لقاء
مع الجنرال طاووس
-1-
د.
هشام الشامي
بمناسبة عيد تأسيس
الجيش العربي السوري أجرى
الزميل الصحفي مسعود الصحاف (
مراسل القنوات السورية الثلاث
– الأولى و الثانية و الفضائية
– و مراسل الصحف السورية الثلاث
– الثورة و البعث و تشرين – و
مراسل مجلة جيش الشعب ، و مجلة
المرأة ، و مجلة أسامة ) لقاء
صحفياً هاماً مع أحد أعمدة و
أركان و أساسات و مخضرمي الجيش
العربي السوري ،الرفيق اللواء
الركن الدكتور طاووس بن مهزوم
النعام ( أبو نضال ) ، قائد
الفرقة الأولى في الجيش العربي
السوري ، و مدير دار نضال للنشر
و التوزيع ، و رئيس تحرير مجلة
جيش الشعب ، و رئيس مركز البحوث
العسكرية و الاستراتيجية بدمشق
، و عضو الأمانة العامة للإتحاد
النسائي العام ، و عضو شرفي في
الأمانة العامة لطلائع البعث ،
و عضو مجلس نقابة الفنانين
السوريين؛ و رئيس لجنة إحياء
التراث و الرقص الشرقي في
النقابة، و رئيس رابطة خريجي
الدكتوراه و الدراسات العليا ،
و الحاصل على الدكتوراه في علوم
أمن المجتمع من جامعات الاتحاد
السوفيتي ، عن رسالته في ( فن
تجييش و تهويش الشعوب في
المسيرات التعبوية و المظاهرات
الجماهيرية و الاحتفالات
المهرجانية ) و التي اعتمدت
كمرجع رئيسي و كتاب جامعي لا
يمكن الاستغناء عنه في أساليب
تنظيم المهرجانات الخطابية ؛ و
سوق الجماهير الحاشدة ؛ و فنون
الخطابة و الهتافة و التطبيل و (
التزمير) و التزلف و مسح الجوخ و
الأحذية و( التشحيف ). و صاحب
كتاب ( فن الطبخ ) و الذي أجاد فيه
بوصف الطبخات الشعبية في الوطن
العربي ؛ و أجرى دراسة مقارنة
بين الطبخات الشرقية من جهة و
الطبخات الصهيونية و
الإمبريالية من
جهة أخرى ؛ و أثبتَ بالدليل
العلمي القاطع ؛ تفوق الوجبات
الشرقية عموماً و العربية بشكل
خاص بنسبة الشحوم و الدسم و
القيم الغذائية و المعنوية و
الفوسفورية و التي تجعله حاضر
الذهن و البديهة في الأزمات و
الحروب ؛ و يملك القدرة على
امتصاص الصدمات و اللكمات ؛ و
تحويل الهزائم و النكبات
الواقعية إلى بطولات و انتصارات
خيالية. و صاحب كتاب ( أجمل
الجميلات ) و الذي أثبت فيه
بالدليل القاطع و بأسلوب منهجي
علمي ؛ و بالصور و القرائن ؛ أن
المرأة العربية هي الأجمل بين
نساء العالم، و أن المؤامرات
الإمبريالية و الصهيونية و
الرجعية هي السبب في عدم حصول أي
امرأة عربية على لقب ملكة جمال
الكون .و صاحب كتاب ( تطور الفن
العربي الأصيل و دوره في
المعركة ) و الذي فصّل فيه كيف
تطور الفن و الطرب ؟ من جيل أم
كلثوم و عبد الحليم و عبد الوهاب
و حتى وصل إلى هيفاء و نانسي و
روبي اللواتي استطعن بمواهبهن
الفطرية و إمكانياتهن البارزة و
جمالهن الفتان و غنجهن الزائد و
تحررهن و انطلاقهن من حشد
جماهير الشباب أمل الأمة الواعد
أمام الشاشات و في المحافل و
النوادي و الأفراح و المناسبات
، و كان لهن الدور الهام و
الأساسي في التنفيس و التخفيف
من هموم الشباب العربي الذي
يشكل أكثر من نصف المجتمع، و
الذي كاد أن ينفجر و يُقضى عليه
من شدة المآسي و المخازي و
الهزائم و النكبات و النكسات و
الكبت و الحرمان ، و بالتالي خلص
إلى نتيجة هامة ، حين أرجع لهن
الفضل في المحافظة على جيل كامل
من العرب المستعربة و الذين
كادوا لولا وجود هؤلاء الفنانات
الماجدات و أمثالهن أن يلتحقوا
بسلفهم العرب البائدة .
و اللواء طاووس
حريص أن يكون دوماً بكامل مظهره
العسكري الميداني ، و قد امتلأ
صدره بالنياشين العظيمة و
الأوسمة المزخرشة ، و علت كتفه
الرتب الرفيعة ، و قد ارتدى حذاء
عسكرياً ( بسطاراً ) ضخماً ، و
الناظر إليه يرى عظمة و كبر
جيشنا المغوار ، فطوله يقارب
المترين ، و عرضه تجاوز المتر ،
و يحمل أمامه كرشاً مقذعاً ، أما
رأسه الضخم و الذي تغطيه قبعة
عسكرية دائرية يتوسطها نسر ضخم
، فتتصدره جبهة عريضة مسطحة ،
ينتفخ في وسطها وريدان ضخمان ، و
يبرز أسفلها عينان جاحظتان
تكادان تخرجان خارج مقلتيهما ،
و يتوسطهما بؤبؤان عسليان
فاتحان ، يسبحان وسط بياضيهما
المضرجان بالحمرة الزائدة ، أما
شفتاه الضخمتان فيعلوهما
شاربان طويلان مفتولان و
مصبوغان بعناية زائدة باللون
الأسود الغامق الذي أخفى كل
بياض الشيب ، و ما فعلته السنون
و الأيام بهذا الصنديد المخضرم
، و أما رقبته الطويلة فينتفخ
بطرفيها الوريدان الوداجيان
كساقيتين تجريان حول تلة تبرز
في وسطها تفاحة آدم بوضوح .
و الحقيقة أن أبا
نضال موسوعة ضخمة ، و تاريخ طويل
، من النضال و العلم و المعرفة و
الثقافة ، و لو أردنا أن نذكر كل
منجزاته و مؤلفاته و بطولاته و
تضحياته و شهاداته و أعماله و
خطاباته و مقالاته فلن يسعنا
جمعهم في مئات و لا حتى آلاف
المجلدات ، فهيهات هيهات أن
نحيط به في لقاء صحفي عابر ، و
يكفيه فخراً و اعتزازاً أنه
شارك في كل المعارك البطولية
الحاسمة و مواقع الصمود و
التصدي و الممانعة، التي جرت
على طول و عرض الوطن السوري ، و
في محيطه العربي ، و استحق وسام
الشرف من المستوى الرفيع و الذي
قلّده به السيد رئيس الجمهورية
بعد عودته من إحدى الغزوات
الكثيرة كما سيرد في اللقاء . و
الآن دعونا نستمتع بإجابات
سيادة اللواء طاووس على أسئلة
زميلنا مسعود .
الزميل مسعود : -
يسعدنا و يشرفنا أن نرحب بك
سيادة اللواء ، و نريد بداية أن
نهنئكم بعيد تأسيس الجيش العربي
السوري .
اللواء طاووس "
يجيب من طرف لسانه، بعد أن أغمض
عينه اليمنى و رفع رأسه قليلاً و
أمال رقبته و أرخى شفته السفلى
": - أهلاً ، أهلاً ، شكراً .
س – سعادة اللواء ،
دعنا نبدأ من حيث بدأت ، حدثنا
عن التحاقك في سلك الجيش ، و ما
هو سبب هذا الاختيار الصعب ؟.
اللواء طاووس
يتنحنح و يعدّل جلسته و يجيب :
ج- الحقيقة لم اختر
سلك الجيش ، و إنما تستطيع أن
تقول هو من اختارني ، أما كيف و
متى ؟ فأقول لك بصراحة أنني حصلت
على الثانوية في عام 1960م ، و
بعدها لم استطع متابعة دراستي
بسبب وضع والدي المادي ، و
خصوصاً أن أخي الأكبر الرفيق
الراحل المناضل الكبير صطام (
أبو قحطان ) كان يومها مسرّحاً
من الجيش برتبة ملازم أول ، و
كنا أنا و أخي صطام نساعد الوالد
في حراثة و فلاحة الأرض ، كما
كنت أُدرّس في مدرسة القرية
الابتدائية بنظام الساعات ، و
كنت أظن أن حياتي سوف تسير على
هذا المنوال حتى النهاية ، و
سأبقى فلاحاً بسيطاً طوال حياتي
، حتى كانت ثورة آذار الخالدة ،
التي شارك فيها أخي أبو قحطان مع
رفاقه ، و أطاحوا بنظام
الانفصال البرجوازي الرجعي
العميل ، و هنا أعيد أخي إلى
الجيش و رُفّع إلى رتبة رائد ، و
سُلّم الكلية الحربية بحمص ، و
أول عمل قام به هو تسريح كافة
طلاب الضباط الذين دخلوا الكلية
في عهد الانفصال البائد ، و تم
فُتح باب الترشح لدورة ضباط
جديدة ، و سَجّل اسمي مع
المنتسبين ، و فعلاً دخلت
الكلية ، و تخرجنا منها بعد سنة
و أربع أشهر فقط ، في أقصر دورة
للطلاب ، و سُميت تلك الدورة عند
تخرجنا بدورة البعث ، و هكذا
كانت ثورة آذار المجيدة ثورة في
حياتي و حياة عائلتي قبل أن تكون
ثورة على الإقطاع و البرجوازية
و الرجعية عملاء الإمبريالية و
الصهيونية ، و أستطيع أن أقول لك
أن ميلادي الحقيقي كان يوم
الثامن من آذار من عام 1963م، و
كنت قبلها أنا و عائلتي لا شيء
يذكر .
س – هل يعني هذا أنك
لم تكن تفكر أن تصبح ضابطاً ؟.
ج-
أبداً ، لقد كان أكبر حلم لي
أن نملك ثوراً ، يساعدنا في
حراثة الأرض الصخرية الصعبة
التي كنا نعيش من مردودها
البسيط مع عائلتي ، كنت و أخوتي
العشر نعيش مع والدينا و جدتنا
في غرفة واحدة ، ننام على الأرض
و نلتحف السماء ، و كنا لا نذوق
طعم اللحم إلا في الأعياد و
المناسبات ، عندما تستطيع
والدتي أن تتجرأ و تذبح إحدى
الدجاجات التي كنا نبيع بيضها و
لحومها في المدينة دون أن نأكل
منها إلا القليل . و كنت أقطع على
دراجتي الهوائية القديمة ، التي
استعملها أخي من قبلي ، كل يوم
أكثر من عشرين كيلاً ، ذهاباً و
مثلها عودة ، في طرق جبلية
ترابية وعرة متحملاً صعوبة طقس
فصل الشتاء الشديد البرودة ،
إلى مدرستي الإعدادية و من ثم
الثانوية على مدى عشر سنين ، حتى
استطعت أن أحصل على شهادتي
الثانوية ، و رغم كل الصعوبات
التي واجهتني أثناء ذهابي و
عودتي إلى المدرسة و صعوبة مواد
التدريس بحد ذاتها ، فقد كنت
أرفض كل طلبات والدي المتكررة ،
أن أترك المدرسة لأساعده في
فلاحة الأرض ، لأنني كنت أجد في
المدرسة فرصة للهروب من واجبات
الأرض التي لا أحبها ، و فرصة
أخرى للذهاب إلى المدينة حيث
كنت أفضل حياة المدينة على حياة
الريف الخشنة المتخلفة .
س- و ماذا عن
ترقياتك ؟.
نفش طاووس ريشه ، و
عدل جلسته، و مر بإصبعيه على
طرفي شاربه الأيمن الطويل
المقوس ، ثم أجاب :
ج – تخرجت برتبة
ملازم في عام 1965م ، و بعد أقل من
عام و في 23 شباط من عام 1966م ،
شاركت في الهجوم البطولي على
منزل رئيس الجمهورية الفريق
محمد أمين حافظ ، و كنت يومها في
كتيبة المغاوير التي يرأسها
سليم حاطوم ، و أبليت بلاء حسناً
، و استطعت أن أقتل و أصيب عدداً
كبيراً من حراس و مرافقة الرئيس
، و أصبت الرئيس نفسه بإحدى
طلقاتي ، فرفّعت بعد هذا الهجوم
رتبتين ؛ و أصبحت نقيباً ، و في
حرب حزيران 1967م كنت من
المشاركين في عملية إخلاء
الجبهة و مدينة القنيطرة من
الرفاق و عوائلهم ، و ضربنا
وقتاًً قياسياً في سرعة الإخلاء
و الإجلاء ، و استطعنا إخلاء آخر
رفيق قبل وصول أول جندي
إسرائيلي إلى القنيطرة بيومين ،
و ذلك تنفيذاً لأوامر الرفيق
وزير الدفاع آنذاك ، و بعد
مشاركتي في أواخر شباط 1969م
باعتقال و محاصرة العقيد عبد
الكريم الجندي رئيس المخابرات
العامة و أعوانه،والتي انتهت
بانتحار الجندي أوائل آذار من
نفس العام ، رقيت إلى رتبة رائد
، و شاركت بعدها بدور فعال في
الحركة التصحيحية التي قادها
الرفيق المناضل الراحل حافظ
الأسد، و قمت باعتقال أعضاء
القيادة القطرية لحزب البعث
،وأتباع اللواء صلاح الجديد في
تشرين الثاني 1970م ، ثم رقيت إلى
مقدم و ضمني رفعت إلى سرايا
الدفاع و ذلك أواسط عام 1973م ، و
لذلك لم أشارك في حرب تشرين
التحريرية ، حيث كانت مهمتنا
حماية القيادة السياسية في
العاصمة ، و قمت بنفس العام
بإجراء دورة ركن ، و بعد اندلاع
الحرب الأهلية في لبنان ، و دخول
الجيش السوري لإنهاء الحرب هناك
، كلفت بعدة مهام قتالية ، حيث
ترأست فوج من السرايا شارك مع
قوّات من الوحدات الخاصة و
الشرطة العسكرية باقتحام مخيم
تل الزعتر الفلسطيني قرب بيروت،
و تمكنا بعد حصار مديد و معارك
ضارية مع كل الفصائل الفلسطينية
و قصف مدفعي و جوي مركز ، من
اقتحام المخيم بالخدعة ، و ذلك
عبر سيارات الإسعاف و الصليب و
الهلال الأحمر و سيارات الإغاثة
، حيث لبسنا لباس الأطباء و
الممرضين الأبيض و أخفينا
أسلحتنا داخل سيارات الإسعاف و
سيارات التموين و شاحنات
المساعدات الإنسانية ، و عندما
أصبحنا في وسط المخيم ، فاجئنا
الجميع و فتحنا النار بكثافة ، و
بذلك كسرنا طوق الحصار و حسمنا
المعركة التاريخية لمصلحتنا ، و
رقيت بعد هذه المعركة البطولية
إلى رتبة عقيد ركن ، و في عام 1979م
شاركت في إخماد حوادث الشغب في
مدينة اللاذقية ، و في عام 1980م ،
شاركت في حصار و تمشيط مدينة حلب
أثناء أحداث الثمانينات ، و
استطعنا بمشاركة الوحدات
الخاصة و الفرقة الأولى من
إخماد أحداث الشغب و الاضطرابات
و التظاهرات التي كانت تحرّض
عليها القوى الرجعية المعادية
للثورة ، و أذكر أننا صباح العيد
حاصرنا مجموعة من المشاغبين في
حي المشارقة و حولنا عيدهم إلى
مأتم جماعي ، و جعلناهم عبرة لمن
يعتبر ، و في نفس العام شاركت في
متابعة و ملاحقة فلول العصابات
الإجرامية في إدلب و جسر الشغور
و سرمدا ،و كنا نشكل محاكم
ميدانية عسكرية تقوم بتنفيذ
الإعدامات على الفور ، و أمام
أهل المعدومين و أزواجهم و
أبنائهم ، حتى يرتدع الجميع .
أما الحدث الهام و المصيري و
الذي كان السبب لترقيتي إلى
رتبة عميد ركن فكان بعد محاولة
اغتيال السيد الرئيس الفاشلة
في حزيران من عام 1980م...
* نكتفي بهذا القدر
من اللقاء الهام مع سيادة
اللواء الركن طاووس ، و سوف
نتابع بقية المقابلة في الحلقة
القادمة .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|