لبنان
...من أباطرة الهزيمة إلى صناع
الإنتصار.
د.نصر
حسن
في حسابات الفعل
والنتائج بين قوتين معروفتين
ومتمايزتين بالخلل الكبير في
موازين القوى وعلى ساحة منازلة
صغيرة نسبيا ًهي بحجم لبنان
,يكون من الخطأ إعتماد
المعاييرالتقليدية في حسابات
الربح والخسارة , أوالهزيمة
والإنتصار,إذ لابد من النظرإلى
الحدث بمنظارمجسم يساعد على
رؤية الصورة بكامل أبعادها
الثابتة والمتغيرة.
وفي تاريخ الحروب
العربية مع "إسرائيل"
المهين لم يكن يحتاج الأمرإلى
كثيرمن التحليل والتأويل
ولاإلى استعمال المناظير, لأن
الصورة كانت واضحة تماما ً
ونتائجها معروفة لدى الشعب
العربي كله وهي الهزيمة بأسوأ
أشكالها ,تفرضها أنظمة الحكم
على الشعب دون إرادته ,بل هو ضحيتها
ويعيش نتائجها المذلة ويدفع
ضريبتها ظلما ً وهويضغط على
الجراح والعقل والفم بصمت شديد
,بل تجاوز ذلك إلى فقدان حريته
واعتكف الإهانة والصمت ,هذا
هوالشيء الوحيد المسموح به في
حياتنا العربية التي تغطيها
الهزائم والعيوب والممنوعات من
بابها إلى محرابها .
وكانت نتائج الحروب
مريعة على الدوام ,محمولة على
الكذب والخديعة والتضليل , وزرع
الخوف الذي سيطر بإحكام على
العقول والصدور , وأصبح
الكثيرعقولهم خاوية كما قلوبهم
من الحرص على المصير ,وترنموا
على أن يكونوا لأباطرة الهزيمة
شهود زور... شهود زوروتزييف
الحقائق وتحويل الهزيمة إلى
نصرمأزور , والمهزوم إلى
منتصروغير مدحور , وأن زبدة
النصرالصافية تكمن
في عدم قدرة الأعداء أو
بالحقيقة عدم رغبتهم بالإطاحة
بهذا الرئيس المهزوم بل وكأنه
للهزيمة مندور ومنذور...وفي
حقيقة الأمور لم نعرف غير
الهزائم المتلاحقة المرئية
والمخفية وبنا لأكثرمن نصف قرن
تلف وتدور, ولم نرى غيرالقادة
المهزومين وأجيال من
"مثقفي" الهزائم عبرامتداد
ضياع فلسطين وامتداد الصراع
المصروع بين العرب و"إسرائيل
" الذي أصبح سلسلة من الضياع
والتضييع .
وعليه
تم ربط وحصر الشعب بتحديد هدف
الحرب وتقزيمه وتقزيم أهدافه بل
وحتى إنسانيته ,لتصبح على قياس
الرئيس وهدف الحرب الإستراتيجي
هو بقاء الرئيس المهزوم ,ونقل
البلا والعباد من حالة حصار
فكرية ونفسية وسياسية وحضارية
إلى حالة أسوأ منها وبما يتطلب
تثبيت حالة الحصار والهزيمة
وتحويلها إلى حقيقة ثابتة
ودائمة تحكم موازين القوى بين
العرب و"إسرائيل" وطبعا ً
ضد مصالح العرب على الدوام .
والمثال الصارخ على
هذه العلاقة المختلة والمعتلة
المتنافرة بين الهزيمة والنصر ,
بين الشعب والرئيس هو نظام
الحكم في سورية ورئيسه السابق
والحالي بشار أسد الذي أنتجته
وأوصلته إلى الرئاسة سلسلة
طويلة من الهزائم المتتالية
وطنيا ً وقوميا ً وعلى كافة
المسارات الداخلية والخارجية
وهذا معروف للقاصي والداني
,وبضمنهم الرئيس وبطانة الهزيمة
والفساد التي تحيط به وتطبل
لإنتصاراته الوهمية وتوازناته
العدمية وحاجة البلاد الأبدية
إلى فلسفته وخططه الحربية.
وفي ظلال اللحظة
الراهنة التي خاض لبنان حربا ً
أطول من مجموع كل الحروب
العربية الإسرائيلية وأشجعها
وأكثرها صدقا ً وعقلانية وحكمة
في التعامل مع مجرياتها
الداخلية والخارجية ,وعلى الأخص
التعامل الداخلي مع الأطراف
الوطنية اللبنانية وإعطاء
الإهتمام الكبير لتأخذ الدولة
دورها وتقويته بما فيه الحفاظ
على الوحدة الوطنية,وأيضا ًمع
ما
خلفه العدوان
الهمجي من دماروتشريد وعذاب
إنساني .
ولأول مرة يتم تبني
الصدق والصراحة مع النفس ومع
الجميع في تاريخ الصراع ,ويصبح
للكلمة العربية معنى وللمتكلم
العربي حساب , وللحدود والأرض
العربية حرمة وحراس وثمن باهظ
للتعدي عليهما وللعربي المقاوم
هيبة ورهبة , ولأول مرة تخرج
حسابات العدوان من احتمالاته
النمطية المعروفة , إلى
احتمالات أخرى مفاجئة حد
الإرباك والتخبط للنظام السوري
أولا ً وللعدوان وأعوانه ثانيا
ً,لأنهم اعتادوا على الهزيمة
وعبر صراع طويل سواء ً باتفاق
وهو أغلب الظن ,أوبلقاء المصالح
القريبة والبعيدة القديمة
والجديدة وهذا ليس ظنا ًبل يمثل
استراتيجية العدوان باستمرار.
ولأول مرة يصاب
الجميع الذين انهزموا وثبتوا
الهزيمة وثقفوا أجيالا ًعلى
الهزيمة وصوروها عبثا ً أنها
السلام العادل والشامل والدائم ...!وضبطوا
وعيروا ألسنتهم وقلوبهم ونظام
حكمهم على استمرار الهزيمة ,
فأنتجوا التخازل والعبودية
وسياسة الخنوع وعدم التصدي ,بل
التعدي على الشعب وقيمه ومشروعه
في الحياة الحرة الكريمة ,وقمعه
وحرمانه من المشاركة في تقرير
مصيره , والأخطر من ذلك حرمانه
من كرامته ليصبح تائها ً وضائعا
ً ومخدرا ً لبيقى بعيدا ً عن
مجريات الأحداث والتفاعل معها ,
وتحصيل حاصل أنتجوا الإستبداد
الذي يحمي الهزيمة التي بدورها
توفر لهم البقاء على كراسيهم
وتحميهم من شعوبهم .
ولأول مرة تظهر
الحقيقة التي غيبها وحاربها
النظام السوري رمز الإستبداد
طويلا ً وهي فقدان الديموقراطية
ومحاربتها عبرإزاحة دعاتها
ورموزها من الساحة الوطنية بكل
الوسائل الدنيئة قتلا ً وسجنا ً
وخنقا ً وخوفا ًمن نموها ورعبا
ًمن استحقاقاتها الوطنية
والقومية , وفي النهاية إلغائها
من الحياة السياسية السورية
ومعها إلغاء خيار الشعب الوطني
الديموقراطي الذي هو الحاضنة
الوحيدة لولادة أجيال
أحرارلاتقبل بالهزيمة وسياسة
الإستسلام والتفريط بالأرض
الوطنية والقومية , وترفض الذل
والعبودية الذي أسسه له النظام
في حياة الشعب لعقود .
والحالة التي يراها
البعض مفارقة والنظام السوري
أولهم هو هذا الصمود الأسطوري
للبنان أمام العدوان ونحن نراها
نتيجة لحالة ديموقراطية يعيشها
لبنان والنظام السوري حاربها
وألغاها من حياة الشعب في سورية
وحاول محاربتها وإلغائها في
لبنان وأفرزت احتلال بيروت
والحرب الأهلية ,و في ظروف خارجة
عن قدرة لبنان وفي معظمها عربية
تم وقفها مؤقتا ً عبر تفويض
النظام السوري بالعبث
بلبنان لعقود ومحطاته
معروفة إلى أن استطاع لبنان
التخلص من وجود النظام وأعوانه
الذين أرادوا وعملوا على زرع
الفتنة وتحويلها إلى مشروع صراع
داخلي يغطي به وجوده هناك .
.تخلصوا منه ورجع لبنان بسرعة
إلى حالته الديموقراطية
الوطنية التي صنعت النصر ... نعم
نتيجة للديموقراطية والصدق
والحرص على الإنسان أولا ً
وأخيرا ًلأنه هو الذي يحقق
الهزيمة أو الإنتصار .
بقي أن نقول : أن
الإستبداد في سورية هو في عنق
الزجاجة التي حشرته المقاومة
اللبنانية فيه , يمكن وصفه بشكل
موضوعي بإمبراطورالهزائم ,هو في
حالة هزيمة حقيقية هذه المرة
, هزيمة أمام انتصار
المقاومة التي أنتجها خيار
الديموقراطية , هو في حالة هزيمة
أمام المقاومة أولا ً,و أمام
نفسه ثانيا ً,,و أمام خطابه
ثالثا ً,و أمام شعبه وفي الجولان
على وجه التحديد رابعا ً,و أمام
أصدقاؤه وأعداءه خامسا ً, هزيمة
وطنية وقومية وإقليمية حقيقية
هذه المرة لأنها ليست من صنعه
ولا من اختياره , بل كانت الدرس
الأكثر وجعا ً في تاريخة كله ,
لأنها ضربته في منهجه , ونقلت
الشعب العربي من حقبتة ...حقبة
أباطرة الهزائم إلى فجر صناع
الإنتصار.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|