معاناة
الأسرى المحررين
في
سورية
د.
محمد المحمد /سورية
هل هذه هي الحرية
التي كنا نتوق إليها طوال عقود
من الأسر.......... هل هذا هو
المجتمع الذي تركناه أم تراهم
قد غيروه أثناء غيابنا .......... هل
المطلوب منّا أن نقدم للمجتمع
أم أن المجتمع يجب أن يقدم لنا
العون...... هذه الأسئلة التي تفيض
مرارة تدور بتفكير كل أسير سوري
محرر سواءً أكان من سجون النظام
أو من سجون إسرائيل فقد صُدمنا
جميعاً من مأساة الأسير السوري
المحرر هايل أبو زيد الذي قضى
أكثر من عشرين سنة في سجون
إسرائيل نتيجة إهمال أسرى
الجولان المتعمد و عدم إيلائهم
أي أهمية و لو كان ثمنها كيس من
عظام الجاسوس الإسرائيلي كوهين
الذي لا زالت إسرائيل تسعى
لاستبداله بكل الأسرى السوريين
لديها بل و حتى فوقهم بأسرى
فلسطينيين من ذوي الأحكام
الثقيلة كما أخبرنا بذلك هايل
أبو زيد نفسه قبل استشهاده. و
أضافت صحيفة تشرين للسجل الأسود
صفحة جديدة من خلال ما لفَّقته
على لسان الأسير و تزوير
المقابلة التي أجرتها معه بأخرى
من تأليف أحد عناصر الأمن حتى
تكتمل المأساة و وسط هذه
المعاناة لا ينسى الأسير بقية
رفاقه الأسرى الجولانيين و يضع
أمانتهم في عنق كل السوريين قبل
أن يلاقوا المصير نفسه الذي
لاقاه هو حيث أفرج عنه قبل أن
يموت في الأسر كما أكد الأطباء
الإسرائيليون و هو ما حدث
بالفعل ليعيش أيامه الأخيرة في
أرض لا تزال محتلة كما تركها بل
و استوطنها الآلاف من اليهود
بعد أن تأكدوا بأنه لن ينغص
عليهم أحد احتلالهم للجولان بعد
هايل أبو زيد و مجموعته التي
ستبقى في سجون إسرائيل حتى تلقى
نفس المصير الذي واجهه هايل أبو
زيد . و طالعتنا الصحافة السورية
قبل فترة و جيزة عن معاناة
الأسير السوري الحلبي الذي
أفرجت عنه إسرائيل ضمن عملية
تبادل الأسرى مع حزب الله و هو
يشكو للصحفي الذي أجرى معه
اللقاء عن أنه لا زال بعد عام من
فك أسره عاطلاً عن العمل و لا
يجد ما يقوم بأوده و يطلب من ذوي
النفوس الكريمة مساعدته بأي عمل
كان فهو مستعد لكل شيء. أما
معاناة الأسرى المحررين من سجون
النظام القمعي فلها نكهة أخرى
نكهة ممزوجة بالحقد الذي لم
يشفي غليله بعد كل هذه العقود
فمازالوا يعانون من القمع حتى
بعد تحررهم فهم أولاً مجردين من
كل الحقوق المدنية و ممنوعين من
السفر و مراقبين في كل تحركاتهم
و فوق ذلك كله فعليهم مراجعة
الفروع الأمنية بصفة دورية و
بشكل دائم و هناك يقعون تحت
الابتزاز و التهديد بالاعتقال
مجدداً إذا لم يتعاونوا مع
الأجهزة الأمنية التي تطالبهم
بأن يتحولوا إلى عناصر مراقبة و
كتّاب تقارير على كل من يحيط بهم
باعتبار أنهم محط ثقة و تقدير
الناس و كثيراً ما نفذت الأجهزة
الأمنية تهديداتها و أعادت
اعتقال من أمضى عقوداً في سجن
تدمر الرهيب غير عابئة بالحالة
التي وصل إليها الأسير بعد كل ما
مر به. و إذا نجى الأسير المحرر
من كل ما سبق فإنه لن ينجو
بالتأكيد من متطلبات الحياة
فإذا كانت نسبة البطالة و الفقر
في سورية تتجاوز الثلاثين في
المائة من القادرين على العمل
فما بالك بوضع هؤلاء الضحايا
الذين احتجزوا لعقود طويلة
بمعزل عن العالم الخارجي تحت
أقسى ظروف التعذيب ثم يطلب منهم
الآن الخروج للعمل و كسب لقمة
العيش و كثيراً منهم قد تمت
مصادرة أملاكه عند اعتقاله
ليخرج و يرى بيته أو سيارته
مملوكة من هذا العنصر الأمني أو
ذاك و بعضهم أُجبر قبل الإفراج
عنهم على التوقيع على أوراق
تعهد ألّا يطالبوا بممتلكاتهم
المصادرة بالإضافة لكل ما سبق
يخرج الأسير ليرى زوجته التي
انتظرته بضع سنوات و لم تسمع عنه
خبراً قد تزوجت و أن أولاده قد
شبوا و كبروا من دون معيل و لا
رعاية لتتحول لديه الأحلام التي
كانت تراوده بالحرية أثناء
الأسر إلى كوابيس يتمنى من
هولها لو أنه استشهد مع من
استشهد أو انه لم يخرج من سجنه
أبدا.ً هذه بعض من صور المعاناة
المتعددة و التي لا يحيط بها
مقال و لا كتب الأرض كلها و لكنه
تبقى رمز من الرموز الحية في
واقعنا المزري الذي و صلنا إليه
و الذي يكشفنا أمام ذواتنا
فكلنا مسئولون و كلنا مقصرون
لأن معاناتهم ليست في إطار
العرف البشري بل هي صورة لا
تتكرر في التاريخ إلا نادراً و
نحن مسئولون باعتبارنا
عاصرناهم و لم نقدر أن نقدم لهم
شيء و لكن عزاؤهم أنهم سيأخذون
حقوقهم كاملة من كل من سمع بهم
ولم يساعدهم (من عند من لا تضيع
عنده الحقوق). و لا عزاء لنا
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|