بيدها!
وفي الحديث، فقد
صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه
وسلم أنه قال:" لا أستعين
بمشركٍ على مشرك ".
أيها الناس .. أيها
المسلمون: قد ذهب الكلُّ؛
الدينُ، والعِرضُ، والمال،
والولد، والعزة، والكرامة،
والوطن .. فلم يُبقِ النظامُ
الطاغي لكم شيئاً يعزُّ عليكم
إلا وقد سلبكم إياه وأنتم
كارهون .. فماذا تخافون .. وتخشون
فواته لو انتفضتم في وجوه
الطغاة المجرمين .. ونظامه .. وقد
فقدتم كلَّ شيء؟!
جرَّبتُم ضريبة
الذل .. والركون للظالمين ..
فكانت مُراً علقماً .. فجربوا
ضريبة العزة والكرامة .. والثأر
للحق .. فستجدونها ـ على شدتها
بإذن الله ـ حلوة المذاق ..
وحلوَة المآل .. وإني والله لكم
من النَّاصحين.
في الخروج على
الطغاة المجرمين الظالمين
الكافرين، أنتم في خيارين لا
ثالث لهما، وكلاهما خير: إما
نصرٌ وعز وسؤدد ومجد في الحياة
الدنيا، وإما شهادة في سبيل
الله .. بينما في الركون إلى
الطغاة المجرمين وأنظمتهم
فأنتم تتقلبون في عشرات
الخيارات؛ كلها تُفضي إلى الذل،
والقهر، والفقر، والضياع،
والضلال!
أذكركم بقوله صلى
الله عليه وسلم:" سيدُ
الشهداء حمزةُ بن عبد المطلب،
ورجلٌ قامَ إلى إمامٍ جائرٍ
فأمرَه ونهاهُ فقتله ".
وقال صلى الله
عليه وسلم:" إذا تبايعتم
بالعِينة، وأخذتم أذنابَ
البقر، ورضيتُم بالزَّرعِ،
وتركتُم الجهادَ، سلَّط اللهُ
عليكُم ذلاً لا ينزعُه عنكُم
حتى ترجعوا إلى دينكم ".
وقال صلى الله
عليه وسلم:" إذا رأيتُم أمتي
تهابُ الظالمَ أن تقولَ له: أنت
ظالمٌ؛ فقد تُودِّعَ منهم ".
وإنِّي أُعيذُك يا شامُ أن
يُتوَدَّعَ منكِ ..!
www.abubaseer.bizland.com
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|