وصف
الإسلاميين بالفاشيّة
السيد جورج بوش
رئيس الولايات المتحدة
الأمريكيّة المحترم
تحية طيبة وبعد،
الموضوع: وصف
الإسلاميين بالفاشيّة
سيادة الرئيس:
طالعتنا في 11/8/2006
بتصريح قلت فيه (أنَّ بلادك لا
تزال في حالة حرب مع "فاشيين
إسلاميين")، وأنّ (من الخطأ
الاعتقاد بأنه لا توجد تهديدات
للولايات المتحدة). قد علمنا من
التجربة معك، أنك لا تريد
بالفاشيين خصوص قتلة الأبرياء
من الإسلاميين الموتورين
بظلمكم أصلا، وإنما تريد بها كل
من قال لكم (لا)، فكلّ حرّ فينا
ووطنيّ هو فاشيّ عندك، فسبحان
الله، تتحدّث عن الفاشية،
ومخزون القنابل الأمريكيّة
تنهمر على شعب لبنان وفلسطين
انهمار المطر؛ لتهدم المساكن
والملاجئ على رؤوس ساكنيها في
قانا وبيروت وصور وسائر المدن
والقرى والبلدات اللبنانيّة،
حتى إذا نفذ ما عندهم آتيتهم
بالمدد المزيد! فمن هم
الفاشيّون؟ أحرار المسلمين
الذين يدافعون عن أوطانهم
ويحمون ديارهم من الهجمة
الهمجيّة الإسرائيليّة في
لبنان وفلسطين أم سيادتك
وسياستك إذ تقدِّم لإسرائيل
السلاح والمال والدعم السياسي
اللامحدود في مجلس الأمن وتعطّل
وحدك صدور أيّ قرار دولي بوقف
مجازر العدوان، قبل أن يحقّق
أمانيك؟!
لقد وقفت يا سيادة
الرئيس حائلاً دون إدانة
إسرائيل في مجلس الأمن وألقيت
باللائمة على لبنان، وصيّرت
مجلس الأمن ألعوبةً لتشريع
الظلم والطغيان والعدوان،
وأداةً لتبرئة المجرم وإدانة
الضحيّة، فإلى أين تريد أن تقود
العالم؟ أتعتقد أن توهين الأمم
المتحدة ومجلس الأمن يجلب
السلام للعالم؟ إذا كنت تعتقد
ذلك فاقرأ التاريخ القريب،
فإنّه يقول عندما عجزت عصبة
الأمم عن لجم أطماع هتلر دخل
العالم حرباً عالميّة ضروساً
أحرقت الأخضر واليابس، ثمّ سقطت
بالدماء والدمار دولةُ الحرب
والغطرسة، وهذا هو المآل كما
يتراءى بعيداً!
أيمكن للعالم أن
يحلم بسلام شامل يعمّ ربوع
الأرض بضغوط التهديد والعساكر،
وبقلب المفاهيم وتغيير
المقاييس، لتصيير الحقِّ
باطلاً والباطل حقًا؟ لو كانت
القوة الظالمة تمسخ مقاييس
الحقّ والعدل لانعدما منذ زمن
مديد، ولكانت الأرض غابة يحكم
فيها منطق المخلب والناب، فهل
تريد أن تأخذ الأمم المتحدة
ومجلس الأمن لهذا المهوى؟
ليس من صالح العالم
يا سيادة الرئيس أن تتنكر
الهيئات الدوليّة لفطرة
الإنسان وموازين العدل التي
أرستها رسالات السماء وكرّستها
آلام الشعوب، ليكون منطق القهر
هو القاضي والحاكم، ليس من صالح
البشريّة أن تتلاعب الدول
والقوى بالمبادئ والقوانين
فتصيّر العدل ظلمًا والحرّية
إرهاباً، والغاصب الجزّار
بريئًا محبًا للسلام، والمعتدى
عليه المسروق أرضه المسلوبة
حقوقه فاشيًًّا، هذا التلاعب
بالألفاظ مسخ للفطرة وتسعير
للحروب في المنطقة والعالم.
سيادة الرئيس:
لقد خَدعتَ وخُدعتَ!
تتكلّم عن نفسك رسولا
للديمقراطية، فلماذا لا تقبل
بها في لبنان وفلسطين وإيران
وفنزويلا، أليست حكومات هذه
الدول منتخبة؟ تتكلّم عن نفسك
نبيًّا لحقوق الإنسان فأين أنت
عنها في غوانتينامو وسجون
العراق وأفغانستان والسجون
الأمريكيّة السرّية المنتشرة
في العالم؟ ولماذا لا تلزم
عزيزتك إسرائيل بحقوق الإنسان
والمرأة والطفل مع المعتقلين
الفلسطينيين؟ أتعلم أن 5% من
نساء فلسطين يلدن في السجون؟
وأنَّ مئات المعتقلين
الفلسطينيين هم دون العشرين؟
ألم تر نهر الدم المتدفق في
فلسطين منذ ستّة عقود، ألم تر
الجرافات تجرف أرض عمرهم، ألم
تسمع بالقصف المستمرّ يهدّ
البيوت على ساكنيها الآمنين؟
تتحدّث عن السلام
والقضاء على الإرهاب، ثم نراك
تسعّر الحروب والإرهاب، أوقدت
الأوار في أفغانستان والعراق
ولبنان وها أنت تهدّد بإشعالها
في مناطق أخرى، فهلا تحسن شيئا
غير الحروب، أم تظنّ أنّ من حقّ
المقتدر على الفتك أن يفتك،
وأنّك على كل شيء قدير، تالله
لقد أسرفت في القتل، وتماديت في
عدم الإصغاء وغرور التكبر.
سيادة الرئيس: أنت
تتكلمّ بلا ذوق، وتُخالف مواثيق
الأمم الداعية لعدم إهانة
الأديان، فتتّهم الإسلام
بالفاشية والإرهاب، كالسوَقة
لا يحكم كلامهم منطق ولا برهان!
ماذا عمل الإسلام الذي شعّ قيم
الحضارة ليكون فاشيًا؟ وما ذنبه
إذا لبسه جهلةٌ مثلُك مَن
حرّشهم وأثارهم ليقتلوا النّاس
باسمه؟ وأمثالهم موجودون حتّى
في ملّتك وبلادك، بل عقيدتك لا
تختلف عن عقيدتهم في بغض الآخر
واستئصاله! لماذا تسحب وزرهم
على الإسلام كلّه والمسلمين؟
كان عليك يا سيادة
الرئيس أن تشير إلى المخطئ، لا
أن تعمّم، ولكن أنّى لك أن تتكلم
بذوق وأنت بلا روح، وأنّى تكون
لك روح وضميرُك لا يحسّ بما
تفعله يداك من ظلم، فها هي
إسرائيل اليد الأمريكيّة في
المنطقة تختطف رئيس البرلمان
الفلسطيني المنتخب، وتعتقل
أعضاء برلمانه المنتخب، ووزراء
حكومته المنتخبة وتُحاول
اغتيال رئيسها، وتدمر لبنان
حجرًا حجرًا، وشجرةً شجرة، وأنت
صامتٌ، إلاّ من هذيان مسعور، بل
الأدهى تتجوّل على دراجتك في
مزرعتك والابتسامة تعلو شفتيك،
ووزيرة خارجيتك رايس تعزف
البيانو، يدمَّر لبنان وتفلسفه
أنّ الولادة لابدَّ أن تمرّ
بآلام مخاض، من يمارس هذه
المآسي ولا تتحرّك فيه شعرة
أفيه روح إنسانيّة حيّة ليكون
له ذوق؟ الذوق يا سيادة الرئيس
هو لباقة العقل، وبمقدور المرء
تنمية ذوقه بتغيير مواقفه
وآرائه متى بان خطؤها، وإذا لم
يفعل فذوقه رديء، ويا ويل
البشريّة من الذوق الرديء، وهو
ما تلمسه منك، فما أعجبك في
إسرائيل لتدعمها وتبرّر لها
جرائمها، وتضع كل إمكانيات
أمريكا تحت تصرّفها، وتساندها
في تحدّيها للقوانين
والمعاهدات والأعراف الدولية؟
ألا زلت تعتقد أن نصرتك لها
ظالمة لا يضرّ بمصالح أمريكا،
إذا غاب عنك رؤية ما في القلوب
العالميّة من سخط وغصّات، فانظر
إلى شعارات بغض أمريكا وإلى
العلم الأمريكي يحرق في الشوارع
في كلّ مكان، ألا يكفي هذا
دليلاً على خطأ سياسة أمريكا
تجاه الشعوب؟ ألست المتسائل
يومًا باستغراب لماذا العالم
يكرهنا؟ أوقف جرّافتك العمياء
التي تطارد بها فأر الإرهاب كما
تزعم، فقد أتلفت بها الحقول
والبيوت، ودهست بها الأطفال
والنساء، ويتّمتَ ورمّلت
الباقين، وسلبت بها الطمأنينة
والحلم والنوم من أعين الأبرياء
لتملأها بتذريف الدموع
والمخاوف والفواجع، وتتساءل عن
كراهيتكم!
من له ذوق يا سيادة
الرئيس، لا يبقى معاندًا يرتكب
الخطأ ويقول هذا هو الرشاد، من
يفعل هذا يدمّر نفسه وأمته كما
فعل موسوليني الذي نسبتَ
الإسلاميين إليه، إنّ الذين لا
يغيرون آراءهم أحد اثنين؛
الموتى والمجانين، فأيّهما
أنت؟ ما معنى أن تتخيّل مشروعك
" الشرق الأوسط الجديد"
وتريد تطبيقه حتى ولو أشعلت
العالم نارًا وتفلسفونه "بالفوضى
الخلاّقة" أليس هذا جنوناً؟
تقول سنسقط نظام طلبان ثمّ نظام
صدام، ثمَّ نقضي على حزب الله،
ثمَّ نطيح بنظام سوريا، ثم نسقط
نظام إيران ثمّ ثمَّ ، وكأنّك في
إسقاط الأنظمة كمسافر جوّال بين
المحطّات؟ أنسيت أنَّ هذه شعوب
عريقة ذات تاريخ وحضارة ودين؟
فإذا لم يكن هذا الجنون بعينه
فقل لي بربك ما الجنون؟ فإن كان
ما تنشده يا سيادة الرئيس
التأثير في سياسات الدول فابحث
لك عن طريقة أخرى، فما ينفع
الترغيب والترهيب والتضليل في
ذوي العزة شيئا، بل حاول أن
تتعلّم شيئا من طريقة التأثير
بشرف، إن كنت سمعت بمثل هذا
المبدأ النبوي، وأما إن كان ما
تنشده هو دفن الإسلام الصحيح
والفطرة السويّة، فاعلم يا
سيادة الرئيس أنّ هذا لن يكون
فالذهب يشعّ حتى في الوحل،
فمهما غلّفته الحوادث بالأقذار
فإنه يبقى ذهبا، وكذلك الإسلام،
مهما غلفته الأيام بالشبهات
والأباطيل والخرافات سواء من
بعض مدّعيه أو معاديه، فإنه
سيبقى منارة هدى لجميع البشر
حتى يوم الدين، دينَ الإنسان
والفطرة.
لقد أمّلت شعوب هذه
المنطقة في كلامك حول وجوب نشر
الديمقراطية في الشرق الأوسط
خيرا، وقالت أخيرًا عرفت
الولايات المتحدة مغبة خطئها في
مساندة المستبدين، وعزمت بعد
طول زمان أن تعود لمصادقة
الشعوب المقهورة بكم
وبحكّامها، فإذا أنت علينا أشدّ
قسوة منهم، وبدلا من أن تصلح
أوضاعنا! عوْلمتَ فنون
الاستبداد والتعذيب والجور
والتجسس على المواطنين حتّى إلى
بلادك، انتظرنا أن تصدِّر لنا
بعض الحرّيات الصحيحة، فإذا أنت
تاجرٌ تصدّر وتستورد طبائع
الاستبداد، فأفسدت بلادك
وأريتنا من القسوة ما حسّن
حكّامنا في أعيننا! وجعلهم
عندنا أهون من ديمقراطيتك
واستغلالك الوحشي.
السيد الرئيس،
لتعلم أن شعوب هذه المنطقة لا
تستطيع أن تجمع في قلبها حبًّا
متناقضًا، هي تعشق الحق، لأنّه
في فطرتها، وفي عشقها لله،
وتعشق الحرية، هذه الأمة موغلة
في القدم، فهي والتاريخ
الإنساني سواء، بعث الله في
أرضها وإلى أهلها الأنبياء،
مبشرين ومنذرين، يعلمون الناس
الفضائل والحبّ، ليعيشوا هذه
المحبة كمبدأ وغاية، يعلّمون
الناس العفو عند المقدرة لا
التحامل والحقد والبطش،
يعلّمون الناس الحلم عند الغضب
فلا يسارعون إلى أخذ الناس
بالجريرة، يعلّمون العدل حتى لا
يعاقبوا بأكثر مما يستحقّ
الجرمُ صونا للحقوق وللبراءة،
فاستزرع في نفسك بعضًا من هذه
المبادئ لعلها تنبت فيك شيئاً
من سيما الحكماء.
إننا نتحدث إليكم
بلسان الإنسانية التي لم تدنسها
أنفاق السياسة، ولم تلوثها
الأطماع الأممية، ولم تنجسها
التفرقة، عرقية أو غيرها،
نخاطبكم بلسان الفطرة التي فطر
الله الناس عليها، التي لا
تفرّق بين أسود وأبيض، وعربي
وعجمي إلا بالعمل الصالح،
بالتسابق في خدمة الإنسانية
وإرادة رقيها، والسعي في خدمتها
بالأفعال، وليس بالأقوال
والدعايات الفارغة لتغليف
الاستعباد والحروب وسلطات
القهر، فأنت تكثر الحديث عن
السلام ونزع السلاح، على كثرة
ما رأى العالم منك من حروب
وتكشير عن أعتى أسلحة دمار، ولم
تستخدم دولةٌ سلاحا نووياً قطّ
لإبادة الشعوب إلاّ التي أنت
تقودها.
دعاؤنا للعالم أن
يملأه الله بالعدل والخير
والسلام، وأن يحفظه بسياج
المحبّة المنيع، وأن يحميه من
المتهورّين المتغطرسين عشّاق
الدم والدمار، الصارخين في
الشعوب: إمّا تبعًا لنا أو
السيف، وننصحكم بالالتفات
لأحسن ما في المسيحيّة من قيم
سلام وحبّ، وما في تراثكم من
فضائل، نذكّركم بمقولة داعية
الإصلاح مارتن لوثر: (المقياس
الحقيقي للإنسان ليس الموقف
الذي يتّخذه في لحظات الراحة،
ولكن موقفه أوقات النزاع) فكن
كما أراد عيسى (ع) أو لوثر؛
إنسانًا في نزاعك، امتثالاً
لبعض أصيل تراثك.
جمعية
التجديد الثقافية / مملكة
البحرين
في25/8/2006
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|