النظام
السوري
بين
حالة فقدان الدور وتناقض الخيار
...!
د.نصر
حسن
قديكون العدوان
الإسرائيلي الهمجي على لبنان
الذي بدأ في : 12 تموز 2006 ,هو من
أخطر المحطات في تاريخ الصراع
العربي الإسرائيلي , بل ربما
يمثل نهاية حقبة وبداية حقبة
جديدة سيدخلها النظام العربي
الرسمي والنظام السوري على وجه
التحديد (إن بقي على قيد الحياة )
خاوي اليدين وحافي القدمين
وفارغ العقل مفتقرا ً لأية
شرعية عاريا ً سياسيا ً ووطنيا ً,
مجردا ً من أي عمق شعبي أو دعم
دولي ولايملك أية خطة
أواستراتيجية ولن يكون له دور
سوى دور المتفرج وإعطاء الشرعية
للعدوان والمزيد من محاصرة
الشعوب وحصرها ودفعها باتجاه
العقلانية الإنتحارية التي
تلغي وجودها وقبول الأمر الواقع
كما تفرضه "إسرائيل ",
ولكون النظام السوري هو أحد
اللاعبين الأساسيين سابقا ًفي
عملية الصراع وفي محصلته العامة
صب في مصلحة" إسرائيل "
وبالضد من مصلحة الشعوب العربية
كلها , لهذا لابد من التوقف على
الدور الذي قام به خلال فترة
الصراع وهو يسير في تناقض كامل
بين كونه أحد العوامل المحورية
التي مكنت "إسرائيل " من
تحقيق أهدافها الإستراتيجية في
المنطقة العربية , وبين ادعائه
حمل لواء الصمود والتحرير لفظيا
ًوظاهريا ً بما هو جزء مكمل من
الصورة التي تحتاجها
الإستراتيجيات المعادية لمصالح
الشعوب العربية , وما أفرزه هذا
التناقض من إضعاف بنية المجتمع
وتهميشه عبر سلسلة طويلة مبرمجة
من القمع والقتل وإلغاء الحريات
وتغييب المشاركة في تحديد مصيره
والوصاية عليه بما أوصله إلى
حالة العجز التي هي مقدمة لحالة
الإنهياروهي بدورها تمثل في أهم
أبعادها الشرط الضروري لحماية
"إسرائيل " وضمان تفوقها
بكافة المجالات على مجموع العرب
في الحاضر الذي نشاهده الآن وفي
المدى القريب والبعيد الكارثي
القادم على الطريق .
ولفهم اللحظة
الراهنة سوريا ً لابد من توضيح
السلوك الذي أنتجها , لهذا يتوجب
توضيح دور النظام السوري على
مسارت ثلاثة :
الأول – هو دور
النظام السوري على المستوى
الداخلي ,
الثاني – هو دور
النظام السوري في عملية الصراع
العربي الإسرائيلي,
الثالث – هو دور
النظام السوري في مرحلة بشار
أسد وفي الحرب الهمجية ضد لبنان
الآن تحديدا ً.
وسيتم استعراض
الأدوار الثلاثة بشكل مفصلي
مختصر هدفه كشف الخداع والتزييف
والوهم في محاولة لرؤية الحقائق
كما هي بغية محاولة الخروج من
نفق النظام وتسريع عملية إيجاد
بديل قادر على الخروج من مستنقع
النظام وإبعاد الخطر عن سورية
في هذه الظروف المفتوحة على
المجهول .
أولا ً- دور النظام
السوري على المستوى الداخلي :
إن وجود النظام
السوري من الأساس هو وجود غير
شرعي لأنه أتى بقوة السلاح عام
1963 من خلال مجموعة مغامرة
ومقامرة وبخطاب غوغائي أجوف
بعيد عن الواقع بعد السماء عن
الأرض ,وفرض على الشعب صغ جديدة
أساسها العنف وربط وجوده بإحكام
مع وجود صراع إستراتيتجي بين
العرب و"إسرائيل, وأصبح بقاؤه
مرتبطا ً كليا ً بموقفه ودوره من
وفي الصراع ولمصلحة "إسرائيل",
هذا الصراع هو الذي وفر للنظام
استمرارية البقاء إلى الآن رغم
كل الكوارث الإنسانية
والعسكرية والسياسية التي
ارتكبها وأوقع الشعب والآخرين
فيها.
والبديهي أن أهم
مؤشر مباشر بسيط لفهم دورأي
نظام سياسي هو علاقته مع الشعب
وحرصه على الأرض الوطنية
والحفاظ على الكرامة الإنسانية
للمواطنين , لم يكن هذا على
الإطلاق موجودا ً في برنامجه بل
كان برنامجه الذي أفرزته موازين
الحرب الباردة على المستوى
الدولي مبنيا ً أساسا ً على قمع
الشعب وإبعاده بالقوة عن ساحة
الصراع وتأسيس الدولة الأمنية
الطاغيةالتي أحكمت سيطرتها على
حياة الشعب بشكل كامل وحصره إما
في المقابر الجماعية أو في
السجون أو في الفقر والذل أو في
دائرته الفاسدة والمفسدة على
كافة المسارات الأمر الذي أدى
إلى إضعاف سورية رافقه القضاء
على المقاومة الفلسطينية
والحركة الوطنية في سورية
ولبنان والشرق العربي عموما ً
وربط نفسه عضويا ً بكل المشاريع
الخارجية والإسرائيلية ودعمها
ووفرالغطاء لها وألغى خيار
التحرير وتمسك بخيار الإستسلام
الشامل وعمل كل مايستطيع لجر
السياسة العربية كلها في هذا
الإتجاه .
ثانيا
ً- دور النظام السوري في عملية
الصراع العربي الإسرائيلي :
إن وضع سورية الآن
والذي تمثله حالة العجز الكامل
على كافة المسارات وبشكل خاص
على مسار الصراع العربي
الإسرائيلي سببه الأساسي هو أن
النظام بنى برنامجه على البقاء
في الحكم والعمل على الإستمرار
وسلك في سبيل ذلك كل الطرقات
وارتكب كل المحرمات داخليا ً
وإقليميا ً ودوليا ً.
وخلاصة برنامجه
قائم على الإستسلام وتجيير
الوضع الداخلي والعربي بكل
الوسائل في هذا الإتجاه , مع
تغطية ذلك بخطاب غوغائي لفظي
تحريري فارغ وفاقد أي سند فعلي
وواقعي على مستوى موازين القوى
الذي عمل جاهدا ً على إضعافها عن
طريق إلغائها لتصبح كل موازين
القوى في يد "إسرائيل "
وأوصل سورية ومعها العرب إلى
حالة الخواء من أي أوراق قوة في
سلسلة طويلة من توريط سورية
والعرب في حروب خاسرة مع"
إسرائيل " , باختصار كان
التناقض الذي يسير عليه هو
اللعب على توازن بين الخيار
العسكري وخيار المقاومة وأجهض
الخيارين معا ً عبر سلسلة دامية
طويلة في سورية ولبنان وفلسطين ,
وكان السند الأساسي له بالسير
في هذا الإتجاه هو الغطاء
الدولي وتوازنات الحرب الباردة
التي انتهت مفاعيلها وهو لم
يستطع بحكم بنيته وبرنامجه من
أن يخرج منها , هذا هو التناقض
الأساسي الذي يحكم النظام حاليا
ً وهوتناقض أخرجه فعليا ً من
اللحظة الراهنة على المستوى
الداخلي والخارجي , ويعيد تكرار
نفسه للدخول على خط الأحداث عبر
الإستسلام بأن يكون لعبة ً في يد
الإستراتيجيات المضرة بسورية
والوطن العربي بشكل عام .
ثالثا ً- دور النظام
السوري في مرحلة بشار أسد وفي
الحرب الهمجية ضد لبنان تحديدا
ً" :
وجاءت عملية وراثة
بشار لسورية امتداد لتثبيت عدم
الشرعية الدستورية والوطنية
وفي ظروف داخلية تمثل حالة
انهيار كاملة على مستوى الدولة
وحالة احتقان اجتماعي بلغ أقصى
مداه سلبا ً في تاريخ سورية
الحديث بماطبع سورية بحالة من
الضعف المهين أمام القوى
الخارجية التي قطعت شوطا ً
كبيرا ً في بناء بنيتها
العسكرية والإجتماعية
والإقتصادية وهذا شكل خللا ً
مخيفا ً في موازين القوى, وضع
سورية في دائرة الخطر الحقيقي
على المستوى الإقليمي ومافيه من
مستجدات زادت عوامل الضعف
والتفكك والإنهيار عند أول
عاصفة , والغريب أن النظام بدل
أن يرجع إلى الشعب في هذه الظروف
الخطيرة وهو بحالة من الضعف
الذي يهدد مصير سورية , ويفتح
باب الحريات ويقر بالمسار
الديموقراطي ومشاركة الشعب ,
زاد طيشه في الداخل عبر استمرار
سلوك القمع وخنق الحريات
والتنكيل بالمعارضة ورموزها
الوطنيين ونشطاء حقوق الإنسان ,وزاد
ارتباكه على المستوى الإقليمي
وخاصة ً التعامل مع البؤر
المتوترة فيه وارتكب السلوك
القاتل في لبنان بإصراره على
اعتباره ملحقا ً في مزرعته
السورية, وبدل أن يتعامل مع
الأمور بالعقلانية التي تبعد
الخطر ولاسيما أنه في حالة
مهينة وغيرقادرمن الدفاع
عن سورية ,أصرعلى التعامل مع
الوضع اللبناني كورقة لإثبات
وجوده الإقليمي واستمر في سياسة
التخريب السياسي والإجتماعي
والإقتصادي واللعب بالساحة
اللبنانية بشكل مباشروغير
مباشر إلى أن أوصل لبنان لما هو
عليه الآن من عدوان همجي ودمار
وموت وخراب.
لسنا هنا في معرض
شرح استراتيجيات الآخرين ,لكن
هذه هي طبيعة الحياة الإنسانية
التي خلاصتها صراع إرادات وصراع
مصالح وصراع استراتيجيات وصراع
سيطرة ورغبة بقاء ,وموازين قوى
تتحكم بالواقع وليس خطابات
غوغائية ونظم سياسية فاسدة وأطر
حكم خشبية أكل الدهر عليها وشرب
, لكننا معنيين بقول الحقيقة
والصدق والجهر بها في هذه
الظروف والتي يؤشر العدوان
الهمجي على لبنان بداية دخول
حقبة جديدة خطيرة جدا ًمن
الصراع لها مفاعيلها وقواعدها
الجديدة تمس الحقوق والشعوب
والجغرافيا والوجود العربي كله
.
خلاصة القول : أن
بشار أسد ورث مع جملة الموروثات
آلية حكم نسقت من الساحة
السياسية الدولية منذ ربع قرن ,والسبب
الأساسي فيها الذي أوصل النظام
سورية لما هي عليه , هو التناقض
بين الموقف الحقيقي له وهو
الإستسلام وسلوك الخداع وتبني
شعارات التحريروالصمود والتصدي
, وفي هذا التناقض بين شعار
التحرير وسلوك التآمر
والتمريريكمن سلون النظام
بالتعامل عسكريا ً مع "إسرائيل
" ,عسكريا ً عبر وسيط مقاوم
يستخدمه لتحريك وتسخين الصراع
وحسب حاجة الإستراتيجية
الإسرائيلية وبعدها يتم إبعاده
بكل السبل من ساحة الصراع هكذا
تعامل مع الورقة الفلسطينية
ودمرها في لبنان عام 1982, وهكذا
يتعامل الآن مع الورقة
اللبنانية, والعدوان
الإسرائيلي الهمجي على لبنان هو
الإفراز العملي لسياسة النظام
السوري , وفي موقفه المتفرج على
تمزيق لبنان وعلى الدماء التي
تسيل وعلى الخراب الذي طال كل
شيء في لبنان , مايلخص رغبة
وسلوك اللعب بدماء اللبنانيين
في ظروف لم يهيء النظام لها سوى
رغبته في إثبات وجوده على أنقاض
المقاومة اللبنانية ومحاولة
الضغط على الأطراف المعنية
للحوار معه على أمل إعطاؤه دور
ما يوفر
له البقاء في السلطة والإستمرار
فيها .
وأخيرا ً أيا ً كانت
الذريعة للعدوان على لبنان فإن
النظام السوري معني سياسيا ً
وأخلاقيا ً ووطنيا ً بتحرير
الجولان ودعم المقاومة
اللبنانية إثباتا ً لصراخه ليل
نهار عن المقاومة والتحرير,وحق
تحرير الأراضي المحتلة وكأن
الجولان ليس محتلا ً وحقيقة ً
بالنسبة له هذا هو واقع الحال ,
الجولان في عرف النظام لم يعد
جزء من سورية منذ عشرات السنين
وهويخادع ويضلل بعزف موسيقى
الوطنية ودق طبول الحرب
المثقوبة ,والذي يعطي هذا
الكلام مصداقيته هو هذا الصمت
الذليل من العدوان على لبنان
وهذا الصمت المهين بالتخلي عن
الجولان , لأن الجولان هو ليس
قصة غزل مكانها " القلب
والوجدان " فقط بل هو أرض
وحقوق شعب وإنتماء بشر وحياتهم
وإنسانيتهم ومستقبل أجيالهم .
من
يسكت على الطائرات
الإسرائيلية وهي تجول وتصول فوق
قصره بخطوة من الإهانة لامثيل
لها في تاريخ القادة "العظماء
أو الجبناء " وفيها يكمن
تفسير كل صمته وتخاذله , بل
مشاركته في العدوان على لبنان ,
وهذا ليس جديدا ً بل طقوسا ً لدى
النظام السوري مارسه سابقا ً
ويمارسه الآن وسوف يمارسه في
المستقبل على كافة الجبهات, وهو
ليس معنيا ً بشعب لبنان
ولابتحريرالجولان لأن له دور
آخر يحدده الآخرون وينفذه هو في
أي مكان, واستطرادا إن كل
مانشاهده من ضعف وعجز وانهيار
هو نتيجة تناقض الخيار فهل دماء
اللبنانيين التي تسيل بغزارة
مرعبة أمام أعين النظام السوري
ستمثل استمرار أم نهاية الأدوار
....؟!.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|