منع
النشر على "الهوية" ...
قراءة
في بعض المواقع الإلكترونية
الطاهر
إبراهيم*
عندما كان يقال بأن
صحيفة ما رفضت نشر مقال ما لكاتب
ما، كان أول ما يتبادر للذهن أن
هذا المقال ربما تجاوز بعض
الخطوط الحمر لهذه الصحيفة أو
تلك، أو الخطوط الحمر لأنظمة
تدين لها تلك الصحيفة بالولاء.
ويبقى رفض نشر مقال لأنه تجاوز
خطوطا حمرا قضية فيها نظر. إذ أن
وسائل الإعلام بصورة عامة
والصحف الورقية بصورة خاصة ليس
مطلوبا منها أن تكون هيئات
إغاثة تؤوي عابري السبيل ،دون
النظر إلى انتماءاتهم أو حتى
إلى أديانهم، إذ مناط وظيفة
هيئة الإغاثة هو مجرد تقديم
المساعدة من دون النظر إلىجنس
أو لون أو حتى ديانة من تقدم له
المساعدة.
ولكن يبقى المرفوض
في أدبيات النشر أن تكون
اللافتة الإعلانية لمطبوعة ما
،ورقية أو غير ورقية، تتكلم عن
التزامها بالرأي والرأي الآخر،
ثم هي تفسح المجال لمقالات
معينة وتحجب أخرى، وقد تكون
المحجوبة صالحة للنشر أكثر من
التي تم نشرها. في هذا المقال
سوف أعالج ما أسميته رفض النشر
"على الهوية" تذكيرا بما
كان يتم من قتلٍ على الهوية في
لبنان في سبعينيات وثمانينيات
القرن الماضي، وما يتم من قتل
على الهوية المذهبية في العراق
في أيامنا العجاف. وحتى لاأبقى
في عالم الترميز سوف أضرب أمثلة
وأحدد أسماء حيث يحسن التحديد،
وألجأ إلى الترميز والإشارة،
حيث يكون مفهوما ما نريد من
سياقات الحديث ومنطوق العبارة.
قبل ثلاث سنوات
فاجأنا الإعلامي السوري
"أيمن عبد النور" بإصدار
مطبوعته الإلكترونية "كلنا
شركاء" في الوطن. وكانت
المفاجأة أنه فتح هذه المطبوعة
لكتابات السوريين من دون النظر
إلى انتمائهم السياسي، مع أنها
تصدر من داخل سورية. وقد وجهت لي
الدعوة في حينها، كما لكثيرين
غيري، وكتبت وكتب غيري، وجرت
مناظرات مع كتاب يكتبون من داخل
سورية وخارجها، كما تناولت بعض
السلبيات التي كانت تحدث في
سورية في ظل حكم حزب البعث، كان
منها مقال "المواطن السوري
وثقافة النسب والأرقام"،
وطبعا كان المقال يشير إلى نسب
وأرقام سلبية نجمت عن احتكار
الحزب للسلطة. وفوجئت أن "عبد
النور" فتح ما ورد في المقال
من نسب وأرقام للمناقشة. غير أن
الذي حدث بعدها بأيام أن بعض
مقالاتي بدأت تحجب عن النشر حتى
وصل الأمر إلى منع نشر مقالاتي
في "كلنا شركاء". لم أفاجأ
ولم أستغرب ذلك، لأن "كلنا
شركاء" كانت مطبوعة
إلكترونية بعثية وإن حاول
"عبد النور" أن ينفي عنها
ذلك.
غير أن ما استغربته
هو عدم نشر مقالاتي التي ليس
فيها هجوم على النظام السوري،
ما دعاني أن استنتج أن اسمي وضع
في "القائمة السوداء" بحيث
أصبحت الصحف الإلكترونية
والورقية التي تقيم وزنا لرضا
وغضب النظام السوري "تعد
للعشرة" قبل أن تنشر مقالا لي
حتى لو كنت أتكلم فيه عن أمور
بعيدة عن السياسة، أي أن المنع
أصبح على "الهوية".
لم أحاول في مسيرتي
الكتابية أن أخبئ هويتي
الإسلامية في ما أكتب. كما لم
أحاول أن يرتعش قلمي عند التعرض
لنظام الحكم في سورية، فهو نظام
قمعي استبدادي، وصل إلى الحكم
بطريق غير ديموقراطي. ولكني ما
أنا متأكد منه أني لا أستعمل
السباب والشتائم في أيٍ من
مقالاتي التي أتناول فيها
النظام السوري. وكان القياس أن
تحجب "كلنا شركاء"
المقالات التي فيها هجوم
على سياسة النظام السوري، وأن
تنشر المقالات التي أتناول فيها
مواضيع أخرى أهاجم فيها
الاحتلال الأمريكي أو القمع
الإسرائيلي.
وإذا ذكرنا "كلنا
شركاء"، فأول ما يتبادر إلى
ذهن القارئ أن أتناول رائدة
النشر الإلكتروني "أخبار
الشرق" التي يصدرها "معهد
الشرق العربي" من لندن، وقد
سبقت عمْرا وموضوعيةً "كلنا
شركا"، وتفوقت عليه. فهي لا
تضع أي معيار للنشر غير معيار
الموضوعية والابتعاد عن
التجريح. ومع أن "أخبار
الشرق" ذات توجه إسلامي (يزعم
الأستاذ "جهاد الزين" أنها
ناطقة باسم جماعة الإخوان
المسلمين السوريين في هامش له
على مقال لي نشرته "النهار"
17 حزيران "يونيو" الماضي
تحت عنوان "أعمال الزرقاوي ضد الاحتلال مقبولة وأعماله ضد العراقيين مرفوضة"). ولو افترضنا صحة
هذا الزعم، فإن أخبار الشرق
كثيرا ما كانت تنشر مقالات
تنتقد جماعة الإخوان المسلمين
وهذا يصب في خانة موضوعية أخبار
الشرق وهو ما لا تجرؤ عليه
"كلنا شركاء".
أخبار الشرق ،إضافة
إلى ما تنشره من أخبار من داخل
سورية، تنشر المقالات التي
تردها مع مراعاة أسبقية الورود
إليها إلا في ما ندر. ويحكم هذا
النادر مستجدات الأحداث. وما لا
توافق على نشره ما كان فيه إسفاف
أو تجريح أو هجوم على الإسلام.
ما عدا ذلك فينظر فيه من الناحية
اللغوية البحتة إن كان يصلح
للنشر أم لا. ولم يسجل على أخبار
الشرق أنها منعت نشر مقال
"على الهوية" كما كانت تفعل
"كلنا شركاء". ولذلك أصبحت
"أخبار الشرق" المطبوعة
السورية الإلكترونية الأكثر
احتراما بين باقي المواقع التي
يصدرها سوريون في الداخل
والخارج، يرسل إليها الكتاب
السوريون مقالاتهم فتنشرها
لهم، كما يعتبرها كتاب سوريون
وأجانب مصدرا لأخبار سورية
موثوقة، مثل ياسين الحاج صالح
و"باتريك سيل".
ولا يمكننا هنا أن
نتجاوز "مركز الشرق العربي
للدراسات الحضارية
والاستراتيجية" الذي يصدر من
"لندن" دون أن نذكر
إسهاماته في نشر مقالات الرأي
والرأي الآخر، مع تركيز أكثر
على المقالات وما يصله مما
يتعلق بالتراث التاريخي
والثقافي. ومن يتصفح إرشيف
الشخصيات السورية في
"المركز" سيجد ترجمة منصفة
لحياة اللواء الراحل "صلاح
جديد" الخصم الأبرز لجماعة
الإخوان المسلمين قبل بزوغ نجم
الرئيس الراحل "حافظ أسد".
وقد ردّ مدير عام المركز
الأستاذ "زهير سالم" وأثبت
في الرد بعض التصويبات التي
جاءت في اعتراض شقيق
"جديد". وهنا نذكّر بأن
"كلنا شركاء" لا تفعل ذلك.
بل إن نشرة الأخبار
التي يصدرها يوميا موقع جماعة
الإخوان المسلمين السوريين
وتشرف عليه قيادة الجماعة، لا
تكتفي بنشر مقالات الإسلاميين
التي يقتبسها الموقع من صحف
ومواقع إلكترونية مختلفة بل
تنشر بعض الأخبار والمقالات
التي قد تنتقد مواقف وسياسات
الجماعة وبعضها فيه تجنٍ على
الإخوان المسلمين.
محرر هذه النشرة له
فلسفة خاصة في فهم معنى
"الحيادية". فهو في سبيل أن
يثبت أن موقع الجماعة غير منحاز
ضد الآخر، فهو يحجب مقالات بعض
كتاب المقالة من الإخوان
المسلمين. وفي حجب مقالات البعض
دون البعض الآخر فإن للمحرر
أسبابه الخاصة التي تستعصي على
فهم الإخواني الملتزم. فهو يحتج
بأن هؤلاء الكتاب لا يرسلون
مقالاتهم إلى موقع الجماعة.
وللعلم فإن نشرة "كلنا
شركاء" تحجب مقالات نفس هؤلاء
الكتاب، ما يعني أن النشرتين
اختلفتا في الهدف واتفقتا في
الأسلوب. ولله في خلقه شئون.
عود على بدء
إضافة إلى المواقع
التي أوردناها آنفا، فإنه لا
يسعنا إلا أن ننوه بالموضوعية
التي تلتزم بها
مواقع إلكترونية أخرى مثل
موقع "الرأي" الذي يصدره
"حزب الشعب الديموقراطي"
من داخل سورية، وموقع "مركز
دمشق للدراسات النظرية والحقوق
المدنية"، و "مجلة
العصر"، وموقع "أدباء
الشام"، و"أحرار سورية"
ومواقع أخرى يصعب حصرها، وكلها
لا يمنع فيها النشر "على
الهوية"، ولا تضع قيدا على
النشر فيها إلا الموضوعية،
ومعظم هذه المواقع نشرت لي كل
المقالات التي أرسلتها لها،
باستثناء مقال أو مقالين.
وبهذه المناسبة كم
كنا نتمنى أن لا تضيق "كلنا
شركاء" بآراء الآخرين، حتى لا
تتحول من "كلنا شركاء" في
الوطن إلى "كلنا شركاء" في
البعث.
*كاتب
سوري عضو جبهة الخلاص الوطني
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|