لقاء
مع الجنرال طاووس
-3-
د.
هشام الشامي
نشرنا
في حلقتين سابقتين الجزء الأول
و الثاني من اللقاء الصحفي الذي
أجراه بمناسبة عيد تأسيس الجيش
العربي السوري الزميل الصحفي
مسعود الصحاف مع أحد كبار و
مخضرمي الجيش العربي السوري
،الرفيق اللواء الركن الدكتور
طاووس بن مهزوم النعام
( أبو نضال ) ، قائد الفرقة
الأولى في الجيش العربي السوري
، و رئيس مركز البحوث العسكرية و
الاستراتيجية بدمشق، و الذي
تخرج من الكلية الحربية بحمص
برتبة ملازم في عام 1965م ، و شارك
في حركة شباط 1966م ، و شارك في حرب
حزيران 1967م في عملية إخلاء
الجبهة و مدينة القنيطرة من
الرفاق و عوائلهم ، كما شارك
بدور فعال في الحركة التصحيحية
التي قادها الرفيق الراحل حافظ
الأسد، و ضمه رفعت الأسد إلى
سرايا الدفاع و ذلك أواسط عام 1973م
،و أثناء حرب تشرين التحريرية ،
كانت مهمته حماية القيادة
السياسية في العاصمة ، و بعد
اندلاع الحرب الأهلية في لبنان
، و دخول الجيش السوري لإنهاء
الحرب هناك ، ترأس فوج من
السرايا شارك مع قوّات من
الوحدات الخاصة و الشرطة
العسكرية باقتحام مخيم تل
الزعتر الفلسطيني قرب بيروت في
24/8/1976م، و رُقي بعد هذه المعركة
البطولية إلى رتبة عقيد ركن ، و
في عام 1979م شارك في إخماد حوادث
الشغب في مدينة اللاذقية ، و في
عام 1980م ، شارك في حصار و تمشيط
مدينة حلب أثناء أحداث
الثمانينات ، و في نفس العام
شارك في متابعة و ملاحقة فلول
العصابات الإجرامية في إدلب و
جسر الشغور و سرمدا ،و بعد
محاولة اغتيال السيد الرئيس
الفاشلة في
حزيران من عام 1980م شارك في
الهجوم و تصفية حوالي ألف سجين
في سجن تدمر ليلة 26حزيران 1980م،و
رُقي بعدها إلى رتبة عميد ركن ،
و في عام 1982م شارك في حصار و
تدمير مدينة حماة في المعركة
الشهيرة على مدى شهر شباط
كاملاً ، و في لبنان شارك في
حصار مدينة طرابلس و طرد ياسر
عرفات و عناصره إلى تونس في
أوائل الثمانينات ، و في قتال و
طرد ميشيل عون من لبنان نهاية
الثمانينات 0
الزميل
الصحاف : - سيدي اللواء ، قبل
السؤال عن مشاركتك في حرب
الخليج الأولى نريد أن نسأل عن
الموقف و الحدث الهام الذي
اتخذته أثناء حياتك العسكرية ،
و الذي كان له بالغ الأثر على
مستقبلك و
حياتك بشكل عام 00
تنهد
اللواء طاووس تنهيدة عميقة و
بصوت عالٍ ثم أجاب : - لعل أصعب
موقف أخذه في حياتي كلها ، و
أهمها على الإطلاق ، كان بعد مرض
الرئيس الراحل نهاية عام 1983م ،
عندما شكل لجنة سداسية لإدارة
شؤون البلاد في فترة مرضه ، كانت
مؤلفة من ( خدام و الأحمر و
مشارقة و الكسم و طلاس و الشهابي
) ، و لم يكن القائد رفعت منها ،
بل لم يكن منها أحد من الضباط
المؤثرين في اتخاذ القرار و
الذين كان لهم دور أساسي في
حماية سلطة الأسد الراحل أثناء
أحداث نهاية السبعينات و بداية
الثمانينات ، مثل علي حيدر و علي
دوبا و شفيق فياض و آخرين ، و كنت
يومها أحد مساعدي رفعت
الرئيسيين في سرايا الدفاع ، و
كان رفعت مستاءاً
بشدة من إبعاده عن هذه
اللجنة ، و يعد نفسه لخلافة أخيه
، و كنا كلنا مستاءين و نعد
الخطط لخلافة لرفعت و لو احتاج
الأمر لانقلاب عسكري ، و أصدرنا
أوامرنا لتهيئة البلد و الشارع
لمثل هذا الأمر ، و استنفرنا
قواتنا على مدى شهور ، و شكلنا
بعض الدوريات الثابتة و الراجلة
و خاصة حول معسكراتنا و مناطقنا
في دمشق و اللاذقية لنشعر
الجميع أننا موجودون و لا يمكن
لأحد أن يتجاهلنا ، و بدأنا
بتوزيع صور القائد رفعت و
الملصقات الدعائية الكبيرة
التي تشير لأحقية القائد رفعت و
أفضليته في تولي خلافة أخيه ، و
نزعنا صور الرئيس الراحل من
مكاتبنا ، و وضعنا مكانها صور
كبيرة للقائد رفعت و هو يرتدي
بدلة المظليين العسكرية و قد
رفع يده اليمنى و قبض كفه كناية
عن القوة و الشكيمة ، كما صدرت
توجيهات لوسائلنا الإعلامية
كمجلة الفرسان و منظماتنا
الشعبية كنقابة خريجي الدراسات
العليا ، بعقد الندوات و
المهرجانات الدعائية و
الخطابية ، و نشر المقالات و
الكتيبات التي تبين أحقية
القائد و شرعية خلافته للرئيس ،
و التي تُبرأ القائد من المجازر
و الانتهاكات التي حدثت في حماة
و تدمر و حلب و إدلب و غيرها ،
كما تبيض صورة القائد الملطخة
بالأقوال و الإشاعات و القصص و
الروايات التي كانت تصفه
بالعنجهية ، و السكر و العربدة و
خطف و اغتصاب النساء و الإرهاب و
الفساد و تجارة المخدرات و سرقة
المال العام ، و أنه على العكس
من ذلك يمثل الحمائم في النظام و
يطالب باستمرار بتطبيق
الديمقراطية و بحكم القانون و
الشعب ، و لكن شفاء الرئيس
الراحل و عودته للظهور مع بداية
الثمانينات ، و انزعاجه من
تصرفات شقيقه رفعت و تحضيراته
للخلافته قلبت الموازين ، و
خلطت الأوراق ، و خصوصاً عندما
بدأ الرئيس الراحل بحركة تنقلات
واسعة للضباط الموالين لرفعت و
الذين كانوا موزعين على المراكز
الحساسة كالأركان و حول وزارة
الأعلام و حرس الرئيس حول القصر
، و بدأ الصراع يشتعل بين
الفريقين ، و كنت في موقف لا
أحسد عليه ، و كان علي أن أتخذ
موقفاً واضحاً من الفريقين ،
فبينما أنا من رجال رفعت
المقربين ، و من قواد سرايا
الدفاع الأساسيين ، و من أصدقاء
رفعت المعدودين ، حيث تخرجنا
معاً من الكلية العسكرية عبر
دورة البعث عام 1965م ، و عملنا
معاً ضد البعثيين اليمينين و
الشوفينيين ، و شاركنا في
انقلاب شباط 1966م ، ثم عملنا ضد
سليم حاطوم و الشاعر ، و بعدها
تخلصنا من عبد الكريم الجندي و
رجاله في الأمن العام ، و شاركنا
معاً في الحركة التصحيحية في
تشرين الثاني 1970م ضد صلاح جديد و
رفاقه ، و بعدها التحقت بسرايا
الدفاع منذ عام 1973م ، و بقيت أحد
مساعدي رفعت المقربين أكثر من
عشرة أعوام ، و كان لنا الدور
البارز في إخماد الأحداث
الداخلية و في العمليات
العسكرية في لبنان ، و في
التخطيط و تنفيذ عدد من
التصفيات و الاغتيالات لأعداء
الثورة في لبنان و الأردن و
الكويت و أوربا ، و لكن خلافه
الأخير مع الرئيس الراحل جعلني
في موقف حرج جداً ، و كان علي أن
أتخذ موقفاً واضحاً و صريحاً ، و
أن أختار بين الماضي بما ذكرته
لك ، و بين المستقبل الذي بدأت
تتضح معالمه لمصلحة الرئيس
الراحل ، و عندما شعرت أنني
سأخسر كل المجد الذي بنيته ، و
المال الذي جمعته ، و كل شيء لي
لو بقيت مع رجال رفعت ، قررت أن
أتخذ موقفي الذي هو لمصلحتي و
مصلحة أبنائي و عائلتي ، و قد
تقاطعت مصلحتي مع مصلحة الوطن ،
لأنني أعرف من هو رفعت عن قرب ، و
أعرف أنه لا يصلح لقيادة ، و
لولا الدعم و الثقة التي أولاها
له أخوه الرئيس ، لما وصل إلى ما
وصل إليه ، و فعلاً ، اتخذت
موقفي و أوصلته عبر رسائل عديدة
مقربة إلى الرئيس الراحل أنني
في صف الرئيس و لست في صف رفعت
أبداً ، و بدأت أتغيب عن
الاجتماعات و أتهرب من
التحضيرات التي كان رفعت يدعو
لها ، و لكن رفعت شعر بخيانتي له
، و تخليني عنه لمصلحة الرئيس ،
فدعاني ذات ليلة ، و عندما تعذرت
بأنني مريض ، أرسل لي مجموعة
عسكرية أحضرتني بالقوة ، و كان
قد جمع عدداً كبيراً من ضباط و
عناصر سرايا الدفاع الذين كان
يشك بولائهم له ، ثم أمر
بتجريدنا من رتبنا العسكرية و
خلع ملابسنا العسكرية ، و بعد أن
وجه لنا مجموعة من الشتائم و
السباب و الإهانات أمر جنوده
بسوقنا عراة إلى الجبهة مع
إسرائيل ، ثم رمونا عند الحدود
في المنطقة الفاصلة حفاة عراة
بلا سلاح ، و قضينا ليلة لا تنسى
هناك ، اختلط بها الخوف من
اليهود – الذين كنا نراهم
أمامنا و هم مندهشون من هذا
المنظر و ربما ظنوه تدريباً
ليلياً – بالبرد الشديد و الجوع
الذي لم أعتد عليه 0و رغم كل ما
لاقيته تلك الليلة من إهانات و
خوف و جوع و برد ، فهي الليلة
التي ولدت فيها من جديد ، فلولا
ذلك الموقف لم ترني الآن أمامك ،
و لذهب كل المجد الذي بينته
أدراج الرياح ، فولادتي الأولى
كانت بعد ثورة آذار المجيدة ، و
الثانية بعد أن غيرت ولائي من
رفعت إلى الرئيس الراحل ، الذي
أعادني إلى الجيش ، و رقيت بعدها
لرتبة لواء ركن و أصبحت قائداً
لفرقة هامة من فرق الجيش كما ترى
0
- الصحاف : لا أملك إلا أن أثني على إجاباتك
الجريئة و الصريحة سيدي اللواء
، و أريد أن أسأل سؤالاً آخر ، ما
هو دورك في حرب الخليج الأولى ؟0
- اللواء طاووس : الحقيقة أن حرب الخليج
الأولى ، و بعد احتلال الكويت من
قبل الطاغية صدام حسين ، كان
موقفنا كسوريين كثير الحرج ،
فعندما قررت القيادة دخول
المعركة مع الولايات المتحدة و
حلفائها ضد صدام حسين ، كنت من
القوات السورية التي شاركت
بقيادة اللواء علي حبيب في تلك
المعركة ، و كانت تجول بخواطرنا
أسئلة كثيرة ، و نحن الجيش
العقائدي الذي تربى على بغض و
كراهية الولايات المتحدة السند
الأول و الأساسي للدولة
الصهيونية ، فكيف سنشارك مع
الأمريكان جنياً إلى جنب في وجه
البعثيين العراقيين ؟ و شوارعنا
و ثكناتنا امتلأت بالشعارات
التي تهاجم الإمبريالية
الأمريكية ، مثل: "تسقط
الإمبريالية الأمريكية" ، و
"سوريا لن تركع للإمبريالية
الأمريكية" ، و "الخزي و
العار للصهيونية و حليفتها
الإمبريالية" ، و غيرها من
الشعارات و الخطابات التي تهاجم
أمريكا عدوة العرب و الشعوب و
الأمم ، و لكن حكمة الرئيس
الراحل ، كانت أبعد من نظرتنا
الضيقة ، فهو يفكر و يرى الأمور
ليس كما نراها ، و لديه مصالح لا
بد من مراعاتها ، لقد كنا في
الجبهة نشعر أن عدونا ليس في
مواجهتنا و لكن هو بجوارنا ، و
كان الأمريكان بالمقابل
يتعاملون معنا بحذر ، لأنهم
يعرفون حجم ثقافة الحقد و
الكراهية التي ربينا عليها لهم
، و لكن سارت الأمور كما أراد
لها الرئيس الراحل ، و ظهرت حكمة
الأسد جلية و واضحة كالشمس في
رابعة النهار ، و قطفت سوريا
الأسد ثمار تحالفها هذا ، حيث
أصبح دورها في المنطقة مركزياً
و هاماً ، و خاصة في لبنان ،
إضافة لإضعاف عدونا التاريخي
نظام البعث الفاشي اليميني في
بغداد ، الذي انتهى بسقوطه بعد
ذلك في حرب الخليج الثانية 0
- الصحاف : قبل أن أختم لقائي معك سيادة
اللواء ، أريد أن أسأل عن رأيك
بالحرب الأخيرة الدائرة الآن
بين حزب الله و إسرائيل ، و هل من
دور لقواتنا المسلحة في تلك
الحرب؟ و ما تعليقكم على قول
السيد الرئيس لصحيفة الأسبوع
المصرية : أن الجولان ستحررها
الأيدي السورية ؟0
- اللواء طاووس يجيب بعد أن يرفع بقفا
سبابته اليمنى شاربه الأيمن ، و
بقفا سبابته اليسرى شاربه
الأيسر : لا شك أن حزب الله قد
ضرب مثلاً عظيماً في البطولة و
الشجاعة و الإقدام ، و عمل ما
عجزت عن فعله الجيوش العربية ، و
لكن الدور السوري واضح و جلي في
دعم المقاومة و لا يخفى على أحد
، و سيأتي اليوم الذي سيعترف فيه
السيد حسن نصر الله بهذا الدور و
يهدي نصره للسيد الرئيس ، و
إسرائيل و أمريكا لم تترددا في
توجيه الاتهام لنا بدعم
المقاومة ، فنحن كعادتنا نقف مع
المقاومة في لبنان و في فلسطين
بكل ما نستطيع من دعم معنوي و
خطب رنانة و مسيرات تأييد و
برامج ومهرجانات و فتحنا
مدارسنا و جامعاتنا و معاهدنا و
قلوبنا لاستقبال الأخوة
اللبنانيين النازحين ، و لا
نستطيع فعل أكثر من ذلك ، فأعين
أمريكا و إسرائيل مفتوحة تجاهنا
، و نحن بيننا و بين إسرائيل
مسيرة سلام ، حتى أن الرئيس
الراحل سُمي بعد مؤتمر مدريد
ببطل الحرب و السلام 0 أما
بالنسبة لتصريح الرئيس أن
الجولان ستحررها الأيادي
السورية ، فلست على دراية بخطط
الرئيس في هذا المجال ، و أخشى
أن ينخدع الرئيس بما حققه نصر
الله أمام إسرائيل و يفتح جبهة
الجولان بعد ثلاث و ثلاثين سنة
من صمتها ، فتفتح إسرائيل نيران
جهنم علينا و سأكون عندها أحد
أكبر الخاسرين ، فليس هناك
منطقة في سوريا إلا و لي فيها
معمل أو مصنع أو مزرعة أو فيلا
أو بناية أو شاليه أو شركة أو
مؤسسة ، فأرجو أن يكون التصريح
الأخير مثل كل التصريحات التي
سبقته ، و التي هدفها إعلامي بحت
، و تسير في نفس سياق القصف
الإعلامي المركز الذي توجهه
سوريا الأسد منذ عقود ضد
إسرائيل ، و هذا ما أرجحه على كل
حال 0
- الصحاف : شكراً سيدي اللواء على إجاباتك و
صراحتك و أرجو ألا أكون قد أطلت
عليك ، و آمل أن يتسع وقتك للقاء
قريب نتحدث فيه عن مواهبك
المتعددة الكثيرة ، الفنية و
الأدبية و الطبخية و النسائية 00
و عن كتبك و مؤلفاتك الزاخرة 000
- اللواء طاووس : أنا في خدمة الإعلام و
الإعلاميين في أي وقت 0
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|