ـ

ـ

ـ

الثلاثاء 22/08/2006

ولكن .... من هو الذي حقا سيسقط قريبا؟

الطاهر إبراهيم*

الكلام عند عامة الناس -ممن لا يتوقعون أن يحاسبوا على كلامهم- غالبا ما يجري على عواهنه. وكلما ترقى الإنسان ،في موقعه الاجتماعي أو العلمي أو السياسي، يبدأ في مراقبة ما يقول، لأنه سيحاسب على كلامه بمقدار ما تعلو به المكانة التي يشغلها. ولقد عاتب الله مسلمي الصدر الأول من الصحابة حين قال ( يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون؟ ) ( الآية 2 ... من سورة الصف). وإذا كان لا يعقل أن نطلب من الناس في هذا العصر أن يكونوا كجيل الصحابة الفريد، إذ جرت العادة أن يتبوأ المنصب من لا يستحقه، فلا أقل من أن يراقب المسئول كلامه حتى لا يفتضح جهله أمام الناس، وتسقط هيبته.

وفي هذا السياق فقد حفل خطاب الرئيس السوري الأخير -في مؤتمر الصحافيين الرابع- يوم الثلاثاء 15 آب "أغسطس" الجاري، بمقولات كثيرة، لن أخوض في كثير منها حيث سيتكفل الأخوة اللبنانيون بوضعها تحت مجهر التعليق. واستطرادا فإن بعضا من التعليقات ما هو طريف مثل قول النائب "سعد الحريري" الذي اقتبس تعليقاته من واقع عمله كمتمول كبير: " "إن الرئيس السوري يريد أن يدخل شريكا مضاربا في دماء شهداء قانا". واعتبر رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي "وليد جنبلاط": " أن الأسد قد أحلّ دم قوى الأكثرية". أما الوزير "مروان حمادة" الذي كاد يذهب ضحية لجريمة اغتيال اتُهِمَ بها الموالون لسورية في لبنان، فقد اتهم الأسد: "بالقتل والتهديد بالقتل".

ما لفت انتباهي هو قول الرئيس السوري عن قوى 14 آذار التي شكلت الحكومة اللبنانية الحالية: "إن هذه القوى ستسقط قريباً". نحن نعتقد أن هذه المقولة كغيرها من المقولات التي حفل بها الخطاب إنما صيغت بعناية لإرسال رسالة لاأكثر ولاأقل. وإن نصيبها من الحقيقة كنصيب معظم الخطابات التي تستغرق في كل مرة ساعة أو أكثر، يتم بها جلد الحاضرين بإرغامهم على الاستماع أولا، والقيام أكثر من مرة للتصفيق ثانيا. مع أن أكثر الحاضرين لا يدرون لم يصفقون عند هذه الجملة ولا يصفقون عند تلك، وكلاهما أجوف قيل لمجرد القول لا لما تحتويه من معان ستوضع موضع التطبيق.

ما جعلني أتوقف عند مقولة الرئيس بشار أعلاه هو توقعه سقوط هذه القوى ... وقريبا. مع أن هذه القوى موجودة على الساحة اللبنانية منذ الاستقلال عن فرنسا في أربعينيات القرن الماضي. وهي على كل حال أتت إلى الحكم بانتخابات حرة تمت في ظل الوجود السوري، لا بانقلاب كما هو الحال مع انقلاب الحركة التصحيحية التي جاءت بحافظ أسد إلى الحكم.

قوى 14 آذار جمعها في الحكم أجندة معينة هي رفضها للنفوذ السوري. ولا نستغرب إذا رأينا بعض هذه القوى تغيّرُ تحالفاتها في ضوء تغير مصالحها. ولقد رأينا الجنرال "عون" الذي ترك لبنان لاجئا إلى فرنسا تحت ضغط الحرب التي شنتها عليه القوات السورية عام 1992 يتحالف مع حزب الله حليف دمشق الأهم في لبنان، بعد أن رفضت قوى 14 آذار أن تقبل به مرشحا لرئاسة الجمهورية خلفا للرئيس "لحود".

ما هو مرفوض حقا أن تقوم دولة مجاورة بشد أزر هذا الحزب أو ذاك ضد حكومة بلد ما، لأن هذه الدولة نفسها ترفض أن تشد أزر معارضيها ضدها. والنظام السوري منذ جاء إلى السلطة في آذار 1963كثيرا ما كان يحاول التدخل في شئون دول الجوار. أكبر شاهد على هذا التدخل هو الحشود العسكرية التي دفعتها حكومة البعث إلى الحدود الأردنية في أيلول عام 1970 أثناء المعارك مع الفلسطينيين. وقد رفض اللواء "حافظ أسد" في ذلك الحين أن يؤمن التغطية الجوية للقوات التي دفعتها القيادة البعثية إلى الحدود الأردنية، -لحسابات له في التهيئة للانقلاب على رفاقه البعثيين في ما سمي بالحركة التصحيحية- ما أرغم القيادة البعثية للعدول عن التدخل في الأردن.

ليس هناك من مصلحة لسورية في التدخل بالشئون اللبنانية. وإذا كانت واشنطن قد فوضت في عام 1976 شئون لبنان للرئيس السوري الراحل، فقد كان ذلك تبادل مصالح معه،حيث قام بكسر شوكة الفلسطينيين في لبنان لصالح السياسة الأمريكية في ذلك الحين. وعلى ما يظهر فإن قراءة الرئيس السوري بشار للأحداث لا تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الدولية. وما لم يتدارك الأمر فقد يكون النظام السوري هو الذي سيسقط بسبب سياسات مغلوطة وخاطئة، ليس في لبنان فحسب، بل في سورية أولا وأخيرا.

*كاتب سوري    

 المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها    

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ