يا
فرعون من فرْعنك؟
الطاهر
إبراهيم*
يستنكر
الناس الاتهامات التي لا تدعم
بإثباتات، ويعتبرونها نوعا من
الافتراء يريد منها المتهِم –بكسر
الهاء- أن ينشغل الآخرون بعيوب
مزعومة بحق المتهَم –بفتح
الهاء- ليستر عيوبه التي فشت حتى
أصبحت من الظهور بحيث يتعذر
إخفاؤها. ويبقى تأثير الاتهامات
هامشيا إذا كانت بين الأفراد،
فإذا تجاوزت حتى أصبحت تقال من
على المنابر وبلسان من يتبوأ
مواقع قيادية، فعندها تصبح
القضية أكبر والاتهام يأخذ شكلا
آخر. وهنا ينبغي التدقيق في ما
يراد من هذه الاتهامات، وهل هي
ردود فعل أم أنها نوع من
الابتزاز.
وإذا
أردنا أن نتحرر من نطاق
العموميات، فإننا نتساءل هنا عن
دوافع الرئيس السوري من وراء
اتهامه بعض القادة العرب، -وإن
لم يسمهم بالاسم- في خطابه الذي
ألقاه في مؤتمر الصحافيين
السوريين في 15آب "أغسطس"
الماضي غداة اتخاذ مجلس الأمن
القرار 1701 ،الذي أعلن فيه وقف
إطلاق النار بين المقاومة
اللبنانية والعدو الصهيوني.
يمكننا
بسهولة أن نلمس الجانب الأهم في
دوافع الاتهامات التي ساقها
الرئيس السوري إذا استحضرنا
العزلة التي يشعر بها حكام
دمشق، خصوصا وأن طهران البعيدة
سرقت منهم الأضواء –ما يعني
أنها لم تترك لدمشق ما تفتخر به
وهي الجار الأدنى- بما كانت
تقدمه من عون مادي، مكّن قوات
حزب الله أن تثبت وأن تفرض نفسها
نداً في معركة، الأصل فيها أنها
غير متكافئة. الجميع يعرف أن
حكام دمشق وقفوا متفرجين في
المعركة إلا من إعلامٍ هزيل
يناطح بقرون من عجين عن نظام
تكشّف عن حقيقة لا تخفى على أحد
بأنه "لا في العير ولا في
النفير". وقد كان بإمكان
النظام لو تحسب لمثل هذه
المعركة من قبل، "فإن العليق
لا ينفع عند الغارة"، لو أنه
فتح الطريق أمام مجموعات سورية
جهادية مسلحة تتسلل إلى ما وراء
خطوط العدو الصهيوني في مرتفعات
الجولان، لكان خفف ذلك من الضغط
على المقاومة اللبنانية، ولكن
شيئا من هذا القبيل لم يحصل لأن
ذلك ليس في وارد النظام منذ أن
هندس "هنري كيسنجر"
اتفاقية فصل القوات في عام 1974 .
ويبقى
أن ما نريده في هذه العجالة ليس
مزيدا من إلقاء الضوء على تخاذل
النظام السوري أمام العدو
الإسرائيلي، لأن الأمر لم يعد
خافيا على أحد، وإنما لنتساءل
لماذا فتح الرئيس السوري النار
على قيادات عربية، كانت إلى وقت
قريب تمد له يد العون لتخفيف
الضغط الواقع على نظامه من
واشنطن؟
النظام
السوري منذ بداياته في آذار عام
1963، كان لا يخفي عداءه لكثير من
الحكومات
العربية،
ولها عنده تصنيفات . فهناك
الأنظمة الرجعية، وأخرى عميلة
لواشنطن، وثالثة عدوة للشعب، ما
جعل نظام حزب البعث معزولا عن
معظم الحكومات العربية. وعندما
أراد حافظ أسد أن ينقلب على
رفاقه البعثيين في نوفمبر 1970
،وقد أدرك خطأ من سبقه، مد يده
لتلك الأنظمة والحكومات ما جعل
الأموال تتدفق على سورية ماساعد
في رفع وتيرة الازدهار
الاقتصادي، وخصوصا بعد حرب عام
1973 .
غير أن
سياسة التقارب التي نهجها حافظ
أسد مع حكومة الملالي في طهران
مع بدء حربها مع العراق، وما
كانت تمثله من أطماع في دول
الخليج المجاورة، جعلت هذه
الدول تتحفظ في علاقاتها مع
دمشق، مما حدا بالنظام السوري
أن يعود لسابق عهده من تهديدات
مخفية وأخرى ظاهرة مهددا بإثارة
القلاقل فيها. ولا تزال أخبار
المتفجرة التي زرعت في مبنى
مجلة "المجتمع الكويتية"
بتدبير ضابط مخابرات مجرم يعمل
بصفة ملحق ثقافي في السفارة
السورية في الكويت عام 1981،
ماثلة في الذاكرة.
فهل
أراد الرئيس السوري أن يذكّر
بأنه يستطيع أن يفعل ما كان
يفعله والده في ثمانينيات القرن
العشرين عندما كان يستعمل سلاح
الابتزاز ملوحا بعلاقته
الوثيقة مع إيران وأنه أراد أن
يشعر القادة الذين غمز من
قناتهم بأنه ليس أقل من أبيه إذا
ما شمر عن ساعديه؟ ما لا يعرفه
المواطن العربي أن النظام
السوري لا يتورع عن الأعمال
التي تعتبر عملا لا تقبله أخلاق
الإنسان العربي. فإذا ما أرادت
دولة عربية أن ترفض مواقف هذا
النظام تجاه لبنان أو غيره وتقف
الموقف الصحيح، فإن أجهزة أمن
هذا النظام تسلط عناصرها
الشريرة على مواطني تلك الدولة
عندما يكونون في زيارة سياحية
إلى بلدهم الثاني سورية.
فقد
كتبت صحيفة الوطن السعودية
الصحفي في 1 أيلول الجاري أن ( )عددا
من السعوديين أمضوا إجازة الصيف
في سوريا شكوا من سوء المعاملة
في سورية.
"وقد
التقت "الوطن" بأربعة
سعوديين خرجوا قريباً من السجون
السورية بعد أن أمضوا 20 يوماً
داخلها.
روى
فواز العنزي ماحدث له ولزملائه
في سوريا وقال: "إنهم بعد
دخولهم دمشق استأجروا شقة وترك
أصدقاءه لإحضار طعام الإفطار،
وأثناء ذلك قابل شخصا سوريا
هاجم السعودية والسعوديين،
مشيرا إلى أن كلام السوري
استفزه وحاول إفهامه أن كلامه
خاطئ فتشاجر معه. وبعد أن فُضّت
المشاجرة، عاد إلى الشقة، ولم
تفت نصف ساعة حتى تمت مداهمتهم
في الشقة واعتقلوا جميعاً، في
سجن الأمن الجنائي لمدة عشرة
أيام".
وقال:
"كانوا يجلدونني على ظهري
ويدي ولا تزال آثار الجلد واضحة
في جسمي وحين لم أعترف تم
تحويلنا إلى سجن دمشق المركزي
المسمى (عدرا). وقال أنهم اضطروا
لدفع أكثر من مليون ليرة سورية
(20 ألف دولار) لافتداء أنفسهم
والخروج من السجن".
مثل
هذه الحادثة كثيرا ما كانت تحدث
في ثمانينيات وتسعينيات القرن
العشرين أيام الرئيس حافظ أسد،
ماجعل الخليجيين يقضون
إجازاتهم في لبنان والأردن. وقد
تحسن الوضع كثيرا مع مجيء
الرئيس بشار أسد إلى السلطة،
فعاد الخليجيون لقضاء إجازاتهم
في سورية لتنوع أماكن الاصطياف
ورخص الأسعار فيها. ولذلك لا
يمكن اعتبار الحادثة أعلاه
معزولة عن الجو السياسي. بل إنها
رسالة إلى من يهمه الأمر، بعد أن
شعر النظام السوري أنه لم يعد
مقبولا بسبب سياساته الخاطئة.
يبقى
أن نقول أن المواطن السوري
يتلفت يمنة ويسرة وهو يعتب من
دون أن يتكلم، وكأنه يريد أن
يقول للزعماء العرب ما قاله
أعضاء مجلس الأمة الكويتي بعد
وضع المتفجرة في مبنى مجلة
المجتمع: "يجب أن يرى رموز
النظام السوري العين الحمرة!".
وقد
قيل في المثل: يا فرعون من
فرعنك؟ قال: تفرعنت ولم أجد من
ينهاني. لقد "تفرعن" النظام
السوري ولم يجد من ينهاه. وما
كان له أن يتطاول لو رأى "العين
الحمرة" في كل مرة يتطاول فوق
قدره.
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|