ـ

ـ

ـ

الاثنين 24/07/2006

قصص أقصر من القصيرة

مُقَاوِم مُتَحَضِّر

بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف

عاد (مصطفى) إلى منـزله ليلاً، بعد يومٍ حافلٍ بالعمل الشاقّ، ولدى وُلوُجِهِ من الباب الخارجي، فوجئ بمجموعةٍ من الرجال الملثَّمين ينقلون قِطَعاً من أثاثِ منـزله، إلى شاحنةٍ كانت واقفةً داخل الحديقة، وكان وَقْعُ المفاجأة أشدّ على نفسه، حين لم يجد زوجته وأطفاله داخل المنـزل.. حاول أن يستفهم عن الذي يحدث، فزجره أحد اللصوص، طالباً منه أن يساعدَه في نقل بعض قطع الأثاث إلى الشاحنة !..

خرج (مصطفى) محدِّثاً نفسَه :

ـ يجب علي ألا أستفزّهم، بل أن أتّبع معهم أسلوباً حضارياً لأفهمَ الذي يحدث أولاً، ولأستعيدَ منـزلي وممتلكاتي ثانياً، ولأعرفَ مكان زوجتي وأطفالي ثالثاً !..

عاد مساءً إلى منـزله، يحمل باقةً من الأوراد الجميلة.. قرع الباب.. ففتحه أحد الرجال، ثم استوقفه ساعتين عند الباب قبل أن يسمحَ له بالدخول.. دخل (مصطفى) وسلّم على الحاضرين، وقدّم لزعيمهم باقة الأوراد، ثم دعاه للحوار حول الذي يجري في منـزله الذي اغتصبَه الزعيم وعصابته.. فبادره الزعيم بالقول :

ـ بإمكانكَ أن تعيشَ معنا هنا، فقد تركنا لكَ غرفةَ المعيشة.. أما زوجتكَ وأطفالك.. فقد قُتِلوا أثناء صراخهم عندما داهمنا المنـزل، إلا طفلُكَ الأكبر، فقد تمكّن من الهرب، ولا نعلم أين هو الآن !..

حاول (مصطفى) إقناعَ الزعيم، بأنّ المنـزل منـزله، ولا يجوز الاستيلاء عليه بهذا الشكل غير الحضاري.. فغضب الزعيم، وأمَرَ رجالَه بطرده إلى الحديقة !..

كان (مصطفى) يبكي بين أشجار النارنج تحت جنح الليل، فانزعج الزعيم من صوته ونَحيبه، وأمر الرجال بأن يُحضِروه إليه لِيُعَاقِبَه.. وبحث الرجال في كل أرجاء الحديقة، لكنهم لم يتمكّنوا من معرفة مكانه.. فأمرهم الزعيم بإحراق الأشجار، واقتلاع كل الأزهار والأوراد، وتجريف الحديقة، إلى أن يعثروا على (مصطفى)، الذي هرب على الفور !..

بعد خمس سنواتٍ من التشرّد والعذاب، تسلّق (مصطفى) سورَ الحديقة، ورمى حَجَراً إلى نافذةٍ داخليةٍ لمنـزله، فأصاب به رأسَ زعيم العصابة.. فشجّه.. ثم هرب، لكنه فوجئ في اليوم التالي بصورته منشورةً على صدور الصحف كلها، مع عنوانٍ بالأحمر العريض : (إرهابي يعتدي على حُرُمات الناس الآمنين) !..

قدّم (مصطفى) شكوى إلى الجهاتِ المَعنيّة في البلدة، فاكتشف أنّ القاضي هو والد زعيم العصابة.. وأنّ رجالَ الشرطة هم حُرَّاسُه.. وأنّ الأجهزةَ المختصّة هم عملاؤه السِّريّون !..

بعد عشرين سنة، قَدِمَ شابٌ مُدَرَّب، يَهَابُه الناس، وقد رزقه الله بَسْطَةً في الجسمِ والعقل، فتسلَّل إلى داخل المنـزل، ثم زرعَ قُنبلةً في الصالون، وعندما اجتمع الزعيم مع رجاله كلهم داخله، ضغط الشابّ المتخفِّي في الشارع المجاور على أحد أزرار هاتفه الجوال، فانفجرت القنبلة، وتناثرت أشلاء رجال العصابة كلهم.. وتناقلت الخبرَ وكالاتُ الأنباء في البلدة والبلدات المجاورة: (بعد طولِ غياب، "طارقُ بن مصطفى" يَظهرُ من جديد، ويستعيدُ منـزلَ عائلته المحتَلّ خلال نصف ساعة، والحُرَّاس يَفِرّون)!..

 المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها    

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ