قراءة
لما بعد حرب لبنان*
ترجمة:
د. عبدالوهاب حميد رشيد
جسّدت حرب الـ 33
يوماً على لبنان ذروة التطورات
في المنطقة، ومن الصعب سبر
غورها دون ربطها بالحرب
الإسرائيلية المماثلة في
الوحشية على غزة أو إغفال حالة
الضعضعة التي يواجهها المشروع
الإمبريالي الأمريكي في العراق.
عليه، يتطلب التحليل الموضوعي
لمضامين حصيلة هذه الحرب أن
يكون شاملاً للمنطقة ككل وليس
قاصراً على لبنان فقط.
أن إنهاء الوجود
السوري وسحب قواتها من لبنان
عام 2005 ترك لبنان مقسماً بشكل
عميق. وتبين قراءات مختارة
لأحاديث إدارة بوش أن الضغط
الأمريكي الذي توافق مع ما يسمى
بـ "ثورة الأرز" قاد إلى
إنهاء الوجود السوري في لبنان
وولادة ديمقراطية "أصيلة."
إن الحقيقة-
الغائبة في أحاديث إدارة بوش- هي
أن الغياب السوري المفاجئ حوَّل
لبنان إلى مزرعة زجاجية في
مواجهة نزاعاتها السياسية إذا
ما استبعدنا احتمالات الحرب
الأهلية.
من جهة أخرى فإن
البيوتات التقليدية ذات
السلطات القوية النافذة تتنافس
فيما بينها من أجل فرض هيمنتها.
كما أن الصراعات الطائفية كانت
ولا زالت اللاعب الأكبر في
تقرير التركيبة السياسية
اللبنانية.
حزب الله أصبح
يُنظر إليه كمصدر إزعاج وسط
المخططات الكثيرة لإعادة بناء
لبنان جديد. والمقاومة المسلحة
القوية، بغض النظر عن التهديدات
الفعلية التي تنذر بالشر، ستضمن
الاحترام السياسي لطائفتها
المعروفة تاريخياً بإهمالها
سياسياً. بينما لوردات الحرب
الأهلية هم أنفسهم يمثلون مختلف
الطوائف اللبنانية وكانوا
جميعاً يتصارعون من أجل فرض
الهيمنة. في حين أن صراعات القوة
المضطربة كانت تعمل تحت شعار
"إعلان الحقيقة" لمقتل
رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان
الأسبق. وفي الواقع كانت
الحقيقة في أوقات عديدة الهدف
الأقل إلحاحاً.
يحتاج حزب الله
إلى تعزيز صلته بالمناقشات
الجارية، خاصة بعد خسارته
لسوريا، الظهير القوي للحزب. من
هنا وبغض النظر عن طبيعة ثمن
الحرب الحدودية مع القوات
الإسرائيلية في 12 تموز/ يوليو-
حيث هزَّت إسرائيل وأوقعتها في
واحدة من أكبر هزائمها- فإن حزب
الله استفاد من هذه الفرصة دون
تحفظ.
دخلت إسرائيل هذه
الحر ب بحسابات مدروسة، وأيضاً
جهَّزت للحرب منذ فترة طويلة،
مع ضمان دعم أمريكي كامل، حيث
انكشفت التدابير الأمريكية
الإسرائيلية المشتركة منذ
اللحظة الأولى من بدء الهجوم
الإسرائيلي على لبنان، ولتدمر
معظم هياكله الأساسية. وهذه
المشاركة أكدته إسرائيل
والجهات الرسمية الأمريكية
مرات عديدة، ووصفها الصحفي
الأمريكي سيمور هيرش في
النيويورك بتاريخ 14 آب/ أغسطس (فوائد
واشنطن من الحرب الإسرائيلية).
كان رئيس وزراء
إسرائيل، المنتخب حديثاً،
بانتظار فرصة لتقوية موقعه
وإظهار نفسه رجل حرب بارع وشديد
القسوة- الوصف المرغوب لأي قائد
إسرائيلي. لكن الإعلام
الإسرائيلي والمعارضة في حزب
ليكود- كانوا ولا زالوا- في شك من
هذا الإدعاء. ومنذ بدء حربه
المفتوحة على الشعب الفلسطيني
عقاباً جماعياً لهم لانتخابهم
حماس في السلطة، فإنها حققت
نجاحاً ضئيلاً. وهكذا كانت
الحاجة إلى هذه الحرب ملحّة من
وجهة نظر القيادة الإسرائيلية. (تأملت
إسرائيل إسقاط حماس أما مباشرة
أو تهيئة الظروف لإشعال حرب
أهلية فلسطينية بخلق الشقاق بين
حماس وبين فتح. لكن هذه الخطة
فشلت أيضاً، بل وقادت إلى مزيد
من التقارب بين المنظمتين
باتجاه محاولة بناء حكومة وحدة
وطنية).
الأكثر من ذلك، أن
جبهة حرب أخرى في لبنان ستسمح
لإسرائيل الإدعاء بالحرب على
جبهتين ضد الإسلاميين "الإرهابيين"،
كما صرّح بذلك العديد من
المتحدثين باسم الحكومة
الإسرائيلية، بل والتوجه نحو
نقطة أبعد، عند وصف حماس "منظمة
القاعدة في مواجهة إسرائيل."
إن اعتماد هذا
المنطق كان أساساً ومبرراً
مطلوباً لدفع إدارة بوش تقديم
العون بدون تحفظ لإلحاق الهزيمة
بأعداء إسرائيل، باعتبار هذه
القضايا متداخلة أو أن منطق
المحافظين الجدد يقول: حزب الله
وحماس يحتلان قمة البرنامج
الإسلامي، كلاهما مدعم من إيران
وسوريا، والجميع يعملون على
تدمير إسرائيل. وهذا منطق بدائي.
لكن مع وسائل إعلام يمينية
منحازة فهي تبرر حرباً أخرى أو
حربين.
على أي حال، أن
منطقهم "الملائم" هذا يعني
الدعم الأمريكي الكامل في كافة
المجالات، أنها فقط خجولة من
المشاركة المباشرة في الحرب إلى
جانب إسرائيل.. "لقد حان الوقت
لشرق أوسط جديد.. لقد حان الوقت
لنقول لهؤلاء ممن لا يريدون شرق
أوسط جديد.. أنا سننتصر." كلام
كوندليزا رايس هذا- في مؤتمرها
المشترك مع رئيس وزراء إسرائيل
بعد أسبوعين من الحرب على لبنان-
يوضح كم أنها متلهفة لاستمرار
المشاركة العسكرية لحكومتها مع
إسرائيل.. لقد أشارت رايس في
كلمتها تلك إلى أن إسرائيل
أصبحت مشتركة رسمياً في نادي
الحرب الأمريكية على "الإرهاب".
لكن الوقت أثبت أن إصرارها هذا
كان خطئاً مكلفاً.
تتحرق الإدارة
الأمريكية المساهمة في أي جهد
لتحقيق أي قدر من النجاح للتهرب
من آثار حصيلة الحرب على لبنان،
وأيضاً لاستثمارها في انتخابات
تشرين الثاني/ نوفمبر القادم،
وذلك في ظروف تراجع تأييد الرأي
العام للسياسات المتهورة
لحكومتهم. إن نصراً في حرب
لبنان، كحرب وكالة ضد إيران،
كان يمكن أن يخدم ذاك الهدف
جيداً.
لذلك لم تكن حرب
لبنان مصادفة.. وفي قناعتي، أن
حرب إسرائيل على لبنان بزعم "الدفاع
عن النفس" كانت مرتبة وبتوقيت
كتغطية لفشل الإدارة الأمريكية
وإعادة نشر قواتها مجدداً في
بغداد، وعودة آلاف الجنود
الأمريكيين إلى هذه المدينة
التي مزّقتها الحرب. هذا في نفس
الوقت الذي كانت الإدارة
الأمريكية تتفاخر بإمكانية خفض
قواتها. وهكذا كانت الحرب على
أفغانستان الزعم الأمريكي
الوحيد بتحقيق النصر على "الإرهاب".
ولكن حتى هذه الجائزة تبخّرت
تدريجياً.
رغم الحرب
البلاغية لما بعد صدور قرار وقف
إطلاق النار (1701)، فقد كان من
الواضح أن إسرائيل فشلت
عسكرياً، ولأول مرة، إلحاق
الهزيمة بالعدو العربي (غير
الرسمي). أكثر من ثلاثين ألف
جندي إسرائيلي مجهزين بأحدث
الأسلحة الأمريكية فشلوا في
إلحاق الهزيمة بي 1200 من مقاتلي
حزب الله بأسلحتهم الخفيفة. كيف
ستؤثر هذه الهزيمة التاريخية في
نفسية الإسرائيليين.. هذا متروك
للمستقبل.. ولكن قلقي شديد على
الفلسطينيين الذين سيواجهون
المحرقة الإسرائيلية كمحاولة
من الإسرائيليين لإعادة الثقة
بأنفسهم.
في ظروف مناقشة
مكثفة بالعلاقة مع سياسة
الإصلاح وإعادة البناء في
لبنان، يظهر أن هناك مسألة مهمة
لم تؤخذ في الاعتبار بعد:
العلاقة بين حرب لبنان وبين
المستقبل الحقيقي للشرق الأوسط.
إن الخديعة التي كانت تحاول سحق
المشروع الوطني وضمان
ستراتيجية السيطرة الأمريكية
والإسرائيلية في المنطقة قد
حصلت على ضربة شديدة أخرى في
لبنان..
ـــــــــــــــــــ
* Ramzy Baroud, “A reading
into post-
Lebanon
war”, Aljazeera.cim- 30
August 2006.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|