نتائج
الحرب السادسـة
( 1 )
الدكتور
خالد الاحمـد*
تعودنا أن تحدث
هزات فكرية بعد كل حرب خاضها
العرب ضد الصهاينة ، فقد نقمت
الجيوش العربية من حكام العرب
بعد حرب (1948) ، وكانت سلسلة من
الانقلابات في سوريا ، ومصر ،
والعراق ....
وبعد حرب (1956) كانت
الوحدة بين سوريا ومصر ، وبعد
حرب (1967) تكشف بعد الحكام عن
الاسلام ، واضطهادهم للدعاة
والعلماء المسلمين ، واتجهت
الجماهير المثقفـة العربية نحو
الاسلام ... واليوم بعد الحرب
السادسة التي نابت فيها لبنان
ممثلة بالمقاومة الاسلامية ،
نابت عن العرب جميعاً ، اليوم
تحدث هـزة فكريـة كبيرة هذه بعض
معالمها .
1- في الحروب (1948) ، ( 1967) ، تفوق جيش الدفاع
الصهيوني على الجيوش العربية في
ستة أيام فقط ،
وزرع في الفكـر العـربي أن
جيش الدفاع الصهيوني لايقهر ،
وفي حرب (1973) قال السادات : لا
أستطيع أن أقاتل أمريكا ، التي
دخلت في المعركة علناً ، حيث
تنزل الدبابات الأمريكية في
سيناء من الطائرات الأمريكية ،
لتدخل المعركة حالاً ... وترسخ في
الذهنيـة العربية أن أمريكا
تدعم إسرائيل وبالتالي يستحيل
التغلب على أمريكا ... وكان هذا
سبباً في قبول العرب للمفاوضات
مع الصهاينة ، وقبل عبد الناصر
مشروع ( روجرز ) ، القاضي
بالمفاوضات بين العرب
والصهاينــة ، وقبل معظم العرب
التخلي عن الأرض المحتلة عام
(1948) ، وصارت المطالبة بالأرض
المحتلة عام (1967) فقـط .
2- انكفأت الجيوش العربية تحمي الأنظمة
القائمة ، ولم تعد تفكر مجرد
تفكير في تحرير الأرض المحتلة ،
وبالنسبة لسوريا ، سلم وزير
الدفاع ( حافظ الأسد ) الجولان
عام (1967) ، ولم يعد يفكر أحد في
تحريره حتى بات الجولان أكثر
الأراضي المحتلة أمناً ،
وارتفعت أسعار العقارات فيـه ،
حتى فاقت جميع مناطق الأرض
المحتلة ، وتوجهت الهجرة
الصهيونية إلى الجولان ...
وقد نشر موقع (
كلنا شركاء ) موضوعاً عن الجولان
في (12 /6/2005) جاء فيه :
ـ حملة جديدة
استيطانية في الجولان لجلب مئات
العائلات اليهودية .
ـ استقطاب ( 300)
عائلة يهودية ضمن عام (2005) .
ـ عنوان الحملة :
الجولان مشرع أبوابه لكم وهو
مفعم بالحياة .
ـ وجاء في الحملة :
الجولان يتميز بالهدوء الأمنـي
، ومستوى المعيشة المرتفع لدى
المستوطنين .
ـ الطبيعة
الخلابة والهـدوء والأمـان
ينتظرونكم في الجولان .
ـ (21) مستوطنة
ممتدة من جبل الشيخ وحتى بحيرة
طبريا ؛ فتحت أبوابها لاستقبال
القادمين الجدد .
ـ ازداد
الاستيطان في الجولان في
السنوات الأخيرة بنسبة (400 % ) .
ـ (700) عائلة
يهودية استوطنت الجولان في
السنوات الأربع الماضية .
ـ
(97 % ) من القادمين للجولان
من أراضي (48 ) و (3 % ) قادمون
جدد .
وانكفأ
الجيش العقائدي السوري ، بعد أن
فُرغ من جميع الضباط وضباط الصف
الذين يفكرون في قتال الصهاينة
، طردوا من الجيش ، وسجن بعضهم ،
وأعدم قليل منهم ، وشـرد
الباقون ، وجمع المرتزقة ليحموا
النظام الأسـدي الحاكم ، وصارت
مهمة الجيش العربي السوري حماية
النظام الحاكم ، ليس إلا ، وخاض
الجيش العربي السوري معارك
ضارية ضد المواطنين المدنيين
العزل في حماة وجسر الشغور
وادلب وحلب وتـدمـر وغيرها ...
واستطاع أن يقتل عشرات الألوف
من المواطنين الأبرياء
معظمهم من النساء والأطفال
، مما يجعل مجازر قـانـا الأولى
والثانية ، لاتشكل سوى جزء يسير
يكاد لايذكر عندما تقارن بمجزرة
حماة التي قتل فيها الجيش
السوري قرابة خمسين ألفاً من
المواطنين .....
ولا أظلم أحداً ،
كما لا أجانب الحقيقة إذا قلت أن
مهمة الجيوش العربية في أواخر
القرن العشرين لم تكن سوى حماية
الأنظمة الحاكمة ... ولايوجد في
برنامج عملها مجرد الاستعداد
لتحرير الأراضي المحتلـة عام
(1967 ) أو (1948) ... وهذا ماجعلها تهمل
الاستعداد والتدريب للمحافظة
على الجاهزية القتالية ، كي
تبقى موازيـة لجيش الدفاع
الصهيوني ... لأن مهمتها لم تـعد
مواجهة جيش الدفاع الصهيوني ،
بل صارت مهمتها سـهلة وهينـة ،
وهي البطـش بالمواطنين العـزل
إذا أبـدوا عدم قبولهم بالنظام
الحاكم ، وتلفظوا بكلمات أو
مجرد إشارات تـدل على عدم رضاهم
عن هذا النظام الحاكم ... أو
امتنعوا عن التطبيل والتزمير
لهذا النظام الحاكم ... والبطش
بالمواطنين العزل لايحتاج إلى
تدريب أو استعداد .... كل ذلك قام
على القناعة بأن الجيش الصهيوني
لايقهر ، ولاطائل من مجرد
التفكير في محاربتـه ، والتفكير
في تحرير الأرض المحتلة ....
3- لقد حطمت المقاومة اللبنانية (
الأصولية ) تلك الفكرة المريضة
التي ساقت العرب إلى المفاوضات
والبحث عن ( سلام الشجعان ) ،
فكرة الجيش الصهيوني الذي
لايقهر ، وتمكنت المقاومة
اللبنانية ( الأصولية ) من تحقيق
( معجزات ) حسب مقاييس العرب التي
سبق الحديث عنها ومن هذا
المعجزات :
• صمدت المقاومة اللبنانية
الاسلامية أكثر من شهر ، وفي كل
يوم كانت تسقي الصهاينة كؤوس
الموت ... مما دفع الصهاينة إلى
تغيير سقف مطالبهم وأهدافهم من
الحرب ، فقد بدأوا الحرب يعلنون
ضرورة سـحب سلاح ( حزب الله ) ،
وأنهم سوف يطبقون القرار (1559)
الذي لم يطبق حتى الآن ،....
وتنازلوا يوماً بعد يوم حتى
وصلوا أخيراً إلى ضرورة إبعاد (
حزب الله ) عن الجنوب اللبناني
فقط ....
• لأول مـرة في حياتي ( 60) سنة ،
أسمع وأرى الصهاينة يختبأون
أكثر من شهر في الملاجئ ، ووصل
عدد رواد الملاجئ قرابة مليون
ونصف صهيوني ، قالت إحداهن من
هذه الملاجئ : نحن لانحصل على
حاجتنا من الطعام والشراب في
هذه الملاجئ ...وأترك للقارئ
حساب الخسارة القومية لتعطل
مليون ونصف مواطن صهيوني عن
العمل أكثر من شهر ...
• لأول مرة في حياتي ، أرى الجنود
الصهاينة يبكون هلعاً وخوفاً من
الموت الذي خطف زملاءهم في
المواجهة مع المجاهدين
المسلمين ، وهذا دفع حكومة
الصهاينة إلى طلب الاحتياطي
ثلاث مرات ، حتى وصل مجموع
مادفعوه إلى لبنان أكثر من
خمسين ألف جندي ...
• لأول مرة في حياتي ، أرى وأسمع
الصواريخ العربية المسلمة تقصف
شمال الأرض المحتلة ، وحيفا ،
وتصل قرب العاصمة الصهيونية ،
وتدمر ( 5500) منزلاً من اليوم
التاسع عشر للحرب كما تقول
(يديعوت أحرنوت ) ، و(50) مصنعاً ،
و(300) سيارة ، وغير ذلك كثير ...
وأعظم مافعلت صواريخ (
الكاتيوشا) إصابتها تجمعاً
لجنود الاحتياط الصهاينة في (
كريات شمونــة ) قتل منهم ( 12 )
جندياً باعتراف العدو ، وجرح
الكثير ... وأخيراً فرغ العدو
مستعمرة ( كريات شمونة ) من
السكان ، وتركها مدينة أشباح
تدكها ( الكاتيوشا ) كل يوم ....
هذا جزء من
المعجزات ( وفق فكرنا قبل الحرب
السادسة ) ، حققته المقاومة
اللبنانية الآسلامية ، وكما
يحصل في الرياضيات عندما تعجز
مجموعة الأعداد من استيعاب
الفكر الرياضي ، يخترعون مجموعة
جديدة وهكذا كانت مجموعة
الأعداد الطبيعية ثم الكلية ثم
الصحيحة فالنسبية فالحقيقية
فالتخيلية ....
نحن كذلك لم تعد
أفكارنا التي بنيناها خلال
أواخر القرن العشرين صالحة ، بل
ماتت ، دفنتها صواريخ المقاومة
الاسلامية ، وهانحن نبحث عن فكر
جديد يقول :
لو أن الجيوش
العربية التي ينفق عليها أكثر
من نصف الموازنة في البلدان
العربية ، لو أن هذه الجيوش من
نوعية رجال المقاومة الاسلامية
... لأرغمنا الصهاينة على العودة
إلى أوربا وأمريكا وروسيا ...
وتركنا من أحب منهم أن يبقى
للعيش في فلسطين يهودياً وليس
صهيونياً ... لأنـه { لا إكـراه في
الديـن } عند رجال المقاومة
الاسلامية ... وعندئذ يتحقق
السلام الذي تدعـي أمريكا أنها
تبحث عنـه ....
*كاتب سوري في
المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|