فَذْلَكاتٌ
لُغَويةٌ سياسيّة (9)
(من
وَحْي الواقع البعيد عن منهج
الله عز وجل)
( لو قلّبنا النظر
في لغتنا العربية ، لوجدناها قد
وَسِعَت
كلّ المفاهيم والمصطلحات ، لكن بالنسبة
للسياسة ،
فاللغة تغوص في
عُمْقِ أعماقها .. أي في الصميم )
.
بقلم
: الدكتور محمد بسام يوسف
فَذْلَكَةُ الحاء(2)*:
(حَرَّفَ)
وأخواتها!..
حَسْبَلَ
، حَدَّ ، حَسَرَ ، حَسَّ ،
حَشَرَ ، حَقَدَ ، حَقَرَ ،
حَقَّقَ ، حَكَمَ ، حَقَّ ،
حَشْرَجَ ، حَفِظَ ، حافَظَ ،
حَصْحَصَ ، حَظَّ ، حَصَدَ ،
حَلَبَ ، حَقَنَ ، حَصُنَ
(حَرَّفَ) الكلامَ، أي: غَيَّرَهُ وصرفه عن
معانيه.. وقد ورد في محكم
التنـزيل قوله عز وجل (مِنَ
الَّذِينَ هَادُوا
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ
مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ
سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ..) (النساء:
من الآية 46)، وهو وصف لمشركي
اليهود، الذين يغيّرون كلام
التوراة ويتأوّلونه بالباطل
ليُضِلّوا الناس!.. والتحريف في
العصر الحديث طال كثيراً من
المبادئ والمصطلحات، بتأثير
اليهود المحرِّفين الأصليين،
وأولياء نعمتهم من صهاينة
أميركة والغرب، فضلاً عن
نواطيرهم في بلادنا العربية
والإسلامية.. إذ يجهد هؤلاء
وأولئك، لإيقاع بني البشر في
الضلال والتحريف!..
بهذا.. أصبحت الـ (حَرْبُ) –بتحريفهم- ..
سَلاماً، والقتل والفساد في
الأرض.. مجرّد تصعيدٍ أو تسخين،
والجهاد لتحرير الأرض والعِرض
ومقاومة المحتلّ الباغي..
إرهاباً، والتواطؤ والتحيّز
الواضح الفاضح للظلم وللظالم..
نزاهةً وحياديةً، والمجرم
القاتل السفاح.. بطلاً سَلامياً
أو زعيماً تاريخياً، والذل
والعار والاستكانة والانهزام..
ضبطاً للنفس، وبيع الأرض
والعِرض والأوطان والاستخذاء..
صموداً وتصدّياً وتحريراً
وممانعة، والهزيمة المنكرة
والفرار من الزحف والاستسلام..
نصراً مؤزّراً أو نكبةً أو نكسة!..
إذا ما (حَسْبَلَ) الناس، أي: قالوا: حسبيَ
الله، من الـ (حَسْرَة)، أي: من
شدة التلهّف والحزن على حال
الأمة بل الأمم، التي يعيث فيها
اليهود والأميركيون وعملاؤهم
فساداً وتحريفاً.. وإذا ما (حَدَّ)
المؤمنون سيوفَهم، أي: شحذوها
لتصيرَ قاطعةً بتّارة، بعد أن (حَسَرَ)
أمر الصهاينة وأعوانهم
والمتواطئين معهم، أي: انكشف
أمرهم.. فإنهم (أي الصهاينة
وأعوانهم) يسعون إلى (حَسِّ)
الواعين المؤمنين، أي:
استئصالهم أو إبادتهم، بعد (حَشْرِهم)،
أي: جَمْعهم، بأساليب الاعتقال
والسَّجن وممارسة كل وسائل
الحِقد عليهم، و(حَقَدَ) عليه
تعني: أضمر له العداوة وتربّص
فرصة الإيقاع به، وقد يترافق
ذلك مع فعل (حَقَرَ)، أي: استهان
به وبإنسانيته ومواطَنَته!..
يقوم الصهاينة وأعوانهم بتحريض الـ (حاكِم)،
أي: الذي يحكمُ الناسَ والأمة..
على أبناء شعبه وقياداته
الواعية، فيوهمونه بأنّ هؤلاء
الأبناء هم أعداؤه وأعداء
السلام والاستقرار الحقيقيون،
فيلجأ الحاكم إلى التحقيق معهم،
بعد حَشْرِهم في السجون
والمعتقلات، و(حَقَّقَ) مع
فلانٍ في قضيةٍ تعني: أخذ أقواله
فيها!.. ثم يحكم عليهم بالإعدام
أو بالسجن المؤبّد مع الأشغال
الشاقة، و(حَكَمَ) تعني: قضى.. ثم
يزعم الحاكم أنه قد (حَقَّ)
الحقُ، أي: ثبت وصحّ وصدق، وقد
ورد قوله تعالى في كتابه العزيز:
(لِيُحِقَّ الْحَقَّ
وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ
كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (لأنفال:8)!..
ويبقى الواعون المخلصون لربهم
وأمّتهم رهن الاعتقال إلى أن
يُحَشرِجوا، و(حَشْرَجَ) تعني:
أوشك أن يموت.. وعندئذٍ يتكرّم
فخامة الحاكم، بإصدار مرسومٍ
خاصٍ، للإفراج عمّن بقي على قيد
الحياة من المظلومين، بعد ربع
قرنٍ أو ثلث قرنٍ من إحقاق الحق،
أي حق الحاكم المزعوم!.. ثم يملأ
الدنيا تطبيلاً وتزميراً
زاعماً أنه -بسلوكه السابق خلال
ثلث قرنٍ أو يزيد- قد (حَفِظَ)
الوطنَ من المتآمرين عليه،
الذين أرادوا أن يَشغلوه عن
هدفه الرئيس وهو: تحرير الأرض من
الغاصب الصهيونيّ المحتل!.. و(حَفِظَ)
تعني: صانَ وحَرَسَ، وفي هذا
يقال مثلاً: (حَفِظَت قواتُ
الردع لبنانَ -أي صانته وحرسته-،
فلم تحتلّ إسرائيل سوى ثلاثة
أرباعه، بما في ذلك العاصمة
بيروت)!.. ويمكن للحاكم أيضاً،
اللجوء إلى فعل (حافَظَ) على
الوطن، أي: رعاه ومنع عنه السوء
والشرّ والاحتلال، وفي هذا يقال
مثلاً: (حافَظَ العرب على
كرامتهم فاحتلّ الصهاينةُ
فلسطين، ثم حافظوا على وحدتهم
فاحتُلَّت الضفة الغربية
وسيناء والجولان، لكن حين
حافَظوا على تضامنهم وقوّتهم
وتكافلهم، لم يحتلّ الصهاينة
إلا نصف لبنان)!..
إذا ما سارت سنّة الله في الأرض قُدُماً فـ (حَصْحَصَ)
الحقُ، أي: ظهر بعد خفاء، و(حَظَّ)
الناسُ، أي: حَسُنَ حظّهم
فعرفوا الحقيقة المرّة، وظهر
لهم جلياً أنّ الصهاينة
ونواطيرهم كانوا يمارسون الغش
والخداع والاحتيال على الأمة
والشعب.. فإنّ هؤلاء –أي
الصهاينة ونواطيرهم- يلجؤون إلى
حَصْدِ أبناء الأمة بالسيف، و(حَصَدَ)
القومَ تعني: قتلهم واستأصلهم
كما يُحصَد الزرع!.. ثم يلجأ
ناطور اليهود إلى تمثيل مسرحيات
القتال والنضال والصمود
والممانعة، ليوجّه أنظار الناس
إلى خطرٍ خارجيٍ وهميٍ يهدّد
الأمة والوطن، فيهبّ الشعب
الطيب المخلص للذود عن الوطن
والأرض والعِرض، لكنه يكتشف أنّ
الناطور قد (حَلَبَ) خزائنَ
الأمة وثرواتها، وخلّف
اقتصاداً منهاراً، ووطناً أشدّ
انهياراً، وشعباً بائساً بلا
كرامة، ما يجعل الوطن والأمة
لقمةً سائغةً سهلةً، يبتلعها
الأعداء من غير عوائق تُذكَر!.. و(حَلَبَ)
الشاةَ تعني: استخرج ما في ضرعها
من لبن، أما (حَلَبَ) الوطنَ
فتعني: أتى على ثرواته وخزائنه
فلم يُبقِ منها وفيها شيئاً، إذ
تصبح الأموال العامة والثروات
الوطنية.. ذهباً أو دولاراتٍ في
بنوك سويسرة وأميركة وأوروبة،
باسم السيد الناطور الذي حافَظَ
عليها، كما حافَظَ قبل ذلك على
الوطن وأبنائه!..
(حَلَبَ) فعل له رونق خاص ومعاني عدّة،
فمثلاً يقال: (حَلَبَتْ أميركةُ
أرضَ العرب، فلم تُبْقِ في
باطنها قطرة نفطٍ واحدة)!.. أو
يقال: (حَلَبَ الصهاينةُ
وحلفاؤهم الأوروبيون خزائنَ
الأمة العربية، فلم يتركوا فيها
ديناراً)!.. أو يقال: (حَلَبَتْ
أجهزةُ الأمن خزينةَ الدولة فلم
تُبْقِ فيها قرشاً)!.. أو يقال: (حَلَبَ
النظامُ الحاكمُ شعبَه، فلم
يُبْقِ له ذرّة كرامةٍ أو حريةٍ
أو حقٍ إنسانيّ)!.. وطبعاً كل ذلك
لتحقيق الأمن والسلام للشعب
الحبيب والأمة الغالية،
ولحماية الوطن العزيز.. من
أبنائه وأهله!..
بعد أن يستفزّ وعيُ أبناء الأمة العدوَّ
الصهيونيّ والأميركيّ، إلى
الدرجة التي يخاف عندها فخامة
الناطور على عرشه أو كرسيّه..
فإنه يسارع إلى الدعوة لحَقْنِ
الدماء، لعدم توافر الإمكانات
الكافية لمجابهة العدوّ، و(حَقَنَ)
الدمَ تعني: مَنَعَهُ أن يُسفَك!..
وحَقْنُ الدم عملية لا تُنفَّذ
إلا مع العدوّ، أما مع الشقيق أو
الشعب الذي يحكمه الناطور،
فحقْن الدم مبدأ لا قيمة له، وفي
هذا يقال مثلاً: (حَقَنَ ناطورُ
اليهود المحتلين دماءَهم،
شفقةً ورحمةً وامتثالاً
للأخلاق العربية النبيلة
الأصيلة، ولما اعترض الشعب على
ذلك، ذبح الناطورُ نصفَ أبنائه)!..
كل ذلك لسواد عيون الوطن، ولأجل رفعته
وتقدّمه وعزّه وكرامته، فالوطن
-على ذمة السيد الناطور- يجب أن
يكون حصيناً قوياً صامداً، و(حَصُنَ)
تعني: مَنُعَ فهو حصين منيع!..
وهكذا يضاف مصطلح جديد آخر إلى
معجم التحريف اليهوديّ
الأميركيّ، فالوطن المنهار
اقتصادياً وأخلاقياً وسياسياً
وثقافياً وتربوياً، بفضل جهود
السيد الناطور وجهود سادته..
يُطلَق عليه اسم: الوطن الحصين،
أي: القويّ المنيع العزيز
الكريم!.. ولِمَ لا؟!.. أليس السيد
الناطور هو الذي يُسبغ عليه من
كَرَمِهِ ووقته وتضحياته
ونضاله وعبقريّته، ثم يتواضع..
فيحكمه ؟!..
ــــــــــــــــــــــ
*
الفَذْلَكَة -كما ورد في المعجم
الوسيط- تعني : [مُجْمَلُ ما
فُصِّلَ وخُلاصَتُهُ]، وهي [لفظة
مُحدَثة].
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|