الاعتصامات
البرلمانية
دكتور
عثمان قدري مكانسي
أعلم أن عمل البرلمانيين أينما
كانوا متابعة الحكومة
وسن قوانين وتشريعات تسدد
العمل وتفرض النظام وتخدم
المواطن . كما أنها تشرف على
السياسة العليا تقنيناً
وتنفيذاً .
وكلما كان البرلمانيون الذين هم
منظم الحركة وبرج المراقبة في
البلاد حكماء شرفاء ، للبلاد
أوفياء
، لا للحاكم المستبد عملاء ،
وصلوا إلى البرلمان بدعم ممن
انتخبوهم لبرامجهم التي يعلنون
عنها في خدمة الأمة كانت الأمة
بخير . فهم الضمائر الحية
يسددون ويقاربون ، وينبهون
ويحاسبون .
قال صاحبي معلقاً : هذا ما ينطبق
على أعضاء مجلس شعبنا السوري
الموقر تمام الانطباق ، فقد
انتخبهم الشعب بعد أن زكاهم
الحزب وحده – فهو الترمومتر "
الحساس" في
العملية الانتخابية – ورضي عن
تزكيتهم القائد الفذ ابن القائد
الملهم ! ولا تنس أن لهم مكاناً
في قلب دمشق يلتقون فيه اسمه "
مجلس الشعب " – وما أكذب
المسميات – يناطحون فيه
القرارات التي تلقى إليهم !
ليوافقوا عليها بعد النطاح .
ويستطيعون بسهولة ويسر رفع
أيديهم ليوافقوا على التعليمات
التي تنزل عليهم كأنها الكتاب
المنزّل . وإذا أُمروا أن ينبحوا
على من يغضب عليه صاحب الأمر
والنهي اجتمعوا له وأمطروه
بوابل الشتائم و" مكتشَف "
العبارات الأدبية . ويركبون
لهذا الأمر السيارات الفارهة ،
وينالون الرواتب المجزية التي
يسيل لها اللعاب فيتنافسون في
نيل الرضا ليستمروا في هذا "
المركز العلي والقدر البهي " .
ورحم الله الشاعر حين وصفهم بما
يناسب أقدارهم الكريمة ، فقال :
وطن تحيرت العبـيـد لذلـه
وأذل منـه رئيـسه والمجلـس
ُ
في كل كرسي تسنّد نائب
متكتّف،أعمى،أصم، أخرسُ
لا بل هؤلاء ليسوا خرساً لأن
أصواتهم تملأ المجلس في كيل
المديح للسيد العبقري وليسوا
متكتفين لأنهم يقومون قومة رجل
واحد للتصفيق ويجلسون
بخلفياتهم الواسعة جلسة واحدة
تكاد تكسر الكراسي لشدة الهبوط
عليها , وليسوا عمياً لأنهم يرون
من يأمرهم بالوقوف والجلوس
والتصفيق والحركة والسكون .
وقيل – والعهدة على الراوي –
إنهم مُبرمجون وبالتالي تنطبق
عليهم بحق الصفات التي دمغهم
بها الشاعر ، فلا نقف عند هذا
كثيراً!.
نشرت البيان الإماراتية في 06 -09-006
أن أعضاء مجلس الشعب السوري
نظموا اعتصاماً قبل يوم من نشر
الخبر في مقر المجلس في دمشق
تضامناً مع أعضاء مجلس النواب
اللبناني احتجاجاً على الحصار
الذي تفرضه إسرائيل على لبنان ،
واستمر الأعضاء البالغ عددهم 250
نائباً معتصمين ثلاث ساعات .
فإذا كانت المقاومة اللبنانية
صمدت أمام العدو الإسرائيلي
بإمكاناتها العسكرية المحدودة
– فهي مهما كبرت لا تعدو أن تكون
ميليشيا – أربعة وثلاثين يوماً
حق لها أن تنتقل إلى المقاومة
السلمية ، وهذا غاية ما تستطيعه
دولة صغيرة مثل لبنان أفما كان
ينبغي أن يفعل الجيش السوري
الذي كان سادته يجهزونه على مدى
أربعين سنة للتوازن
الاستراتيجي مع العدو فمصوا
دماء الشعب وملأوا خزائنهم
بالمليارات – فالتوازن عندهم
كما يبدو مع الشعب المصابر ، لا
مع العدو الإسرائيلي – أن
يحاربوا مع اللبنانيين في جبهات
متعددة لأسباب عدة : منها المصير
العربي الواحد والأخوّة
القومية ، والممانعة ضد مخططات
العدو ، وأن سورية ولبنان شعب
واحد في بلدين ، ثم المعاهدة
الدفاعية المشتركة بين البلدين
الشقيقين ، إلى آخر هذه
الشعارات التي ثقبت آذاننا ولم
يكن لها نصيب في الواقع سوى
الدجل على الشعوب المدجنة
المقهورة .
وذكرت
القدس العربي في موقعها يو 07-09-002
" أن الحدث الابرز في
الاعتصام النيابي في يومه
الخامس كان زيارة وفد سوري
للتضامن مع مجلس النواب
اللبناني، وقد ضمّ الوفد رجال
دين مسلمين ومسيحيين وستة نواب
من مجلس الشعب أثارت زيارتهم
حفيظة قوي 14 آذار الذين يشكلون
أكثرية المجلس النيابي. وقد
تداول أقطاب 14 آذار في الخطوة
اللازمة للتعامل مع هذه الزيارة
بعد اتهام الرئيس السوري بشار
الاسد لها بأنها منتج اسرائيلي
، وخلصت بعد مشاورات جرت بين
رئيس كتلة المستقبل النائب سعد
الحريري ورئيس اللقاء
الديمقراطي النائب وليد جنبلاط
ورئيس الهيئة التنفيذية في
القوات اللبنانية سمير جعجع الي
الاتفاق علي الانسحاب من الجلسة
النيابية في حال مشاركة الوفد
السوري فيها ".
وقالت
نشرة القدس العربي : "صرّح
الناطق باسم الوفد السوري
النائب محمد حبش أننا جئنا الي
نصف العائلة الثاني!، وجئنا
برسالة محبة وتسامح من الشعب
السوري ! " ... والشعب السوري
محب ولا يحتاج إلى مثل هذا
التهريج الممجوج والتمثيلية
المكشوفة .
ولم
يخجل ممثل النظام السوري من
كذبة واضحة وضوح الشمس حين قال
:" ولسنا نمثل جهة رسمية " .
.. ولعلنا نسأله : أكان يجرؤ أن
يتحرك إلى لبنان دون تلقي
الأوامر من أسياده في دمشق بهذا
التحرك؟....
ثم
تمادى في وقاحته حين لم يجد
آذاناً صاغية من النواب
اللبنانيين فأعلن أن الوفد
سيتجه إلى الضاحية الجنوبية ليتلقى
وصحبه درساً في المقاومة...
فلماذا لم يتلقوا هذا الدرس
والحرب قائمة واللبنانيون
يصطلون بنارها؟أم إنهم يريدون
درساً نظرياً ، ولا يريدون غير
ذلك؟! .
لم يجد النظام السوري سوى
المظاهر الخداعة كهذا الاعتصام
الهزيل وتلك الزيارة المفضوحة
مما يدل على أمور عدة منها :
1- ضعف النظام السوري
وتهالكه في كل المجالات أمام
الصلف الإسرائيلي المتعجرف .
فقد أضاع الورقة اللبنانية حين
خرج من لبنان ، ثم أعلن العداوة
للاكثرية اللبنانية ، واتهمها
بالعمالة لإسرائيل فوصفها
بأنها " منتج إسرائيلي " .
2- الفراغ الذي يعيشه النظام وتخبطه في
تصرفاته غير المدروسة .
ومعاداته للعرب الذين أيدوه
وساندوه ضد شعبه وتوسطوا له
مراراً أمام الدول العظمى ليظل
جاثماً على صدر أمته .
3- الاهتمام بالمظاهر المكشوفة التي زادت
النظام تعرية وانكشافاً أمام
شعبه والشعوب الأخرى . فأكثرَ من
المؤتمرات للأحزاب العربية
والنقابات ، وما إلى ذلك
محاولاً دون طائل إخفاء ضعفه
وهزاله . وحاكى بذلك سلفه
العراقي الذي يسير على طريقه
بالخطوات نفسها التي قادته إلى
السقوط!.
4- إفلاس النظام عسكرياً، فهو أعجز أن يقف
أمام إسرائيل على الرغم أن
الجيش الإسرائيلي تعثر بشدة
أمام المقاومة اللبنانية ولاقى
الويلات ،
5- ثم إن إسرائيل لا ترى من المسار السياسي
مع سورية أية فائدة ، فلماذ
تعطيه الجولان ، والجولان هادئة
منذ أكثر من ثلاثين سنة ،
والنظام يعلن في كل حين أنه لن
يحرك المقاومة فيها لأن بينه
وبين اليهود هدنة لن ينقضها ولو
نقضتها إسرائيل مرات عدة .
6- وصار ورقة بيد الإيرانيين بعد أن كانت
إيران ورقة بيده ، فانتقل من
الحركة الفاعلةالمؤثرة
إلى التبعية والدور المنفعل
المتأثر .
قالت إحدى النائبات
السوريات موجهة كلامها للشعب
اللبناني " نحن شعب واحد ،
ونحن معاً دائماً في كل المحن
وكل الأزمات ..."
لا شك أن الشعب واحد من
المحيط إلى الخليج ، وتفاعل
الأمة العربية كان إيجابياً مع
لبنان لكن الحكومات لها شأن آخر
، وأبعدها عن شعبنا في لبنان هو
النظام السوري الذي تخلى عن
نصرته إلا بالشعارات وتوريد
السلاح الإيراني بخجل وخوف ،
ولم يجرؤ على الدخول بقوته
العسكرية في الحرب ، فضيع عليه
وعلى اللبنانيين فرصة اعترف
العدو أنه كان فيها ضعيفاً . ثم
قلب الانكفاء إلى الداخل
اللبناني أمام الآلة
الإسرائيليى نصراً مبيناً !.
وطالبت النائبة النواب العرب أن
يتفرغوا إلى المظاهرات
والاعتصامات ليحرروا البلاد
بها من العدو الإسرائيلي !،
ففرغت مهمات المجالس
البرلمانية من محتواها المؤثر
لتكون مهرجانات واعتصامات
باهتة لا تغني ولا تنفع .
المجالس
البرلمانية هي التي تصنع
الأحداث في الدول التي تحترم
نفسها ، وليست كما هي في واقعنا
المخزي أدوات للتهريج ، ويكورات
ليس فيها سوى التطبيل والتزمير
للحاكم الديكتاتور الظالم .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|