وصفة
أمريكية
لهجوم
إسرائيلي على غزة
أ.د.
محمد اسحق الريفي
بارك
الرئيس الأمريكي بوش الهجوم
الإسرائيلي على غزة وقدم وصفة
لعصابات الاحتلال لتتمكن
بمقتضاها من تنفيذ مهامها
الإجرامية دون أن يتعرض الكيان
الصهيوني للانتقادات الساخطة
على ممارساته الإجرامية. ويهدف
بوش من وصفته الغبية إضفاء
إنسانية كاذبة على مواقف إدارته
الداعمة للهجوم الإرهابي، ومنح
جيش الاحتلال ذرائع للاعتداء
على الشعب الفلسطيني، والإطاحة
بالحكومة الفلسطينية التي
استعصت على كل محاولات عزلها
وتقويضها وانتزاع شرعيتها،
وإجهاض المشروع الفلسطيني
للإصلاح والتغيير والاستقلال
والتحرير.
أعطت
وصفة بوش الضوء الأخضر للاحتلال
الصهيوني للاعتداء الشامل على
الشعب الفلسطيني بشروط تتناقض
مع حقيقة ما يجري على الأرض
الفلسطينية من ممارسات إجرامية
للاحتلال، وتتمثل تلك الشروط
الزائفة في: عدم تدمير البنية
التحتية الفلسطينية، وتجنيب
المدنيين الفلسطينيين الأذى،
وضمان سلامة حياة رئيس السلطة
الوطنية الفلسطينية.
والهدف الأمريكي من وراء
الإعلان عن هذه الشروط مكشوف
ومفضوح، وهي تسمح للاحتلال
ارتكاب جرائم حرب ضد شعبنا
الفلسطيني بمباركة وتغطية
أمريكية، ويتزامن الإعلان عن
الشروط التي تتضمنها تلك الوصفة
مع بدء جيش الاحتلال الغاشم في
تدمير مقومات الحياة في المجتمع
الفلسطيني وقتل الفلسطينيين
وترويعهم وإرهابهم.
لذلك
ما جاءت هذه الشروط الأمريكية
إلا لذر الرماد في العيون
وتهدئة الشارع العربي
والإسلامي الذي بدأ في تحركات
شعبية، للتعبير عن الغضب الشديد
على العدوان الصهيوني الهمجي
والاستنكار الشديد للصمت
الدولي المريب أزاء هذا
العدوان، وإن كانت تلك التحركات
لا ترقى إلى مستوى التهديد
الصهيوني وإجرامه ضد شعبنا
الفلسطيني، ولا تكفي للضغط على
الولايات المتحدة الأمريكية
والدول الداعمة للمشروع
الصهيوني للعدول عن مواقفها
الجائرة، ولكنها خطوة صحيحة
ومطلوبة من الجماهير العربية
والإسلامية.
لقد
اختزلت الولايات المتحدة
الأمريكية وحلفاؤها الأزمة
الحالية في قضية أسر الجندي
الصهيوني، وتجاهلت المعاناة
الطويلة والمريرة للشعب
الفلسطيني الناتجة من الاحتلال
الصهيوني الغاشم وممارساته
الإجرامية، وجعلت مصير الشعب
الفلسطيني بأكمله مرهوناً
بحياة ذلك الجندي الأسير الذي
ينتمي إلى أكبر تنظيم إرهابي في
العالم هو "الجيش الإسرائيلي"،
وبررت العدوان على شعبنا وتدمير
حكومته ومؤسساته المدنية
ومفاصل الحياة في المجتمع
الفلسطيني بأسر ذلك الجندي
القاتل.
إن
تظاهر الأمريكيين بالدعوة
الزائفة إلى الحرص على حياة
الفلسطينيين والحفاظ على
البنية التحتية الفلسطينية
يهدف إلى خداع العالم بحقيقة
نوايا الاحتلال الذي يقوم
بتدمير منهجي استراتيجي للبنية
التحتية الفلسطينية ومقومات
الحياة في المجتمع الفلسطيني،
ويسحق كل محاولات النهوض
بالاقتصاد الفلسطيني الذي
يعاني من تسلط الاحتلال وهيمنته
منذ عشرات السنين، ويحبط أمل
الجيل الفلسطيني الناشئ بأي
استقرار أو حياة حرة وكريمة،
ويحرم الشعب الفلسطيني من حقه
المشروع في استخدام ما تختزنه
أرضه من مياه.
لقد
قام الاحتلال الغاشم، بالإضافة
إلى تدمير محطة توليد الكهرباء
الذي أدى إلى انقطاع التيار
الكهربائي معظم ساعات اليوم عن
كافة مناطق قطاع غزة، إلى هدم
عدد من آبار المياه في جنوب
القطاع وتدمير مضخات المياه،
ووقف إمدادات الوقود اللازم
لتشغيلها، بينما تستمر مضخاته
بنهب مياه قطاع غزة وضخها إلى
المستوطنات والمدن الصهيونية،
إضافة لقيامه بتجريف مساحات
واسعة من الأراضي الزراعية
الفلسطينية بوتيرة منتظمة
ومتصاعدة.
إن
تلك الوصفة الأمريكية تمنح كيان
الاحتلال تغطية لسياسة العقاب
الجماعي التي ينتهجها ضد الشعب
الفلسطيني لترويع الأطفال
والنساء والمسنين والمرضى،
فالغارات الحقيقية والوهمية
التي تشنها المقاتلات
الصهيونية، والاختراق المتعمد
والمتكرر لحاجز الصوت فوق
رؤسنا، والقصف المدفعي
العشوائي المستمر للأراضي
الفلسطينية، وما تقوم به طائرات
الاستطلاع والمروحيات
الصهيونية من قصف وخراب ودمار،
لم تسلم منه الجامعة الإسلامية
بغزة ومدرسة دار الأرقم
النموذجية، يأتي ضمن سياسة
العقاب الجماعي التي ينتهجها
الاحتلال ضد شعبنا الفلسطيني. إن
التغطية الأمريكية على هذه
السياسة الوحشية جريمة نكراء
يشترك فيها المجتمع الدولي
برمته، بصمته وتواطئه وتجاهله
لمعاناة شعبنا الفلسطيني
المستمرة منذ نحو ستة عقود.
لقد
فرقت الوصفة الأمريكية الغبية
بين المدنيين والمقاومين
الفلسطينيين تفريقاً يبيح
للاحتلال قتل من هبوا للدفاع عن
شعبهم وأرضهم في وجه هجمته
الشرسة التي لا تفرق بين أبناء
شعبنا الفلسطيني ولا تتجنب قتل
المدنيين ولا تتورع عن التسبب
في مآسيهم ومعاناتهم المستمرة.
وهذا ما يسعى إليه
الأمريكيون في كل بلادنا
العربية والإسلامية من عزل
للمقاومة وسحقها، ليتسنى
للأمريكيين والصهاينة الهيمنة
على شعوبنا واحتلال بلادنا دون
إلحاق الخسائر الفادحة في
صفوفهم، ولكن هذا محال فشعوبنا
تدرك أن المقاومة هي سبيلها
الوحيد لصد الهجمة الأمريكية
الصهيونية على بلادنا ولتكبيد
المعتدين ثمناً باهظاً في المال
والعتاد والأنفس، إلى أن
يندحروا عنا ويدعوننا وشأننا.
وهنا
يحق لشعبنا الفلسطيني وكل
الشعوب العربية والإسلامية أن
تتساءل عن سبب تمسك الدول
الغربية بمواقفها الجائرة
ودعمها للمشروع الصهيوني الذي
لا يكف عن ارتكاب كل أنواع
الجرائم ضد شعبنا الفلسطيني،
رغم تظاهر تلك الدول بحرصها على
إحلال السلام في المنطقة، فهذه
الدول تقدم لكيان الاحتلال
الصهيوني السلاح والعتاد
والجنود، وتدعمه اقتصادياً
وسياسياً ودبلوماسياً، وتوفر
له تغطية دولية لجرائمه
المستمرة. ومن
الملاحظ بوضوح أن الدعم الغربي
للكيان الصهيوني يزداد كماً
ونوعاً كلما أمعن في عدوانه
وجرائمه ضد شعبنا الفلسطيني،
وكلما حاول اقترب شعبنا من
تحقيق أهدافه وتحرير أرضه ونيل
حقوقه.
ومع
اشتداد الهمجية الصهيونية ضد
شعبنا، في هذا الوقت، تسمح
الحكومة الألمانية بتزويد
الكيان الصهيوني بدباباتها
المتطورة من نوع "دينغو 2"
مبرهنة بذلك على العلاقة
العضوية بين المشروع الصهيوني
والغرب الداعم له.
كما أن إصرار الدول الغربية
وما يسمى بالمجتمع الدولي
وحلفاء واشنطن من العرب على
تجاهل معاناة الأسرى
الفلسطينيين وحقهم في الحرية
والحياة الكريمة، وجعل عملية
إطلاق سراح الجندي الصهيوني
الفرنسي مفتاحاً لحل للأزمة
الراهنة، لهو دليل على ظلم هذه
الدول لشعبنا وتحيزها الكامل
للاحتلال الصهيوني وكيانه غير
الشرعي.
إن
الاحتلال الصهيوني الإجراي هو
المصدر الحقيقي للأزمة الراهنة
التي أزعجت الولايات المتحدة
الأمريكية وحلفاءها، وذلك بما
يمارسه هذا الاحتلال من همجية
تتمثل في الاغتيال الغادر
والخطف الجبان، والاعتقال
الوحشي، والحصار الظالم الذي
حول قطاع غزة إلى أكبر سجن في
العالم يرتكب فيه الاحتلال
جرائمه الوحشية متلذذاً
بالمعاناة التي يسببها لشعبنا
الفلسطيني.
إن استمرار الاحتلال
الصهيوني لفلسطين هو أكبر جريمة
يقترفها المجتمع الدولي بحق
شعبنا المرابط، والاحتلال هو أم
الإرهاب وأصله وسببه، ورغم كل
ذلك تأبى الدول الداعمة
للاحتلال إلا أن تتمادى في
ظلمها واستكبارها وغطرستها
ودعمها لعصابات المجرمين من
القتلة والسفاحين اليهود
والصهاينة.
ومما
يثير الدهشة والاستغراب أن يحتج
الأمريكيون والغربيون على
ازدراء شعوبنا لصورتهم القذرة
التي تكشفت وتعرت للجميع، وقد
عبر عن ذلك الاحتجاج السيناتور
الأمريكي جون دانفورث عندما
تساءل عن سبب تكوين تلك الصورة
السيئة، لدى شعوبنا العربية
والإسلامية، عن أنانية الغرب
وغطرسته وعنفه قائلاً: "من
أين جاؤوا بتلك المفاهيم؟ وكيف
وصل إليهم ذلك؟ ربما من مشاهدة
التلفزيون، لا أدري!!". إن
ثقافة الغطرسة والاستكبار
والنزعة الشريرة لدى
الأمريكيين قد أعمتهمم عن إدراك
الحقيقة، وجعلتهم يعللون وجود
تلك الصورة السيئة عن بلادهم
لدى شعوبنا بكرهه شعوبنا للقيم
الغربية وليس بعدوان الغربيين
على شعوبنا وبلادنا. ونحن
نتساءل هنا: هل يحق للغربيين أن
يحتلوا بلادنا ويقتلوا شعوبنا
بسبب كرهنا لقيمهم؟! ولماذا
يدفن الأمريكيون والغربيون
رؤوسهم في الوحل والطين عند
الحديث عن سياساتهم المعادية
لشعوبنا وبلادنا واعتداءاتهم
المستمرة علينا؟!
ومهما
حاول بوش كاذباً أن يظهر حرص
إدارته على حياة المدنيين
الفلسطينيين والبنية التحتية
الفلسطينية فلن يغير ذلك شيئاً
من حقيقة الممارسات الأمريكية
الإجرامية، وربما أعمى بوش كذبه
عن رؤية محاصرته للشعب
الفلسطينيين وحكومته سياسياً
واقتصادياً، وربما أعماه
استكبار إدارته عن رؤية الجرائم
الوحشية والهمجية التي يرتكبها
جيش الاحتلال الأمريكي في
العراق وأفغانستان، فقد دمر جيش
الاحتلال الأمريكي البنية
التحتية لكل من العراق
وأفغانستان، وقتل مئات آلاف
المدنيين العراقيين والأفغان،
ودمر معالم الحضارة ومقومات
الحياة الحرة والكريمة في
العراق وأفغانستان.
لقد
برهن بوش على نفاق إدارته
وكذبها وغطرستها .. إذ كيف ينهى
بوش الاحتلال الصهيوني عن
ارتكاب جرائم يقترفها جيشه
المجرم في كل وقت وحين!!
لقد آن الأوان لشعوبنا أن
تعترف بعداء الأمريكيين
والغربيين لنا، وعندها يتوجب
على شعوبنا أن ترجم الصامتين
على جرائم حكوماتهم ضد شعوبنا
والمشاركين فيها أينما حلوا رجم
الحجيج لإبليس، وقد آن لشعوبنا
أن تبادر بالحركة وفق
استراتيجية واضحة غير منتظرين
لتوجيهات أحد، فحركة شعوبنا
كفيلة بردع عدوان الأمريكيين
والصهاينة المجرمين.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|