الإخوان
المسلمون الحاضر الغائب
في
المؤتمر القطري الأخير لحزب
البعث
الطاهر
إبراهيم*
انعقد المؤتمر
القطري العاشر لحزب البعث في
أوائل شهر حزيران الجاري،وقد
رُسِمَ في بعض الأذهان رؤى
وأحلام. وانتهى المؤتمر وقد
انطفأت تلك الرؤى والأحلام،وما
كان لها أن تتحقق في نظامٍ، يقع
الشعب في آخر اهتماماته ،سواء
كان من خطط هو قيادة حزب البعث
أو الأجهزة الأمنية. فهذا
المؤتمر لم يكن في وارده أن يفعل
شيئا للشعب السوري، وإلا لكان
الرئيس أو الحزب فعل شيئا قبل
المؤتمر، فلم تكن تنقص
الصلاحيات قبل المؤتمر لاتخاذ
القرارات التي حلم بها بعض
الحالمين.
القرارات في
نظام حزب البعث لا تنبع من حاجة
الوطن والشعب لها، لأنهما في
آخر اهتمامات هذا الحزب.
والقرارات ،على كل حال، لا تصدر
للحاجة إليها. فمع أنه لم تكن
تنقص الرئيس حافظ الأسد الوسيلة
للإجهاز على خصومه الإسلاميين،
حيث كانت أجهزة الأمن تعتقل كل
من هب ودب، وماكينة الإعدام
تقوم بعملها داخل المعتقلات،
وقد كان ذلك أكثر من كافٍ حتى
يقول القائل "أنج سعد فقد هلك
سُعيْد".ومع ذلك فقد صدر
القانون 49 لعام 1980 ،الذي يحكم
بالإعدام على مجرد الانتماء
،فقط، لجماعة الإخوان
المسلمين، لماذا ؟.
فمع ما أسلفنا،
فلم تكن هناك حاجة إلى سن هكذا
قانون ،الذي يذكّر بمحاكم
التفتيش التي حكمت أوروبا في
القرون الوسطى، ولكنها الإرادة
الفردية التي كانت تسيطر على
عقل الحاكم المستبد الذي أراد
أن يقول للشعب السوري: إن
القانون هو ما آمر به. وإن وظيفة
المؤسسات لا كما جاء في الدستور
المكتوب بل كما أريد أنا: "ما
علمت لكم من إله غيري".
وإذا قيل لا بد
من مؤتمر قطري كآلية تشرع
للأمور الهامة. لقلنا لم يكن
هناك قرار واحد هام صدر عن
المؤتمر. كما أن الآلية لم تكن
تُعْوِز الرئيس. فقد كان هناك
دائما مجلس للشعب صُنِع للتصديق
على هكذا قرارات. وما كان هناك
مؤتمر قطري عندما صدر العفو
الرئاسي ،بمرسوم واحد، عن أكثر
من مئة ألف مجرم وحرامي في عام
2001 ،ولم يكن فيهم معتقل سياسي
واحد من معتقلي الرأي.
فقد كانت هناك
مئات المراسيم التي صدرت في
العهد الجديد،ومنها ما تم
بموجبه إلغاء المحاكم
الاقتصادية حتى "تسرح وتمرح"
مجموعة "الأربعين حرامي"
،مع علاء الدين أو بدونه، على
هواها في البلد.أما أن يصدر عفو
عام عن أكثر من مئة ألف من
المهجرين وأولادهم وأزواجهم
،فهذا فيه خراب البصرة.لأن فيهم
أطفال المنفيين الإسلاميين
الذين صاروا شبابا، وما يدريك
ما يكون عليه أمر سورية عندما
يستقبل هؤلاء العائدون بالورود
والرياحين.
لذلك لم يكن
مستغرَبا أن تصدر في ثنايا
توصيات مؤتمر "البعث" بعض
الجمل المتناثرة التي تشير من
طرف خفي إلى أن جماعة الإخوان
المسلمين خط أحمر. غير أن معد
التوصيات لم يجرؤ أن يجعلها
توصية محددة قائمة بذاتها، حتى
لا يقول قائل هاهي جماعة
الإخوان المسلمين ما تزال تشكل
في ذهن حكام البعث هاجسا مؤرقا
للنظام.
لقد شعر قادة
النظام بالهلع يملك عليهم
أفئدتهم عندما قرئت في منتدى
الأتاسي رسالة المراقب العام
لجماعة الإخوان المسلمين
المحامي "علي صدر الدين
البيانوني". ومع أن مجرد
قراءة الرسالة في المنتدى كان
كافيا ليثير غيظ قادة النظام
وخوفهم، فإن ما أشعرهم بالخوف
الحقيقي ما قوبلت به قراءة
الرسالة من تصفيق حاد، حتى أن من
حضر المنتدى من البعثيين لم
يملكوا أنفسهم أن ينضموا إلى من
صفق لقراءة الرسالة بعد أن
لامست أوتارا في أفئدتهم كانت
مخدرة بما ينالونه من منافع
تأتيهم لقاء التزامهم مع حزب
البعث.
قد يضحك
البعثيون على صغار المنتمين
لحزب البعث الذين استفادوا من
انتمائهم لهذا الحزب بتعيينهم
في وظائفهم الهامشية التي لا
يأتيهم منها إلا "قوت من لا
يموت". ولكنهم هم أنفسهم لا
يصدقون ما جاء في التوصيات، ولا
يستطيعون أن يجعلوا الشعب
السوري يصدق كل ما قيل في
المؤتمر وكل ما صدر عنه.
فمع ما هو معروف
عن تزييف النظام السوري
للحقائق، فقد استغرب المراقبون
إلصاق صفة الاستقواء بالأجنبي
بجماعة الإخوان المسلمين، مع أن
هذه الجماعة هي أو ل من رفعت
صوتها بالتنديد بمن يفعل ذلك.
فقد جاء في البيان الختامي
لمؤتمر المعارضة الذي انعقد
،بدعوة منها، في لندن عام 2002
:"إنه لا يستقوي بالأجنبي إلا
من هانت عليه نفسه".
ويبقى أن
المؤتمر القطري لم يكن حاجة
داخلية، بل لم يكن حاجة بعثية في
أرجح الاحتمالات، وإن تمت دحرجة
كثير من الرؤوس القديمة، بل كان
رسالة إلى خارج الوطن: "إلى من
يهمه الأمر نحن هنا، ومستعدون
للدفع والتنازل، ولا يهم الثمن
.... أوكازيون". ولكن لسوء الحظ
فقد جاء الجواب مختلفا على لسان
"رايس" في جولتها الأخيرة
عند ما قالت لعدد من الوزراء
الأوروبيين: (إن النظام السوري
لم يفهم كل الرسائل والكلام
الذي أبلغ إليه من الولايات
المتحدة مراراً). (ما بين
الهلالين من تعليق رندة تقي
الدين في الحياة 24/6/2005 ).
* كاتب سوري معارض يعيش في
المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|