ماذا
لو أفلت زمام الحرب في لبنان
من
يد واشنطن؟!
الطاهر
إبراهيم*
المعارك
التي تدور في الجنوب اللبناني
ما زالت تحت السيطرة، خصوصا وأن
الخوف مما ليس
في الحسبان دفع الشيخ "حسن
نصر الله" للقبول بانتشار
الجيش اللبناني على الحدود مع
إسرائيل ،حسبما ورد في اقتراح
الحكومة اللبنانية بعد اجتماع
وزراء الخارجية العرب الأخير في
بيروت. القبول بهذا الاقتراح
يعني –إسرائيليا- إبعاد صواريخ
حزب الله شمالا بما يكفي
للتقليل من خطر هجمات حزب الله
على "الجليل" الأعلى، وهو
ما كانت تطالب به إسرائيل في ما
سبق.
لبنانيا
رحب "نصر الله" بقرار
الحكومة اللبنانية إرسال الجيش
إلى الجنوب، واعتبره تكريسا لما
توافق عليه إجماع وزراء
الحكومة، لأن هذا الحل يمثل،
حسبما ورد في آخر خطاب له ،مخرجا
سياسيا مقبولا، لأن الذي سيأخذ
مكان الحزب في الجنوب هو جيش
لبناني، وليس جيشا إسرائيليا أو
أجنبيا. وهو من جهة أخرى يبقي
بعضا من هيبة الحزب العسكرية
أمام منافسيه من بقية الأطراف
في لبنان، كما يبقي على رصيد من
قوته ينفعه في مجهول الأيام
القادمة.
نحن
نزعم أن واشنطن ما زالت في مرحلة
"إدارة الحرب" ولمّا تدخلْ
بعد في نطاق "إدارة الحل"،
رغبة منها في إرغام بعض أطراف
الصراع ،ليس منها إسرائيل، على
النزول على حكمها ،فيما تراه
مناسبا لها ولإسرائيل، وحجتها
في ذلك أنها تريد حلا دائما.
حتى
الآن، ما تزال واشنطن ليست في
وارد تغيير المنطقة، بل تفضل
التغيير في المنطقة. فما يزال
النظام السوري -مع رفض الإدارة
الأمريكية تأهيله من جديد أو
الحوار معه، بل وحتى منع "تيري
رود لارسن" من زيارة دمشق- يجد
له مكانا ووظيفة في أجندة
واشنطن. ما يعني أن يبقى النظام
ضعيفا غير قادر على مقاومة تحرك
واشنطن، أفضل من أن يأتي نظام
آخر، لا يمكن التكهن بما يسفر
عنه مجيء هذا الآخر.
ومع
بقاء الحديث حول ما يمكن أن تسفر
عنه الحرب في جنوب لبنان،
تُظهِر حتى الآن أن إسرائيل لا
تريد أن تذهب إلى آخر الشوط بما
يؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية،
قد تريدها لإعادة ترتيب المنطقة
وفق منظورها، ولكنها غير قادرة
على دفع تكاليفها. "جورج بوش"
الابن المتورط في العراق وأقل
من ذلك في أفغانستان يستهويه
دائما أن يخرج على المنطقة
بمشاريع ومسميات ثبت دائما أن
"حساب السوق" فيها لم يكن
مطابقا لحساب الصندوق وأنه أيضا
غير قادر على بلورة مشروع
أمريكي في ظل تزايد إخفاقاته في
العراق.
دول
المنطقة العربية حائرة. فمع أن
معظمها رفض توقيت أسر الجنديين
الإسرائيليين، لكن ما تقوم به
إسرائيل من جرائم حرب في لبنان
جعل هذه الدول تقع في أمر محرج.
فهي من جهة لا تستطيع أن تفعل
شيئا لإيقاف العدوان، ومن جهة
أخرى فإن رفض واشنطن إيقاف
الحرب يظهرها وكأنها لا تقيم
وزنا لمن تربطها به صداقة من تلك
الدول. وقدا بدا عجزها واضحا
عندما فشل مؤتمر وزراء الخارجية
الذي انعقد مؤخرا في بيروت
باتخاذ قرار مثل القرار الذي
اتخذ بإيقاف ضخ النفط العربي
باتجاه أوروبا وأمريكا أثناء
حرب عام 1973 ،ما دعا واشنطن أن
تضغط على تل أبيب للموافقة على
الانسحاب من مواقع احتلتها في
الجولان، ومن "ثغرة
الدفرسوار" غرب قناة السويس.
أقصى ما استطاعه مؤتمر وزراء
الخارجية هو إيفاد وفدٍ إلى
نيويورك فيه وزير خارجية قطر
صاحب المقولة الشهيرة "أن
الدول العربية تتوسل الحلول من
واشنطن".
نحن
نعتقد أن الصورة ليست من الوضوح
بحيث يمكن أن نقول أن واشنطن
ستصل إلى ما تريده، لا لأن الدول
العربية سوف تقف في وجهها، بل
لأن ما تطلبه إسرائيل مرفوض من
الحكومة اللبنانية، وحتى من
الأطراف التي لا تشاطر حزب الله
وجهة نظره. ما يتوقعه خبراء
السياسة في المنطقة أن الأمور
ستكون محصلة تدافع إرادات تقف
في طرفي نقيض
،خصوصا
وأن "نصر الله" قد يقبل -في
سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل
فوات الأوان- اللقاء في نصف
الطريق أو حتى ربعه، ولكنه أبدا
لا يقبل -وقد استطاع أن ينال من
هيبة الدولة العبرية ،جنودا
وعتادا- لأن يسلم بيديه -برغم
شعور الجميع أنه أخطأ التوقيت-
مالا يقبله حتى المهزوم في
المعركة.
ماذا
يعني هذا الكلام على صعيد
المنطقة العربية؟ لا نزعم أننا
نستطيع أن نرسم سيناريو محتملا
لما يمكن أن يجري، ولكننا نعتقد
أن "ارتكابات" واشنطن في
المنطقة من أفغانستان، مرورا
بالعراق وصولا إلى لبنان،
قدخلفت "تراكمات" في نفس
المواطن العربي من "طنجة"
في المغرب إلى "بغداد" في
العراق، ومن "حلب" في سورية
إلى"عدن" في اليمن ،ما يجعل
حدوث انكسار ما، في أي مكان من
الوطن العربي قد يقع في أي لحظة.
الانكسارات
التي كانت تتم سابقا لم تكن
بعيدة عن سمع واشنطن وبصرها،
كما حصل في بولونيا ورومانيا
وفي أوكرانيا وغيرها من دول ما
كان يسمى بدول المعسكر الشيوعي،
حيث كان يتم الإطاحة
بدكتاتوريات مكروهة من الشعوب،
ولكن كان هناك مصلحة لأمريكا
بالمجيء بأنظمة تدور في فلكها،
وأن تصبح القطب الوحيد في
العالم.
ثقافة
الهزيمة التي تحاول واشنطن أن
تزرعها في نفوس الشعب العربي،
لم تفلح في إيجاد عقلية
انهزامية داخل التيارات التي
تقود ،ولو تعاطفا، الشارع
العربي. لا بل لقد أنتجت محاولات
واشنطن ،ليس ممانعة كما تسميها
بعض الأنظمة العربية، وإنما
رفضا لكل من يلوذ بأمريكا من
الأنظمة والحكام. واستطرادا فإن
الشعب العربي يعرف أنه قد
أُتِيَ ،أولا وأخيرا، من قبل
الأنظمة التي تركت الحل في يد
واشنطن، بل وكانت عونا لها في
فرضه. وإذا كان لا يستطيع أن
يجابه أمريكا ،وليس مطلوبا منه
ذلك، فإن ما يغلي في النفوس قد
يفجر القدور التي حبست فيها
الشعوب لتسيل أنهارا صاخبة.
إذا
كانت واشنطن لا تؤمن إلا بما قد
يأتيها به "حساب الصندوق"،
فإن "حساب السوق" قد
يفاجئها في مواقع لم تحسب لها
حسابا. ما نعتقده أنه قد حان
الآن الوقت لتتم الانكسارات ،
ليس وفق ما لا تريده واشنطن
فحسب، بل في اتجاه يعاكس تماما
ما تريده ولم تحسب له حسابا، وأن
زمام الحرب في لبنان قد يفلت من
يدها في أي لحظة، وأن المعركة قد
تمتد إلى أماكن لم تكن واردة في
حسبان واشنطن وتل أبيب.
بعيدا
عن التنجيم والرجم في الغيب،
فإن هناك من يعتقد أن النقمة
الشعبية في سورية ضد ما يجري في
لبنان قد تجعل المفاجأة تبدأ في
سورية، لأن النظام السوري خذل
المقاومة اللبنانية، عند ما أصم
أذنيه عن سماع الدعوات التي
طالبته بفتح جبهة الجولان
لتخفيف الضغط عن الجبهة
اللبنانية. وقد كان بإمكان
النظام أن يقدم إخراجا وتفسيرا
لفتح جبهة الجولان بأن يزعم أن
"جند الشام" أو "القاعدة"
هما من يقوم بالمقاومة عبر
الجولان. ولطالما زعم أن
القاعدة وجند الشام كانت تقوم
بعملياتها داخل سورية، ليظهر
لواشنطن أن النظام مستهدف من
الإرهاب الأصولي. كيف سيتم
،سوريا، مؤازرة المقاومة
اللبنانية، إذا ما طالت الحرب
في لبنان؟ هذا ما ينتظره
المواطن السوري.
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|