نحو
مفهوم جديد لمعنى الوطنية
والخيانة
نادية
عيلبوني
ربما لا نجافي الحقيقية إذا ما
قلنا أن الأنظمة العربية ومن
بعدها التيارات الدينية قد
أسبغت على نفسها، منذ البداية،
صفات ذات طابع مطلق وأحادي غير
قابل للتشريح والمراجعة. ولعل
المشكلة لا تكمن فقط في هذا
الاختزال أو الاحتكار لمفاهيم
مثل الوطنية على سبيل المثال لا
الحصر، بل أن المصيبة تكمن في
تمترس الباحث والمحلل السياسي
في زاوية واحدة لا تحاول النفاذ
إلى تلك المفاهيم المتبناة من
قبل هذه القوى لتبيان عوراتها
الفاضحة والكثيرة.
ربما لا نتجاوز الواقع إذا ما
قلنا إن الخوف من إرهاب تلك
القوى التي جازت لنفسها السيطرة
على كل الحقائق سواء منها
الوطنية أو الدينية، هو السبب
الذي يمنع الباحثين من مراجعة
شاملة لكل المنظومة الفكرية
والسياسية التي يستند إليها
هؤلاء الذين فرضوا علينا
مفاهيمهم كمفردات مطلقة غير
قابلة للجدل أو المراجعة.
وربما أيضاً لهذا السبب يتجلى
التردد أو يظهر النقد الخجول في
نقد حزب الله الذي احتكر صفة
الوطنية لنفسه وسعى بكل همة
ودأب وتحت هذا الادعاء إلى
القفز فوق حقوق الآخرين وصولا
إلى خراب لبنان كله.
ادعاء حزب الله المغلف
بشعارات المقاومة والوطنية لا
يكفي برأينا لإخفاء الوجه
القبيح وطنيا
لحزب الله . ولا تكمن
القباحة هنا فقط بطابع
الاستبداد الذي يمتاز به هذا
الحزب الطائفي الذي أخذ على
عاتقه، بتفويض من أسياده
الإيرانيين، تجاوز رأي
الغالبية اللبنانية وباعتماده
الأساسي على طائفة واحدة وبناءه
لمؤسسات طائفية بديلة
لمؤسسات الدولة، ولا أيضا في
محاولته انتزاع مهمة كل
اللبنانيين في يخص القرارات
المصيرية، بل لأن هذا الحزب وجد
أساسا من قبل إيران لأهداف ليس
لها علاقة من قريب أو بعيد
بمصلحة لبنان أو مصلحة الشعب
اللبناني.
لا حاجة بنا إلى إعادة التذكير
بكيفية نشأة حزب الله على يد
قوات الحرس الثوري الإيراني ,
ولا نعتقد أن جميعنا يتميز
بالسذاجة التي تجعلنا نعتقد أن
هذا الحزب أوجدته السلطات
الإيرانية خدمة لمصلحة لبنان
الكيان، بل أن السلامة العقلية
هي ما تجعلنا نبحث عن الأسباب
الحقيقية التي تشير جميعها أن
هذا الحزب وجد لخدمة مصالح
إيرانية ليس أولها ولا آخرها
بالطبع محاولة تصدير النموذج
الإيراني إلى عموم المنطقة
العربية، إضافة إلى أسباب أخرى
تتعلق بحاجة إيران إلى نقل
صراعها مع الولايات المتحدة
الأمريكية إلى أراضي الغير عبر
البوابتين الفلسطينية
واللبنانية.
الدلائل على ما نذهب إليه هي أكثر
من أن تعد وأن تحصى، ليس أولها
الدعم الإيراني المطلق والغير
محدود منذ البداية وحتى الآن
لهذا الحزب ماديا وعسكريا
ومعنويا لأداء المهمة المرسومة
له. اعتماد إيران في بناء حزب
الله على قاعدة طائقية وبالذات
الطائفة الشيعية لا يحتاج بدوره
إلى الكثير من الأدلة
والبراهين، فإيران التي تحتاج
في تعاملها مع الغير إلى الولاء
المطلق لم تجد غير الوتر
الطائفي لتلعب عليه وذلك من اجل
ضمان الولاء المطلق للسلطات
الإيرانية الثيوقراطية التي
تسعى إلى تصدير هوسها الديني
إلى كامل المنطقة العربية.
كما لم يعد خافيا على أحد الدور
الإيراني بسعيه المحموم
إلى تخريب فرصة إيجاد حل
سلمي للقضية الفلسطينية بدعمه
للقوى الأصولية الفلسطينية
تماما كما دعمت موقف سوريا وحزب
الله الرافضين لانتشار الجيش
اللبناني على الحدود اللبنانية
مع إسرائيل . ولنا أن نعترف بأن
تجييش إيران الطائفي في لبنان
نجح في تمزيق الشعب
اللبناني على أسس طائفية، كما
نجح إلى حد ما في إبراز
للكثير من الفئات الشيعية
نجحت بمظهر الوطني على حساب
بقية مكونات الشعب اللبناني.
وكان من الطبيعي أن يعتمد
الحليف التقليدي لإيران (سوريا)
على هذا الحزب لأهدافه الخاصة
التي تلتقي مع الأهداف
الإيرانية والتي لا تستجيب من
بعيد أو قريب
لمصالح الشعب اللبناني.
سوريا بدورها التي أغاظها كثيرا
نجاح الانتفاضة اللبنانية في
معركة الاستقلال التي نجحت في
إخراج قوات الاحتلال السوري من
لبنان، تحيك المؤامرات ضد هذا
البلد، بل أنها ظلت تتحين الفرص
من أجل الانتقام من لبنان الحر
والمستقل. ولم تجد أداة أفضل من
عملائها لخوض غمار هذا الانتقام
الذي جاء على يد حزب الله .
أجل لقد آن الأوان لكشف النقاب عن
لا وطنية هذا الحزب الذي
نشأ وترعرع
في ظل الرعاية الخارجية
والذي حمل أعباء تنفيذ مهمة
أجندة هي في صميمها ضد مصلحة
الوطن (لبنان) . من حقنا أن
نتساءل ومن حق الشعب اللبناني
أن يساءل ويحاكم أولئك الذين
قادوا الوطن اللبناني كله إلى
معركة غير متكافئة مع إسرائيل
عما جرته عمالتهم
للقوى الخارجية على كل
لبنان. كما أنه من حق الشعب
اللبناني ومن حق شعوب المنطقة
كلها أن تتساءل عن مغزى خطف
جنديين إسرائيليين إذا كان ثمن
هذا الخطف هو تدمير لبنان فوق
رؤوس ساكنيه؟ هل يمكن أن يقنع
أحدا أن يكون ثمن إطلاق ثلاثة
أسرى لبنانيين
التضحية بكل لبنان؟
ها هو لبنان يدفع من دماء أبنائه
المئات والآلاف من الأرواح
والجرحى لقاء لا شيء. خسائر
لبنان الأولية من بنيته التحتية
وبحسب تقدير الخبراء
الاقتصاديين تتجاوز 3.3 مليار
دولار دون حساب كلفة تهجير ما
يزيد عن مليون لبناني وتدمير كل
المنشآت الحيوية والمرافق
والجسور والمرافئ والعودة
بلبنان إلى العصر الحجري.
للجميع الحق في أن يتساءل ما هي
المصلحة الوطنية اللبنانية في
كل ما جرى ويجري الآن من عدوان
إسرائيلي شامل على كل لبنان؟
أين وما هو وجه العمل الوطني
المقاوم والبطولي الذي أقدم
عليه هذا الحزب؟ وهل يمكننا
تصديق أن الحزب لم يكن يدري أن
يكون الرد الإسرائيلي على هذه
الصورة الوحشية وهو الذي رأى
بأم العين رد الفعل الإسرائيلي
على خطف جنديين إسرائيليين من
قبل حماس في الأراضي
الفلسطينية؟
من المؤكد أن حزب الله ومن هم
وراءه كانوا يعرفون النتيجة
التي ستسفر عن هكذا عمل وهم
يريدون حقا هذه النتيجة المدمرة.
ونحن لا نعتقد بأي حال أن حزب
الله بريء من تهمة العمالة
للقوى الخارجية وإلا كي يمكننا
تفسير ما أقدم عليه هذا الحزب.
وربما كان يلزمنا الكثير من
السذاجة كي نذهب إلى الاعتقاد
أن حزب الله أراد من وراء فعلته
مثلا أن يثبت لنا عدوانية
إسرائيل؟! وهل نحتاج جميعا
وخاصة الشعب اللبناني إلى
إثباتات أكثر من تلك التي دفعها
على مدى ثلاثين عاما لإثبات
حقيقة معروفة لا تحتاج إلى مزيد
من الأدلة إلا لدى فاقدي الرشد؟
قد يقول قائل أن لا وقت لدينا
الآن وأمام المصيبة والكوارث
التي يمر بها لبنان لفتح ملف حزب
الله، لأن لبنان كله مستهدف
الآن، وأن الأجدى بنا أن نركز
على إدانة إسرائيل وعدوانها. لا
بأس أن ندين العدوان وهو عدوان
بربري وهمجي وغير خاضع لأي من
قوانين الشرعية الدولية، ولا
غضاضة في نصرخ ونستصرخ العالم
في أن يهب لنجدة اللبنانيين
لوقف العدوان ولكن علينا في
الوقت أن لا يفوتنا بأن أحدا لن
يسمعنا، وأن العالم المؤثر في
مجموعه يقف إلى جانب إسرائيل،
وأن أقصى ما يمكننا انتظاره هو
ما نادت به فرنسا من رجاء
إسرائيل في فتح ممر آمن لمرور
المساعدات الإنسانية وإتاحة
الفرصة أمام الرعايا الأجانب
لمغادرة جحيم لبنان. كما كان
علينا أن نتوقع أن موقف
الولايات المتحدة الأمريكية
سيكون على تلك الصورة من
التضامن المطلق مع إسرائيل. وأن
الرأي العام العالمي لا يختلف
مع الولايات المتحدة في موقفها
الداعم هذا، وأن إيران وسوريا
ستقفان موقف المتفرج والمبتهج
بخراب لبنان. هذان الموقفان
اللذان يستطيعان المساهمة
الفعالة في حدوث الكارثة دون أن
أي مساعدة على تجنبها .
من المهم جدا الآن وأكثر من أي
وقت مضى أن نعيد الاعتبار
لمفهوم ومعنى الوطنية
وتخليصه من كل آفات الاستبداد
التي لحقت به والتي أدت إلى
العبث بمصير جميع أوطاننا. فليس
كل ما يلمع ذهبا، وخصوصا عندما
تعلو قامة حزب الله على قامة
لبنان . ولا نعتقد أننا نتجنى
على الحقيقة عندما نقول هذا
أليس السيد حسن نصر الأمين
العام لهذا الحزب هو الذي أعلن
بتفاخر بأن حزبه لم يصب حتى الآن
بأي أذى في حرب الإبادة على
لبنان. أهذا هو المهم في نظر
تجار الدم وتجار الأوطان؟
وهذا هو المهم في نظر محتكري
الوطنية، ما هم إذن لدى أمثال
هؤلاء أن يذهب لبنان الوطن
كله إلى الجحيم ولكن الأهم هو
أن لا يصاب حزب الله بأي أذى.
فحزب الله صار هو الوطن وهو
المطلق وهو الأوحد في وطنيته،
وما علينا نحن ،عباد الله
البائسين، سوى أن نصفق ونبتهج
بانجاز تخريب لبنان الوطن
النسبي ونجاة حزب الله المطلق
والأوحد!!!!أهذه هي الوطنية التي
يراد لنا تبنيها ؟ أليس الخروج
عن إجماع اللبنانيين
خيانة؟ ألم يخرج حزب الله عن
الإرادة الوطنية عندما نفذ
الأجندة الإيرانية وقام منفردا
ودون علم الحكومة اللبنانية
المنتخبة شرعيا ودستوريا من قبل
الشعب اللبناني بافتعال قضية
خطف الجنديين؟ ترى ماذا يسمى في
القاموس السياسي الضرب بعرض
الحائط في الإرادة الشعبية ألا
يعتبر مثل هذا السلوك خيانة
وطنية؟ وإذا لم نجرؤ على تسمية
الأمور بمسمياتها فما هي
المعايير التي يجب إتباعها
لتعريف معنى
الوطن والوطنية؟
نعم من
حق الشعب اللبناني أن يخون
ويحاسب ويساءل كل الخارجين عن
إرادته، لأن هؤلاء هم الذين
اغتصبوا الوطن واختزلوه في
شخوصهم. الصمت عن قيادة حزب الله
للكارثة الوطنية وتقديمه لبنان
لقمة سائغة في فم إسرائيل ،هو
أولى المهمات الوطنية التي
تنتظر الشعب اللبناني. لا يجوز
السكوت عن من احتقار إرادة
اللبنانيين ولا قداسة لذلك الذي
تحدى الإرادة الوطنية بقوله أنه
ماض في طريق تدمير لبنان شاء
الشعب اللبناني أم أبى فإن هذا
وحسبي وحسب كل عاقل هو أعلى
درجات الخيانة وهو الإرهاب عينه
بأجلى صوره ومعانيه.
*كاتبة مقيمة في
فيينا
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|