يا
عيب الشوم
إبراهيم
درويش
هذه العبارة العامية التي
يستخدمها العرب في بلاد الشام
بخاصّة،في معرض نقدهم لتصرّف
أعوج،أو رأي فجٍّ،أو سلوك
اجتماعي منحرف عن جادّة
الصواب،أو عندما يأتي الإنسان
عملاً غير متوقع من أمثاله
علماً وقدْراً ورجاحة عقل.هذه
العبارة "يا عيب الشوم" أو
" يا عيب الشوم منَّك "
التي تعني ـ والله أعلم ـ أن
لا يقترب الإنسان من الأمر
المنهِيِّ عنه،لأنه عيب أولاً،
ولأنه شؤمٌ لا يبعث على الفأل أو
الخير ثانياً، تتبادر إلى الذهن
كثيراً في أيامنا هذه على وجه
الخصوص، من كثرة ما يرى من خطلٍ
في الرأي لدى بعضهم، أو تقصير
شبه متعمّد، أو سلوك مشين، أو
ذيلية في اتّخاذ المواقف،أو
اتّصاف بالغباء في مواقف يتوقع
فيها الذكاء والألمحية وفهم
القضية " وهيِّه طايره " .
وإليكم
بعض المواقف والتصرفات التي
تبعث على الحزن، أو الانزعاج،
أو التحسّر، أو الغيرة على
الدين أو العرض أو الوطن أو
العلم، أوأيّ شيء آخر، لايملك
الإنسان الحسّاس إزاءها إلاّ أن
يقول لمن يوجّه إليه نقده: "ياعيب
الشوم منَّك ":
1ـ عندما يرى مربّياً فاضلاً صاحب
علم ومعرفة وخبرة في الحياة
والناس يقف
أمام غِـرٍّ ليتلقّى عنه دروساً
في الوطنيّة والسياسة، فيهين
علمه وفضله ويتحوّل إلى قزم ـ
بعد أن كان يُنظر إليه على أنه
عملاق ـ أمام
من هو أقزم منه .
2ـ عندما
يرى إنساناً يتوسّم فيه الخير
والذكاء والذاكرة القويّة
ينخدع بكذاب ويصدّق كلَّ
مايقوله، بل يصفّق لهذا الكذاب
الذي ورث الكذب والباطنية
كابراً عن كابر.
3ـ عندما
يرى رجلاً تنطلي عليه الحيل
والتلاعب بالألفاظ وبيع
العنتريات الفارغة والحروب
الكلامية عبر الإذاعات وشاشات
التلفاز فقط، ولا شيء غير ذلك.
4ـ عندما
يجد أناساً لايفرّقون بين
البطولة الحقيقية
والدونكيشوتية، وعندما تنعدم
لديهم قدرة التمييز بين أن
يقاتل الإنسان دفاعاً عن الأرض
والعرض والكرامة المسلوبة،وأن
يقاتل آخر بلسانه ويملأ الجوّ
صخباّ وضجيجاّ وإزعاجاً
للجيران بسلاطة اللسان أكثر من
أن يفتّ كلامه في عضدعدوّه
الحقيقيّ المتربّص بداره
الدائس على كرامته.
5ـ عندما
يلاحظ صنفاً
من البشر ليست لديهم القدرة على
ربط الجزئيات الصغيرة ببعضها،
ليستطيعوا بذلك التوصّل إلى
حقائق الأشياء وكنهها، فيبقون
في جهلهم المركّب بالرغم من
الناصحين الذين لا يهون عليهم
أن يروهم في هذه الحال.
6ـ عندما
يرى نوعاً آخر من البشر يظنّ
بالناس الجهل وفقدان الذاكرة،
فيتعالم ويتظاهر بالصلاح
والتنسّك والحرص على المصلحة
العامّة،ويتناسى أن مَن حوله قد
نبذوه وأخرجوه من الباب، فيحاول
أن يعود ليس من الباب أو الشبّاك
وإنّما من المدخنة،ويفوته أنه
سيصبح في حال غير ما كان يأمل،
إذ لايرضى أحدٌ أن يدخل عليهم
" مُشَحْوَرٌ" يشحور كلّ
أثاث بيتهم.
7ـ عندما
يرى نوعاً آخر من البشر يظنّ أنه
بتسلّقه على أكتاف مغفّلين قد
حاز المجد التليد والمنزلة
الرفيعة عند الله وعند الناس،
وينسى أن هؤلاء قد يرفسونه في
أية لحظة، وحينئذ قد تدقّ عنقه!!
8ـ عندما
يرى بعضهم قد أصيب بعمى
الألوان، أو العشو الليليّ، أو
ضعف الرؤية، فيتخبّط في سيره
وتصرّفاته كالذي يتخبّطه
الشيطانُ من المسّ، ويظنّ نفسه
على هدى وعلى صراط مستقيم،
والأنكى أن يجرّد لسانه وقلمه
في الهجوم على أولياء الله،
فيرى نفسه من حيث يشعر أو لا
يشعر في صف أعداء الله." قل
أؤنبّئكم بالأخسرين
أعمالاً،الذين ضلّ سَعْيُهم في
الحياة الدنيا وهم يَحسَبون
أنهم يُحسِنون صُنعاً".
9ـ عندما
ترى رجلاً كبيراً(أو هكذا يتصور)
يفتقر إلى الشجاعة التي تؤهّله
لطرح وجهة نظره بكل صراحة
ووضوح،فيلجأ إلى التترّس وراء
أسماء خلّبية، ويتّخذ من
الفسفسة والنطوَطة ـ غير
اللائقة به ـ منهجاً وأسلوب
تعامل داخل المؤسسة التي ينتمي
إليها.
10ـ عندما
تصادف " رجلاً " يعجز عن
المواجهة المباشرة لإثبات
رأيه، فينزل إلى درْك التهويش
والتشويش والنجش، فيحاصره
عارفوه ويكتشفون زيف أسلوبه
ويواجهونه في الساحة
المكشوفة،بعيداً عن المتاريس
الوهمية التي كان يختبيء وراءها.
11ــ وعندما
تجد صنفاً آخر من الناس في كلّ
لحظة برأيٍ، و" في وجّك
وردة في
قفاك شوكه" ، أو وفق المبدأ
العراقي " معاهم معاهم، عليهم
عليهم " .
نقول عن الأصناف التي ذكرتُها
وأشباهها: ياعيب الشوم
منكم،فماذا نقول لأولئك الذين
يمتهنون الكذب والعهر السياسيّ
والنفاق بأنواعه، بل وشبّوا على
الرذائل والمشينات منذ نعومة
أظفارهم، وبالرغم من ذلك ترى
أناساً ينخدعون بهم وبمعسول
كلامهم!!هل يكفي أن نقول لهم :
ياعيب الشوم منكم ؟؟
اللهم احفظ علينا" كَبْرتْنا
"،وأحسن خاتمتنا، ولا "
تتقِّّلْ فينا أرض ولا تكرِّهْ
فينا بَشَرْ " ، ياربَّ
العالمين.اللهم آمين .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|