قصص أقصر
من القصيرة
عِصَامِي
بقلم
: الدكتور محمد بسام يوسف*
قَدِمَ الملياردير الدكتور (مَرمَط)،
متأخراً أربعين دقيقة، إلى
المؤتمر الصحفي الموسَّع،
المخصَّص للإعلان عن تمويل أضخم
مشروعٍ في الإقليم، لبناء مدينة
ألعابٍ للأطفال.. اعتذر
للحاضرين عن التأخر الاضطراري
قائلاً :
- لا مؤاخذة، (في الحقيقة)، انشغلتُ في
مناقشة مشروعِ تأسيس بنكٍ
تجاريٍ في السويد، ما اضطرَّني
للتأخر.
ثم استهلّ المؤتمرَ الصحفيَّ بشرح أهم
جوانب مشروع مدينة الألعاب
الجديد، مع التركيز على أهميته
البالغة في تربية الأطفال،
وتشجيعهم على المغامرة واللهو
البريء والشجاعة والإقدام..
- كم تبلغ كلفة المشرع يا سيادة الدكتور؟!.. (سأله
أحد الصحفيين).
- ستَ مئةٍ وسبعةً وأربعين مليوناً من
الدولارات، (في الحقيقة)، هذه
كلفة إجمالية أولية، وهي مرشّحة
للازدياد، لأنّ مدينة الألعاب
ستكون قابلةً للتوسّع كما
تعلمون!..
- وكم تبلغ أرباحه يا سيدي؟!.. (سأله صحفيٌ
آخر).
- (في الحقيقة)، تم الاتفاق على ألا تقل نسبة
الأرباح عن أربعين بالمئة من
مجموع مبالغ الكلفة!..
أحد الصحفيين يتدخّل :
- سيدي، أعتذر مسبقاً عن كون سؤالي قد يكون
خارجاً عن موضوع المؤتمر، لكن
سمعتُ أنكم بنيتم ثروتكم
المباركة الهائلة هذه من تعبكم
وعرقكم ودأبكم.. وعبقريّتكم،
على الرغم من كل ما كنتم تعانون
منه من حرمانٍ وعَوَزٍ خلال
مراحل شبابكم.. فهل لكم يا سيدي
أن تحدّثونا كيف جمعتم كل هذه
الثروة، لتكون سيرتكم الذاتية
مثالاً يُحتَذَى لكل شبابنا
الباحثين، عبثاً، عن لقمة العيش
في هذا الوطن؟!.. فأنتم قدوة
مذهلة يا سيدي لجيل هذا العصر!..
- (في الحقيقة)، ولدتُ في قريةٍ فقيرةٍ
متواضعة، وكنتُ أساعد والدتي في
تربية الدجاج والأرانب..
اشترينا في البداية دجاجتين
ودِيكاً، وبعد شهرٍ واحدٍ بدأت
الدجاجتان بوضع البيض، وبدأ
الديك يصيح.. (في الحقيقة)،
الدفعة الأولى من البيض كانت
ذكرى تاريخية، لذلك فضّلتُ أنا
وأمي أن نأكل البيضات الأولى،
اثنتان سَلْقاً.. وثلاثة
قَلياً، آآآه كم كنت أحب البيض
المقلي على الحطب.. المهم.. (في
الحقيقة)، بعد خمس سنواتٍ من
عملي في تربية الدجاج والأرانب،
قُبِلتُ جندياً في الجيش
الوطني، وساعدني جارنا (العقيد)
على ترقيتي إلى رتبة (نقيبٍ)،
بعد سنتين من انتسابي إلى
الجيش، ثم في (الحقيقة)، شَغلتُ
–بمساعدة جارنا الضابط الثاني-
منصبَ رئيس اللجنة المالية
العليا للجيش، وبعد..
صوت أحد الصحفيين ينطلق من الخلف :
- وبعد ذلك، (في الحقيقة)، وقع انقلاب عسكريٌ
في البلاد، وتم ترفيع السيد (مَرْمَط)
خلال ثلاث سنواتٍ
فحسب، إلى رتبة (لواء)،
وتسلَّم قيادة جيشٍ آخر لا
علاقة له بالجيش الوطني، ثم زعل
من رفاقه الضباط، وزعل رفاقُه
منه، فمنحه الوالي كلَّ رصيد
البنك المركزي الوطني، الذي كان
يُقَدَّر بأكثر من مليارَيْ
دولار.. بشرط أن يغادرَ البلاد،
ويكفَّ بلاءه وخطره عن نظام
الحكم، وليذهب الشعب والوطن
ورصيده وشبابه (المُتَمَرْمِط)..
إلى الجحيم !..
*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء
الشام
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|