ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 17/07/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

ماذا هناك ليموتوا من أجله:

النفط، القواعد والدمى(1)(1 – 2)

(1)

ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد (2)

"إذا كانت انتهاكات معينة ضد المعاهدات، تشكل جرائم، عندئذ فهي جرائم سواء ارتكبتها الولايات المتحدة أو ألمانيا، ولسنا مستعدين للتنازل عن تطبيق القواعد التي تحكم مثل هذه التصرفات الإجرامية ضد الآخرين، طالما لا نقبل من الآخرين بمثل هذه التصرفات ضدنا"- رئيس قضاة الولايات المتحدة- روبرت جاكسون- المؤتمر الدولي للمحاكمات العسكرية، لندن، 23 تموز/ يوليو 1945.

للغزو الأمريكي واحتلالها للعراق هدفين، يتولد عنهما هدف ثالث: النفط والقواعد وإقامة حكومة تمنح "الشرعية" للمحتل تحقيق الهدفين المذكورين. وبعيداً عن الأعراف الدولية، أصبحت هذه الأهداف محل متابعة الولايات المتحدة على نحو مستمر وثابت منذ صياغة سياستها الجديدة خلال الفترة 2001- 2002 بممارسة المزيد من الأعمال العدوانية المستمرة لغاية الوقت الحاضر.

وهذه الأهداف تشكل جزءاً متكاملاً من الستراتيجية الطويلة الأمد للولايات المتحدة بقصد تحقيق سيطرتها الاقتصادية وتعزيز موقعها الستراتيجي في القرن الواحد والعشرين. ورغم وجود أهداف أخرى ثانوية للاحتلال مثل خصخصة الاقتصاد العراقي، تبقى الأهداف الرئيسة هي المحور والتي تدفع هذه السياسة نحو غاياتها باعتبارها معيار نجاح أو فشل حكومة الولايات المتحدة.

* النفط

كانت الشركات النفطية الغربية منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية تسيطر على قطاع النفط في الدول المنتجة، بخاصة في الشرق الأوسط. لكن هذه الدول قطعت أشواطاً بعيدة لغاية استعادة السيطرة على قطاعها النفطي وإنشاء شركاتها النفطية الوطنية. ومع ذلك بقيت الشركات الغربية تحصل على معظم حاجاتها النفطية من هذه الدول وتمارس التصفية والتوزيع وتحقق أرباحاً عالية. لكن هذه الإرباح يمكن أن تتضاعف مرات عديدة إذا ما أقدمت أي من الدول المنتجة على إعادة فتح الباب مجدداً للشركات الغربية استغلال قطاعها النفطي.

في نيسان/ إبريل 2001، قدم مجلس العلاقات الخارجية للولايات المتحدة تقريراً إلى الحكومة الأمريكية محذراً من نقص عرض النفط على المستوى العالمي. متضمناً الحاجة الملحّة إلى "أن تتجنب العوامل السياسية عرقلة تطوير حقول نفط جديدة في الخليج". داعياً إلى "تطوير خطة ستراتيجية تعمل على إعادة فتح الطريق أمام الاستثمارات الأجنبية في الدول النفطية الرئيسة في الشرق الأوسط."

أن الفرضية التي تدعي بأن، الخصخصة تقترن بتحسين الكفاءة ومن ثم زيادة الاحتياطات العالمية من النفط، تجد القليل من القبول. ذلك أن قطاعات النفط في الدول الرئيسة المنتجة للنفط لا تعاني من نقص الخبرة أو رأس المال أو عجز شركاتها النفطية الوطنية، بل تكمن مشكلة تدني عرض النفط إلى فشل الشركات الغربية تطوير مصادر نفطية جديدة مهمة في السنوات الأخيرة. كما أن أكثر المعوقات التي واجهت زيادة الإنتاج تجسدت في المقاطعة التي فرضت على العراق، وذلك من قبل الولايات المتحدة أو بدفع منها. لقد طالبت الشركات النفطية الغربية رفع الحصار بطريقة أو بأخرى في ظروف استمرار نقص عرض النفط، وفرضت ضغوطاً متزايدة على الولايات المتحدة حتى ولو فعلت الأسوأ لفتح الطريق أمامها. وهنا وفّرت فكرة تغيير النظام فرصة عظيمة محتملة إذا ما تم تحقيقها بنجاح.

أن خصخصة إنتاج نفط الشرق الأوسط ستولد احتمالات كبيرة لتحقيق أرباح ضخمة للشركات النفطية الغربية. ويرتبط بذلك أن تكلفة إنتاج البرميل من النفط الخام حالياً في منطقة الخليج تساوي ثلاثة دولارات أمريكية. وحسب مؤلف كتاب: المدمن على النفط (2005)- إيان روتلدج- اتفق بعض العراقيين في المنفى مع الرئيس السابق لشركة إيكسون موبيل عام 2001 بقولهم "تستطيعون الحصول على نفطنا إذا مكنتمونا العودة إلى العراق." وحسب بعض التقديرات يمكن للشركات الغربية في ظل هذا الاتفاق تحقيق أرباح من نفط العراق تتجاوز الأرباح التي تحققها من كافة عملياتها النفطية على نطاق العالم.

وعلى أي حال، خلق الغزو (الاحتلال) التفاؤل لدى الشركات الغربية. وفي هذا الاتجاه أعلن مسؤول لشركة نفط استرالية عن تفاؤله بعودة مستوى إنتاج النفط العراقي إلى 2.5 مليون برميل يومياً وزيادته بسرعة إلى 4.5 م ب/ ي. لكن الحرب ولّد ت السيناريو الأسوأ في سياق آثار عكسية قادت إلى إرباك صادرات نفط العراق، إذ بقيت صادرات الجنوب تتقلب حول 1.4 م ب/ ي، بينما بقيت أنابيب نفط الشمال عرضة لفترات متقطعة من الإقفال الفعلي نتيجة أعمال التخريب التي ولّدتها الحرب (الاحتلال).

أن الحد الأدنى للنجاح في الأمد المتوسط هو الحفاظ على استمرار تدفق النفط، وأن أحداً في المنطقة الخضراء يوفر "الشرعية" لصالح دخول الشركات الغربية لقطاع النفط العراقي. لقد مررت الحكومة المؤقتة قانوناً ينص على تطوير أي حقل نفطي جديد من خلال اتفاقية المشاركة في الإنتاج مع الشركات الغربية. لكن الاستجابة بقيت ضعيفة واقتصرت على بعض الشركات الصغيرة، ومنها شركة نرويجية خاطرت بالدخول إلى بلد مزقته الحرب.

أما في الأمد الطويل فإن المخاطرة التي ستواجه شركات النفط الغربية تتمثل في أن الحكومة العراقية المستقبلية سوف تلغي القوانين التي تسمح للشركات الغربية (الأجنبية) الاستثمار في الحقول النفطية العراقية وتعيد تطبيق مبدأ الملكية الوطنية لقطاعها النفطي.

حسب تقرير لوكالة رويتر في نيسان/ إبريل تهيأ أحمد الجلبي- الذي أصبح وزيراً للنفط لبضعة شهور في الحكومة المؤقتة – لمقابلة عناصر تنفيذية في شركة إيسكون موبيل خلال انعقاد المنتدى العالمي للطاقة في قطر وعرض عليهم عقود تطوير الحقول النفطية، متضمنة مواداً (قانونية) للحماية المستقبلية من إعادة التأميم. لكن حصيلة هذه الاجتماعات بقيت غير معلنة. وبالإضافة إلى الأرباح المحتملة الضخمة، فإن هذه العقود ستمنح كذلك الشركات النفطية المعنية وعناصرها الحميمة في واشنطن الجزء الأعظم من (كيكة) الحرب.

* القواعد العسكرية

أن السؤال الستراتيجي الذي تطرحه السياسة الخارجية العدوانية وغير الشرعية للولايات المتحدة على المستوى الدولي والتاريخي، هو "هل باستطاعة الولايات المتحدة تفعيل تفوقها العسكري لتوسيع سيطرتها الاقتصادية والستراتيجية في القرن الواحد والعشرين؟".. ترى أغلبية دول العالم في هذا سلوكاً عبثياً، علاوة على خطورته، لأن التاريخ، عموماً، سبق وأجاب على هذا السؤال على نحو ثابت وحاسم.

أن دراسة متأنية للتاريخ كما في كتاب: نهوض وسقوط الإمبراطوريات العظيمة (1987)- بول كندي- تبين بوضوح أن العوامل الاقتصادية هي التي تدفع الشؤون الدولية نحو التحرك صعوداً وهبوطاً. وأن الاقتصاد العالمي والتوازن الاقتصادي هما كلياً دالة للموقع الاقتصادي النسبي، وليس للقوة العسكرية. من هنا فإن زيادة طاقات البلد توفر إمكان الحصول على المزيد من المنافع الهيكلية. ومع تحسن القدرة على توليد واستخدام التكنولوجيا الحديثة وتطوير الهياكل الاجتماعية والمادية الأكثر حداثة، عندئذ تزداد إمكانية اقتناص الفرص الجديدة وتحقيق منافع متزايدة.

أن الممارسات التاريخية الماضية باتجاه توسيع السيطرة الاقتصادية إقليمياً أو دولياً وباستخدام القوة العسكرية في سياق تبني الأفكار الشوفينية، جاءت بنتائج كارثية لشعوب تلك الدول ذاتها وللعالم ككل، بما ولّدتها من المذابح البشرية واستنزاف الموارد المادية والتي شكلت الحروب الكونية المدمرة أسوأ محصلاتها.

وهكذا، فإن التطلعات الشوفينية عجلت في تشكيل توجهات التخطيط الدفاعي (1992)، مشروع القرن الأمريكي الجديد، ولاحقاً ستراتيجية الأمن الوطني الأمريكي، وستراتيجية الدفاع الوطني. هذه الوثائق تعبر عن توقعات كئيبة وسلوكية متكاملة نحو تدمير الذات لقوة عظمى في هذه الحقبة التاريخية. أن هذه السلوكية بالتحديد خطيرة في هذه المرحلة، لأن الأسلحة المتاحة حالياً تهدد جذرياً وجود الجنس البشري. وحتى لو لم تتهور الولايات في إشعال محرقة نووية، فإن استنزاف الموارد العالمية بسبب العسكرة والحروب في مثل هذا الوقت الحرج يمكن أن يقود تماماً إلى تدمير الحياة على الأرض.

أن الحقيقة الواضحة تتجسد في اتجاه النفط نحو ارتفاع قيمته بسبب تصاعد ندرته، ومن ثم تعاظم أهميته الستراتيجية، على الأقل على مدى الثلاثين سنة القادمة. وهنا تنشط الولايات المتحدة لفعل ما لم يسبق فعله وبكل الوسائل، بما فيها القوة المدمرة لأكثر الأسلحة فتكاً لتوسيع سيطرتها الاقتصادية.

أن الولايات المتحدة بغزوها واحتلالها للعراق قد أطلقت إشارة تصميمها على استخدام القوة العسكرية للسيطرة على عرض النفط في العالم في محاولاتها احتكار المنافع الاقتصادية والستراتيجية، بعيداً عن اعتبارات السيادة المعمول بها دولياً وحقوق الملكية والقانون الدولي.

تعبر لفظة lily pad عن جيل جديد من القواعد العسكرية التي تم تصميمها وتوطينها على نحو ستراتيجي، لتلعب دوراً متكاملاً في هذا المشروع الضخم. وتقوم الولايات المتحدة حالياً ببناء أربع قواعد كبيرة من هذا الطراز في العراق، صُنِّفت باعتبارها قواعد للعمليات الطارئة، وتضم تسهيلات شاملة لقوة الطيران الحربي، علاوة على بناء ثماني إلى عشر قواعد أصغر حجماً، سميت بالقواعد الثابتة. ولكن ما هو الجديد في هذه القواعد؟ هناك حالياً حوالي تسعمائة قاعدة عسكرية للولايات المتحدة منتشرة في دول أخرى على نطاق العالم، وأغلبها قائمة منذ عقود عديدة. الاختلاف الأول في هذه القواعد الجديدة هي مواقعها. ففي كوسوفو مثلاً تقع القاعدة العسكرية الأمريكية قرب خطوط أنابيب النفط الجديدة.

ويلاحظ أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) طورت هذه النوعية من القواعد الجديدة، خاصة بالعلاقة مع الشرق الأوسط وبقية المناطق الغنية بالنفط. كما أن أكثر الاختلافات وضوحاً يقبع في تباين علاقة قاطني القاعدة من العسكر الأمريكي بالسكان المحليين المحيطين بالقاعدة. ففي حين هناك شيء من العلاقات المتبادلة في القواعد القديمة، فإن القواعد الجديدة تتميز بغياب هذه العلاقات تماماً.

وكما يظهر من لفظة lily pad التي تعني: جزيرة، فهي (القاعدة الجديدة) تتواجد على نحول مستقل بمن يحيط بها. قام توماس ركس مراسل واشنطن بوست بزيارة لواحدة من أكبر هذه القواعد في العراق- القاعدة الجوية في بلد- وكتب بخصوص انطباعاته "القاعدة الأكبر في العراق تعطي الانطباع بأنها مدينة صغيرة (2 حزيران/ يونيو 2006). ووصف مكان القاعدة في وسط العراق حيث تضم عشرين ألفاً من القوات الأمريكية. ولكن لا يوجد أي عراقي في القاعدة، في حين تتواجد في القاعدة كافة التسهيلات الخدمية من كافيتريا ومطاعم ومحلات بيع.. أما العاملون في هذه الخدمات فهم من الهند، بنغلادش، نيبال، وسريلانكة. وأيضا ترد للقاعدة كافة متطلباتها الحياتية من خارج العراق سواء عن طريق الجو أو الشاحنات من تركيا والكويت، ترافقها قوات حماية.

هناك دوافع عسكرية لكل هذا.. تعتبر مدرجة هبوط وإقلاع الطائرات من قاعدة بلد أكبر ثاني مدرجة نشطة في العالم بعد مطار هيثرو (لندن). لكنها ليست للأغراض المدنية.. أنها قاعدة هجومية في بلد معاد، تنطلق منها طائرات حربية محملة بالقنابل والعتاد لمهاجمة أهداف في كل أنحاء العراق. وهذا الدور يتوسع مع تقليل الولايات المتحدة اعتمادها على القوات البرية، مقابل زيادة اعتمادها على الهجمات الجوية وعلى نحو مكثف. وهذه الحالة سوف تستمر ما دامت هذه السياسة قائمة. وحسب بعض التقارير فإن ما بين 50 (و) 60 طلعة/ هجمة جوية تنطلق يومياً في العراق لضرب أهداف داخل البلاد.

 ومع استمرار قصور عرض النفط الاستجابة المتزايدة للطلب العالمي، تبقى هذه القواعد العسكرية وما يماثلها محتفظة بأهدافها العسكرية الخاصة، وهي القيام بعمليات عدائية مع تزايد فرص فرض أنظمة سياسية وتجارية تحت مزاعم تحقيق الاستقرار والحاجة المتزايدة للنفط. لقد صممت هذه القواعد لتبقى مكتفية ذاتياً في سياق تحقيق الأهداف المنوطة بها، "حتى وإن قلبوا العالم إلى حقل من الخراب والموتى."

أن محدودية قدرة الطائرات العسكرية بالعلاقة مع طول المسافات عموماً، تعمق أهمية هذه القواعد العسكرية ودورها الحاسم في إطار الستراتيجية الأمريكية باستخدام القوات العسكرية للسيطرة على نفط الشرق الأوسط.

وبالعلاقة مع الحقول النفطية، حيث صممت هذه القواعد في العراق لضمان السيطرة عليها، فإن نقطة الضعف الرئيسة التي يمكن أن تواجهها، هي سياسية. ذلك أن حكومة العراق المستقبلية سوف تطلب من الولايات المتحدة سحب قواتها، واضعة الولايات المتحدة بين خيارين صلبين: الانسحاب أو تغيير نظام الحكم/ الاحتلال الأمريكي الثاني للعراق.

* الحكومات الدمية

وهذا يقود إلى الهدف الثالث للولايات المتحدة من احتلال العراق "العملية السياسية" التي تبرز بأجلى صورتها في المنطقة الخضراء. وهنا يمكن مشاهدة القاعدة الأمريكية الأضخم- جوهرة تاج الاحتلال- السفارة الأمريكية- ذات كلفة ألـ 600 مليون دولار في طور البناء.

في عام 1990 نصح مستشار الأمن الوطني للولايات المتحدة- برنيت سكوكروفت- عدم غزو العراق، لأن العراقيين عاجلاً أم آجلاً سيطالبون بتطبيق الانتخابات، و "سيخسر رجالنا." لكن الهدف الذي كمن خلف تطورات السياسة الأمريكية في العراق لم تكن تهتم من قريب أو بعيد بإقامة حكومة مستقلة ذات سيادة، كما تصوّر سكوكروفت، بغية منع قيامها ، تلك الحكومة التي ستعمل على تقويض السياسة الأمريكية بالطلب منها سحب قواتها أو تأكيد حق ملكية العراق لنفطه.

إذن كيف ستحقق الولايات المتحدة أهدافها هذه؟ حسب كاتب المقالة، فقد ناقش صديقاً له قبل سنتين-  مؤرخ عسكري ومن مؤيدي الحرب- بقوله: أن الولايات المتحدة ببساطة تتبع ستراتيجية كلاسيكية "التقسيم والانتصار"، كان رد فعل المؤرخ العسكري: كيف تريد بلوغ هذا الهدف بطريقة أخرى؟.. أجاب كاتب المقالة: يجب أن لا تفعل، فجاءه جواب الصديق: "لكننا نفعله".

من هنا كان ضرورياً للولايات المتحدة منذ البداية، بقصد تطبيق سياساتها، أن تجد بعض الأسس التي تتمكن من خلالها خلق التفرقة بين سكان العراق لضمان جمهور من الناخبين لعراقيي الخارج من الموالين ممن ينفذون السياسة الأمريكية. ومع أن الأكراد حلفاء طبيعيين للولايات المتحدة، لكنهم يشكلون فقط 20% من السكان، ومتواجدون في زاوية واحدة من البلاد. بينما أصحاب المذهبين الإسلاميين الرئيسين موجودون في العراق ككل ومنذ فترات قديمة. ولدى الأغلبية الإسلامية المذهبية في الجنوب جمهور انتخابي يمكن تحويلهم من قبل الإسلاميين الموالين من نفس الطائفة ممن عاشوا في المنفى، يضاف إلى ذلك تقديم الوعود الأمريكية بحصولهم على قوة سياسية.

رغم أن الأغلبية الإسلامية المذهبية في الجنوب لعبت دوراً هاماً في الخطط الأمريكية، فإن الأحزاب الإسلامية لهذه الطائفة لم يكونوا الخيار الأول لصانعي السياسة الأمريكية لقيادة حكومة العراق الدمية. ففي عام 1998 صاغ 40 أمريكيا ًرسالة- أصبحت فيما بعدئذ سياسة أمريكية- إلى الرئيس الأمريكي كلنتون طالبوا الحكومة الأمريكية "الاعتراف بحكومة عراقية مؤقتة يكون رئيسها مسؤول "المؤتمر الوطني العراقي"- أحمد الجلبي. وكان من بين الموقعين: رامسفيلد، وولفتز، كارلوسي، بيرلي، ارمتج، فيث، ابرامز، بولتون (و) خليل زادة. ومع اقتراب عام 2004 أصبح الجلبي مرتبكاً أمام مؤيديه الأمريكيين، وربما فضل أن يضعوه في منصب دون رئيس الوزراء. وهكذا تم نصب أياد علاوي عميل المخابرات المركزية الأمريكية الذي كانت له أيضاً مجموعته من المنفيين الموالين في الخارج- الوفاق الوطني العراقي- رئيساً مؤقتاً للوزراء، رغم معارضة لاخضر الإبراهيمي الذي كان-اسمياً- مسؤولاً عن عملية الاختيار.

وكما قاله الإبراهيمي: "بريمر هو دكتاتور العراق... أنه يمتلك المال... يمتلك التوقيع (السلطة)... لن أقول من كان اختياري الأول، ومن لم يكن اختياري الأول... سوف أذكركم أن الأمريكان يسوسون هذه البلاد."   

ـــــــــــــ

(1) Nicolas J S Davies, “What they are dying for> Oil, lily pads and puppets”, Part II- Aljazera.com- 9 July,2006.

(2) ترجمة بتصرف موجزة.

------------------------------

ماذا هناك ليموتوا من أجله:

 النفط، القواعد والدمى(1) (الجزء الثاني)

ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد (2)

بعد أن أرتبك موقع الجلبي أمام مؤيديه الأمريكان، واختيارهم أياد علاوي عميل سي. آي. أي لمنصب رئيس الوزراء المؤقت، نظرت الولايات المتحدة إلى علاوي باعتباره الرجل القوي الذي يمكن أن يفرض النظام وأن العراقيين سينظرون إليه كنظرتهم للرئيس السابق. تطابقت ولاية علاوي مع ولاية السفير الأمريكي في العراق نيغروبوتي. أشرف كلاهما على أكثر التطورات الدرامية الشريرة للاحتلال: التخطيط الدقيق وتنفيذ مجازر الفلوجة. كما أن إدارة علاوي/ نيغروبوتي مارست سرياً أشكالاً إضافية من أعمال القتل والتعذيب على أساس تمييزي لا زالت مستمرة حتى الآن.

أن فشل الاحتلال الأمريكي كسب أي شكل من الشرعية/ القبول لدى الشعب العراقي سهّل للعناصر الفاسدة ممن عاشوا في المنفي أمثال الجلبي وعلاوي القادمين للعراق بحماية قوات الاحتلال الظهور في الساحة العراقية. وعندما تحقق إجراء الانتخابات في ك2/ يناير 2005 خسرت مجموعة علاوي، ولم تحصل على أكثر من 14% من أصوات الناخبين، بل اعتقد الكثير من العراقيين أن النتيجة كانت ستصل إلى أقل من 10% لو لم يصاحب الانتخابات حالات واسعة من الاحتيال والتزوير. وفعلاً حصلت قائمة علاوي- التي أُعلن عن ضمّها أشكالاً متعددة الألوان من يساريين (الحزب الشيوعي العراقي) وتركمانيين وآثوريين وعلمانيين- في الانتخابات التالية، فقط على 8% من أصوات الناخبين. وهذه النتيجة لم تترك للولايات المتحدة سوى التوجه نحو الأحزاب الإسلامية الطائفية: الدعدوة، المجلس الأعلى، الصدريين، الفضيلة. ولأن هذه الأحزاب المتحالفة مع الاحتلال ذات علاقة متينة مع إيران، لذلك لم تترك الولايات المتحدة العِنان لأي منها.

وبدلاً من ذلك، أخذت سلطات الاحتلال استخدام هذه الأحزاب الموالية ضد الأكراد، السنة، وكل ضد الآخر، للمحافظة على توازن القوة، حيث تكون للولايات المتحدة اليد العليا، مع استخدام أي من الأطراف الموالية لتحييد/ تصفية أي مجموعة أو أفراد، ومنع أي من هذه الأطراف أن تصبح قوة مؤثرة، والمحافظة على أسلوب الموازنة بينها لضمان لجوئها وولائها للاحتلال.  أن المحتل الأمريكي يعمل حالياً على خلق وضع مع الشيعة بالتظاهر لحمايتهم من السنة، ومع السنة بالتظاهر لحمايتهم من الشيعة.. "سمسار شريف في الصراع الدموي الرهيب الذي صنعه!!"

 حسب مسح ميداني شامل تم من خلال برنامج المواقف السياسية الدولية- جامعة ماريلاند (31 مايس/ أيار 2006) فإن أغلبية العراقيين يؤيدون الدعوة المطروحة للولايات المتحدة بجدولة انسحابها من العراق    (87%)، يوجهون اللوم للولايات المتحدة فيما وصلت إليه حالة البلاد من انحلال وتشرذم، ويعتقدون أن الأمن (67%) والخدمات العامة (67%) والتعاون السياسي بين المجموعات العراقية (73%) سوف تتحسن في حالة خروج المحتل من البلاد، وكذلك تقل أعمال العنف (64%)، ويرتفع هذا الرقم الأخير إلى (72%) عند استبعاد المشاركين الأكراد من العينة. وعلى أي حال يرى 80% من العراقيين أن الولايات المتحدة تخطط للإبقاء على قوات أمريكية دائمة في بلادهم، ويعتقد 76% منهم أن الولايات المتحدة سوف ترفض ترك العراق إذا ما طلبت منها الحكومة العراقية ذلك. وأن 88% من السنة (و) 41% من الشيعة (و) 16% من الأكراد يؤيدون المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأمريكي.. وهذه الأرقام في زيادة مستمرة منذ بدء الاحتلال.

أن الطريق الوحيد أمام الولايات للمحافظة على أهدافها الرئيسة في هذه الظروف التي تفتقر فيها إلى "الشرعية" هي في استمرارها خلط أوراق اللعبة في تعاملها مع المجوعات الموالية. ولكن إلى متى يمكن أن تستمر هذه اللعبة سياسياً ودبلوماسياً.. أنها مسألة متروكة للمستقبل.

* العواقب والآثار

تقوم القوات الأمريكية بمشاركة قوات الشرطة بمهاجمة الأحياء السكنية في بغداد، وتستمر بضرب مدن محافظة الأنبار وصلاح الدين. ويظهر أن أعمال التصعيد المستمرة للعمليات العسكرية من قبل القوات الأمريكية وكأنها ناجمة عن الشعور بالهزيمة.. بعد 18 شهراً من المعارك في الرمادي، فإن مشاة البحرية الأمريكية يقارنونها بمعارك ستالينغراد، راضون بدورهم كالغزاة الألمان. ورغم أن وزن هذا القتال الشرس أصغر حجماً قياساً بمعارك ستالينغراد، لكن طبيعة القتال متماثلة: جيشان يُقاتل أحدهما الآخر في شوارع ومباني مدينة تحولت إلى خرائب، وتتخلل هذه المعارك وجود مسلحين غير منظورين لتصيد الأعداء وأشكال من الشرك بخاصة قنابل مخبأة جاهزة للانفجار، وتشكل القوات الجوية الأمريكية أكثر الأسلحة الفتاكة، بينما المدنيون هم أكثر ضحايا هذه الحرب.

وحسب كاتب المقالة، فقد سبق وأن كتب تقريراً (ت2/ نوفمبر 2005) ذكر فيه بعدم وجود فرق جوهري بين ميليشيات الأكراد والشيعة ومعظم القوات العراقية المدربة من قبل الولايات المتحدة. ولحزب بيان جبر (المجلس الأعلى...)- الذي كان وزيراً للداخلية في الحكومة المؤقتة- علاقة قوية مع مليشيات فيلق بدر الذين خضعوا على مدى عشرين عاماً للتدريب في إيران لإعدادهم للدور الذي يمارسونه حالياً في العراق. أن أغلبية قادة الشرطة هم أعضاء في فيلق بدر، وهم القوة الأكثر ارتباطاً بأعمال القتل والتعذيب المستمرة في بغداد على أساس التمييز الطائفي.

تم إنشاء قوات الشرطة (المغاوير) الخاصة بموافقة المستشار الأمريكي في وزارة الداخلية ستيفن كاستيل العميل السابق في الوكالة الأمريكية دي.إي.أي. التي عملت سابقاً مع الجناح اليميني للقوات شبه النظامية في كولومبيا. كما أن قوات الشرطة هذه تدربت تحت إشراف الكولونيل جيمس ستيل قبل فك لجامها وإطلاقها تجاه أهل بغداد لسنة مضت. كان ستيل قائداً لمجموعة المستشارين العسكريين الأمريكيين أثناء الحرب الأهلية في السلفادور خلال الثمانينات!

تظاهر جبر وكاستيل بصورة مشتركة تطبيق معايير على درجة عالية من التمييز بين قوات الشرطة الخاصة وبين المليشيات للتملص من أية مسؤولية شخصية عن الجرائم البشعة التي قامت بها هذه القوات بأوامرهما.

كما أن محاولات سلطات الاحتلال الأمريكي التميز بين سلوك قواتها وبين تصرفات المليشيات الشيعية تتناقض تماماً مع التقارير الواردة من داخل العراق فيما يخص كيفية التعامل مح أحياء عديدة مثل الأعظمية والدورة. تصف هذه التقارير الهجمات العسكرية المنظمة والمشتركة التي تمت من خلالها عزل أحياء بكاملها: قطع الكهرباء فيها وتعطيل وسائل الاتصال بما فيها الهواتف النقالة، حيث تهاجم قوات الشرطة مثل هذه الأحياء، بينما القوات الأمريكية المرافقة تراقب على الأرض ومن الجو. وفي هذه الأثناء تقوم عناصر المليشيات/ الشرطة بإلقاء القبض على كل شاب يصادفونه في الحي.

يعلم الأقرباء والجيران أنهم لن يروا هؤلاء الشباب ثانية، عدا أن يبعثوا بطلبهم لتحديد شخصية جثثهم في المشرحة والممزقة نتيجة التعذيب الوحشي. وهكذا تولد هذه الجرائم البربرية وعلى نحو أقوى المزيد من المقاومة.

وحين يتم كشف مراكز للمقاومة، عندئذ يأتي دور الهجمات الجوية العنيفة. وعدا إرهاب أهل العراق من أجل إذعانهم للمحتل، فإن وحشية تصرفات قوات الاحتلال الأمريكي تستمر وتتصاعد وبما يقود إلى خلق وتصاعد نفور العراقيين من الاحتلال، إذ لا يرى معظمهم أن أعمال القتل التي جرت في حديثة كانت حادثة فردية/ منفصلة. أن تصعيد الهجمات الجوية والأعمال الانتقامية الأخرى يقود فقط إلى تقوية عزم المقاومة وتعجل اليوم الذي ستظهر فيه حكومة عراقية تطلب من الولايات المتحدة سحب قواتها من البلاد.

وهنا يمكن للمرء أن يأمل حصول ضغط مزدوج سياسي ودبلوماسي يدفع حكومة الولايات المتحدة الإذعان لمثل هذا الطلب. ولكن لسوء الحظ أن الاحتمال الأكبر في مثل هذه الحالة هو الإعلان عن فشل "العملية الديمقراطية". وهذا سيقود إلى الارتداد نحو الحكم المباشر وإشعال المزيد من القتال. وبعد كل هذا يتضح دور وأهمية وأهداف الجيل الجديد من القواعد العسكرية الأمريكية في العراق.

 لقد قتل حتى الآن ألفان وخمسمائة من جنود الولايات المتحدة (إحصاءات رسمية أمريكية) ومئات من الأجانب الآخرين، علاوة على مئات الآلاف من العراقيين نتيجة الحرب البربرية الأمريكية على العراق. وعندما ينظر المرء إلى أهداف هذه الحرب العدوانية ويزنها بالتكاليف البشرية والمعاناة الإنسانية، عندئذ عليه أن يستنتج، كما فعل قضاة نورمبورغ " أن المبادرة بإشعال حرب عدوانية، ليست جريمة عالمية- حسب- بل تشكل قمة الجرائم العالمية. أنها تختلف فقط مع بقية جرائم الحرب كونها تضم بذاتها أضخم مجمع عدواني شرير".

يتحمل مواطنو الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية إيقاف هذه الحرب، وإحالة مجرمي الحرب الأمريكيين إلى المساءلة القانونية بسبب الجرائم التي اقترفوها. إذا لم نستطع تنفيذ هذه المسؤولية الأساسية باعتبارنا مواطنين عالميين، عندئذ علينا أن لا نندهش أمام العواقب التي لا يمكن تجنبها: خسارة الحرب، الهدر البشري ومآسي التضحيات، الإرهاب، العزل الدولي، التصاعد اللولبي للديون، الأزمات الاقتصادية والإيكولوجية.. وفشل العملية السياسية، ليس في العراق- حسب- بل وفي الولايات المتحدة أيضاً.  

ـــــــــــــ

(1) Nicolas J S Davies, “What they are dying for> Oil, lily pads and puppets”, Part II- Aljazera.com- 9 July,2006.

(2) ترجمة بتصرف موجزة.

 المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها    

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ