المذابح
الجماعية في
جبل
الزاوية
خالد
الأحمـد*
يقول فلاسفة
التاريخ : الهدف من دراسة
التاريخ ليس اجترار الآلام ،
ونبش الماضي بروائحه المتعفنة ،
وإنما هو أخذ العبرة من الماضي ،
لنستفيد منها في الحاضر ،
وعندما أتحدث عن المذابح
الجماعية التي مارسها نظام حافظ
الأسـد في سوريا ، لا أقصد منها
سوى أن نعتبر من الماضي المؤلم ،
وأن نتخذ كافة الاجراءات
والاحتياطات كي لايعود هذا
الماضي ، ونجتث الأسباب المؤدية
لهذا الماضي المروع من جذورها ،
وأهم تلك الجذور الحكم الفردي
الديكتاتوري ، الذي استخدم
الجيش ( جيش الشعب ) كما قالوا
عنه ، استخدم جيش الشعب ليقتل
الشعب بدلاً من أن يحميه.
ريـف ادلـب :
يمتاز ريف إدلـب
بانتشار الصحوة الإسلامية ،
وخاصـة في جبل الزاويـة ، حيث
يغلب على أهلـه التديـن ، وحب
الجهـاد في سبيل الله عزوجل ،
ويكثر عدد الأخوة الذين
استشهدوا من ريف إدلـب ، كما
يكثر عدد الأخوة المنفييـن من
هذا الريـف ، وخاصـة من جبل
الزاويـة .
وفي أوائل عام (1980)
استقدم النظام الأسـدي خـبراء
الجريمـة السـوفييت ، الذين
تمرسـوا من خلال المذابح
الجماعيـة التي نفذهـا ستالين
ضـد المسلمين السوفييت فقتل
منهم الملايين ، هؤلاء الخبراء
الخبثـاء نصحـوا نظـام
الأقليـة في سوريا باستخدام
المذابح الجماعية ، في الأماكن
التي يتواجد فيها عناصر الطليعة
التي قادت المعارضة المسلحة ضد
نظام الأقلية الأسدي ، وقد
ساعدها على ذلك انفجار الشعب من
شدة الضغط والاستبداد ، فالتحق
بصفوفها أصناف شتى من الشباب
المسلم .
ومن
أجل قتل عنصر واحد من الطليعة
المقاتلة ؛ لامانع عندهم من قتل
خمسين مواطن بـريء معـه ، ومن
أجل التخلص من الطليعة المقاتلة
لامانع من قتل عشرات الألوف من
المواطنين الأبرياء ، وهذا ما
طبقـه نظام الأقليـة في سوريا
منذ عام (1980م) ، وهذا نموذج
لماحدث في سوريا باختصار .
في أريحــا :
في فجر يوم
الثلاثاء (13/5/1980م) استيقظ
المواطنون في بلدة أريحا على
أصوات الطائرات المروحية وهدير
الدبابات ودوي القنابل . فقد
قامت الفرقة الثالثة بقيادة العميد
شفيق فياض بتطويق المدينة
مستخدمة الدبابات والمصفحات
في منطقة جبل الأربعين ،
الجهة الجنوبية من البلدة ، حيث
نشبت معركة بين الطليعة المقاتلة
وعناصر من الوحدات الخاصة في
ثلاثة مواقع هي : طريق حلب ـ اريحا ، وجبل الأربعين ـ
الجهة الجنوبية ، وجبل الأربعين
ـ الجهة الشرقية . بينماركزت
قوات حافظ الأسد دباباتها لدك
مواقع مقاتلي الطليعة بقنابلها
مع راجمات الصواريخ ومدافع
الهاون ، وبدأ الأخوة المقاتلون
من الطليعة بالرد على نيران
الأسلحة الخفيفة التي بدأ حاملوها يتقدمون نحوهم
بغية تطويقهم وأسـرهم ، وتمكن
مقاتلو الطليعة من قتل وجرح عدد منهم وفكوا الحصار عنهم
وتوزعوا في منطقة الجبل ، عدا
المنطقة الشمالية ( المدجنة) إذ
لم يتمكنوا من الانسحاب لقربهم
من منطقة تواجد الوحدات الخاصة
، وقدتمكنوا من تدمير سيارتين
محملتين بجنود الوحدات الخاصة
قدر عددهم بثمانين عنصراً ، واستبسل المقاتلون
في الدفاع عن مواقعهم ، إلا
أن الدبابات والمدفعية ركزت
نيرانها على
مكان تواجد هـم حتى استشهدوا
جميعاً وهم كل من الأخوة : محمد
زهدي عبد الكريم ( سنة أخيرة هندسة )
وشقيقه صفوح ( موظف ) وأحمد صفوت (
طالب ثانوي) وحسان
عبد الحميد ( طالب ثانوي ) وطلعت
خربوطلي ( طالب ثانوي ) . يرحمهم
الله تعالى .
أما في المنطقة الجنوبية الشرقية
فقد خرج مقاتلو الطليعة وتوزعوا في الجبل ، بعد اشتباك مع
الوحدات الخاصة تمكنوا فيه من
قتل وجرح أكثر من خمسين عنصرًا من الوحدات الخاصة ،
وتمكنت السلطة بعد أربع ساعات
من المعركة ونتيجة لنفاذ ذخيرة الطليعة ؛ تمكنت من
أسـر خمسة أفراد منهم وسلمتهم
إلى فرع المخابرات العسكرية في
إدلب وجراحاتهم تنزف ، حيث صب
عليهم أقسى أنواع العذاب ثم
أعدموا رمياً بالرصاص .
أما في المنطقة الشرقية فقد نشبت
معركة بين أحد مقاتلي الطليعة
وعناصر السلطة استمرت زهاء
ساعتين قتل خلالها أكثر من
عشرين عنصراً مع عدد من الجرحى
، وأصيب عدة إصابات ثم نفذت
ذخيرته فألقوا القبض عليه ، ثم
أحضروه إلى والدته )60 عاماً ) وضربوهما معاً ثم أعدم
أمام أمه .
وبعدانتهاء
المعارك حول بلدة أريحــا اتجهت
الوحدات الخاصة إلى داخل البلدة
فعاثت فيها الفسـاد والقتل
والتخريب ، واعتقلت أكثر من
مائة مواطن منهم دون الخامسة عشر من
العمر ، وأدخلوا سجون المخابرات
العسكرية للتعذيب والتحقيق انتقاماً من البلدة ،
ومن ثم أودعوا في سـجون الأسـد خمس
عشرة سنة ولأنه لاذنب لهم أفرج
عنهم بعد ذلك .
في قـريـة محمبــل
استيقظ الناس فجر الثلاثاء ( 13 / 5/ 1980 )
على أصوات الطائرات
المروحية وهدير الدبابات وأزيز
الرصاص ، فقد حضرت أربع عشرة
طائرة مروحيةإلى قرية محمبل على
طريق حلب ـ اللاذقية ويبلغ عدد
سكانها ثلاثة آلاف نسـمة .
أفرغت الطائرات حمولتها من الجنود
على الجبل الذي يبعد كيلو
متراً واحدأ عن القرية
، وجاءت طائرتا استطلاع تستكشف
القرية مع مجموعة من عناصر المخابرات
العسكرية والوحدات الخاصة ،
التي تمركزت شرق القرية ، مع
نصب مدفعي هاون ( 80 ملم ) ودخلت
عشر مجموعات للتفتيش يقودها
ضباط من نظام الأقلية ، ونصبوا
رشاشاتهم وقاذفات ( آربجي ) فوق
أسطحة المنازل ، وخلال تفتيش
البيوت قاموا
بضرب النساء والرجال والأطفال
وكسروا الثلاجات وأثاث البيوت ،
وجمعوا الأواني المنزلية
والكهربائية ، وأرغموا صاحب
البيت على حملها إلى حيث تتمركز
قيادة القوات ، وسـرقوا الحلي الذهبية
وسلبوا ما وجدوه من مال مع
المواطنين .
وأحضر ملازم من النظام غلامين دون
العاشرة وانهال عليهما بالضرب بالكرابيج والعصي أمام
والدتاهما ، والغلامان
ووالداتهما يصرخون ويستغيثون ، ولما فشلت الحملة في القبض على
بعض مقاتلي الطليعة عمدوا إلى
كسر نوافذ البيوت وأشجار
الزيتون والكرز ، ثم اعتقلوا اثنين
وثلاثين مواطناً من أبناء
القرية ، وبعد أن نالوامنهم شتى
أصناف العذاب في مدرسة القرية ،
نقلوهم إلى حلب بالطائرات
العمودية وسلبوا منهم ساعاتهم ومالديهم من نقود
( أجرة ركوب الطائرة كما قالوا
لهم ) .
وفي يوم ( 15/5/1980 ) عادت الوحدات
الخاصة إلى القرية في
ست عشرة مروحية وضربوا النساء
والأطفال والشيوخ ، وركزوا هذه
المـرة على أسـرمعينة ، وأحرقوا
الكتب الموجودة في البيوت ،
وأتلفوا مزروعات القرية ثم
اعتقلوا عشرين
مواطناً واقتادوهم إلى حلب .
وفي الساعة الثانية عشرة ليلاً
حضرت إلى القرية ثلاث مصفحات وبدأت بإطلاق النار على ثلاثة
منازل فيها قبيل مداهمتها ، ثم
اعتقلوا مواطناً وعادوا إلى حلب .
وفي يوم ( 25 / 5 / 1980 )
عادوا إلى القرية وفتشوها
بيتاًبيتاً حتى المسجد دخلته
عناصر الوحدات الخاصة بأحذيتها
القذرة ، وصعد ضابط طائفي على المنبر ونزع الآيات
القرآنية ، ومزق المصاحف ورماها
بأرض المسجد ،ثم أجبر قائد الحملة إمام المسجد بعد
إهانته وتعذيبه بمغادرة القرية
.
ثم تابعت الحملة اعتقال طلاب
الثانوية ومعظمهم من أبناء القرى
المجاورة حتى بلغ مجموعهم عشرون
طالباً مع عشرة مواطنين آخرين ،
وسيقوا جميعاً
إلى مقر الوحدات الخاصة في حلب .
في قـريـة بلـين
في فجر الثلاثاء ( 13 /5/ 1980 ) هب أهل
قرية بلين من نومهم
مذعورين على أصوات الطائرات
المروحية ، وهدير المصفحات ،
ونزل أربعمائة عنصر من الوحدات
الخاصة في هذه القرية الوادعة ،
وبعد تطويق القرية ومحاصرتها
تماماً كي لايهرب أحد
منها ، بدأت مجموعات التفتيش
المعززة بعناصر حماية واحتلت
أسطحة المنازل ونصبت
عليها الرشاشات والقواذف
ومناظير الرصد ، وجمع أصحاب كل
بيت في ساحة الدار وتصرفوا
بهم بما يحلو لهم من التعذيب
والضرب والشتم وكسر الأشجار
وخاصة أشجار الكرز
، ثم جمع عدد من أهالي القرية في
السـاحة الرئيسية ، وصفوا
ووجوههم إلى الحائط
، على مرأى من الأطفال والنساء
والشيوخ ، واستمر الضرب حتى
يسقط الرجل مغمياً عليه
أمام ذويه وأطفاله ونسائه ، ثم
أخذوهم معهم إلى حلب .
وهكذا انتصر جيش الأسد على أبطال
جبل الزاوية الذين عجز الفرنسيون
عن إخضاعهم ، والذين شهد
الفرنسيون برجولتهم ، انتصر
عليهم بدباباته ومروحياته
وأسلحته الحديثة التي دفع الشعب
المسكين ثمنها من عرق الجبين ،
وكـد اليمين ، وحرم صغاره الخبز
والحليب ، ليشتري أسلحة يحرر
فيها الجولان ، ولكن الأسـد
الطاغية وأزلامه القتلة
المجرمون ، نقلوا هذه الأسلحة
من مواجهة العدو الصهيوني ـ
الذي سيتضح عما قريب أنه صاحبهم
ـ نقلوها من هناك إلأى حماة وحلب
وجبل الزاوية ، وغيرها لقتل
الشعب الآمن ، وقتل الشباب
المسلم كي ترضى الصهيونية
العالمية وتقـر عينها ؛
فقتل منهم ماقتل ونهب من أموالهم
مانهب ، وأتلف من محاصيلهم
الزراعية الكثير ، واعتقل منهم
المئات أودعهم في
سـجون الأسـد ، مع التعذيب
والشتم والضرب ، خوفاً من أن
يساعدوا مقاتلي الطليعة ضد
سـلطة الأسـد .
* كاتب سوري في المنفى
ملاحظة
: أرجو من القـراء الكرام
أن يرسلوا لي مايعرفون من هذه
المذابح على البريد :
Abothaer_s@hotmail.com
ولايذكروا
أسماءهم ، المهم ذكر رواية
الحدث مع تحري الصدق ، وذكر
التفاصيل . وذلك للاستفادة منها
في جمع ملف المذابح الجماعية في
سوريا ، وسوف يصدر كتاب بهذا
العنوان إن شاء الله تعالى .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|