لمصلحة
من
كان
يتم تهميش أهل السنة في لبنان؟
الطاهر
إبراهيم*
يتحاشى كثير من
الكتاب الخوض في مسألة الطائفية
عند تناول ما يجري في لبنان،
وتتم مقاربة الأمور بمثاليات
تؤكد أنه يجب نبذ الطائفية
والحزبية، بينما تتم ممارسة
الأمور على الأرض بخلاف ذلك ومن
خلال طائفية مقيتة.
لبنان أقيم على
تكريس الطائفية منذ اليوم الأول
الذي أعلن فيه استقلاله. مع ذلك
فقد حاول قادة الاستقلال عن
فرنسا إرساء التعايش في لبنان
بعيدا عما تفرزه الطائفية من
تشرزم وخصومة وأحقاد. وقد حاول
بعض رؤساء الجمهورية من
الموارنة تجاوز ما تعارف عليه
الذين قادوا النضال ضد
الفرنسيين من مختلف الطوائف،
إلا أن الوضع لم يستقم لهم على
ما أرادوا، ليعود الأمر إلى
نصابه كما كان في مطلع
الاستقلال.
وعندما أرادت
أمريكا أن تعيد صياغة المنطقة
على عينها، أعطت الضوء الأخضر
للرئيس "حافظ أسد" فأدخل
وحدات من الجيش السوري إلى
لبنان، ولم يوقف الأمر عند كسر
شوكة ياسرعرفات كما طلبت
واشنطن، بل حاول ربط قادة جميع
الطوائف بحبل سري ينطلق من
دمشق، ومن لا، فقد تم اغتياله أو
تهميشه أو إرغامه على ترك لبنان.
بعض الطوائف كان
يحظى برعاية هذه الدولة
الأوروبية أو تلك. وبعضها دخل في
حلف طائفي مع عاصمة الوصاية
دمشق، ما اضطر جماعات أهل السنة
وأحزابها في لبنان إلى الانطواء
على نفسها أو الدخول في حلف من
طرف واحد مع دمشق، ينتقص من
قرارهم، وليس لهم ما كان يجري
على غيرهم من منافع. وعلى سبيل
المثال لا الحصر، فقد كانت
الجماعة الإسلامية هي الجماعة
الوحيدة التي تم إفشال مرشحيها
في انتخابات عام 2000 ، مع أنها
كانت تنسق مع دمشق، ما يعني أنه
كان عليها الغرم و ليس لها الغنم.
قبل أن تبدأ الفتنة
الطائفية في لبنان عام 1975 ، كان
زعماء أهل السنة في لبنان
يشكلون صمام الأمان، يوم كانت
رئاسة الوزارة هي قطب الرحى في
لبنان، توكل إلى زعيم يحظى على
ثقة هؤلاء الزعماء ورضى باقي
الطوائف. رئيس مجلس النواب كان
يتم اختياره من الطائفة الشيعية
وبتوافق الكتل النيابية في
المجلس، وكانت مهمته إدارية
أكثر منها سياسية، وليس كما هو
الحال مع رئيس الجمهورية ورئيس
الحكومة. في هذا المجال يحدثنا
التاريخ بعد استقلال لبنان، عند
ما يذكر رئيس الجمهورية المسيحي
"بشارة الخوري" المعروف،
فقد كان يذكر
إلى جانبه رئيس الوزراء السني
القوي "رياض الصلح". ولا
يكاد التاريخ يحدثنا عن رئيس
مجلس النواب "صبري حمادة"،
مع أنه شخصية وطنية معروفة.
ويوم أرادت سورية
أن يكون لها رجالها في لبنان،
فإن "رينيه معوض" الذي
انتخب رئيسا للجمهورية بعد
اتفاق الطائف، جاء على غير ما
تريد دمشق فتم اغتياله ليرسو
مزاد سورية على حليفها "الياس
الهراوي". "حسين الحسيني"،
الذي رأس مجلس النواب واستمرت
ولايته مايقرب من عقدين أثناء
الحرب الأهلية، لم يقبل أن يكون
كما تريد دمشق. ومن ثم (بعد أن
جرت الانتخابات وفق اتفاق
الطائف وفي ظل وجود سورية في
لبنان حيث جاءت الأكثرية
النيابية كما أرادت) وقع
اختيارها على حليفها الآخر "نبيه
بري" رئيسا لمجلس النواب،
الذي أثبتت حركته أمل جدارتها
في ذبح فلسطينيي المخيمات الذين
هم من السنة. اختيار رئيس
الحكومة أصبح تحصيل حاصل بعد أن
جاءت الأكثرية وفق ما تريد دمشق.
"رشيد كرامي"
الذي كان آخر رؤساء الوزارة
الأقوياء، تم اغتياله في ظروف
غامضة. وقد حزم النظام السوري
أمره أن لا يسمح بمجيء خلف قوي
له في رئاسة الحكومة، وأن من
سيأتي رئيسا للحكومة ينبغي أن
يكون من الذين يقبلون أن يتلقوا
الأوامر من دمشق. لذا فقد فوجئ
النظام السوري بأن "رفيق
الحريري" أصر على أن يضع
مقولته "لبنان ينبغي أن لا
يكون ضد سورية ولكن ينبغي أن
يحكم من لبنان" موضع التنفيذ.
وبعد أن شكل الحكومة أكثر من مرة
تبين لدمشق بأن "الحريري"
رحمه الله لا يمكن أن يوضع في
"جيبها"، فتمت إزاحته من
الطريق بجريمة اغتيال مروعة.
وقد تلاحقت الأحداث بعد ذلك ما
أدى لخروج الجيش السوري من
لبنان على غير ما كان يشتهي
النظام السوري.
بعد هذا الاستعراض،
يتبين لنا أن الاستقرار في
لبنان قد اختل توازنه يوم أراد
فريقٌ لبنانيٌ أن يغير قواعد
اللعبة اللبنانية بمعزل عن باقي
الأطراف ما أدى إلى دخول الجيش
السوري إلى لبنان باتفاق من تحت
الطاولة بين واشنطن والرئيس
السوري "حافظ أسد"، ليدخل
لبنان بعد ذلك تحت وصاية سورية
دامت ثلاثة عقود، انتهت بانسحاب
الجيش السوري بضغط دولي أواخر
نيسان عام 2005 . وقد تميزت فترة
الوصاية السورية بالتهميش
الكامل لأهل السنة وحرمانهم من
أن يقوموا بدورهم في حكم لبنان.
الآن ولبنان يتعرض
لتدمير منهجي من قبل إسرائيل،
فإن المسلمين السنة في لبنان لم
يقفوا ليتفرجوا على ما يجري في
بلدهم. بل إنهم دعوا ،من خلال
لقاءات لمرجعيات سنية، إلى أن
يقف الجميع في وجه الاستهداف
الإسرائيلي. لكن ماذا يمكن أن
يفعلوه؟ وهل يستطيعون أن يزجوا
قواهم في المعركة، وقد عاشوا
تهميشا كاملا على مدى ثلاثة
عقود، حتى غدوا كيانا مفككا
خلال فترة الوصاية السورية.
وإذا
كان رئيس مجلس النواب اللبناني
"نبيه بري" قد قال في لقاء
له بثته قناة الجزيرة يوم 28 تموز
الجاري: "إننا نُعاقب
لاعتبارات مذهبية"؟، فإنه
يدرك أن هذا غير صحيح على الأقل
من قبل جماهير أهل السنة. فقد
قامت مظاهرات تندد بإسرائيل
وأمريكا في معظم البلاد
العربية، وقد قادتها الحركات
الإسلامية.
فقد شهدت شوارع
القاهرة تظاهرات حاشدة قادتها
جماعة الإخوان المسلمين. وكان
ملاحظا أن أعضاء كبارا من
الإخوان المسلمين قادوا
المظاهرات. ورفع المتظاهرون صور
"حسن نصر الله" وهم يهتفون
"شد حيلك يا نصر الله". أما
في الضفة الغربية وغزة فإن
الحركات الإسلامية قامت
بمظاهرات حاشدة تأييدا لحزب
الله. كما جاءت تصريحات علماء
كبار مثل "القرضاوي" وغيره
تدعو للوقوف مع حزب الله في
لبنان.
الاعتبارات
المذهبية مرفوضة، ويتأكد ذلك
عندما يتعرض قطر عربي لاعتداء.
وإذا كان هناك من اعتبارات
مذهبية، فلم تكن من أهل السنة،
بل إنها جاءت من الذين تعاونوا
مع النظام السوري على تهميش أهل
السنة في لبنان .نحن من يحق لنا
أن نسأل "نبيه بري" : لمصلحة
من كان يتم تهميش أهل السنة على
مدى ثلاثة عقود في لبنان؟ ومن هو
المستفيد من هذا التهميش؟
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|