أما
آنَ لخلايا الجولان النائمة
أن
تستيقظ ؟!..
بقلم
: الدكتور محمد بسام يوسف*
منذ أن وُجِدَ النظام السوري على وجه
الأرض، وهو لا يكلّ ولا يملّ من
إطلاق الشعارات الفارغة، التي
كانت تُستَهلك داخلياً، وما
تزال خارجياً تُستَهلَك حتى
اليوم، لاستقطاب أكبر عددٍ من
الأحزاب العربية (العاطلة عن
العمل)، المقتنعة (مَصلحياً)
بأنّ النظام الذي سلّم الجولان
يداً بيدٍ للعدو الصهيوني..
سيقوم باسترجاعه، بلا هوادةٍ
ولا كللٍ ولا مَلل!..
بعد اشتداد مطالبة الناس للنظام في السنة
الأخيرة بفتح جبهة الجولان أمام
كل مَن يرغب بتحريرها، طلع
علينا هذا النظام الأسدي بآخر
صرعاته، التي تقول : نحن لدينا
خطّتنا لتفجير عملٍ مقاوِمٍ في
الجولان، ولدينا خلايانا
المقاوِمة النائمة هناك، وهي
تنتظر الإشارةَ للانطلاق!.. ثم
جرى ربط هذه المقولة بأختها
أكذوبة تحديد زمان المعركة
الفاصلة ومكانها، اللذَيْن لا
يعلمهما (إن كانا موجودَيْن
أصلاً) إلا الله سبحانه وتعالى،
عالم الغيب والشهادة !..
وخلال أكثر من ثلث قرن، كان النظام الأسدي
البهلواني يقفز، من أسطورة
التوازن الاستراتيجي (أي بناء
القوة العسكرية والاقتصادية
التي توازن قوة العدو).. إلى
خرافة الخيار الاستراتيجي (أي
بناء السلام وعَقد اتفاقيات
الصلح مع الكيان الصهيوني)،
وبذلك قفز بهلوان النظام من
دمشق إلى دول الخليج العربي،
ليتسوّل مستلزمات (التوازن
الاستراتيجي).. ثم إلى طهران،
ليتسوّل مباركة الحوزات
والملالي والآيات.. وحَطَّ
أخيراً في لبنان وجنوبيّه،
ليفرّغ ما تَسوّله، في دهاليز
الحلف المشبوه الذي لم يُعلَن
عنه إلا منذ أشهرٍ قليلة..
ولتصبَّ كل إمكانات (التوازن
الاستراتيجي) أولاً بأول، في
خدمة بناء دولةٍ طائفيةٍ حليفةٍ
داخل الدولة اللبنانية،
وتوظيفها لخدمة سياسات
المتحالفين استراتيجياً : من
طهران إلى لبنان.. وخلال ذلك لا
ينسى أزلام النظام (على البيعة)،
أن يغرفوا بشراهة الأسود، من
أقنية (التوازن الاستراتيجي)،
ليوظّفوها للحرب الحاسمة في
بنوك سويسرة وأوروبة وأميركة..
إلى أن فاحت رائحة التوازن
الاستراتيجي في الحسابات
المصرفية السرّية لأفراد
الأسرة الأسدية، لدرجة أنّ نظيف
اليد والقلب واللسان (باسل بن
حافظ الأسد)، المحلِّق (على ذمة
الدكتور البوطي) طيراً أخضر حول
عرش الرحمن، الذي راح ضحية
التوازن الاستراتيجي في عِزّ
شبابه (32 سنة) عند عتبات لبنان..
لدرجة أنه لم يكن يملك رصيداً
جارياً قبل تحليقه حول عَرش
الرحمن.. سوى المليارات الأربعة
من الدولارات، التي كشفت عنها
أوساط المال السويسرية آنذاك،
وبعضهم أفاد بأنها كانت سبع
ملياراتٍ فحسب!..
ما إن كُشِفَت اللعبة الأسدية لابتزاز
مستلزمات التوازن الاستراتيجي..
حتى قفز الأسود إلى (حفر الباطن)
لمقاتلة الجيش العراقي، جنباً
إلى جنبٍ مع جيوش الإمبريالية
الأميركية والغربية، لاستكمال
توازنهم الاستراتيجي.. ثم فوراً
من حفر الباطن، قفزوا إلى (مدريد)
السلام، بنفس الطريقة التي قفز
بها سيئ الذكر (إسحاق شامير)
رئيس وزراء العدو الصهيوني
آنذاك، الذي كان الأسديون (يتوازنون)
معه استراتيجياً في ذلك الوقت!..
ثم بقفزةٍ خلاّقةٍ قياسية.. طار
الأسديون إلى واشنطن، ليعلنوا
عن خرافة (الخيار الاستراتيجي)
خياراً وحيداً للتحرير!..
بعد أن انهدّ (حيل) الأسديين من القفز، وبعد
فقدانهم بعض أجنحتهم
البهلوانية التي كانوا يطيرون
بواسطتها.. صاروا رهائن موقفٍ
مُحرِجٍ أمام كل المخدوعين بهم،
خاصةً –كما ذكرنا- أمام بعض
الأحزاب العربية العاطلة عن
العمل، التي يوظّفونها للتطبيل
والتسويق والتزمير والتلميع..
في خدمة النظام.. بعد أن حدث ذلك،
عاد الأسديون إلى أساطيرهم
وشعوذتهم، فأعلنوا عن أنه خير
طريقٍ للتحرير هو طريق المقاومة
على شكل حرب العصابات، وأنهم
يعدّون العدة لتنفيذ خطةٍ
تحريريةٍ جهنمية.. وبما أنّ مثل
هذه الخطط العسكرية سرّية.. فقد
أعلنوا عنها بكل وسائل الإعلام
الأسدية، وحرّكوا أزلامهم
للإعلان، بأنه لديهم (خلايا
نائمة) في الجولان تنتظر الوقت
المناسب، للانقضاض على العدو
الصهيوني!.. لكنهم (والشهادة لله)،
لم يزعموا أنهم سيُغرقون
الصهاينةَ في البحر، كما
أغرقوهم في حرب عام 1967م، على
أيدي الفارس الهمام (حافظ الأسد)،
الذي لم يكن يَشغل في ذلك الوقت
إلا منصب وزير الدفاع، وكما
نرى، فهذا المنصب من التفاهة
بمكان، إلى درجة أنه لا يخوّله،
سوى لبيع هضبة الجولان (مفروشةً)
إلى العدو الصهيوني!.. ثم بعد
انتصار النظام الباهر في تلك
الحرب.. تَم ترفيع الفارس الهمام
إلى رتبة (فريق ركن)، مع مَنحه
مَنصباً تافهاً أيضاً (على
البيعة)، فأصبح رئيساً
للجمهورية، لعلّه من خلال هذا
المنصب، الذي أصبح فيه يملك
الحزبَ الحاكمَ والوطنَ والجيش..
لعلّه من خلال ذلك يحرّر الأرض
والعِرض!.. ولعلّه منذ ذلك الوقت
قد زرع خلاياه في الجولان، وقام
بتنويمها لتأخذ إسم : (الخلايا
النائمة)، مع عدم تدقيقنا في
طريقة التنويم، سواء أكانت
مغناطيسيةً سحرية، أم دوائيةً
بالمورفين وغيره من المنوِّمات
الموثوقة!..
لا تَعجبوا، فأهل الكهف ناموا تسعاً وثلاث
مئة سنة، ثم استيقظوا بحول الله
وقدرته.. وخلايانا النائمة منذ
ثلث قرنٍ في الجولان، ما تزال
الفرصة أمامها سانحةً
للاستيقاظ.. خاصةً إذا كان
المورفين الأسدي المستخدَم، من
العيار الثقيل.. تماماً كعيار
هذه الأسطورة الأسدية العجيبة!..
إذا كانت كل القذائف، وكل صفير أجهزة
الإنذار، وكل هدير الطائرات
الحربية، وكل دويّ المدافع، وكل
صراخ الأطفال، وكل عويل النساء،
وكل أزيز الرصاص، وكل شلالات
الدم الدافق، وكل رائحة الحرائق
والدم والموت.. التي تجري في غزة
ولبنان.. إذا كان كل ذلك لم يوقظ
خلايا الأسديين النائمة في
الجولان.. فمن المؤكّد أنّ الأمر
يحتمل وجهَيْن : فإما أنّ تلك
الخلايا الأسدية نائمة في فندق (ميريديان
دمشق) ذي النجوم الخمسة، ولم تعد
قادرةً (مع أنها استيقظت) على
الوصول إلى الجولان، بسبب أزمة
المواصلات التي خلّفها القصف
الصهيوني.. أو أن تكون تلك
الخلايا غير نائمة، بل ميّتة،
بسبب الجرعات العالية من
المورفين الأسدي المحقونة به!..
النائم عذره معه، أما الميّت، فلا عذر له
ولا لمن قَتَله!.. وفي كل
الأحوال، نقول للنائم : نوم (الهافية)
إن شاء الله.. ونقول للميّت : لا
ردّك الله عز وجل!.. وتصبحون على
خير!..
*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء
الشام
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|