بالعربي
الفصيح
"
كيف يَصنع حكّام السنّة مِن
حولهم هلالاً شيعيّاً " !؟
عبد
الله القحطاني
أ-
لا بّد من المصارحة لتلافي
الأخطار :
يقول الشاعر :
إذا ما الجرح رُمّ على
فسادٍ
تَبيّنَ فيه إفراطُ الطبيبِ
إنّ المجاملة
والمسايرة ، وإنّ الالتفاف حول
النقاط المحرجة والقفزَ من
فوقها .. إنَّ ذلك كلّه لم يعد
يُجدي شيئاً . فالأمراض الخطرة
الكامنة في جسد الأمّة ، لم يعد
ينفع فيها مَرهم خارجيّ ، أو
علاج مسكّن ..!
لا بدّ من تشخيصها بوعي
وصراحة وجرأة ،
ومعالجتِها بالدواء
المناسب لها ، وإذا احتاجت إلى
عمل جراحيّ ، فلا بدّ من الإقدام
عليه ، إذا
أريدَ للحياة أن تستمرّ في
الجسد ..!
سهلٌ على المرء
أن يقول :
" إنّ إخواننا
الشيعة يفعلون كذا وكذا ،
والجهةَ الفلانيّة منهم ارتكبت
الخطأ الفلاني .." ثمَّ يتابع
القائل مستدركاً : " ونحن نأسف
لهذا الحديث عن أمور طائفيّة لا
نُحبّ أن نراها متداولة بيننا ..
فنحن أبناء أمّة واحدة .. " !
سهل أ ن يقول
المرء هذا وأمثاله ،
ممّا هو دارج في لغة الصحافة
العربيّة وفي الفضائيات
العربيّة ..!
لكنْ ما الجدوى !؟
لا شيء .
لا بدّ من وضعِ
الأمور في نصابها الصحيح ..
ولابدَّ –
بالتالي – من أن يتصارح أبناء
البيت الواحد ، فيما بينهم ، حول
مشكلاتهم الداخليّة وأساليب
حلّها ، وحول الأخطار القادمة ،
من بني العمومة أو الخؤولة .. أو
الجيران ، لمعرفة الطرائق
المناسبة لتلافيها ، ولمعرفة
السبل الملائمة للحوار حولها ،
مع الجهات التي تصدّرها إلينا ..
ب- أساس المشكلة
:
أساس المشكلة
كامن عندنا ، نحن المحسوبين على
أهل السنّة :
1-
لن نتحدّث عن الجهلة
الضائعين من بني الملّة ، الذين
لا يعرفون أصلاً ما معنى شيعة أو
سنّة ، بل لا يعرفون شيئاً عن
مذاهب أهل السنّة ، ولا من أين
جاءت كلمة سنّة !
2-
ولن نتحدّث عن أصحاب "
الحِذق " و" الفَهلَوة "
من حَملة الأقلام ، الذين
يؤجّرونها ، أو يتاجرون بها ، مع
هذا الفريق أو ذاك .. فترى
أقلامهم تمدح الفرقاء ، بقدر ما
" تَمتَح " أيديهم من جيوب
هؤلاء الفرقاء ..! فتَرى "
الفهلويّ " صاحبَ القلم
الرشيق ، يتمثّل أبداً بقول
عِمران بن حِطّان :
يوماً يَمانٍ إذا لاقَيتُ
ذا يَمَنٍ
وإنْ لَقيتُ مَعَدّياً
فعَدناني
3-
ولن نتحدّث عن بعض المخلصين
ذوي النيّات الطيّبة من طلَبة
العلم ، الذين استهواهم حديث
السياسة ، فشَغلهم عن مواصلة
طلبِ العلم والتعمّق فيه.. فما
استفادوا ممّا كانوا فيه ، ولا
نَفعوا – بل أضرّوا – في المجال
الذي أسرَعوا إلى الخوض فيه ،
بلا زادٍ من وعيٍ أو معرفة ،
ممّا يحتاجه التصدّي للولوج في
هذا المجال .
4-
وبالطبع لن نتحدّث عن
الحاقدين ، الذين لا باعثَ
لديهم يدفعهم إلى مهاجمة
الآخرين ، سوى الحقد المحض ،أو
الحقد المغلّف بأوهام ..! كما لن
نتحدّث عن
صيّادي الأخطاء ، الباحثين عن
الخلاف مع كلّ أحد ، فإن لم
يجدوا مَن يختلفون معه ، اختلفَ
كلّ واحد منهم مع نفسه ..!
5-
مَدار حديثنا هنا ، هو حكّام
السنّة .. الذين يدركون جيّداً
ماذا تعني كلمة " سنَّة " في
العالم الإسلاميّ عامّة ، وفي
العالم العربيّ خاصّة .. على
المستوى السياسيّ أوّلاً ، وقبل
كلّ شيء ..!
" وكلّ حديث
عن الطوائف ، لدَى صانع القرار
السياسيّ في بلادنا ، هو حديث
سياسيّ بالضرورة ، لأن الطائفة
هي (كتلة) متَمذهِبة ، لذا فهيَ (كتلة)
سياسيّة بالمنطق السياسيّ ، أو
بمنطق الفلسفة السياسيّة " ..!
وليس مهمّاً
أن يكون الحاكم السنّي
متمسكاً بمذهب أهل السنّة أوْ
لا .. بل ليس مهمّاً أن يكون
ملتزماً بأحكام دينه
الإسلاميّ أوْ لا .. المهمّ هنا ،
في المسألة كلّها ، هو الجانب
السياسيّ منها ، أيّ ما يمثّله
أهل السنّة من تجمعّات بشريّة
معيّنة ،في دول معيّنة ،خاضعةٍ
لأنظمة حكم معيّنة ، معرّضةٍ
لأخطار الاختراقات السياسيّة
المذهبيّة من جهات معيّنة !
هنا لبّ المسألة
..!
وهنا يكمن
الحساب السياسيّ ، من وجهة نظر
صانع القرار السياسيّ ..! وهذا
أمْر مشروع
لا غبارَ عليه ، بل هو مندوب
إليه ، وأول مَن يُندَب إليه
صانع القرار .
ج- المدّ
والجَزر " بين القول والفعل
" :
1-
الثورة الخمينيّة في
بدايتها ، كانت تَعدّ الإقليمَ
المحيط بها كلّه ، مَجالاً
حيويّاً لها ، ولا سيّما على
المستوى الإيديولوجيّ "
المذهبيّ " .. بل مدّت عينيها
إلى ما وراء ذلك ، حتّى المغرب
العربي ..!
وكان مدّها في
ذلك مزدوجاً : مدّاً بالقول
مرتفعاً إلى أقصى مدَى ممكن ..
ومدّاً بالفعل
– من خلال الممكن – عَبْر
التحريض والتحرّش ، وإرسال
الدعاة ، وتحريك العناصر
الموالية لها مذهبياً ، في سائر
الدول العربيّة والإسلاميّة ،
وفي سائر دول العالم ..
ولقد ساعدها في
طغيان هذا المدّ ،استبشار
الشعوب الإسلاميّة بأنّها
ستتحرّر من قيود الاستبداد التي
تخنقها ، بمؤازرة المدّ الشيعيّ
الفتيّ المتصاعد ، الذي ظنّته
هذه الشعوب مدّاً إسلاميّاً ..
ففتَحت له عقولَها وقلوبها ،
قبل أن تتبيّن حقيقتَه ، وقبل أن
تلتقط أنفاسها ، لتدقّق بما
فعلته هذه الموجة المذهبيّة
العاتية بمواطنها المسلمين من
أبناء السنّة ،في مناطق عدّة من
إيران ، وعلى رأسها منطقة
الأهواز !
وحين نشبت الحرب
العراقيّة الإيرانيّة في بداية
الثمانينات من القرن العشرين ،
واختلطت فيها النزَعات
المذهبيّة، بالمصالح المحليّة
والمصالح الإقليميّة – وإن شئت
قلت: المخاوف الإقليميّة –
والمصالح الدوليّة ..عند ذاك بدأ
المدّ بالانحسار، لأنّ المجال
الحيويّ الذي كان مفتوحاً –
وأهمّ ما فيه عقول الشعوب
وقلوبها – بدأ بالانغلاق ، وصار
دعاة المذهب يقابَلون بشيء من
الحذر والتوجّس في أنحاء العالم
، كما صارت الشعارات والبيانات
والتصريحات المذهبيّة ، تفقد
أصداءها ، إلاّ عند أبناء
المذهب ، في أنحاء العالم ..
واستمرّت الحرب
ثمانيَ سنوات ، والموجة
المذهبيّة تراوح في مكانها ، ـ
حسبَما هو ظاهرـ يَصعب عليها
التقدّم ، ويَصعب عليها
الانكفاء التام إلى داخل إيران .
والظاهر للعيان أنّ اندفاعتَها
القويّة خفّت ، وأنّ نشاطها
تباطأ لحساب الحذَر والتمدّد
الهادئ ..! ودعمِ البؤرِ
والمرتكزات التي أنشأتها في
أثناء اندفاعها السريع ،
ولاسيّما في الدول التي فيها
كتل شيعيّة كبيرة ، والدولِ
التي فيها طوائف ذات أصل شيعيّ ـ
حتّى لو ابتعدتْ عنه كثيراً ـ !
2-
بعد انتهاء الحرب العراقيّة
الإيرانيّة ، وفي أثناء حرب
الخليج الثانية ،التي احتلّ
فيها العراق الكويت وخرج منها ،
وفي أثناء حصاره الذي استمرّ
ثلاثة عشر عاماً، ظلّ المدّ
الشيعيّ الهادىء يتحرك ببطء ،
إلاّ أنّه (مَدّ بالفعل) لا
يوازيه قوّةً ( مدّ القول ) ..
3-
وكانت ( حكومات السنّة )
مشغولةً بمجابهة ( المدّ
العسكريّ) والمدّ الأمنيّ (
الاستخباريّ ) والمدّ السياسيّ
المتعلّق بسياسة الدولة
الإيرانيّة .. لأنها تملِك
وسائلَ مجابَهتِها ..أمّا المدّ
المذهبي ، الذي كان يتغلغل
بهدوء ، وينتشر في مواقعَ شتّى
من العالم العربي ، فلم تكن
الحكومات لتأبَه له، لأنّه لا
يحمل تهديداً مباشراً
لسياساتها ومصالحها . كما أنّها
لا تملك وسائلَ مجابهته ، حتى لو
أرادت ذلك . والسبب واضح وبسيط:
إيران دولة
عقديّة مذهبيّة ، لديها إصرار
على نشر مذهبها ،لأنّها تراه
المذهب الصحيح
" وربّما يَتقرّب قادتُها
إلى الله بذلك ". كما أنّها
تَرى في نشر المذهب تمهيداً
أساسيّاً وقويّاً، لخدمة
سياساتها في الدول الإسلاميّة
عامّة والعربيّة خاصّة ، وعَبْر
هذا المذهب تجنّد العيون داخلَ
الدول ، وتجنّد الأنصار الذين
يمهّدون ،داخلَ دولهم،
للهيمنةِ الإيرانيّة لاحقاً،
على هذه الدول ، لأنّها الدولة
الشيعيّة الوحيدة في العالم ،
القائمة على أساس المذهب . فهي
تعَدّ
- بالتالي – المرجعَ الأعلى
لكلّ شيعة العالم ..
ويمكن القول
ببساطة ، وبلا تردد : إنّ إيران
تحلم بقوّة ، بالهيمنة
الامبراطوريّة على دول العالم
الإسلاميّ ، عبرَ المذهب
الشيعيّ . فحين تُفتح قلوبُ
الناس وعقولهم للمذهب الشيعيّ
– الذي يعَدّ عقيدةً عند أصحابه
، لا مجرّد مذهب فقهيّ –
فإنّ فتح الدول يصبح أمراً
تلقائياً ..!
4-
لكن لماذا لا تملك حكوماتُ
السنّة وسائلَ المجابهة على
المستوى المذهبيّ ؟؟
الجواب هنا بسيط
وواضح كذلك :
إيران الدولة ،
اتّحدت بالمذهب الشيعيّ
اتّحاداً تامّاً ، وشعبُها
متوحّد معها في هذا المذهب .
فالدولة وأكثريّة شعبها يخدمان
المذهب – العقيدة- ويحرصان على
نشره . بينما هذا ، غير متحقق في (
الدول السنيّة ) ألبتة . بل ربّما
كان المتحقّق هو عكسه ، في أكثر
الدول المحسوبة على السنّة ..!
فالفكر يحتاج
إلى فكر لمجابهته .. والدعاة إلى
عقيدة أو مذهب ، يحتاجون إلى
دعاة مثلِهم ، من وزنِهم ،
ليتصدّوا لدعوتهم ..وحكومات
السنّة ، ليس لديها دعاة
متعاونون معها تندبهم لهذه
المهمّات ! وفقهاء
الحكومات، الذين توظّفهم
لتمرير المسائل التي تحتاج إلى
فتاوى فقهيّة ، لا يَصلحون
لمهمّات (المجابهة المذهبيّة)
بحكْمِ مَواقعهم – وإن كان
بعضهم لديه مؤهلات جيّدة على
المستوى الشخصي - بل هم حريصون
على مجاملة الشيعة أكثرمن حرصهم
على مجابهتهم ـ..!
والدعاة
المستقلّون المتحمّسون لعقيدة
أهل السنّة ، مهمّشون في بلادهم
في أكثر
الأحيان ، ومضطهَدون في
كثير من الأحيان ..!
أيّ بعبارة أخرى
: دعاة السنّة في حالة (جَزر)
يَفرضها عليهم حكّامهم . ودعاة
الشيعة في حالة مدّ متواصل ،
يَدفعهم إليها حكّامهم ،
ويَدعمونهم بكلّ ما يحتاجون ،
من وسائلَ ماديّة ومعنويّة ..
دعاة السنّة
محارَبون بتهمة (الإرهاب) ، أو
بتهمة ( مظنّة الإرهاب) ، أو
بتهمة ( الإطار الفكري للإرهاب)
..
إنّهم محارَبون
بهذه التّهم وبغيرها ، من قِبل
حكوماتهم ، ومن قِبل النخَب
العلمانيّة في بلادهم ، التي
تَصبّ عليهم شآبيبَ حقدها عبر
وسائل الإعلام ، وتحرّض عليهم
بأساليب مباشرة وغير مباشرة ،
حكوماتِ بلادهم ، والدولةَ
العظمى " الإمبراطوريّة "
أمريكا ، لتتعاون هذي وتلك على
قمعِهم ، وتركِهم في حالة "
جَزر" دائم ..!
إنّها معادلة
طبيعيّة بسيطة وواضحة :
فراغ القوّة
لابدّ من ملئِه ..! وكلّ قوّة
تَبحث عن الفراغ الذي يناسبها ..
فالقوّة
العقديّة تتمدّد في الفراغ
العقدي ، حتّى لوْ جُوبِهت
بقوّة عسكريّة أو أمنيّة .. لأنّ
هذه ليست من النوع الذي يَملأ
الفراغ العقديّ ،أو يَستطيع
التصدّي للمدّ العقديّ..!
وبناءً على هذا
، سيظلّ ( الهلال الشيعيّ ) يمتدّ
ويستطيل ويتقوّس ، حتّى يصبح
دائرة تلفّ العالم العربيّ كله
..!
إلاّ أن يدرك
الحكّام، قبل فوات الأوان ، أنّ
دعاة الإسلام في بلادهم ، ليسوا
أعداء لهم .. وأنّ همّ الداعية
الأول ، هو التقرّب إلى الله ،
بخدمة دينه والدفاع عن سنة
نبيّه (ص) . وأن عليهم – أيْ
الحكّام- غضّ النظَر عن المدّ
الإسلاميّ الذي يتصدّى للمدّ
الآخَر . ولا مانع من مراقبة هذا
المدّ ، كيلا يتجه شيء من خطره (عمداً
أو سهواً)،إلى مصالح الحكّام ،
أو مواقع سلطتهم
.." (ونقول : غضّ النظر عن
الدعاة لا دعمهم ! وعندئذٍ ،
سيرى حكّام السنّة أنفسَهم ،بعد
حين ، يتمثلون – في مجابهة
المدّ الشيعيّ – بقول القائل :
" إنّ الحديد بالحديد يفلح
".. أو بقول الآخَر : إن
كنتَ ريحاً فقد لاقَيتَ إعصارا !
وعندَها ،
عندَها فقط ، يستطيعون أن
يقولوا للسادة الشيعة ، بثقة
واطمئنان : يا قوم " تعالَوا
إلى كلمةٍ سَواءٍ بينَنا
وبينَكم " ..!
ولله الأمر من
قبل ومن بعد .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|