من
مصعب بن عمير إلى
مصعب
الحريري
بقلم
: الدكتور محمد بسام يوسف
كالصَّقر حطّ
رِحالَه على تراب وطنه ووطن
آبائه وأجداده، وما كان قلبه
الغضّ يدرك، أنّ قراصنة البعث
سينصبون له شَرَكاً، محبوكاً من
الحقد الأعمى الذي ذهب ببصائرهم
وأبصارهم.. ولم يكن الفتى مصعب
يعلم أنّ التهمة الموجهة إلى
والده الفارّ بدينه من المقابر
الجماعية والأقبية الصحراوية
منذ ربع قرن.. ستلاحقه بالوراثة،
لأنه اقترف جريمة (صلة الرحم)
بأبيه !..
لا بأس عليكَ يا
ولدي، فقد ساقوكَ مخفوراً إلى
محكمتهم العليا، التي أبادوا في
أروقتها الآلاف من الذين
استطاعوا الغدر بهم من أبناء
الجيل الذي سبقك.. فالمحكمة
عُرفية، والحكّام عُرفيون
سفّاحون، والأحكام عُرفية،
والوطن كله اغتصبه (سرسرية)
الحزب الحاكم وفئته الباغية
بالقوانين العُرفية، المفصّلة
على قَدّ ذعرهم وخوفهم من
أمثالك يا مصعب !..
أرأيتم مصعباً
ابن السبعة عشر ربيعاً.. يحاكِم
جلاّديه.. وجلاّدي أبيه وإخوته
وشعبه ؟!.. أشاهدتم علامات الرعب
على قسمات الجزّارين الذين
اختفوا داخل أثواب القُضاة ؟!..
أنظرتم إلى أعراض الهزيمة التي
سَرْبَلَتْ وجوهَ الناطقين
بالحكم العُرفيّ ؟!..
أرادوا أن يعلنوا
أنهم حاقدون وَالِغون في
الساديّة، إلى درجة اندفاعهم
لمحاكمة أبناء جيلٍ كاملٍ
بجريرة معارضة آبائهم وأجدادهم
لعصابات المافيا السلطوية،
التي يرتدي هراطقتها قبّعات
الحكّام التقدميين المتحضّرين..
وما عرفوا أنّ مصعباً هو واحد من
أبناء سورية الذين وُلِدوا في
المنافي خارج أرضها، وأصرّوا
على الانتماء إلى وطنهم ووطن
أجدادهم.. فعادوا إلى الوطن الذي
لم يعرفوه، ولم يعيشوا فيه،
ليقولوا للطغاة الأفّاكين : نحن
أبناء سورية لا نتخلى عنها..
فهذا الوطن وطننا على الرغم من
أنوفكم.. وهذه الأرض هي أرضنا
وأرض أجدادنا مهما زعمتم
وزوّرتم الحقيقة والتاريخ،
فالوطن الذي اغتصبتموه من
آبائنا، سنستردّه بإيماننا
ودمائنا وإصرارنا، ودمشق التي
حرّرها أجدادنا المسلمون
المؤمنون، لن نَدَعَكم
تستمرّون في سَلبها وطَمس
هويّتها.. نتشبّث بتراب الوطن
كما تتشبّثون بباطلكم.. ونتمسّك
بحقوقنا كما تتمسّكون بفسادكم
وكراسيّكم التي تهتز بكم !..
مصعب هو الجيل
الذي حكم عليه الطغاة الفاسدون
بالإعدام.. لأنه يرتبط بصلة
الرحم مع جيلٍ سبقه.. ومصعب هو
الجيل الذي يُصرّ على استرداد
حقوقه في وطنه، الذي هُجِّرَ
منه منذ كان بذرةً في صُلب أبيه..
ومصعب هو فتيان الجيل الذين
حرمهم من وطنهم (سرسريةُ) البعث
المتسلّط وشذّاذُ الآفاق،
الذين ما تنفّسوا الصعداء إلا
مع قدوم الجنرال (غورو) واجتياحه
دمشق عاصمة الإسلام والأمويين،
وحاضرة صلاح الدين الأيوبيّ..
ومصعب هو الجيل الذي يتحدى
أرباب البطش والقمع وقوانين
الطوارئ، ليؤكّد الحقيقة التي
حاول الضالّون طمسها خلال ثلث
قرن.. تلك الحقيقة التي تصفع
باطلهم وحقدهم بقولها : إنّ
الراية لن تُنَكَّس، وستبقى
متألّقةً خفاقةً تنتقل من جيلٍ
إلى جيل.. كما ينتقل حقد عصابات
النظام المافيوية على جيلٍ مضى..
إلى جيلٍ جديدٍ قادم !..
مصعب بن عميرٍ
رضوان الله عليه، كان في غزوة (أحُدٍ)
حاملَ راية رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فما نكست تلك
الراية، وعندما فَقَدَ ذراعه
اليمنى أمسك راية الإسلام
بذراعه اليسرى، وحين فَقَدَ
ذراعه اليسرى ضمّها بين عضديه،
ولما استشهد في سبيل الحق
انتقلت الراية إلى يدٍ مباركةٍ
أخرى من المسلمين.. وبقيت تنتقل
من جيلٍ إلى آخر.. إلى أن وصل
الإسلام دمشقَ والشام، ثم عَمَّ
الأرضَ كلها.. وكذلك مصعب
الحريري، لم يعبأ بجلاّديه من
همجيي العصابة الحاكمة الآثمة
وجلاوزتها، وهم يتقيّئون
أحكامهم العفنة كقلوبهم
وعقولهم، لأنه الفتى الذي هزمهم..
وهؤلاء المهزومون الصغار من أهل
الخِسّة والنذالة، باتوا صرعى
طغيانهم وهمجيّتهم وجُبنهم
وتكلّس عقولهم !..
لا بأس عليك يا
ولدي يا مصعب.. فاللصوص الذين
سرقوا وطنك ووطننا، واغتصبوا
أرضك وأرضنا.. يَعُدّون أيامهم
الأخيرة، وكن على ثقةٍ ويقين،
بأنه لن تمضيَ السنوات الست
التي أرادوها لك في أقبيتهم
المظلمة كرؤوسهم الحاقدة..
فسيخرجك أقرانُكَ بأيديهم
قريباً بإذن الله من سجن الطغاة
الحاقدين، وقد
اقتربت ساعة الخلاص من هذه
الطغمة الفاسدة الجائرة،
فالباغي أشرس ما يكون وأحقد..
حين تتقارب ساعات انهياره، وعند
ذروة الجبروت والطغيان
والاستبداد.. تتهاوى الأصنام
ويتساقط الأرباب المزيَّفون،
وسيهوي (سرسرية) الحزب الحاكم
ولصوص الفئة المتسلّطة على
البلاد والعباد بالحديد والنار
والمحاكم العُرفية.. بأسرع مما
نتصوّر، فلن يبقى هؤلاء
المارقون على الأرض الأصيلة
الطاهرة التي تَميد بهم.. وما
عادت كراسيّهم تتحمّل فجورهم
واستبدادهم.. إلا إذا وَلَجَ
الجَمَلُ في سَمِّ الخِياط!..
وعندئذٍ سيقفون تَرهَقُهُمُ
الذلّة بين أيديكم يا أبناء
الجيل البريء المقهور، الذين
عشقوا وطنهم ووطن آبائهم
وأجدادهم.. لتحاكموهم على ما
اقترفت أيديهم من موبقاتٍ
وجرائم بحق الوطن والشعب طوال
أربعة عقود !..
ردّد معنا يا مصعب
الحريري.. ما ردّده مصعب بن
عميرٍ رضي الله عنه، حين كان
ينقل الراية بين ذراعيه.. ثم
يضمّها بين عضديه :
(وَمَا مُحَمَّدٌ
إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ
مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ..) (آل
عمران: من الآية144)
ردّدها يا بُنيَّ
يا مصعب.. واصفع بها المهزومين
من رعاديد العصابة الحاكمة،
وجُبَنائها المنتمين إلى مافيا
النظام المتداعي.. ردّدها ولا
تملّ.. فيومهم بات قريباً..
وقريباً جداً بإذن الحي القيوم
الذي لا إله سواه !..
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|