لقاء
مع الجنرال طاووس
-2-
د.
هشام الشامي
نشرنا في حلقة
سابقة الجزء الأول من اللقاء
الصحفي الذي أجراه بمناسبة عيد
تأسيس الجيش العربي السوري
الزميل الصحفي مسعود الصحاف مع
أحد أعمدة و أركان و أساسات و
مخضرمي الجيش العربي السوري
،الرفيق اللواء الركن الدكتور
طاووس بن مهزوم النعام ( أبو
نضال ) ، قائد الفرقة الأولى في
الجيش العربي السوري ، و مدير
دار نضال للنشر و التوزيع ، و
رئيس تحرير مجلة جيش الشعب ، و
رئيس مركز البحوث العسكرية و
الاستراتيجية بدمشق ، و عضو
الأمانة العامة للإتحاد
النسائي العام ، و عضو في
الأمانة العامة لطلائع البعث ،
و عضو مجلس نقابة الفنانين
السوريين، و رئيس لجنة إحياء
التراث و الرقص الشرقي في
النقابة، و رئيس رابطة خريجي
الدكتوراه و الدراسات العليا ،
و الحاصل على الدكتوراه في علوم
أمن المجتمع من جامعات الاتحاد
السوفيتي، و الذي تخرج من
الكلية الحربية بحمص برتبة
ملازم في عام 1965م ، و شارك في
الهجوم على منزل رئيس الجمهورية
الفريق محمد أمين حافظ في شباط
1966م ، و خلال حرب حزيران 1967م كان
من المشاركين في عملية إخلاء
الجبهة و مدينة القنيطرة من
الرفاق و عوائلهم ، و بعد
مشاركته في أواخر شباط 1969م
باعتقال و محاصرة العقيد عبد
الكريم الجندي رئيس المخابرات
العامة و أعوانه، رُقي إلى رتبة
رائد ، كما شارك بعدها بدور فعال
في الحركة التصحيحية التي قادها
الرفيق المناضل الراحل حافظ
الأسد، و قام باعتقال الرفاق
أعضاء القيادة القطرية لحزب
البعث ، ثم رُقي إلى مقدم و ضمه
رفعت الأسد إلى سرايا الدفاع و
ذلك أواسط عام 1973م ،و أثناء حرب
تشرين التحريرية ، كانت مهمته
حماية القيادة السياسية في
العاصمة ، و بعد اندلاع الحرب
الأهلية في لبنان ، و دخول الجيش
السوري لإنهاء الحرب هناك ،
ترأس فوج من السرايا شارك مع
قوّات من الوحدات الخاصة و
الشرطة العسكرية باقتحام مخيم
تل الزعتر الفلسطيني قرب بيروت،
و رقي بعد هذه المعركة البطولية
إلى رتبة عقيد ركن ، و في عام 1979م
شارك في إخماد حوادث الشغب في
مدينة اللاذقية ، و في عام 1980م ،
شارك في حصار و تمشيط مدينة حلب
أثناء أحداث الثمانينات ، و في
نفس العام شارك في متابعة و
ملاحقة فلول العصابات
الإجرامية في إدلب و جسر الشغور
و سرمدا ، ثم
وصل الجنرال طاووس في إجابته
على سؤال زميلنا الصحاف إلى
الحدث الهام و المصيري و الذي
كان السبب في ترقيته إلى رتبة
عميد ركن و ذلك بعد محاولة
اغتيال السيد الرئيس الفاشلة
في حزيران من عام 1980م ،
نتابع اليوم إجابات الجنرال 0
يتابع الجنرال
طاووس قائلاً :
- بعد محاولة
الاغتيال الفاشلة هذه ، اتصل بي
المقدم معين ناصيف صهر القائد
رفعت الأسد ، و قال لي : إن
القائد يطلبك في مكتبه بسرعة ،
فالحق بي هناك 0 و فوراً توجهت
إلى مكتب القائد ، و وجدت المقدم
ناصيف عنده ، و كانا ثملين و
غاضبين ، و يقدح الشرر من
عينيهما ، و يكيلا الشتائم و
السباب على عصابات القتل و
الإجرام ، و فور وصولي ، قال لي
القائد : هل سمعت يا طاووس بما
فعل الأخوان المجرمون ؟ و الله
لأجعلهم عبرة للجميع ، الآن
مهمتكم البدء بأولئك ( العرصات )
الموجودين في السجون ، اذهب مع
المقدم معين بكتيبة و صفّوا كل (
الأخوانجية ) في سجن تدمر ، نحن
نُطعمهم و نشربهم و هم يريدون
قتل الرئيس ، سوريا لنا و ليست
لهم ، لا أريد أن تطلع على أحد
منهم شمس يوم غد ، اذهبا و نفذا
المهمة هذه الليلة فوراً 0
و فعلاً طرنا تلك الليلة مع
مجموعة منتقاة من مخلصي جنود
سرايا الدفاع بالطائرات
المروحية إلى تدمر ، و بعد
نزولنا قرب السجن خطب المقدم
ناصيف بنا ، و بيّن أن مهمتنا
القضاء على ألف سجين من مجرمي
الأخوان المسلمين الموزعين على
حوالي عشرة ( مهاجع ) داخل السجن
، ثم قسمنا إلى مجموعات ، كل
مجموعة مهمتها مهاجمة مهجع واحد
بالبنادق و القنابل ، و قتل كل
من فيه ، و كنت مع المجموعة التي
بقيت خارج السجن و التي كانت
مهمتها حراسة الطائرات خارج
السجن ، و بعد انطلاق المجموعات
و اقتحام السجن ، سمعنا أصوات
القنابل و الرصاص تعلو و تختلط
مع صرخات الاستغاثة و التكبير
من السجناء ، و بعد حوالي نصف
ساعة هدأت الأصوات ، و بدأنا
نسمع بعض أصوات الطلقات المفردة
، و التي اعتقدنا أنها طلقات
تأكيدية تصيب الذين يُشك بأنهم
لازال بهم رمق من حياة ، ثم عاد
رجال السرايا الأشاوس من ساحة
المعركة البطولية و قد تلطخت
أيديهم و ثيابهم و وجوههم بدماء
السجناء ، و علمنا أن أحد الرفاق
قُتل و أصيب اثنان آخران ، عندما
استطاع أحد المساجين من خطف
بندقية أحد المهاجمين و أطلق
النار عليهم ، ثم قام المقدم
ناصيف بشكر الجميع على هذه
المعركة الرجولية ، و صرف لهم
مكافأة مادية رمزية مقدمة من
القائد شخصياً 0
و هنا قاطع الزميل
الصحاف اللواء طاووس قائلاً :
- بعد هذه المعركة
التاريخية رُفعتَ إلى رتبة عميد
، أليس كذلك ؟ 0
عطس اللواء طاووس
عطسة قوية ، تناثر معها الرزاز
من فمه في كل اتجاه ، و قدح الشرر
من عينيه ، ثم مد يده اليمنى نحو
جيب خارجي منفوخ بجانب فخذه
الأيمن ، و أخرج سيجاراً كوبياً
، قضم قطعة من إحدى طرفيه و
بصقها ، ثم وضعه بين شفتيه ، و
أشعل طرفه الأخر ، و سحب نفساً
عميقاً من سيجاره ، و نفخ دخانه
الكثيف ، ثم ردّ قائلاً : هذا
صحيح 0
- الزميل مسعود : و
ماذا عن المعركة التالية ؟
أخذ اللواء طاووس
نفساً عميقاً ثم زفره بصوت
مسموع و قال :
- المعركة التالية
كانت في حماة ، و ذلك عندما
شاركنا بقيادة القائد رفعت ، مع
القوات الخاصة بقيادة علي حيدر
، و ألوية أخرى من الجيش كاللواء
47 ، و بمشاركة الطائرات و
المدفعية و راجمات الصواريخ و
الدبابات باقتحام مدينة حماة
التي اختبأ بها مئات المجرمين
من ( الأخوانجية ) ، و ذلك في ليلة
الثاني من شباط عام 1982م ، و قد
خطب بنا القائد ، و هاجم الأخوان
و شتمهم ، و قال : إن أهالي حماة
كلهم مع الأخوان حتى المسيحيين
و البعثيين منهم ، و قال موجهاً
كلامه لنا : إن مدينة حماة محللة
لكم ، تفعلون بها ما تشاؤون ، و
أنه سيجعل حماة أثراً بعد عين ،
و سيدمرها فوق أهاليها و سوف
نسكر جميعاً على أطلالها ، و
سيقول التاريخ : كانت هنا مدينة
اسمها حماة 0
و فعلاً استمرت
المعركة طيلة شهر شباط ، و كنا
ننتقل من حي إلى آخر ، و بعد
التمهيد المدفعي ، و القصف
براجمات الصواريخ ، نقوم
بالاشتباك مع من تبقى من
المسلحين و بعد أن نقتلهم أو
ندحرهم نهاجم من تبقى من
الأهالي فنقتل شبابهم و من نشاء
من شيبهم و أطفالهم و نسائهم ، و
نغنم من البيوت و المحلات و
المتاحف ما خف حمله و غلا ثمنه
من الآثار و المصاغ و القطع
النقدية ، و نترك للعناصر ما
تبقى ليتقاسموه ، و قد خرجنا من
معركة حماة بغنائم كبيرة جداً
لا تحصى ، و لم نكن نتصور أننا
سنجد كل ما وجدناه هناك ، هذا
إضافة لقتل أكثر من ثلاثين
ألفاً من أهالي المدينة ، و
اعتقال عشرات الآلاف الآخرين ،
حيث حولنا المدارس و المعامل و
المؤسسات و المدارس إلى معتقلات
لتعذيب و تصفية الآلاف ، كما
تشرد عشرات الآلاف من أهالي
المدينة بعد أن هدمنا أحياء
بكاملها ، و لم يبق مسجداً و لا
كنيسة إلا و هدمناهما ، و
الحقيقة أنني شخصياً خرجت من
معركة حماة برأسمال ضخم ،
استثمرته فيما بعد في الشركات و
المعامل و المؤسسات و المزارع و
الفيلات العديدة التي هي باسمي
و اسم زوجاتي و أبنائي العشرين
اليوم 0
كان الجنرال طاووس
يقطع كلامه لينثر دخان
سيكاره الكثيف داخل الغرفة
باستمرار، كما كان ( حاجبه )
المجند يدخل باستمرار و يبدل
فنجان القهوة الفارغ بآخر ممتلئ
كلما فرغ من رشفه 0
و هنا قاطعه الصحاف
قائلاً :
- اسمح لي سيدي
بمناسبة ذكرك لشركاتك و مصانعك
و مزارعك ،و قبل أن تكمل لنا
تاريخك العسكري الطويل ، أن ترد
على بعض المغرضين الذين يتهمونك
بأنك تستغل جنودك في العمل عندك
شخصياً ، فهم -
كما يقولون - موزعون بين
شركاتك و معاملك و مزارعك أو في
خدمة بيوتك و زوجاتك و أولادك ،
فماذا ترد على أولئك المتفذلكين
؟ 0
- أنا لا أنكر أن
أبنائي العسكر يعملون معي في
بيوتي و مشاريعي العديدة ، و
لكنهم هم من اختاروا أن يعملوا
معي ، و ذلك لأننا و بعد انتهاء
معارك البطولة في حماة و حلب و
إدلب و اللاذقية و تدمر و لبنان
و غيرها ، لم يبق للجنود من عمل
يقومون به ، فأنا أحاول أن أملأ
فراغهم ، و أنت تعلم أن الفراغ
هو شيطان الشباب الذي يدمر
حياتهم و مستقبلهم ، و كم من
جندي أتاني لا يعرف شيئاً ، و
تخرّج من معاملي صناعياً جيداً
، أو من مزارعي مزارعاً ممتازاً
، أو تعلم قيادة السيارات على
سياراتي الكثيرة الفاخرة التي
يحلم الشباب أن يركبوها، فأنا
في الحقيقة أعلمهم بلا مقابل
فهم مثل أبنائي ، و كم من جندي من
جنودي بكى بين يديّ حزناً على
فراقي عندما سُرّح من الجيش ،و
طلب مني أن أبقيه على رأس عمله
بأي مرتب أريده ، و لكنني أرفض
ذلك ، حتى لا يقال أنني انتهازي
و أستغل جنودي حتى بعد انتهاء
فترة خدمتهم العسكرية ، أما
خدمتهم لزوجاتي و أبنائي ، فهو
شرف لهم كما يقولون و يكررون
أمامي باستمرار ، و هم يتسابقون
على نيل هذا الشرف دون أن أطلب
منهم ذلك ، و باستطاعتك أن تسأل
أي جندي من جنودي إن كنا أجبرناه
على عمل غير راض عنه ، أما ما
يقال عن أننا نأخذ من بعض الجنود
رواتب شهرية مقابل عدم دوامهم
والتحاقهم بقطعاتهم العسكرية ،
فهي من باب تشجيعهم على العمل و
الكسب ، فعندما يكون المجند
ملتزماً بأموال سيدفعها شهرياً
، لا بد أن يجتهد و يكد و يكدح في
خدمة الوطن و المواطنين ، و هذا
كله في صالح الوطن و صالح المجند
شخصياً ، و إلا فماذا ستزيدنا
أربعة أو خمسة آلاف ليرة سورية
شهرياً نأخذها من المجند ؟ ، و
نحن نملك ثروة تقدر بملايين
الدولارات ، و نحن في الحقيقة
نسد أذاننا عن سماع مثل أولئك
المغرضين الحاسدين ضيقي العين و
لسنا بحاجة للرد عليهم0
- الصحاف : شكراً
سيدي اللواء على صراحتك
المعهودة ، و الآن ماذا بعد
معركة حماة ؟ ، هل كان لكم دور في
معارك لبنان بعد الاجتياح
الإسرائيلي عام 1982م 0
يجيب اللواء طاووس
بثقة و بدون تردد : - لم أشارك في
معارك لبنان بعد الاجتياح
الإسرائيلي ، و أنت تعلم أن
الجيش السوري انسحب أمام الهجوم
الإسرائيلي ، تنفيذاً لأمر
القيادة العسكرية و السياسية ،
و التي كانت ترفض أن تحدد
إسرائيل زمن و مكان المعركة ، و
باستثناء اللواء السوري الذي
حوصر في بيروت مع القوات
الفلسطينية و القوات الوطنية
اللبنانية ، لم يشارك الجيش
السوري في المعارك الدائرة ،
رغم كل استفزازات العدو ، و قصفه
لرادارات و دفاعات قواتنا
الجوية ، و قصفه اللواء 47 في
البقاع ، وإسقاطه أكثر من
ثمانين طائرة سورية مقاتلة ، و
قتله المئات من جنودنا
المنسحبين ، أما اللواء الذي
حوصر في بيروت فكان بسبب تلكؤ
قيادته في تنفيذ أوامر القيادة
العامة ، و قد عوقبت على ذلك 0 و
كان دورنا في لبنان بعد انسحاب
الجيش الصهيوني من بيروت هو
ملاحقة فلول المنظمات
الفلسطينية و حلفائهم ، حيث
حاصرنا مع حلفائنا اللبنانيين
من حركة أمل و القوميين
السوريين و المردة و البعثيين ،
ياسر عرفات و قواته مع حلفائه من
التوحيد الإسلامي في طرابلس و
مخيمات البدّاوي
و البارد ، و انتصرنا عليهم
انتصاراً بيّناً ، و أجبرنا
ياسر عرفات و قيادة المنظمات
الفلسطينية على مغادرة طرابلس و
لبنان نهائياً إلى تونس ، و بعد
ذلك كانت مهمتنا تدريب و دعم
عناصر فتح الانتفاضة ( جماعة أبو
موسى ) التي انشقت عن ياسر عرفات
، و الجبهة الشعبية – القيادة
العامة ( أحمد جبريل ) المنشقة عن
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ،
و كذلك حركة أمل و بقية حلفائنا
في لبنان ، و الذين كان لهم دور
فعال في حرب المخيمات فيما بعد ،
كما شاركتُ في قتال الجنرال
ميشيل عون عميل
صدام حسين و فرنسا نهاية
الثمانينات ، و أجبرناه على
الهروب و استسلام قواته ، و
أريدُ أن أشير أن لبنان كان فيه
خير كثير لقواتنا المسلحة ، و
أضاف إلى رصيدنا دخلاً ممتازاً
، و للأسف خسرنا هذا الكنز
العظيم عندما أُجبرنا على
الانسحاب من لبنان في نيسان 2005م
إثر اغتيال رفيق الحريري ،رغم
كل التضحيات و الشهداء التي
قدمها جيشنا العظيم الباسل هناك
0
نكتفي بهذا القدر
من اللقاء ، و سنتابع القسم
الأخير منه ، و الذي يتحدث فيه
الجنرال طاووس عن دوره أثناء
الخلاف بين الرئيس و أخيه رفعت
بعد مرض الرئيس ، و عن دوره في
حرب الخليج الأولى ، إلى حلقة
قادمة ....
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|