قصص أقصر
من القصيرة
شموخُ
مِئذَنَة
بقلم
: الدكتور محمد بسام يوسف*
كعادتهنّ، ارتدَيْنَ ثياب الصلاة البيضاء،
وتوجَّهنَ إلى المسجدِ
المجاور، ودَخَلنَه كحماماتٍ
بيض، يملأ الإيمانُ قلوبَهُنّ،
ويدفعهنّ للإصرار على أداء
الصلاة وبقية الواجبات
التربوية، على الرغم من قوانين
مَنع التجوّل التي فرضتها قوّات
الاحتلال، وقوّات الحكومة
المفروضة على البلاد.. همست (رحمة)
:
ـ علينا أن نواظبَ على الصلاة في هذا
المسجد، مهما كانت الظروف!..
أجابت (زينة) :
ـ وعلينا أن نستمرَّ بدروسنا التربوية
للأطفال، فضلاً عن دروس القرآن
الكريم، وعلوم الحديث الشريف،
والسيرة النبوية.. على أن نهتمّ
بصغار البلدة، خاصةً الأيتام..
أبناء الشهداء وبناتهم!..
علّقت (ليلى) :
ـ وعلينا كذلك، أن نبحثَ عن مؤذِّنٍ
للمسجد، بعد استشهاد العم (عبد
الله) برصاص قنّاص الشرطة!..
تفرّقت المعلّمات الشابّات، للقيام بحملة
تنظيفٍ عامةٍ للمسجد، وإزالة
رسوم الصليب التي رسمها جنود
الاحتلال على جدران المسجد
والمنبر وبعض المصاحف
الممزَّقة.. وفي هذه الأثناء
حطَّت حمامتان في صحن المسجد،
فتوجّهت إليهما (رحمة)، وقدَّمت
لهما بعض الماء في وعاءٍ صغيرٍ
معدنيٍ قديم.. وبعد أن ارتوت
الحمامتان، قفزتا إلى الأعلى
طائرتَيْن لِتَحُطّا على سطح
المسجد.. تابعتهما (رحمة)
بنظرها، فوقعت عيناها على جدران
المئذنة الطويلة جداً، المليئة
بالثقوب والخروق والفجوات،
التي سبّبتها القذائف
العشوائية لقوّات المحتلّين
وحلفائهم!..
بعد انتهائهنّ من أعمال التنظيف والترتيب،
اجتمعت الفتيات قرب المحراب،
للتشاور في طريقة دعوة الأطفال،
وتنظيم الدروس، وتأمين كل
المستلزمات لذلك.. ثم قالت (رحمة)
:
ـ لكن قبل كل شيء، يجب أن نرمّم المئذنة،
ونؤمّن مؤذّناً مناسباً!..
ـ (زينة) : المهم الآن الأذان، أما الترميم..
فيمكن إنجازه فيما بعد.. لكن
الشباب الذين يُعتَمَد عليهم
منخرطون في كتائب المقاومة،
وليس من الحكمة أن يتعرّض أي
منهم للخطر بسبب الأذان!..
ـ (ليلى) : لا بد أن نجدَ حَلاً مناسباً،
فالمئذنة يجب أن تعود كما كانت،
والأذان يجب ألا ينقطع أبداً،
ودروسنا يجب أن تستمر مهما
اعترضتنا الصعوبات!..
ـ (الله أكبر .. الله أكبر)!.. صوتٌ يصدح من
الأعلى.. نظرت الفتيات تجاهه،
وانطلقت أصواتهنّ معاً بغبطة :
ـ سبحان الله، إنه صوت الفتى (مُطيع)، ابن
الشهيد المؤذّن (عبد الله)،
يؤذّن لصلاة العصر!..
في نفس الوقت، انتبهت الفتيات لانبعاث صوت
هديلٍ متداخلٍ مع صوت الأذان..
نظرنَ إلى الأعلى، فإذا
الحمامتان البيضاوان ترفرفان
حول شرفة المئذنة العالية،
وتَهدلان!..
*عضو
مؤسِّس في رابطة أدباء الشام
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|