الأسد
الكبير والأسد الصغير
الدكتور
خالد الاحمـد*
نحن جيل
الاستقلال ، ولدنا في العقد
الخامس من هذا القرن ، وفي
أواخرالخمسينات كنا في
المرحلة المتوسـطة ، عشنا
فيها تجربة الوحدة السورية
المصرية ، وفي الستينات كنا في
المرحلة الثانوية والجامعية .
قـدرنا أن تملأ عقولنا بالشعور
العربي القومي ، وننشأ عليه
صباح مساء في البيت والمدرسة
والشارع ووسائل الإعلام ، وكلنا
يحفظ الأغاني القومية التي كانت
تقرع مسامعنا صباح مساء ، مثل :
نحن شعب عربي واحد ، ضمه في
حومة البعث طريق ، ..... بغداد
ياقلعة الصمود ، وغيرها مثل :
مية مليون تحية ياشعب العراق
ياشعب العراق ... وطني حبيبي
الوطن الأكبر ...
وفلسطين ندت فلبوا الندا ...
أخي جاوز الظالمون المدى ...
ومازالت هذه الكلمات تهز
مشاعرنا نحن جيل الاستقلال ،
لأننا نشأنا على هذه القيم وهذه
المعاني ، فأصبحت جزءاً من
كياننا العقلي والنفسي .
الأســـد الكبيـر
:
في حرب الخليج
الثانية ( عاصفة الصحراء ) لم يقف
حافظ الأسـد مكتوف الأيدي يتفرج
على الحـرب ، كما يفعل ولده
الأسـد الصغير اليوم ، بل حرك
الجيش العقائدي ، وشحـنه
بالبواخر وأرسل الدبابات
السوفياتية ( ت 62 ) إلى جبهة
القتال التي دارت في الخليج ،
أرسـل قواته يقودها ضباطـه
الكبار ومنهم ( العميد علي حبيب )
يومذاك ، أرسلها لتقاتل في
المعركـة ، المعـركة الكبرى
التي شاركت فيها ثلاث وثلاثون
دولـة ، ولم يرض حافظ الأسـد أن
يبقى مكتوف الأيدي ، بل لابـد أن
يكون مشاركاً ؛ كي لايفـوتـه
شــرف القتـال في حرب الخليج
الثانية ، كما لم يفوتـه شـرف
المساهمة في حرب الخليج الأولى
بين العراق وإيـران ، حيث دعم
إيـران الفارسـية ضـد العراق
العربية البعثيـة يومذاك ....
وكي لاتضيع عليـه الأوسـمة
التي ستوزع في نهايـة الحرب ...
لقد أرسل جيشـه العقائدي ...ليقاتل
.... ولاتتسرع فتظن أن يقاتل إلى
جانب الجيش البعثي العربي
العراقي ، بل أرسل جيشه
العقائدي العربي البعثي ليقاتل
إلى جانب القوات الامبريالية (
الأمريكية والبريطانية
والفرنسية .... ) أو الامبريالية
بقضها وقضيضها ....
أرسل حافظ
الأســد قواته ( الجيش العقائدي
البعثي العربي القومي ) لتقاتل
جنباً إلى جنب مع القوات
الأمريكية والفرنسية
والبريطانية ( الأمبرياليةكلها
) ، هذه الدول التي يسميها حافظ
الأسد الإمبريالية، وكم شتمها
وعلمنا أن نشتمها، وحذرنا من
مكرها وخداعها ، واتهم بعض
العرب بأنهم عملاء لها ، وكان
يلصق تهمة التعامل معها بكل من
يعاديه ، وأولهم الإخوان
المسلمون ، حيث كان يجبر تلاميذ
المدارس في كل صباح خلال عقد
الثمانينات على ترديد مايلي :(يسقط
الاستعمار والإمبريالية
والصهيونية وعميلتهم عصابة
الإخوان المسلمين)، ثم هاهو يقف
إلى جانب الصهيونية
والإمبريـاليـة والاسـتعمار،
ضد دولـة عربيـة ، يحكمها نفس
الحزب وهو حزب البعث الذي أوصله
إلى السلطة في سوريا.
جـاء في كتاب [مقاتل
من الصحراء ] للفريق خالد بن
سلطان بن عبد العزيز عن عاصفة
الصحراء : (ص 268) :
بعد غزو العراق
للكويت ، أوفد الرئيس حافظ
الأسد العماد علي أصلان ليناقش
معي مايمكن أن تقدمه سوريا ،
ويعرف عن الرئيس السوري بغضه
الشديد لصدام حسين أكثر من
بغضنا له بكثير ، كما أيقنت أنه
ليس من السهل على سوريا بصفتها
حاملة راية القومية العربية أن
تضم قواتها إلى قوات أمريكا في
شن حرب على دولة عربية أخرى ،
وكان شـوارتـزكـوف ( القائد
الأمريكي لعاصفة الصحراء ) ينظر
إلى السوريين بعين الحذر ، ولم
يتصل بهم طوال المدة ...
الطائرات
الأمريكية تحمي القوات السورية
من الصهاينة !!؟؟:
ويتابع
الكاتب قوله : ثم أبحرت القوات
السورية تحت الحماية الجوية
الأمريكية !!أي حماية الطائرات
الأميركية التي تقلع من حملة
الطائرات في البحر الأبيض
المتوسط ، [وهي الطائرات التي
ساهمت في تدمير الطائرات
العربية المصرية يوم (5/6/1967م) ،
وهذه الطائرات الفانتوم نفس
الطائرات عند الكيان الصهيوني ،
والطيار الإسرائيلي هو طيار
أمريكي أيضاً لأن كثيرين منهم
يحمل الجنسيتين الأميركية
والإسرائيلية ].
يتابع
كاتب مقاتل
من الصحراء : ولفت
نظري قدرة دولتين لم تكونا على
وفاق من قبل على التعاون بشكل
فعال لمواجهة خطر مشترك !!
واستقبلت القوات السورية في
ينبع وأصبت بخيبة أمل عندما
عرفت أنهم أحضروا دبابات (ت 62)
فقط ولم يحضروا (ت 72 )وعذرتهم
لأنني أدرك أن عليهم حشد فرقتين
على الحدود العراقية لمواجهة
صدام !!! . وضعت السوريين غرب مشاة
البحرية الأمريكية ، ثم عرفت أن
الأمريكيين لايحبذون ذلك لأن
دبابات السوريين تشبه دبابات
العراقيين وخافوا من التباس
الأمر عليهم ، لذلك استبدلت
السوريين بالمصريين ، وسحبت
الفرقة السورية إلى الخلف لتشكل
احتياطي القوات المشتركة في
المنطقة الشمالية ....
أطقم السيطرة
الجويـة الأمريكية مقبولة عند
الضباط الكبار السوريين فقط :
ويتابع كاتب
( مقاتل من الصحراء ) : وسارت
عمليات التنسيق بين أطقم
السيطرة الجوية الأمريكية
والقوات المشتركة على مايرام ،
وكانت العقبة الوحيدة هي أن
السوريين لم يتحمسوا كثيراً
للعمل مع هذه الأطقم الأمريكية
، ولست ألومهم على ذلك ، وبدا
الضيق على شوارتزكوف وقال : سوف
اسحبها فوراً ، قلت له : إننا
بحاجة لها ، أرجوا أن تطلب من
رجالك التحلي بالصبر ، وألا
ترسلهم إلى السوريين الآن ، وفي
اجتماع مع اللواء علي حبيب (قائد
الفرقة السورية ) قلت له : أرجوك
أن تخبرني إذا كان لديكم أوامر
تمنعكم من العمل مع أطقم
السيطرة الجوية الأمريكية ( وهي
وحدات تميز الطيران وتتفاهم
معـه ) ، فأنا أقدر موقفكم
وسأدافع عنه ، أجاب : أبداً بل
العكس ، ليس لدينا أية مشكلة
معها ، نرحب بوجود هذه الأطقم
معنا ، وأخبرني فيما بعد المقدم
طيار عايض ثواب الجعيد أن
السوريين في المستويات الدنيا
رفضوا قبول الأطقم الأمريكية من
قبل ، بينما كانت مقبولة من
الضباط الكبار فقط ، واستغرقت
تسوية المشكلة أياماً عدة ، ثم
وافق السوريون على العمل مع
الأمريكيين، كما أنهم عاملوهم
معاملة طيبة وأكرموا وفادتهم ،
وعندما ذهبت لزيارة القوات
السورية ، تناولت الغداء مع
الضباط السوريين في حضور أطقم
السيطرة الجوية الأمريكية
أيضاً ، وسارت الأمور بين
الجانبين على نحو أفضل مما كنت
أتوقع .
هكذا
لم يكن يتوقع الكاتب أن يتفاهم
البعثيون مع الامبرياليين ،
والكاتب معذور لأن كل إنسان
عاقل لايستطيع أن يفهم ذلك ،
لأنـه مخالف للمنطق والمألوف ،
فلماذا نغمـز على اليسـار ثم
نذهب إلى اليميـن !!!؟ لماذا
نربـي أجيالنا على مدى بضع عقود
على كـره الامبريالية ، ثم
نتعـاون معها على محاربة
اشـقائنا البعثيين في العراق .
هذه هي
الراديكالية الأسـدية ....
مخالفة للعقيدة أو التراث أو
الشرف ، أو العهود ، فقد مهـد
مكيافللي الطريق لتلاميذه ،
وبرر لهم كل مايفعلونه من أجل
الحفاظ على كرسي الحكم ، وهكذا
فعل حافظ الأسـد .
الأسـد الصغـير :
أما الأسد الصغير
فقد شـجع حزب الله على عملية (
الوعد الصادق ) ، بعد أن أوصل له
الدعم الإيراني من صواريخ وآلـة
حرب ، وتؤكد المصادر أن اللواء
آصف شوكت كان على درايـة بعملية
( الوعد الصادق ) يوم (12/7/2006)
عندما دخل بعض عناصر حزب الله
الأرض المحتلة ، وقتلوا ثمانية
من الجنود الصهاينـة ، وأسـروا
اثنين آخرين ، وطالبوا
بمبادلتهم بالأسرى اللبنانيين
في السـجون الصهيونية ... وهذا
يؤكد على أن النظام السوري كان
محركاً لحزب الله في عملية (
الوعد الصادق ) ....
ثم جاء الـرد
الصهيوني الإجرامي ، ومازالت
الطائرات والدبابات الصهيونية
تقصف وتدمر وتقتل الشعب
اللبناني منذ شـهر ، ووصل عدد
الضحايا اللبنانيين إلى قرابـة
ألف ، والجرحى أكثر من ثلاثة
آلاف ، والمهجرين قرابـة
المليون ... ودمرت البنيـة
التحتيـة اللبنانية تدميراً
كاملاً ...
ووقف الشعب
اللبناني ، والحكومة اللبنانية
، والأحزاب اللبنانية صامدة
وموحدة ، ومؤيدة للمقاومة
الاسلامية اللبنانية ... وصابرة
على البـلاء الذي لحق بهـا ...
ووقف النظام السوري يتفرج على
المعركة ....
وطائرات الجيش
السوري في مخابئها ، لم تجرؤ حتى
على أعمال الدوريـة المعتادة ،
وصواريخ الجيش السوري في
مستودعاتها ، لم يمسح عنها
الشـحم بعد ، فقد خزنـت ليوم
المعركـة .... الذي قرر النظام
السوري أن يحددها هو بنفسـه ،
ولاتحددها العصابات الصهيونية
أو حزب الله ... هو بنفسـه النظام
الأسدي يحدد مكان وزمان المعركة
عندما يريـد .... حسب مزاجـه ...
ومزاج ضباط الوحدات الأمنية
فيـه ...وفيه من العتاد والسلاح
مالايعلمه غير الله عزوجل
... أنفق عليها (63 % ) من
ميزانيـة الشعب السوري لمدة نصف
قرن أو تزيد ، وحـرم الأطفال من
حليبهم ، والكبار من خبزهم
لصالح التسليح كي تكون سوريا
بلداً للصمود والتصدي ...
انتهى الشهر
الأول من الحرب .... ومازالت
العصابات الصهيونية تطمئن
النظام السوري بأنها لاتريد
قتالـه .... ويتنفـس الأسـد
الصغير الصعداء كلما سـمع هذا
التصريح ، ويعود إلى آلتـه
الحاسـبة ليجمع دخلـه اليومي من
شـركة ( الموبايل ) التي يقودها
ابن خاله ( رامي مخلوف ) ...ويطمئن
على تحويلات حصتـه إلى حساباته
في بريطانيا وغيرها من الدول
الغربيـة ....
وبـدا الأسـد
الصغير مختلفـاً عن الأسـد
الكبير ، فلم يرسل الجيش
العقائدي البعثي السوري ليقاتل
إلى جانب الصهاينة ، ضـد الشعب
اللبناني ... كما فعل الأسد
الكبير عندما قاتل إلى جانب
القوات الامبريالية ضـد العراق
الشقيق عام (1991) م ...
ولذلك كانت
الولايات المتحدة راضيـة عن
الأسـد الكبير ، وجعلته وكيل
ثاني لمصالحها في المنطقة ، بعد
الصهاينة ...ولذلك تبدو الولايات
المتحدة اليوم غير راضيـة من
الأسد الصغير لأنه لم يقتف سـنة
والده ....
ومضى الشهر الأول
، وتصريحات المسؤولين السوريين
تملأ الصحف العربية والعالمية ،
وفي كل مرة يقول مسؤولهم : إذا
ضربت إسرائيل سوريا لن نقف
مكتوفي الأيدي ، وفي اليوم
التالي أو بعد ساعات قليلة يـرد
مسؤول صهيوني بأنهم لايريدون
مهاجمة سوريا أبداً ... فيتنفس
المسؤولون السوريون الصعداء ...
حتى ( الجنرال ) بثيـنة شـعبان
تقول لو دخلت القوات البريـة
الصهيونية أراضي لبنان ؛ ستدخل
سوريا المعركة .... ودخلت القوات
البرية الجنوب اللبناني منذ نصف
شهر ، وأبطال حزب الله
يصارعونها ويذيقونها كؤوس
الموت ... ويأتي المعلم وزير
الخارجية ليقول : إذا أرادت
إسرائيل حرباً إقليميـة سندخل
المعركـة ... ومادريت ماهي الحرب
الإقليمية عند وزير الخارجية
السوري !!؟
وفي الأسطورة
العربية القديمة أن شقيقين كانا
على سفر ، أحدهما ضخم الجثـة ،
وصغير العقل ، والثاني صغير
الجثـة وكبير العقل .... وجلسا في
الطريق يصنعان الخبز ، وقد جاع
العملاق جوعاً شديداً ... وصار
يقلب رغيف الخبـز على الجمـر
ينتظـر أن ينضج ليسـد جوعـه ...
وبينما هما في هذه الحال خرج
لهما ( عفريت ) فقال الأخ الأصغر
جسماً يشجع أخاه العملاق على
ملاقاته والاشتباك معه ... ولكن
العملاق كان مشغولاً بصنع الخبز
، ولم يـرد على طلب شقيقه ... وترك
شقيقه ذا الجسم الصغير يصارع
العفريت ... وتصارعا ... حتى تعب
الشقيق الصغير ... والعملاق يقلب
الخبز ويحذرهم من الاقتراب منها
كي لايفسدوها ... وعقلـه ونظـره
مركزان في الخبـز ... ولما تعب
الأخ الصغير وكاد أن يستسلم
للعفريت بدرت له الفكرة ، فجمع
بقايا قوتـه ودفع العفريت على
الخبـزة ... عندئذ ثـار العملاق (
الغبي ) وقام على العفريت فدق
عظامـه ، وطرحـه على الأرض يئـن
من ألـم جراحـه ....وعاد يصنع
خبزاً آخـر ....
فمتى يـدفع حـزب
الله ، الشقيق الأصغر ، يدفع
العفريت الصهيوني ، على
خبـزة الشقيق الأكبر النظام
السوري ... كي يثور ويقوم ليصارع
العفريـت .!!!؟
*كاتب
سوري في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|