الرئيس
السوري يصاب بالصمم ..
القيادة
السورية تصاب بالشلل
محمد
عبد المجيد *
إذا اقتربت
إسرائيلُ من لبنان فإن دمشقَ لن
تقف مكتوفةَ الأيدي!
بعد قليل..
إذا ضربت تل أبيب في
العمق اللبناني فإن قلبَ
العروبة النابض ستنتفض على صرخة
وادمشقاه.
بعد فترة ..
في حال ضرب القوات
الاسرائيلية مدنيين لبنانيين
على الحدود مع سوريا، فإن
القيادة الرشيدة لحزب البعث
العربي الاشتراكي ستقترب من
المواجهة مع العدو الصهيوني!
ثم
يأتي التهديد الحقيقي ...
لو تعرضت القوات
الصهيونية لوسط مدينة دمشق فإن
احتمال دفاع القيادة السياسية
عن كرامة الوطن سيزداد.
معذرة فما اعتدنا
أن نتهكم إلا من ارتفاع ضغط الدم
الذي يمس لأول مرة الجهاز
العصبي، ويكاد يقتلنا في كل
طرفة عين.
مفردات وطنية تخرج
من دمشق مفعمة بمشاعر الود
للانسان العربي، ملفوفة بعناية
شديدة في رسالة يسمعها الأحرار
والعبيد بطريقتين مختلفتين،
ويفهمها الآخرون كل حسب قدرته
على قراءة ماوراء السطور وما
تحتها.
ولكن أين المواطن
السوري الذي سيفجر نفسه في
قافلة للعدو إذا حدث لا قدر الله
أن دخل دمشقَ جلبيٌ سوريٌ فوق
دبابة أمريكية عليها نجمة
سداسية ؟
أغلب الظن أن
الاستشهادي الآن في أحد السجون
أو المعتقلات، ويرفض الرئيس
الشاب بشار الأسد الافراج عن
مواطنيه الذين قضى بعضهم ثلاثين
عاما في جحيم لا يتمناه سجناء
أبو غريب وجوانتانامو!
كيف سيحمل السلاحَ
للدفاع عن القيادة وحزب البعث
ووطنه وشعبه، وقد حفرت سياطُ
الجلادين على ظهره علامات ستشهد
يوم القيامة بأنَّ أجهزةَ
الاستخبارات السورية
تفوّقت في طرق وصنوف
التعذيب، وكانت صاحبةَ المركز
الأول في الاحتفاظ بمعتقليها
ثلاثة عقود أو أكثر كان حلمُ
السجينِ فيها أن يستحم لدقيقتين
أو يقضي حاجته في أكثر من
دقيقتين أو يشرب بوله في أقل مندقيقتين!
في العام الأول
ظننا الرئيسَ الشابَ في انتظار
فرصة الاستتباب ليعيد
للمواطنين كرامتهم.
في العام الثاني
مَنَحَه السوريون فرصة جديدة
لأن الحرس القديم يمد أذرعَه
كالاخطبوط في كل أجهزة الدولة.
في العام الثالث
قلنا بأن طبيب العيون الشاب على
وشك الانحياز إلى شعبه، وقد ضاق
ذرعا بجلادي الشعب وتلامذة
إبليس.
ثم اكتشفنا أن
السيدَ الرئيسَ اختار الانحياز
إلى أجهزة الاستخبارات، وقام
بتأجيل الافراج عن المعتقلين
السوريين واللبنانيين
والفلسطينيين
والعرب الآخرين ثلاثين عاما
أخرى وهو العمر الافتراضي
لأطولهم عمرا!
قد يكون السجينُ
محظوظاً ويتم الافراجُ عنه دون
محاكمة بعد عشر سنوات من
التعذيب والتجويع والحياة
الموتية في زنزانات لم تعرف منذ
بنائها شعاعَ الشمس، ويخرج
المسكين مصابا بالسرطان
والسُلّ وشبه العمى وعدة أمراض
نفسية وعصبية، ويحسده زملاؤه
الباقون في السجون على تلك
النعمة.
المطلوب منا جميعا
دفاعا عن شرف العروبة
أن نساند قلب العروبة، ولكن
ماذا عن المنسيين في جحيم
معتقلات سوريا؟
تستطيع الطائرات
الاسرائيلية أن تحلق فوق دمشق،
وأن تخترق حاجزَ الصوت، وأن
تهبط إنْ أرادتْ في حديقة قصر
الرئاسة، ولن تتعرض لها
أيُّ قوة لأن كل ضابط سوري
مشترك في تعذيب مواطنين أو
منخرط في عملية فساد سيكون عونا
لاسرائيل، ولن يرفض طلبا واحدا
ليضْحىَ بعدها كوهيناً جديداً
في خاصرة آخر معاقل العروبة من
دول المواجهة.
تستطيع سوريا أنْ
تحارب العالمَ بحجارة يحملها
أحرار، لكنها سَتَسْقُط مع أول
قذيفة إسرائيلية أو أمريكية إنْ
تحول السوريون إلى ظهور عارية
أمام أسواط أجهزة الاستخبارات
السادية.
أستطيع أن أكتب
مجلداتٍ كاملةً عن حكايات يشيب
لها شعرُ الجنين، وتهتز لها
الأرض والسماء، ويؤكد بعدها
الشيطانُ أنَّ الانسان هو الذي
أغواه وحرَّضه وكذب عليه.
أحمل لسوريا
والسوريين حباً شديداً، وأغضبمن
أجلهم ولغضبهم، وأرى أنّ
السوريين في الداخل والخارج
قادرون في ظل مناخ حُرّ على
صناعة دولة متقدمة وقوية
ومستقلة يتسابق الآخرون على
الاستثمار فيها، والتعلم من
ثقافتها، وجعلها قبلة السياحة
ومنافسا لقبرص وتركيا.
والسوريون
يستطيعون النجاة من الطائفية
وتجنب الانتقام ممن صادر
حريتَهم وكرامتهم سنين عددا،
ولكن يبدو أن الرئيسَ الشاب
فَقَدَ القدرةَ تماماً على
السمع، وأن القيادة أصبحت
مشلولة أيضاً، وأن تمنيات آلاف
المعتقلين الذين نَسيناهم تصب
كلها في صالح خصوم سوريا بفضل
الطابور الخامس الاستخباراتي
الذي أذاق السوريين عذاب الدنيا
وأقترض من عذاب الآخرة ما لم يكن
باستطاعته.
عندما أكتبُ عن
سوريا فليست أمامي قضايا أخرى،
من المرتفعات السورية المحتلة
إلى الموقف من لبنان، ومن حزب
البعث العربي الاشتراكي إلى دعم
ومساندة قوى التحرر في أروقة
المؤتمرات الدولية، ومن
مسرحيات دريد لحام إلى
المسلسلات التي تفوقت على
نظيرتها المصرية، لكنها قضية
واحدة لا أرى غيرها مَخْرَجا
لتحرير الوطن وتَقَدُّمِه
وحماية دمشق واثبات أن السوريين
سيدافعون عن وطنهم ضد أي عدوان .
هذه القضية هي حقوق
الانسان، والافراج الفوري غير
المشروط عن جميع المعتقلين في
سجون سوريا، وتعويضهم ماديا
ومعنويا، واقامة محاكم عادلة
يَمْثُل أمامها كل ضباط التعذيب
الذي أجرموا في حق مواطني وطنهم.
سوريا أوهن من خيط
العنكبوت في ظل خوف المواطن،
وهي أقوى من اسرائيل عندما
يستطيع أي سوري أن ينظر بشجاعة
في عيون ضباط الأمن
والاستخبارات.
لن تستطيع دبابة
أمريكية أو إسرائيلية أن تدنس
شبرا من سوريا إذا أفرج
بشار الأسد عن كل
المعتقلين، وحرر المواطنَ من
الخوف، وبغير هذا الشرط فإنَّ
القيادةَ السوريةَ تكون كلُها
في خدمة روح إيللي كوهين.
*رئيس
تحرير مجلة طائر الشمال/ أوسلو
Taeralshmal@gawab.com
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|