ـ |
ـ |
|
|
|||||||||||||||
قـراءة
في سقوط الجولان (1-2) -1- الدكتور
خالد الاحمد* بين
يدي الطبعة الثانية من كتاب
سقوط الجولان ، لصاحبه مصطفى
خليل ، نشرت الطبعة الثانية منه
دار الاعتصام بالقاهرة ،
عام (1980م) : نقل
الكاتب جملة من خطاب بـن
غـوريون أمام الكنيست عام (1951م)
يقول فيه : [ ...إن الخطوة التي يجب
أن تسبق الصلح مع إسرائيل هي
إقامة ديموقراطيات اشتراكية ،
محل الحكومات الرجعية في الدول
العربية ...] ([1]). ثم
يقول الكاتب في المقدمـة : [
فلن أتكلم إلا عن الجولان ...ذلك
الجزء العزيز من أرضنا ...لأني
سبق أن عشت فيه ، ومارست مستويات
مختلفة من المسؤولية خلال خمس
سنوات ، كان آخرها ( رئيس قسم
الاستطلاع في قيادة الجبهة ] ،
وهو عمل في غاية الخطورة ، يتاح
لشاغله أن يطلع على كل خفايا
القوات فيها ، وأن يطلع على
الاستعدادات من تحصين وتسليح
ونشر للقوات ...ومن خطط وأومر تضع
لكل احتمال حلاً أفضل ...يتيح
للقوات مواجهته والخروج منه
بتيجة مشرفة ... ثم
سرحت من الجيش عام (1963م) مع
الأفواج الهائلة ؛ الذين سرحهم
البعثيون بعد تعربشهم على
السلطة ...] . تفريـغ
الجيش السوري من المقاتليـن : ثم
يقول الكاتب : [ بعد وقوع انقلاب
الثامن من آذار بخمسة أيام فقط ،
أي بتاريخ (13/3/1963) صدرت نشرة
عسكرية أخرجت من الجيش ( 104)
ضابطاً يشكلون كبار الضباط في
الجيش ، افتتحت بالفريق عبد
الكريم زهر الدين ، واختتمت
بالمقدم بسام العسلي . وفي
(16 /3/1963) أي بعد ثلاثة أيام فقط من
تسريح الدفعة الأولى صدرت نشرة
عسكرية أخرى أخرجت من الجيش (150)
ضابطاً هم الطاقة الفعالة في
الجيش ( قادة الكتائب ورؤساء
عمليات الألوية وقادة السرايا )
، وكنت واحداً من الذين شملتهم
هذه النشرة . ثم
تتابعت النشرات ، تسرح وتحيل
على التقاعد ، وتنقل إلى
الوظائف المدنية ...حتى بلغ
مجموع الضباط الذين أخرجوا من
الجيش حتى أيار (1967م) ( أي قبيل
حرب العار )
لايقل عن (2000) ضابط مع قرابة
(4000) ضابط صف وجنود متطوعين ،
يشكلون الملاك الحقيقي الفعال
لمختلف الاختصاصات في الجيش .. واستبدل
هؤلاء المسرحون وخاصة الضباط
بأعداد كبيرة جداً من ضباط
الاحتياط ( الذين سبق وأدوا
الخدمة العسكرية ) وجميعهم من
البعثيين ، وأكثريتهم من
العلويين ... وحُلت
بعض الوحدات المقاتلة ، وشكلت
وحدات جديدة على أساس طائفي بحت
ـ كما فعل الفرنسيون أيام
الانتداب ـ
. وقد
تميزت تلك المرحلة من تصفية
الجيش بصورة من العنف والتنكيل
، كان منها القتل ، والسجن
،والأحكام الاعتباطية والإعدام
، ومصادرة الأموال والممتلكات
وتضييق سبل العيش على الناس (
وخاصة العسكريين ) .. وكان
أبرز من قتلوا ظلماً : العقيد
كمال مقصوصة ، والنقيب معروف
التغلبي ، والنقيب ممدوح رشيد ،
والملازم نصوح الجابي ...
والعقيد هشام شبيب ، والمساعد
بحري كلش ، وغيرهم ... وغصت
السجون بالمئات من الضباط
والآلاف من العسكريين من أبرزهم
: اللواء محمد الجراح ، واللواء
راشد القطيني ، والفريق محمد
الصوفي ، والفريق عبدالكريم
زهرالدين ، واللواء وديع مقعبري
، والعمداء : مصطفى الدواليبي ،
ونزار غزال ، وأكرم الخطيب ،
وموفق عصاصة ، ودرويش الزوني ،
وممدوح الجبال ، والعقداء : هيثم
المهايني ، ومحيي الدين حجار ،
وحيدر الكزبري ، وغيرهم ...] . ثم
يقول في وصف الجبهة في الجولان
نقلاً عن كتاب ( المسـلمون
والـحرب الرابعة ) : [ ...إن الجبهة
السورية – الاسرائيلية ( خط
ماجينو السوري المشهور ، الذي
كلف البلاد أكثر من ثلاثمائة
مليون دولار ، لتحصينه وتجهيزه
بأحدث المعدات ، والذي اشتهر
عنه بأنه لايؤخذ ، هذا الخط سـقط
بأيـدي القوات الإسرائيلية
خلال (48 ) ساعة فقط ...] ... ويتابع
الكاتب يشرح تحصين الجولان قبل
معركة العار والخيانة ، أو
مسرحية التسليم ، وتنفيذ عقد
الإيجـار ...فيقول : [
الجبهة محصنة تحصيناً فريداً من
نوعـه ، كل شبر من أرضها مضروب
بالنيران ، وكل ثغرة بين موقعين
دفاعيين محمية بالألغام ،
والألغام مضروبـة بالنيران ،
على كل محـور يمكن أن يتقدم
العدو ، حضرت الرمايات الهائلة
من مختلف الأسلحة ، وزرعت
الأجساد والأسلحة بكثافة تدعو
للدهشة ([2])...
كل ذلك من أجل ساعة خطر كالتي
وقعت في حزيران العـار ... ولكن
جيش ( معملي المدارس ) هرب ، ولم
يقاتل ..] ... وينقل
الكاتب عن مجلة ( التايم ) في
(1/9/1967م) قولها : [ ...إن سوريا
تسيطر على سلسلة من التلال
الصخرية الشديدة الانحدار ،
تمتد لمسافة أربعين ميلاً ،
وتشرف على سهول منكشفة للنيران ([3])،
وعلى جوانب التلال الصخرية خطوط
دفاعية مستقلة بعضها فوق بعض ...وكل
خط منها تحميه ثلاث طبقات من
الألغام ، وأسـلاك شائكة ،
واستحكامات منيعـة ، وللوصول
إلى الطبقة العليا يجب عبور
تسعة خطوط ( ماجينو مصغرة ...] ([4]).
ويتابع
الكاتب في ( 31 ) صفحة يشرح بلغة
ضابط الاستطلاع الاعدادات
والإمكانات الهائلة التي رصدت
في الجولان للدفاع عنه ضد
الصهاينة ...من خطوط دفاع ،
وتحصينات وأسلحة ، وخطط دفاعية
، وهجومات معاكسة ، معدة مسبقاً
، للدفاع عن الجولان ... ويختم
ذلك بقوله : ...[
هذه الجهـود التي قد لايتمكن
عقـل ما ، من حصرها جميعاً في
دائرة تصوره ، ....والتي قد تسهم
المخططات المتواضعة المرفقة في
توضيحها ... فتبرز الأبعاد
الواضحة والعمق الحقيقي
للخيانة التي أقدم عليها أهل
السلطة المسؤولون في حزب البعث
في سوريا ...إذ أقدموا على إلغاء
ذلك كلـه ، وتعطيله عن تحقيق
فعاليته ، التي جهز لها خلال
عشرين عاماً ... وقدموا الجبهة
الحصينة ، هديـة سهلة لينـة
لقوات العـدو ... دونما أي جهد
بذلتـه سوى ما اقتضته ضرورة
التمثيل ، وغير ما لاقت من
الضراوة بسبب المقاومات
الفردية التي مارسها بعض القادة
( غير البعثيين ) وبعض أفراد
الشعب حين تجاهلوا أوامر قيادة
البعث التي طالبتهم بالانسحاب ،
ثم عززت مطالبتها تلك ، ببيانها
الفاجر الذي أذاعته معلنة سـقوط
القنيطرة ، قبل سـقوطها بسبع
عشرة ساعة على الأقل ...]
أما
أسباب تكالب الصهاينة على
الجولان فيسرد الكاتب بعضها : أسباب
دينية : يقول الصهاينة أن الله
وعدهم بالجولان على لسان نبيهم
إسرائيل ، ,وآبائه إسحاق
وإبراهيم ... الموقع
الاستراتيجي : لكثرة مصادر
المياه فيه ، وارتفاع موقعه ،
ليكون مرصداً يطل على دمشق
ودرعا ... الغنى
الطبيعي : لتنوع مناخاته ، من
مناطق مثلجة مثل ( مسعدة ومجدل
شمس ) ومناطق دافئة شتاء مثل (
الحمة ) ، ومعظمه مصيف معتدل
الحرارة صيفاً ... تكثر
فيه الأحراش ، وكثرة الطيور
والأرانب والغزلان ، والمياه
المعدنية التي تحتوي على
اليورانيوم والراديوم لتكون من
أفضل مناطق السياحة الشتوية في
العالم ، وتربـة خصبة جداً ،
وكان سكان البطيحة يستغلون
الأرض ثلاث مواسم في العام ، دون
الحاجة إلى أسـمدة حتى قال
الجنرال ) كارل فون هورن ) كبير
المراقبين الدوليين : (
إن كل شبر من تلك الأرض ، يساوي
منجماً من الذهب لكثرة مايغل من
الحبوب ) .. الآثــار
:
وفيه آثار رومانية ومسيحية
، ومقابر ملأى بالثروان والقطع
الذهبية ، ومن أهم الآثار ( قلعة
النمرود ) ...وتقع على مرتفع
لايصله إلا النسور والصقور ..وتشرف
على شمالي فلسطين كله ، وعلى
ساحل البحر ... كل
هذه الثروات والجهود ضاعـت في
تلك المسـرحية العـار التي سميت
حرب الخامس من حزيران ( 1967م) .. وسنرى
حيثيات المسرحية في قراءة قادمة
إن شاء الله تعالى ... *كاتب
سوري في المنفى ـــــــــــــــ قراءة في سقوط
الجولان -2- الدكتور
خالد الاحمد* سبق
أن نقلنا من كتاب سـقوط
الجـولان التحصينات العظيمة في
( خط ماجينو السوري )، التي جعلت
القيادة الصهيونية تسقط من
حساباتها مهاجمـة هذه
التحصينات واقتحامها ، لأنها
كانت أكثر من مستحيلة ... ماعدا
نقطة واحدة من الشمال ( تل قاضي )
كما يقول الضابط اللبناني لمجلة
الحوادث ، أو ( هضبة المغاوير )
كما يقول مصطفى خليل في سقوط
الجولان ، ومصطفى أدق في معرفة
مواقع الجولان ... هذه النقطة
محصنة طبيعياً ، إذ تشكل انحدار
صخري حاد جداً يصعب تسلق
الدبابات والسيارات العسكرية
منه ، لذلك تركته القيادة
السورية دون تحصين ...
( وأظن أن زاوية انحدار ذلك
الجبل لاتقل عن (80) درجة ، بينما
تتمكن الدبابات من تسلق مرتفع
بزاوية ( 60 ) درجة فقط ، وإن حاولت
تسلق زوايا أكثر من ذلك تنقلب
الدبابة ... وهذا شـجع الخبراء
السوريين على عدم تحصين هذه
المنطقة بالأسلحة مثل باقي
الجبهة واعتبرت محصنة طبيعياً
... النظام
السوري يحرض على المعركة : كانت
سـوريا هي الـمحرضة على الحرب ،
فقد أدلـى وزيـر الدفاع السوري
وقائــد سلاح الطيران اللـواء
حافـظ الأسـد بتصريح لصحيفـة
الثـورة السورية يوم (20 /5 / 1967م )
جاء فيه : ( .. إنه لابد على الأقل
من اتخاذ حد أدنى من الاجراءات
الكفيلة بتنفيذ ضربة تأديبية
لإسرائيل تردها إلى صوابها ... إن
مثل هذه الإجراءات ستجعل
إسرائيل تركع ذليلة مدحورة ،
وتعيش جواً من الرعب والخوف
يمنعها من أن تفكر ثانية في
العدوان . إن الوقت قد حان لخوض
معركة تحرير فلسطين ، وإن
القوات المسلحة السورية أصبحت
جاهزة ومستعدة ليس فقط لرد
العدوان ، وإنما للمبادرة في
عملية التحرير ونسف الوجود
الصهيوني من الوطن العربي
إننا أخذنا بالاعتبار تدخل
الأسطول السادس الأمريكي
وإن معرفتي لإمكانياتنا
تجعلني أؤكد أن أية عملية يقوم
بها العدو هي مغامرة فاشلة ،
وهناك إجماع فـي الجيـش العـربي
السوري الذي طال استعداده ويده
على الزناد ، على المطالبة
بالتعجيل في المعركة ، ونحن
الآن في انتظار إشارة من
القيادة السياسية . وإن سلاح
الجو السوري تطور تطور كبيراً
بعد ( 23/2 /1966م ) من حيث الكمية
والنوع والتدريب ، وأصبحت لديه
زيادة كبيرة في عدد الطائرات ،
وهي من أحدث الطائرات في العالم
، كما ازداد عدد الطيارين
وارتفع مستوى التدريب. دور
سوريا في المعركـة : اكتفت
سوريا بغارة جوية ظهر يوم
الاثنين ( 5/6/1967م) على مصفاة حيفا
، كانت الغارة الأولى والأخيرة
التي قام بها سلاح الجو السوري
الذي يقوده وزير الدفاع حافظ
الأســد . وفي
الأيام ( 6 ، 7 ، 8 ) اكتفت سوريا
بقصف مدفعي على الخط الأول
الصهيوني ، ورمتـه بآلاف
الأطنان من قنابل المدفعية
الثقيلـة ... ونشرت
مجلة الحوادث اللبنانية ، العدد
( 604) في (7/6/1967م ) كا جاء في كتاب (
المسلمون والحرب الرابعة ) : روايـة
الضابـط اللبـناني : قال
ضابط لبناني في مرصد مشترك مع
السوريين : (
في الساعة العاشرة من يوم (
الجمعة في 9/6/1967م ) تحرك لواء
مدرع اسرائيلي
ـ بعد التمهيد من الطيران
والمدفعية ـ بدأ بالتحرك ومعه
جرافات بالجنازير وبرج لحماية
السدنة إلى ( تل قاضي ) المنطقة
الأقل تحصيناً لأنه لايخطر في
بال سوري أو لبناني أو عربي دخول
القوات منها لوعورتها
وارتفاعها الحاد ، واستطاعت
مدرعات البلدوزر اختراق الصخور
، وبعد ذلك أخلت الطريق
للدبابات الإسرائيلية التي
أخذت تتسلق الطريق في محاولة
لتطويق التحصينات السورية
وضربها من الخلف ، وكانت كل
دبابة ترافقها مصفحتان ، أحدهما
للوقود ، والثانية للذخيرة ،
كما أن السائق وحده في الدبابة
حتى اجتازت المنحدر الصخري ، ثم
ألحق بقية السدنة بالطائرات
العمودية ... والأصل
في الخطة أن تقوم المدرعات
السورية الموجودة بهجوم معاكس ،
تقضي على الدبابات الصهيونية
التي اخترقت خط الدفاع الأول ،
وكانت الدبابات السورية موجودة
، ولم تتأثر بالقصف المدفعي
كالعادة ، ولكن قامت بهجوم
معاكس معاكس ....كما سنرى ... كان
المفروض أن يتصل الضابط السوري
الموجود في المرصد المشترك
مع اللبناني
بقيادته ليعين لها زوايا
وجود اللواء المدرع الصهيوني
بواسطة المنظار المكبر ، لكن
سرعان ماتبين أنه لايعرف
استعمال هذا المنظار ، لقد كان
من أشـد المتحمسين للنظام ،
ولكنه كان معلم مدرسـة لم تمض
عليه في الخدمة أكثر من سـتة
شـهور في الجيـش ) ... ( وعندما
وصلت الدبابات الاسرائيلية سفح
( تل قاضي ) منهكة وفي منتهى
الارهاق ، توقعت أن يخرج لها
اللواء السوري المدرع الموجود
بالقرب منها في تحصيناته التي
لم يؤثر عليها التمهيد المدفعي
، ولا الطيران ، توقعت أن يقوم
بهجوم معاكس عليها ـ كما تعلمنا
في الكلية العسكرية ـ وفعلاً
رأينا الدبابات السورية تخرج من
مخابئها ، وبدأت أرقص فرحاً
وحمية ، ولكن المفاجأة أذهلتني
، عندما رأيت الدبابات السورية
تخرج من تحصيناتها لتتجه نحو
القنيطرة هاربة ، لا لتقوم
بهجوم معاكس ([5]). وشاء
الله عزوجل أن تتعطل إحدى
الدبابات في آخر الرتل ، فاضطر
قائدها للقتال ، ووجه مدفعه نحو
العدو وبدأ بالاشتباك ، فدمر ست
دبابات ، وأوقف الهجوم
الاسرائيلي حتى وصل الطيران
الصهيوني فيدمر هذه الدبابة
بصاروخ جو ـ أرض . وتابع
الضابط اللبناني : إن كثيراً من
الضباط السوريين من رتبة ملازم
إلى رتبة نقيب ، يتمتعون بمزايا
حزبية عالية ، ولكنهم لايتمتعون
بمزايا عسكرية مماثلة ([6])
.
ثم يقول مصطفى خليل ( ص
99) : الانســحاب
أو الهـروب الكبيـر : منذ
مساء الخميس (8/6/1967م) بدأت
الشائعات تسري سريان النار في
الهشيم ، عن أوامر صدرت
بالانسحاب ، وبدأ قسم من الضباط
ـ وحتى القادة ـ الانسحاب ،
وساهموا في نشر تلك الشائعات عن
أوامر صدرت من القيادة العامة ،
تنص على الانسحاب كيفياً . ويالهول
ماحدث !!! قائد الجيش اللواء أحمد
سويداني انهزم إلى ( نـوى ) ومنها
إلى دمشق ، تاركاً وحدات الجبهة
ووحدات احتياط الجيش دون قيادة
، واقعة في حيرة من أمرها ،
وقادتها لايدروم ماذا يفعلون !!! وقائد
الجبهة العقيد ( أحمد الميـر )
فـر على ظهر حمـار لأنه لم يجرؤ
على الفرار بواسطة آلية عسكرية
، خوفاً من الطيران الصهيوني ،
ثم أكمل الرحلة إلى دمشق ماشياً
حتى تورمت قدماه ... واتصل
عدد من الضباط بقائد الجبهة قبل
فـراره فرفض التصرف ، وقال له
بالحرف الواحد : أنا لست قائد
جبهة ، اتصلوا بوزير الدفاع ،
فأقيمت الاتصالات بين (قمر 1 ) و (قمر
2) فأجاب وزير الدفاع : أنه قد أخذ
العلم بالوضع ، وأنه اتخذ
الاجراءات اللازمة ... لجأ
بعض الضباط من وحدات اللواء 080)
إلى قيادة موقع القنيطرة بعد
فقدان الاتصال بقائد اللواء وأي
مسؤول في قيادة اللواء ، فوجدوا
المقدم ( وجيـه بـدر ) ماكثاً في
القنيطرة يترقب ألأخبار ، ولما
حاولوا أن يفهوا منه صورة حقيقة
عن الوضع ، تبين أنـه لافقـه
شيئاً ، وحاول الجميع الاتصال
بقيادة الجبهة ، فوجدوها خلـواً
من أي مسؤول عندها دب الفــزع في
قلوب عدد كبير منهم ، واتخذوا
وجهتهم نحو دمشـق ، طالبين
النجاة بأرواحهم ، تاركين
جنودهم كتلاً لحمية تتدافع على
الطرقات ، يدوس القوي منها
الضعيف ، وأزير الطائرات
المعادية وأصوات المكبرات
تناديهم : ألقـوا سـلاحكم ،
تنج،وا بأرواحكم ، فيستجيب
الفارون للنداء ويتخلصون من هذا
السلاح ، الذي صار يهددهم
بالموت بعد أن كان مدافعاً عنهم
... وانفرط
العقـد ... عقـد السيطرة
القيادية ، وصار القادة الصغار
يتصرف حسب هواه أو بداهتـه ،
فالكثيرون هـربوا ، ,أمروا
جنودهم بالهرب ـ وقليل جداً ـ من
غير البعثيين ـ صمدوا وقاتلوا
وظهرت بطولات فردية ... إذن
بدأ الهرب من العدو ومن القتال
مساء الخميس ( 8/6/1967) قبل أن تهجم
إسرائيل على الجبهة السورية ،
لأن هجومها كان صباح الجمعة (
9/6/1967م) ... وبلغ الهـرب ذروتـه
بعد إذاعـة بـلاغ سقوط القنيطرة
كما سـنرى في الحلقة القادمة ... حقيقـة
الأمـر بالانسـحاب : يقول
مصطفى خليل (ص 169) : [
وحتى أوامر الانسحاب المزعومة
...لم تصدر بشكل رسمي ، ولم تبلغ
بصورتها العسكرية الصحيحة إلى
الوحدات ، وإنما تـم إبلاغها
بصـورة هامسـة إلى الضباط
الحزبييـن ، والقادة الكبار
بالتوجـه إلى دمشق ، وحضور
اجتماعات حزبيـة ...الذين
ماعتموا أن اداروا ظهورهم
لوحداتهم ، وولـوا أدبارهم
للعـدو ، واتخذوا وجهة الهروب
إلى دمشق ، ومنها إلى حمص ... لأن
قيادة الحزب كانت قد عملت
حسابها أن دمشق ستسقط بيد العدو
الصهيوني ... أما
الوحدات ... وخاصة الأمامية أو
المعزولة أو المطوقة ، فلم تبلغ
شيئاً من أوامر الانسحاب هذه ،
ومكث أكثرها في أماكنهم حتى يوم
الجمعة (9/6/1967) فوجدوا أنفسهم وقد
اصبحوا معزولين عن باقي الوحدات
... ,اخذت أجهزة الهاتف تمارس
البكـم القاتـل ... وشعر الذين
بقوا في أماكنهم حتى ذلك
التاريخ ... أنهم قد أصبحوا بقايا
قافلة ...تخلى عنها قادتها
وحادوها وأدلاؤها ...بعد أن
تسللوا ليلاً إلى واحات مجاورة
... وتركوها مشتتة في وجـه
الإعصار المحرق ... وهكذا كان
الهـروب الكبير ... الهجـوم
المعـاكـس : في
صباح يوم الجمعة (9/6/1967م) ـ بعد
الخرق الصهيوني ـ أمر اللواء
أحمد سويداني اللواء السبعين (
دبابات ت 54 يومذاك أحدث دبابات
الجيش السوري ) ، أمره أن يقوم
بالهجوم المعاكس على القوات
الصهيونية التي خرقت قطاع
الجبهة ، ولكن قائد اللواء (
عـواد بـاغ ) ـ أفضل شخصية
عسكرية باقية في الجيش يومذاك ـ
وكان يشغب رئيس شعبة عمليات
الجيش ، عارض اللواء سويداني
بقيام هجوم معاكس نهاراً بدون
غطاء جوي ، وتكفل بتنفيذ الهجوم
المعاكس ليلاً ، وتراجع
السويداني وفوض الأمر للواء
عـواد بـاغ ... الذي أمر قائد
اللواء السبعين ( العقيد عزة
جديد ) بتنفيذ الهجوم المعاكس
والتحرك ليلاً ليكون في الصباح
على تماس بالعدو وينتشر للهجوم
عند ذلك ، ولايستطيع طيران
العدو التدخل عندما تتداخل
القوات ببعضها ... إلا
أن ( العقيد عزة جديد ) حامي
الثورة ونظام البعث ، رفض
الأوامـر ، بحجـة عدم التحرك
بدون حماية جوية ، واتصل مع صلاح
جديد وحافظ الأسد فشجعاه على
ذلك ... ورفض ( العقيد عزة جديد )
الأوامر ... ورفض أن يشـن هجوماً
معاكساً على القوات الصهيونية
المنهكة من القتال في سيناء
والتي نقلت بعد أربعة أيام
للقتال في الجولان ، رفض
الأوامر العسكرية .... وضاعت
الجريمة ولم يحاكم ... بل استمر
حامي حمى الثورة والنظام ... وفي (
1970) كنت طالباً عنده في اللواء
السبعين ... وكان متفرعناً يعامل
العقيد ( عبدالله الشواف ) ابن
دورته ، وقائد دورتنا ، كما
يعامل العسكري المجنـد ... وفي
الليل تحرك اللواء السبعون ...
ليقوم بتحرك معاكس ... نحو دمشق ..
وليس نحو الجولان ...ووصل دمشق في
الليل نفسـه ، واستقر في بساتين
الغوطـة وحدائقها ... وللحديث
صلـة إن شاء الله ... *كاتب
سوري في المنفى [1]
ـ
نقلاً عن كتاب ( المسلمون
والحرب الرابعة ) .. [2]
ـ
يؤكد صحة هذا الكلام أن العدو
الصهيوني لم يفكر في اختراق
الجبهة السورية من هذه
التحصينات ، وإنما كان أول
خرق من نقطة وعرة جداً ، لم
تحصها القوات السورية على
أساس أنها محصنة طبيعياً
، لايمكن دخول المركبات
منها لأنها شديدة الانحدار
بالاضافة إلى أنها منطقة
صخرية ، من هذه المنطقة تسلقت
أول مجموعة من دبابات العدو
يقودها السائق فقط ، ثم ألحق
بقية السدنة لدبابالتهم
بالهيلوكبتر ، خوفاً من
انقلاب الدبابة ، وموت
عناصرها ، وقد انقلب بعض
الدبابات عندما كانت تتسلق
ذلك المرتفع الوعـر .. [3]
ـ
في عام (1964) وفي العطلة
النصفية المدرسية ، قامت
دارالمعلمين بحمص برحلة إلى
الجولان ، وكنت من ضمن الرحلة
، وشاهدنا القطاع الشمالي
والأوسط والجنوبي ( الحمة )
خلال يومين أو ثلاثة ، وسمعنا
شرحاً من الضباط عن مزارع
السمك ، والمنخفض الذي تحتله
الصهيونية أمامهم ( الحولـة )
، وشاهدنا كيف تطل الجولان
الهضبة المرتفعة على سهول
منخفضة ، فيها المستعمرات ،
ومزارع السمك ، وغير ذلك ،
وأذكر أن أحد الطلاب قال أما م
الضابط : هم معهم أمريكا ،
ونحن معنا الله فأجاب الضابط :
إذا كنا نحن مع الله !!! [4]
ـ
نقلاً عن كتاب ( المسلمون
والحرب الرابعة ) ص 171 . [5]
ـ
مجلة الحوادث ، اللبنانية ،
العدد رقم (406 ) في (7/6/ 1968م ) عن
كتاب المسلمون والحرب
الرابعة ص 172 . [6]
ـ
المرجع السابق .
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |