لماذا
ترتجف كلمات خدام
عندما
يتحدث عن عهد حافظ أسد؟
الطاهر
إبراهيم*
في
مقابلته المطولة مع قناة
المستقبل مساء الأربعاء 27 آب
الجاري، أمتعنا نائب رئيس
الجمهورية السورية السابق
الأستاذ عبد الحليم خدام
بمعلوماته الوفيرة عن فترة
عصيبة من تاريخ سورية هي فترة
حكم حزب البعث التي ابتدأت في
آذار عام 1963 ولما تنته بعد.
وخصوصا ماكان منها في العقود
الثلاثة العجاف التي قبض فيها
الرئيس الراحل على عنق الوطن
السوري بيد من حديد، وكان سباقه
مع هذا الوطن أيهما يصبر أكثر.
حتى إذا كان يوم 10 حزيران عام 2000
وصل السباق إلى خط النهاية
وأعلن عن وفاة الرئيس الراحل
"ولا شماتة في الموت"،
وتنفس الوطن السوري الصعداء،
ولكن إلى حين.
في كل
أحاديثه السابقة، أدرك المشاهد
السوري أن شفتي الأستاذ خدام
كانتا ترتجفان بالكلام عندما
يكون حديثه عن فترة حكم الرئيس
الراحل التي امتدت لثلاثة عقود.
السبب غير خافٍ عن المواطن
السوري، وهو أن خدام شارك
بفعالية في الأحداث التي مرت
على سورية خلال تلك الحقبة. وإذا
كنت ممن رحب بانشقاق "خدام"
عن النظام السوري، وسأرحب بأي
رمز من رموز السلطة –ما لم تكن
يداه قد تلطخت بدم الشعب- شارك
في الحكم، إذا ما انشق عن
النظام، الذي يتآكل سياسيا
ووطنيا يوما بعد آخر. وحتى من
اقترف جرائم أثناء وجوده في
السلطة يمكن أن يعلن عن ندمه
واعتذاره عما اقترف، وسيكون هذا
الاعتراف والندم من الأسباب
المخففة أمام القضاء السوري
عندما تحين ساعة المساءلة
القضائية ضد كل من شارك في الأذى
الذي لحق بالشعب السوري.
الإخوان
المسلمون عندما قبلوا التحالف
مع الأستاذ عبد الحليم خدام،
ماكانوا يجهلون ماضي الرجل. وما
كانوا ليقولوا له عفا الله عما
مضى، لأنهم ببساطة لا يملكون
هذا الحق. ولكنهم كانوا يضعون
نصب أعينهم أن التوبة تَجُبّ ما
قبلها، إلا ما كان من حقوق
العباد، فلا تجبها التوبة إلا
بأداء هذه الحقوق. وهذا ما قاله
المراقب العام للإخوان
المسلمين "البيانوني"
عندما أكد في أكثر من مناسبة أن
ماضي الأستاذ خدام مكانه القضاء
السوري الذي سينظر في ما كان منه
في عهد النظام الحالي يوم كان
رمزا فيه.
ما
أردت قوله أن من كمال انفصال أي
مسئول عن ماضيه في النظام
القمعي الذي كان أحدَ رموزه، أن
يتكلم عن كل موبقات هذا النظام
ولو كان هو مشاركا فيها. وهذا
سيجعل الذين نظروا بشك إلى
انشقاق خدام عن النظام أن
يعيدوا النظر عندما يكشف خدام
عن أمور لا يعرفها إلا هو،
ليتأكد الجميع أنه قد قطع بين
حاضره وماضيه.
من
تابعوا المقابلة التي أجراها
الصحفي اللامع علي حمادة شعروا
بالفارق بين حديث خدام عن فترة
الرئيس الراحل "حافظ أسد"
وفترة الرئيس الحالي "بشار
أسد". بل إن الأستاذ خدام كان
يسترسل على سجيته عندما كان
يتطرق الحديث إلى حق الشعب
السوري في أن يحكم نفسه بنفسه.
وكم كان واضحا ومفهوما عندما
أجاب عن سؤال أحد المشاهدين حول
تحالفه مع الإخوان المسلمين،
عندما أكد أنه لا تستقيم
الديموقراطية إلا عندما تشارك
في الحكم كل الأحزاب السورية لا
يُستثنى منها أحد. وأن حصة كل
حزب من المشاركة ستكون بمقدار
ما تمنحه صناديق الاقتراع من
نسبة تأييد لهذا الحزب أو ذاك.
بل وأزيد أكثر أن مسئولا في دولة
خليجية عن سأله لماذا وضع يده في
يد الإخوان المسلمين فأجابه: إن
البديل من الإخوان المسلمين هو
"القاعدة".
يمكننا
أن نؤكد أن الشارع السوري خلا من
السابلة عند بث المقابلة حيث
انصرف الجميع، من كان راضيا عن
انشقاق خدام ومن كان ساخطا، إلى
بيوتهم لمتابعة المقابلة. لكننا
ينبغي أن نسلّم أن الحديث في
مجمله لم يكن مقنعا، خصوصا ما
كان يتعلق بفترة الوجود السوري
في لبنان أو الغباشة التي تلف
علاقة "خدام" بالرئيس
الراحل. لكن ما هو واضح أنه في كل
حديث كنا نلحظ أنه يضيف جديدا عن
انغلاق الرئيس السوري على
حاشيته في القرارات الأمنية، ما
يؤكد أنه كان هناك "عَتَبَة"
غير مسموح لأي مسئول من غير هذه
الحاشية، -بل ولا يجرؤ- أن
يتجاوزها وإلا احترق كما احترق
كثيرون ممن هم حول الرئيس
وليسوا من الحاشية، لعل أبرزهم
"محمود الزعبي" الذي بقي
رئيسا للوزراء على مدى 14 عاما،
وقيل أنه انتحر -أو
نحر- بعد أن عزل من منصبه قبل
وفاة الراحل بأشهر قليلة.
لا
أريد أن أسترسل أكثر في حديث
يمكن أن يوجز في كلمات نهمسها في
أذن الأستاذ خدام : فإن كان ما
يقوم به معروفا يسديه، فالمعروف
بتمامه. والشعب السوري لا يريد
ربعَ حقيقة ولا نصفَ حقيقة، بل
يريد الحقيقة كاملة. والتردد في
ذلك لا ينبئ عن توبة كاملة. ولعل
ما يزعمه البعض عن ثروة كبيرة أو
صغيرة جناها خدام أثناء وجوده
في السلطة تكون أهون عند
المواطن من طمس حقائق هامة يريد
الشعب السوري أن يعرفها: من مثل
ضياع –أو بيع- الجولان يوم كان
حافظ أسد وزيرا للدفاع، في وقت
ما يزال إعلام النظام السوري
يمجده على أنه بطل للتحرير
والرمز الأوحد.
المكاشفة
ينبغي أن تكون كاملة، وإلا
فالأحاديث مضيعة للوقت وغش
للشعوب.
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|