سورية
عام 1956
وسورية
عام 2006
الطاهر
إبراهيم*
نصف قرن مضى على
سورية منذ عام 1956 عندما شنت
الدول الثلاث ،بريطانيا وفرنسا
وإسرائيل، عدوانها الثلاثي على
مصر. ولقد كان موقف سورية في
حينها ،حكومة وشعبا، موقفاً
مشرفاً، ودخلت الحرب إلى جانب
الشقيقة مصر ،ليس إعلاميا فحسب،
بل وعسكريا واقتصاديا. والآن
تتعرض لبنان إلى حرب استئصال
تشنها إسرائيل ،وسورية "لا من
شاف ولا من دري"، إلا ما كان
من مواقف إعلامية هزيلة على
لسان هذا المعلق السوري أو ذاك،
مثل "عماد الشعيبي الذي
اعتبر: "أن ما يحدث في فلسطين
ولبنان ورقتان في يد سورية..."
(إذاعة لندن 13 تموز). وقال:
"خلط الأوراق هو لمصلحة سورية
في المآل الأخير" (الحياة 14
تموز). فلقد تحول الواجب الوطني
عند النظام السوري إلى مجرد
أوراق يطرحها في البورصة
السياسية "للمساومة"
عليها.
الشباب السوري
(الذي ولد ونما وترعرع في عهد
حكم حزب البعث على مدى أكثر من
أربعة عقود، وهو لا يرى من
المواقف الوطنية السورية إلا
معارك إعلامية تديرها
"دكاكين للإعلام" يقف فيها
-لبيع الوطنية للشعب السوري-
وزراء الإعلام مثل "عدنان
عمران" و "مهدي دخل الله"
و "محسن بلال")، ولا بأس أن
نذكّر كيف وقفت سورية مع
شقيقتها مصر في عدوان 1956.
لقد هب الشعب
السوري عن بكرة أبيه ليضع كل
إمكانياته تحت تصرف شقيقه في
مصر، فنسف خطوط شركة
"التابلاين" التي كانت
توصل النفط العراقي إلى مصفاة
"حيفا". كما رفض عمال ميناء
اللاذقية على الساحل السوري
تحميل أو تفريغ بواخر بريطانيا
وفرنسا التي تزور الميناء.
وعمّت المظاهرات المدن السورية
من أقصاها إلى أقصاها. وفتح باب
التبرع بالمال والتطوع للذهاب
إلى المدن المصرية التي شهدت
مقاومة شعبية باسلة مثل "بور
سعيد". أما الموقف الحكومي
السوري فقد كان مشرفا، حيث وضعت
القوات العسكرية السورية في حال
تأهب قصوى. كما دخل ضباط سوريون
في الحرب ضد العدوان الثلاثي،
كما سمي في حينه، وضحى الضابط
السوري "جول جمّال" بحياته
وهو يقود طوربيدا بحريا في
المعارك البحرية على الساحل
المصري. هكذا كان موقف الحكومة
السورية والشعب السوري. فكيف
كان يضع حافظ أسد الجيش السوري
عندما كان قطر عربي ما، يتعرض
للخطر؟ وما هو موقف النظام
السوري الفعلي ،لا الإعلامي،
الآن؟
لا حاجة لنا الآن
إلى التذكير بمواقف "حافظ
أسد" فالشباب السوري ما يزال
يذكرها جيدا يوم وضع
الجيش السوري تحت الراية
الأمريكية يقاتل ضد الجيش
العراقي عام 1991ولم يكن للجيش
السوري أرض محتلة مثل الكويت،
ولم تكن سورية مهددة بالاجتياح
مثل السعودية، ولقد أشرنا لهذا
الموقف المخزي في أكثر من مقال،
فلا حاجة للإعادة.
إذا كنا نتفق مع
نائب الرئيس "فاروق الشرع":
"بأن إسرائيل هي المسئولة عن
التصعيد وان المقاومة ستستمر
طالما بقي الاحتلال"، فإننا
نسأله كما يسأله كل الشعب
السوري عن إمكانية فتح الجبهة
السورية في الجولان -لقيام
فدائيين بأعمال عسكرية خلف
الخطوط الإسرائيلية-
لتخفيف الضغط على الإخوة في
فلسطين وفي جنوب لبنان! أم أن
القيادة السورية الحالية،كما
في عهد "الراحل"، ستقاتل
إسرائيل حتى آخر فلسطيني وآخر
لبناني!؟
لا نعتقد أنه سيرغم
إسرائيل على الانسحاب من
الأراضي التي احتلتها في 5
حزيران عام 1967 ما قامت به
"حماس" من أسر جندي
إسرائيلي وما قام به مقاتلو
"حزب الله" من أسر جنديين
آخرين، لكن ذلك بلا ريب فعال
ومؤثر في أعصاب الجنود
الصهاينة، ويبقى ذلك حربا
تكتيكية تفعل فعلها المؤثر إذا
كانت ضمن استراتيجية متكاملة
تشمل على الأقل الجبهة السورية
الخطرة على إسرائيل، ما يؤدي
إلى بعثرة القوة الإسرائيلية
التي ليست قادرة على الحرب على
أكثر من جبهة ولمدد طويلة.
لم يعد أمام
القيادة السورية كثير وقت تضيعه
في ترف التحليلات التي يتحفنا
بها المحللون السوريون المأذون
لهم. وإذا كانت الطائرات
الإسرائيلية الأربع حلقت فوق
القصر الرئاسي في
"اللاذقية" (زعم الشعيبي أن
الطائرات الأربع مرت على مسافة
30 كيلومتر من القصر) بعد أسر
الجندي في غزة، فإنه من "حسن
الفطن" أن تقدّم هذه القيادة
سوء الظن، فتعتقد أن تل أبيب لن
تتأخر بالقيام بمغامرات وقصف
طائرات لمنشآت عسكرية ومطارات
في سورية ،وقبل ذلك نسأل هذه
القيادة ماذا أعدت لذلك الأمر؟
بعض المحللين لهم
رأي آخر: فإذا لم تفلح الضربات
ضد الضاحية الجنوبية لبيروت،
-وفيها الثقل السياسي لحزب الله-
في إرغام الحزب على إطلاق سراح
الجنديين الإسرائيليين، فإن
هناك سيناريو جاهز لدى القيادات
العسكرية الإسرائيلية، ويتمثل
بدفع المدرعات الإسرائيلية حتى
ضواحي دمشق من الجهة الجنوبية،
وإنزال "كوماندوس"
إسرائيلي فوق جبل "قاسيون"
مما يلي القصر الرئاسي الذي
يقيم فيه الرئيس السوري، ومن ثم
إعطاء إنذار نهائي: إما تسليم
الجنديين الإسرائيليين ونزع
سلاح حزب الله وإما!.
قد يحاول فصحاء
النظام السوري أن يسخروا من هذا
السيناريو، ويعتبرونه ضربا من
خيال كتّاب قصص الخيال العلمي،
وأن الوصول إلى دمشق دونه فرق
سورية عسكرية محمولة ومدرعة،
وبطاريات سلاح الدفاع الجوي.
ولكن "ليس من سمع كمن رأى"!
فقد كنتُ ضابطا
في وحدة غير مقاتلة
في حرب عام 1973 ،وخلال أقل من 48
ساعة انهارت التحصينات
السورية ووصلت
القوات الإسرائيلية إلى حدود
"قطنا" (20 كيلومترا غرب
جنوب دمشق)، بعد أن احتلت ما
تبقى من الجولان بعد حرب حزيران
عام 1967 . وللعلم، فقد كان الجيش
السوري ،في ذلك الوقت، ما يزال
فيه بقية من العسكرية، فلم تكن
عشر سنوات من حكم البعث كافية
لمسح روح الجندية من نفوس الجيش
السوري بشكل كامل.
الآن: وبعد أن تم
تسييس الجيش السوري بالكامل.
وسٌلبت منه قوته الضاربة من
الدبابات حديثة الصنع وألحقت
بالحرس الجمهوري. وتحول ضباط
الوحدات العسكرية تجار
"شنطة" يوم كانت لبنان
حديقة خلفية لنظام الحكم، وإلى
سائقي سيارات نقل صغيرة
"سوزوكي" من وإلى دمشق، يمد
الضابط ،في نهاية المشوار، يده
إلى العسكري الذي تحت إمرته
ليأخذ منه الأجرة. كما تحولت
الدبابات المتبقية إلى
"خردة" بسبب ضعف الوازع
الوطني عند الضباط الذين يقومون
على صيانتها، فغدت هياكل معدنية
يتم تلميعها في المناسبات "من
برا الله الله ومن جوه يعلم
الله"، والقيادة العسكرية
الإسرائيلية تعرف هذا وأكثر
منه. بعد هذا كله وما خفي كان
أعظم، فإن أبواب دمشق ،للأسف
الشديد، غدت مفتوحة أمام أي
عدوان.
سورية 1956 كيف
تعاملت مع العدوان الإسرائيلي،
وكيف تعاملت سورية 2006 ؟
في عام 1956 وما قبله،
لم تكن الحدود بين سورية وبين
إسرائيل لتهدأ لأكثر من شهر أو
عدة أسابيع. وكثيرا ما كانت تقوم
وحدات إسرائيلية ،ليلا،
بمهاجمة وحدات سورية متقدمة،
وتقتل جماعة كاملة (10 عساكر
يقودهم ضابط صف) من العساكر
السوريين بعد مقاومة باسلة. ولم
تكن قيادة اللواء المتمركز ليدع
العدوان يمر بدون عقاب، فتقوم
وحدات سورية بالتسلل خلف خطوط
العدو ويقومون بالقضاء على
أعداد منه مثلما قتل وربما
يزيد، وقد اشتهرت معركة قرية
التوافيق بما أبلى بها السوريون
من بلاء حسن.
أما الآن فإن الرد
الذي نسمعه من القادة السوريين
،بعد كل عدوان إسرائيلي على
سورية، واحدٌ لا يتغير مع نوع
العدوان وحجمه: إن سورية تحتفظ
بحقها في الرد في الوقت المناسب
وفي المكان المناسب. ويسمع
المواطن السوري هذا الكلام
فيردد:
زعم الفرزدق أن
سيقتل مربعا
فابشر بطول سلامة يامربع
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|