"الإنجليكيون"
الأميركيون...
هل
يمكن التفاهم معهم؟!
علاء
بيومي*
صعود نفوذ
المسيحيين المتدينين داخل
أروقة صنع السياسة الخارجية
الأميركية خلال عهد إدارة
الرئيس جورج دبليو بوش جعلهم
محل اهتمام صحفي وأكاديمي داخل
أميركا وخارجها، ومع ذلك يمكن
القول إن هناك ندرة نسبية في
الدراسات التي تتعامل معهم
وتقدم أفكاراً تحليلية جديدة
تمكن من فهمهم وفهم نظرتهم
لأنفسهم وللعالم، وحجم تأثيرهم
على السياسة الخارجية
الأميركية وكيفية التعامل مع
هذا التأثير. ومن هذا المنطلق
يركز المقال الراهن على عرض
وتحليل مقال مطول نشرته مجلة
"ورين أفيريز" الأميركية،
والتي تعد أكثر مجلات العلاقات
الدولية الأميركية نفوذاً.
والمقال المذكور للكاتب
الأميركي المعروف "والتر
راسل ميد" الباحث بمجلس
العلاقات الخارجية ويأتي ضمن
عدد سبتمبر/ أكتوبر 2006 من المجلة.
في بداية المقال
يعبر "والتر رسل ميد" عن
اعتقاده بأن أحد أسباب عجز
محللي السياسة الخارجية
الأميركية عن فهم تأثير صعود
نفوذ التيارات الدينية على
السياسة الخارجية الأميركية
يعود إلى عدم فهم هؤلاء
المحللين للتيارات الدينية
الأميركية وعقائدها ونظرتها
نحو الآخر وتصورها لدور أميركا
في العالم.
لذا سعى "ميد"
إلى تقديم تعريفات مختصرة
للتيارات البروتستانتية
الرئيسية في المجتمع الأميركي
والتي قسمها إلى ثلاثة تيارات
كبرى: التيار الأصولي، والتيار
الليبرالي، والتيار الإنجليكي.
بالنسبة للتيار
البروتستانتي الأصولي يقول "ميد"
إنه يمثل أكثر التيارات
البروتستانتية انغلاقاً وعزلة
بسبب تمسك أتباعه بالتفسير
الحرفي لنصوص الديانة
المسيحية، بغض النظر عن مدى
تطابق هذه النصوص مع الحقائق
العلمية، هذا إضافة إلى موقفهم
المعادي للطوائف الدينية
الأخرى بما في ذلك الطوائف
المسيحية المختلفة عنهم
كالكاثوليك.
وبالنسبة للتيار
البروتستانتي الليبرالي، يقول
الكاتب إنه التيار الأكثر
انفتاحاً على الآخر من بين
تيارات البروتستانتية
الأميركية بسبب تعاليمه التي
تفضل النظر إلى المسيحية على
أنها نظام أخلاقي وليس كنصوص
تطبق حرفيا ًعلى الواقع. وينظر
أصحاب هذا التيار بشكل عام نظرة
متسامحة تجاه الأديان الأخرى.
أما بالنسبة للتيار
الإنجليكي فيصفه "ميد"
بأنه التيار الوسط بين التيارين
السابقين، فهو يجمع بين عقائد
التيار الأصولي المنغلقة،
ونظرة التيار الليبرالي للعالم
المنفتحة، حيث يؤمن "الإنجليكيون"
بأن الإيمان بالمسيح هو الطريق
الوحيد للخلاص في الآخرة،
ولكنهم في نفس الوقت يرون أن
الإيمان بالمسيح ليس حكراً على
أقلية صغيرة من المؤمنين كما هو
الحال في معتقدات الأصوليين،
حيث يرى "الإنجليكيون" على
النقيض أن باب الإيمان بالمسيح
والولادة من جديد مفتوح أمام
الجميع.
لذا يركز "الإنجليكيون"
في أنشطتهم على التبشير الديني
والعمل الخيري كأسلوب لجذب قلوب
غير المسيحيين للمسيحية، وهي
أفكار تجعل "الإنجليكيين"
منفتحين على التعاون مع
التيارات الأخرى داخل وخارج
أميركا، بعكس الأصوليين الذين
يميلون للانغلاق على أنفسهم.
كما يتميز "الإنجليكيون"
بتفاؤلهم بخصوص إمكانية إحداث
تغيير أميركا والعالم بشكل يخدم
أهدافهم في نشر المسيحية.
ويرى الكاتب أن
العقود الأربعة الأخيرة شهدت
حدوث تغيير ملحوظ في خريطة
الأديان بأميركا، وذلك لسببين
رئيسيين، أولهما تراجع أعداد
المسيحيين الليبراليين منذ
الستينيات، وثانيهما زيادة
أعداد المسيحيين "الإنجليكيين"
خلال الفترة ذاتها، حتى أصبحت
الكنيسة المعمدانية الجنوبية
والتي يبلغ عدد أعضائها 7 ملايين
شخص هي أكبر الطوائف الإنجليكية
والبروتستانتية الأميركية على
حد سواء. كما مثل "الإنجليكيون"
حوالى 40% من الأصوات التي حصل
عليها الرئيس جورج دبليو بوش في
انتخابات عام 2004.
كما استفاد "الإنجليكيون"
من عدم نشاط المسيحيين
البروتستانت الأصوليين في
الحياة العامة، مما جعل "الإنجليكيين"
الصوت الأقوى بين الطوائف
البروتستانتية الأميركية في
الفترة الحالية، حيث تبلغ نسبهم
حالياً 54% من المسيحيين
البروتستانت.
ويرى "والتر راسل
ميد" أن المسيحيين "الإنجليكيين"
نجحوا في العقد الأخير في ترك
بصمة واضحة على السياسة
الخارجية الأميركية فيما يتعلق
بمجالين، أولهما مجال حقوق
الإنسان والمساعدات الخارجية،
وثانيهما مجال السياسة
الخارجية تجاه الشرق الأوسط.
فيما يتعلق بمجلس
حقوق الإنسان والمساعدات
الخارجية، يقول "ميد" إن
نشاط الجماعات الإنجليكية على
هذا الصعيد يعود إلى القرن
التاسع عشر، حين ساند "الإنجليكيون"
الأميركيون حركات انفصال
الأقليات المسيحية عن
الإمبراطورية العثمانية.
وبالنسبة للفترة
الحالية يشير إلى نجاح "الإنجليكيين"
في أواخر القرن العشرين في
تمرير قوانين خاصة بالحريات
الدينية عبر العالم والتي تهدف
إلى حماية حرية التبشير ونشر
المسيحية.
أما فيما يتعلق
بسياسة أميركا الخارجية تجاه
الشرق الأوسط فيرى الكاتب أن
إيمان "الإنجليكيين" القوي
بفكرة عودة المسيح، وبأن قيام
دولة إسرائيل وعودة اليهود
إليها جزءان أساسيان من نبوءة
عودة المسيح إلى الأرض لمحاربة
قوى الشر ونشر السلام، جعلهم
يشعرون بأن دعم إسرائيل "واجب
ديني"، حيث يؤمن "الإنجليكيون"
بأن "الله سيبارك أميركا لو
باركت أميركا إسرائيل".
ويقول "ميد" إن
المعتقدات السابقة تجعل "الإنجليكيين"
لا يبالون بأي نقد تتعرض له
إسرائيل، أو تتعرض له أميركا
بسبب مساندتها لإسرائيل، لأن
هذا النقد يصبح في وجهة نظرهم
جزءاً من نبوءة عودة المسيح.
ويشير الكاتب إلى أن مساندة "الإنجليكيين"
المتصاعدة لإسرائيل تأتي في وقت
تتراجع فيه مساندة الطوائف
البروتستانتية الليبرالية
لإسرائيل، حيث بدأت أعداد
متزايدة من المسيحيين
الليبراليين الأميركيين في
التعاطف مع الفلسطينيين ومع
حقهم في الحرية والاستقلال.
ويذهب "ميد"
إلى أن نفوذ المسيحيين "الإنجليكيين"
سيبقى قوياً في المستقبل
المنظور، ولكنه يرى أنهم لن
يصبحوا القوة الوحيدة أو
المطلقة المؤثرة على السياسة
الخارجية الأميركية بحكم تعدد
الأديان. ولكن هذا لن يمنع
التيارات المسيحية الإنجليكية
من امتلاك نفوذ متزايد على
أروقة صنع السياسة الخارجية
الأميركية في السنوات المقبلة،
ويرى "ميد" أن ما يميز "الإنجليكيين"
في هذا الأمر هو قدرتهم على
الفوز بثقة قواعد جماهيرية
أميركية واسعة وافتقارهم
للخبرة العملية في مجال العمل
السياسي في آن واحد.
كما يتميز "الإنجليكيون"
أيضاً بانفتاحهم على الآخر،
وسجل تعاونهم مع الطوائف
الدينية الأخرى، لذا ينصح "ميد"
"الإنجليكيين" والمسلمين
في آن واحد بمحاولة العمل مع
بعضهم بعضاً، والتعاون في إيجاد
حلول للقضايا المشتركة مثل
قضايا الحقوق الإنسان والتنمية
على المستوى الدولي، وقضايا
الأسرة والثقافة المحافظة على
مستوى أميركا الداخلي، وهنا
يأمل الكاتب أن يساعد مثل هذا
الحوار على توعية "الإنجليكيين"
متزايدي القوة والنفوذ، وقليلي
الخبرة بحقيقة ما يجري حولهم،
أملا في تغيير رؤاهم السياسية.
*باحث
عربي مقيم في واشنطن
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|