ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 31/08/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

عدم تسييس الدين أو العلمانية

إبراهيم درويش

هذه العبارة " تسييس الدين" أو " تديين السياسة" ملّتها أسماعنا من كثرة ما سمعناها من أناس؛ لقّنونا إياها ونحن على مقاعد الدراسة،أو أسمَعَنا إياها أولئك الذين كنا وإياهم نخوض نقاشات ساخنة حول كثيرمن القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تهمّنا جميعاً لأننا أبناء وطن واحد، نحن وإياهم في سفينة واحدة أيّ خرق فيها من قبل أيّ أخرق الرأي يعني نهايتنا جميعاًـ كما يحصل في أيامنا هذه.

 وربما كان بعض أولئك الذين يلوكون عبارة " لا دين في السياسة ولاسياسة في الدين" أو  عبارة "يا أخي لاتدخل الدين في هذه القضية" أو " ما علاقة الدين بهذه المسألة؟"أو يقول لك من باب حرصه على الدين : " خلّ الدين بعيداً عن السياسة ومتاهاتها وألاعيبها"،إلخ من العبارات التي يراد منها إبقاء الدين في دائرة العبادات أو المسجد أو في حدود العلاقة بين العبد وربه...،نقول ربما كان بعض أولئك  يمتازون بطيبة قلب أو حسن نية،فتراهم يردّدون هذه العبارات وأمثالها دون وعيٍ منهم لمرامي مُطْلقِيها الحقيقيين وأهدافهم غير البريئة وغير الصحيحة، لا عقلاً ولا منطقاً ولا ضمن السياق التاريخيّ لمسيرة الإسلام التي تزيد على أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان،لم خلالها الفصل بين الدين والسياسة !!!  

لنناقش هذه المسألة المستوردة ذات الصلة الوثيقة بالعلمانية التي تمّ استيرادها  أيضاً جاهزةً من بيئات غير بيئاتنا واتّخذها بعضهم معبودأ لهم من دون الله،ويرون لها من الاحترام والتبجيل والتقدير وضرورة إبقائها في دائرة من القداسة لا يجوز الاقتراب منها أكثر مما يرى المؤمنون في مقدّساتهم ومسلّماتهم العَقَدية.

عودة إلى الجذور:

تعود جذور مسألة إبعاد الدين عن السياسة وضرورة الأخذ بمبدأ علمانية الدولة وفصل السلطة الروحية عن السلطة الزمنية إلى عصر الإمارات والإقطاعيات في القرون الوسطى في أوربا،عصر الصراعات العنيفة بين رجال الدين المسيحي والأمراء الإقطاعيين في عموم القارة الأوربية، هذه الصراعات التي كانت تصل في أحيان كثيرة إلى حدّ نشوب حروب طاحنة بفعل تحريض رجال الدين لبعض الأمراء على بعض ومباركة العرش والسلطة لبعضهم " باسم الربّ" دون بعض "باسم الربّ " أيضاّ، وتلاعب بعضهم بالمقدّسات والحلال والحرام إرضاءً لأمير أو ملك، أو طمعا ًفي منصب أو تنفيذ وعد .

لقد سمح بابا روما لنفسه ولمؤسّسته الدينية القويّة باحتكار صلاحية تتويج ملك أو أمير باسم الرب والإرادة الإلهية و تسويغ كل أفعاله وجرائمه وحماقاته، وإن كان هذا الملك أو الأمير مجرماً أو معتوهاً أو أبله أو لايحسن التصرّف،الأمر الذي جرّ غضب الجماهير والأمراء والملوك المتنافسين على المؤسسة الدينية والقائمين عليها،أولئك الذين جعلوا من أنفسهم الواسطة الإجبارية بين الناس وربهم،والناطقين باسم الرب على هذه الأرض،بيدهم صكوك الغفران وسَوق الناس إلى الجنّة أو النار...إلخ. بل احتكر رجال الدين هناك أيضاً صفة " العلمية "والحَجْر على العلماء والباحثين والمبدعين،بدعوى تناقض أبحاثهم ونتاجاتهم العقلية والعلمية التجريبية والمخبرية مع نصوص في كتابهم المقدس،فحكموا بناءً على نظرتهم القاصرة ـ المفتقرة إلى العلم الصحيح والاستنتاج السليم ـ على كثير من العلماء والمبدعين بالموت والهرطقة والخروج عن تعاليم الكتاب المقدس.!!

هذه التدخّلات الغليظة الفجّة الوقِحة الظالمة الجاهلة قابلها الناس،بعد انتشار العلم وارتياد الأوربيين الجامعات والمعاهد الإسلامية في الأندلس وغيرها،بالتذمُّر والثورات والمطالبة بوضع حدٍّ للمهازل والزلازل التي تحدث في المجتمعات الأوربية باسم الدين والكنيسة،وضرورة إبعاد الكنيسة ورجالاتها عن معترك الحياة طلباً للاستقرار والحرية وقول ما هو صواب دون خوف من أيّ سلطة سوى سلطة العلم وحقائقه،فكان الاتّفاق بين عقلائهم على ضرورة فصل الدين عن السياسة أو فصل السياسة وشؤون الحكم عن سلطة الكنيسة وتدخلاتها ليحيا الناس سعداء موفوري الكرامة.ولا ننس دور اليهود في هذه الصراعات، إذ تعرضوا للاضطهاد والإقامة في جيتوهات خاصة بهم على النصارى الذين حمّلوهم مسؤولية صلب السيد المسيح،فوجدوا في رياح المطالبة بإبعاد الدين عن السياسة متنفّساً لهم، تحت مسمّيات "الحرية، العدالة، المساواة" شعار الثورة الفرنسية وغيرها.

إنّ ديناً يعامل أتباعه بهذه الطريقة حريٌّ بهؤلاء الأتباع أن يزيحوه من طريقهم لينطلقوا ويعملوا ويبدعوا ويقدّموا للبشرية نتاجات عقولهم وتجاربهم.

الإسلام غيرالميسيحية:

إنّ نظرة عجلى أو متفحّصةً ـ لافرق ـ على الإسلام وطبيعته تؤكد أن الإسلام يختلف عن المسيحية في كثير من النواحي؛ فهو دين ودنيا ، ينظم علاقة الإنسان بربه،وبأخيه الإنسان وبأبناء مجتمعه من مؤمنين وكافرين ومنافقين، وبالبيئة وما فيها من جمادات ونباتات وحشرات وحيوانات وإنس وجنٍّ وملائكة...إلخ،وبالكون كلّه،وهوعقائد وشرائع وحدود ومعاملات وأحكام أسرية وأحوال شخصية،وعلاقات دولية في حالتي السلم والحرب...وهو خاتم الرسالات السماوية وأكملها.ثمّ إنّه ليس في الإسلام طبقة رجال الدين أو الكهنوت أو الإكليروس التي تحتكرالوساطة بين العبد وربه، إنّما ثمّة علماء للدين لافرقَ بينهم وبين أيّ مسلم آخر، لايزعمون أنّهم يمنحون صكوكَ الغفران على قدْر ما يقبضون من الأتباع، ولا يدّعي هؤلاء العلماء أنّهم يحتكرون حقائق الدين والبتّ في الحلال والحرام، وإنّما عليهم أكثر من غيرهم واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبيين طريق الحق والخير للناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وبعد ذلك للناس حريةُ الاختيار؛" فمن شاء فليؤمِنْ ومن شاء فلْيَكفُرْ ".

ولم يحصل أنِ اصطدمَ علماءُ الدين بالحكام من باب التنازع معهم على السلطان،أو باسم المؤسسة الدينية أو طبقة رجال الدين، وإنّما كان هناك وقوف في وجه الظلم الذي يبدر من بعضهم ودفاع عن الحق ووجوب الالتزام بالدستور الذي اتّفق عليه كلّ المسلمين وهو شريعة الإسلام، وكان هناك دفاع عن الرعية وضرورة أن يسود مبدأ العدل والمساواة بين الناس،وبعد ذلك للحاكم في عنق العالم وكلّ مسلم واجب السمع والطاعة.

ولم يحصل أنْ وقفَ عالمٌ مسلمٌ ثقة يُعتَدُّ به وبعلمه طوال التاريخ الإسلاميّ في وجه العلم أو عارض البحث العلميّ أو التقدّم العلميّ،أو اصطدمت حقيقة علمية بنصٍّ قطعيّ الدلالة في الإسلام، بل كنا نرى العلماء الموسوعيين، الذين كانوا يتبحّرون في كل مجالات العلم وأبوابه إلى جانب علم التفسير والحديث والفقه...، كالرازي وابن سينا والخوارزمي وغيرهم، الذين نهضوا بعلوم الدين والدنيا، وهم الذين أُثِرَ عنهم "اطلُبِ العلمَ من المهد إلى اللحد"،" اطلبوا العلم ولو كان في الصين"،لأنهم فهموا الفهمَ الصحيحَ قولَ اللهِ تعالى: "يرفعِ اللهُ الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلمَ درجاتٍ "، وأولَّ آيةٍ تَنزِل من القرآن الكريم:"اقرأ باسم ربك الذي خلق"،وحديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم : "طلبُ العلم فريضةٌ على كلّ مسلم".كما فهموا الفهمَ الصحيحَ تأكيدَ الفقهاءِ المسلمين أن تحصيلَ أيّ علم تحتاجه الأمة الإسلامية فرضُ كفاية، إذا قام به بعضُهم سقط الإثمُ عن الباقين، وإذا لم يقمْ به أحدٌ أثِمَ المسلمون جميعاً،كلٌّ بقدْر طاقته.

وإذا كان قد نُقِلَ عن بعض الخلفاء قوله:"أنا ظلّ الله في أرضه"، فإنّ المتّفقَ عليه بين علماء المسلمين هو أنّ هذا القول مردودٌ على صاحبه،فليس ثمّة إنسان مسلم ـ كائناً مَن كان ـ يمكن أن يدّعي هذا الادّعاء. صحيح أن الآية القرآنية الكريمة تقول : " وإذ قال ربُّك للملائكة إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة"، فإن للمفسِّرين آراء وأقوالاً كثيرةً في المقصود بالخليفة، هل هو خليفة الله تعالى؟ أم خليفة مخلوق آخر كان يعيش على هذه الأرض قبل آدم عليه السلام؟ والأرجح أنه خليفة إنسان آخر،بدليل استغراب الملائكة وسؤالهم التعجُّبيِّ:" قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويَسْفِكُ الدماء"؟ من أين للملائكة علم بالإفساد وسفك الدماء لولا أنهم رأوا قبل آدم عليه السلام على هذه الأرض بشراً يفسدون ويسفكون الدماء؟

 

أيُّ إسلامٍ يبقى؟:

إنّ الذين يدْعون إلى عدم تسييس الدين أو تديين السياسة،أو إلى إبعاد الدين عن شؤون الحكم،أو إلى العلمانية، إنما يدعون من حيث يدرون أو لا يدرون إلى هدم الإسلام والحكم عليه بالإعدام،وإلا فليجيبونا بالله عليهم: متى كانت السياسةُ منفصلةًً عن الإسلام طََوالَ تاريخه؟ وبماذا كان الحكامُ المسلمون يحكمون شعوبَهم؟وعن أيّ إسلام يتحدّثون عندما يُبعِدونه عن حياة الناس؟ هل حياة الناس منحصِرة في ظل الإسلام في الصلاة والصيام والحجّ والذكر؟ من يجمع الزكاة ويوزّعها على مستحقّيها؟ من يقيم العدل بين الناس؟ وعلى أيّ أساس؟ على أساس القانون الفرنسيّ أم الرومانيّ أم الإنكليزيّ؟متى كانت هذه القوانين والدساتير أعدل وأرحم بالعباد من القوانين المشتقّة من الإسلام الذي أنزله الله رحمةً للعالمين؟ ماذا يقول دعاة العلمانية المنتسبون للإسلام: عن الآيات الكريمة الآتية على سبيل المثال لا الحصر: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }النساء65. {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }المائدة44.  {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُون }المائدة45. {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الفاسقون }المائدة47. {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }المائدة50.؟ما المقصود بهذه الآيات يا ترى؟ ومن المقصود؟ هل المقصود بالحكم الصلاة والصيام والعبادات الأخرى ؟هل التهديد الذي تضمّنته الآيات الكريمة موجّهٌ للمسلمين في عصر الرسالة الذين لم يكن الواحد منهم يقْدِم على أمر حتى يعلم حكمَ الله فيه؟ هل الإسلام نزل للناس في عصر الرسالة فقط أم أنّه لكل المسلمين في جميع عصورهم وأينما كانوا؟

لماذا الإصرار على العلمانية ؟

لنا أن نسأل: لماذا هذا الإصرار على العلمانية؟أهو لحماية الأقلّيّات غير المسلمة التي تخاف من بعبع الإسلام أو أن يبتلعها غول الإسلام ؟متى كان الإسلام غولاً أو بعبعاً؟ ألم تعش الأقلياتُ غيرُ المسلمةِ في ظل الحكم الإسلاميّ بوافر كرامتها وكامل حقوقها ويتبوّْأ أفرادُها أعلى المناصب، سواء في زمن الأمويين أم العباسيين أم العثمانيين ؟ متى كان الحكم الإسلامي يمتدّ إلى غيرالمسلمين؟ أليس من حق الأكثرية المسلمة أن تختار بكامل حريتها وعبر صناديق الاقتراع المنهج الذي ارتضاه الله لعباده؟ هل الناس في ظل الحكومات القومية أسعد حالاً؟ ما أسباب الحربين العالميتين؟ألم تكن لدواعٍ قومية صرفة؟ هل كان للدين دور في تأجيجهما؟ الخسائر الناتجة عن الحروب القومية أكثر أم الناتجة عن الحروب الدينية؟ هل الخوف من الجزية التي يخاف غير المسلمين دفعها للدولة الإسلامية مقابل حمايتها لهم؟ ألا فليطمئنّوا أنّ تحمّلهم تبعات الدفاع عن الدولة سيسقط عنهم هذا العبء،كما فعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع النصارى الذين اشتركوا في فتح العراق وغيره.

إننا إذ نؤكد هذه المعاني،بل نذكّر بها، فإنّنا نؤكد أن الإسلام ليس في قفص الاتّهام وعلينا واجب الدفاع عنه، ولكننا نفنّد فِرْيةً طالما لاكتْها ألسنٌ بحقه جهلاً أو تقليداً للأغيار أو لغاية في أنفسهم.

إنّ الذي يحتاج إلى الدفاع عن نفسه هو ذلك الذي يقيس الإسلام بالأديان الأخرى، ويردد كلاماً ليس مجال تطبيقه بيئتنا ولا واقعنا، ويسقط حكم قضية ظالمة على قضية عادلة ، ويساوي بين الظلمات والنور، بل يقيس البيض على الباذنجان.

 {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }الأنعام81.

 المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها    

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ