ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 09/09/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

قُـدار بـن سالـف

باريس في ذكرى 11/9/2006

سلمى السهروردي

في الذكرى السنوية 11/9/2006 أهديها إلى عشرات الألوف من الرجال والنساء والأطفال الذين طحنتهم رحى الإثم والذريعة على ضفتي العالم..

*   *   *

إنما يدين العاقل، حين يدين، الأفعال لا الأشخاص. فلدى كل شخص من المعاذير ما يدفع به عن نفسه، وإن أثم فعله. و التفكير معاناة لمعرفة الحقائق واستباق النتائج، وهو الذي أطلق عليه الكتاب العزيز: (التدبر)، ثم لا يشترط في المشبه أن ينطبق في كل جزئياته على المشبه به.

سلمـى

عندما كتبت (هملت) منذ أكثر من شهر، كنت قد جسدته لضعفه وخوفه وتردده في شخص واحد. شخص يحكم وطني بضعفه وخوفه وتردده. وتشتبك شخصيته مع شخصية هملت في أمور كثيرة من حيث الصورة والمعنى. لقد كان هملت بالنسبة إليّ فرداً واحداً.

وعندما أكتب اليوم، على سبيل استنساخ الموقف أو السلوك، (قُدار بن سالف) أجد أمامي العشرات من الأشخاص يغدون ويروحون: رؤساء وقادة ومسؤولون وزعماء كل منهم يمثل (قدار بن سالف) أو يمثله قدار. منهم (جساس التغلبي) قاتل كليب، أو (حمل بن بدر الفزاري) أو (قيس بن زهير بن جذيمة العبسي) صاحبا داحس والغبراء.

تجربة (قدار بن سالف) أو جنايته تستحق المزيد من التجرد والمزيد من التأمل، وتحتاج أيضاً قناطير من الحكمة الشرعية والعقلية ليدرك الإنسان أين ينتهي الأبيض ويبدأ الأسود في ذاك الأديم الرمادي المتماوج كليل امرئ القيس طولاً وتذبذباً؛ فلا تكاد تنطق بكلمة (حق) حتى يطل عليك (الباطل).

*    *    *

وعندما كتبت هملت وصلتني رسائل كثيرة من قراء أعزاء بعضهم طالبني بتقديم تعريف موجز بهملت واعتبروه رمزية (غربية) لا يصح أن أعتمد عليها في خطاب مشرقي!! بعضهم قال إنهم لم يسمعوا به من قبل!! وقال آخرون إنهم سمعوا بهملت ولكن سماعهم لم يكن ليعينهم على تتبع المقاربات بين الشخصيتين في مواقفهما أو في سلوكهما..

الذي أغراني وأطربني أن أحدهم كتب إليّ يقول: لقد اضطررت أن أعيد قراءة هملت لأستمتع بالمقال ولأدرك بعض المقاربات الواردة فيه!!

لا بد أن الذين لا يعرفون الكثير عن رائعة شكسبير سيعز عليهم اقتناص وجوه الشبه الحقيقي بين الأمير الدنماركي الغابر وبين الفتي الذي يتسلم اليوم مقاليد الأمور في قصر الشعب في دمشق. ولن يملأ الخوفُ قلوبهم من كأس السم الأخيرة التي دارت على الجميع. ولعل هذه الخاتمة الفاجعة التي شملت كل الشركاء المتشاكسين من حبيبة وأم وعم وخصم هي معقل الخوف الذي أخاف على وطني. والتي كانت مناط كل المقاربات التي دندنت حولها: حين يكون الربان ضعيفاً خائفاً متردداً مثل هملت أو مثل بشار سنهلك جميعاً!!ً

ولكن هملت بحق هو شخصية عالمية، وأقصد بالتحديد شخصيته الفنية التي أبدعها شكسبير، لا شخصيته التاريخية المتمثلة في فتى دنماركي طوى التاريخ من هو أكثر منه شهرة وأثراً في الحياة الإنسانية. وعندما أقول إن (هملت) شكسبير شخصية عالمية فلا أظنني مطالبة أن أقدم تعريفاً به للقارئ المعاصر. وأعتقد أنه ينبغي أن نتوقف عن تملق ذواتنا، والاعتزاز بكسلنا!! لقد تجاوز كسل القارئ كسل ربة البيت العصرية في حرصها على تغذية أبنائها بالحليب المعلب والوجبات السريعة!! يجب أن ندد بكسل القارئ الذي لا يقرأ، والقارئ الذي غان الكسل على قلبه وران!!

وعلى ذكر (الغين) و(الران) لا أجدني أيضاً مضطرة للاستجابة إلى مطالبات كثيرة تصلني بأن أرفق مع كتاباتي شرحاً لبعض الكلمات. بل من واجب القارئ أن يضع بين يديه (المنجد) أو (المختار) أو حتى (المحيط) إذا شاء؛ ليسد ثغرة في دائرة معرفته اللغوية الأولية. وأشدد على (الأولية) لأنني مع فتنتي اللامحدودة بلغة العرب، وبجمال عرائسها، وهيامي بما ينسدل على ردفيها من جدائل، أو يلتف حول صدغيها من واوات عذبة.. لا أستخدم غريباً ولا حوشياً من الكلام؛ فأنا على مذهب الأول في رفض الحيزبون والدردبيس والطخا والنقاخ والعطلبيس.. ولست بالتي تقول للحِبّ يا عِلقُ حتى يظن نفسه أنه الحبيب النفيس.

معجمي، وهذا ما أحرص عليه وأطالب بالارتقاء إليه، إما لفظة قدسها الكتاب العزيز، أو شرفها الحديث الشريف، أو دمّثها كلام الأدباء وطوعها لأقلام الكاتبين.

بدأت من (الغين) و(الران)، ولن أملك للقارئ شيئاً إذا كان لم يقرأ في سورة المطففين (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) وتأكد من ضرورة السكتة اللطيفة بين (بل) و(ران).. وأما الغين، وهو خلاف الحرف المعروف، فهو ما أشار إليه الحديث الشريف (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم مائة مرة). الغين إذاً بعض المعجم النبوي، وهو ضيق أو غم يخيم على النفس، فيكون حالاً، وتفصيل علم الأحوال تجده في كتب أصحاب الذوق.

وبعد هذا الإفضاء حول العديد من رسائل القراء، التي قلما أجد الفرصة للتعامل معها، مع أنني أستفيد من كل حرف يرد فيها؛ أعود إلى (قدار بن سالف).

وقدار بن سالف مع أنه شخصية تراثية عربية وإسلامية فإنني أراه بحاجة إلى التعريف أكثر من هملت!! سأقدم للقارئ (قدار بن سالف) في نسخته الأولية. لأساعده بعد ذلك ليتقراه في أكثر من وجه في عالمنا المعاصر الذس نعيش.

(قدار بن سالف) هو أشقى ثمود، بل هو أشقى الأولين على ذكر بعض المفسرين. وهو الذي أشار إليه القرآن الكريم بقوله (كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها، فقال لهم رسول الله ناقةَ الله وسقياها، فكذبوه فعقروها، فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها، ولا يخاف عقباها).

وقدار بن سالف هذا هو الذي أشار إليه زهير بن أبي سُلمى بضم السين، وليس سَلمى على اسمي، فأخطأ به المُزَني فنسبه إلى عاد، أو قيل هو على وجه البدل بين عاد وثمود لشدة المقاربة بينهما في أذهان العرب. فقال متحدثاً عن الحرب ضارباًَ المثل به:

وما الحربُ إلا ما علمتم وذقتمُ       وما هو عنها بالحديث المرجم

متى  تبعثوها  تبعثوها   ذميمةً         وتضر إذا  ضريتموها فتضرم

فتعرككم عرك  الرحى  بثفالها        وتنتج كشافاً ثم  تلقح فتتئم

فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم        كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم

أشقى الأولين على قول، أو أشقى ثمود على آخر، أو أحمر ثمود على ثالث هو الرجل الشؤم على قومه الذي عقر الناقة وأعرض عن التحذير الرباني (ناقةَ الله وسقياها) بل دفعه الكبر والتجبر والشقاوة إلى ترك التفكر بالعواقب والتعرف إلى النتائج. (وللفعل) قبل أن يقدم العاقل عليه فيما أقدر زمامان نية أولية تصلحه (إنما الأعمال بالنيات) ثم تدبر لإدراك المآلات تحصد جناه (إنما الأمور بخواتيمها).

قدار بن سالف، واحد من الرهط التسعة من قومه الذي وصفهم القرآن الكريم (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون) فعتوا عن أمر ربهم وعقروا الناقة.. ولا يشترط العتو عن أمر الله للتجسد في صورة قدار بل قد تكون اللامبالاة واختلال التفكير والاستهانة بدماء الناس وأعراضهم وعذاباتهم بعض المكون لهذه الشخصية العجيبة. وقد يمعن صاحبها أكثر بالاختلال فيكون مثل نيرون يتدفأ على لهب روما التي تحترق!!

وسندرك حقيقة من حقائق الإعجاز حين سنتلمس الانفعالية والتلقائية والمباشرة في قوله تعالى (إذ انبعث أشقاها..). انبعث من غير تفكير ولا تدبير ولا روية. انبعث طفرة كما ينبعث الماء من ماسورة مكسورة. وأختلفُ مع المفسرين في أن الانبعاث هنا انبعاث (مطاوعة) أي أن قومه بعثوه فانبعث، والذي أتذوقه أن الزيادة زيادة توكيد وتمكين وليست زيادة مطاوعة. وأنه اندفع مع رهطه الثمانية إلى فعلتهم ممتطين الحماقة لا يلوون على شيء.

لقد كان طغيان ثمود أعم وأطم، ولكن عقر الناقة، كان القشة التي قصمت، وليس الأشقى دائماً هو الذي يرتكب الجريمة المنكرة مباشرة، بل ربما يكون مختبئاً وراءه مزخرفاً أو موسوساً!! والجريمة المنكرة أحياناً شرر يقود إلى الحريق فيأتي على الأخضر واليابس، أو حسب آيات الكتاب العزيز فيهلك الحرث والنسل.

لا أنقطع في هذا السياق عن مراجعة ذاتي في موقفي من فتاوى بعض الفقهاء، فتاوى كنت أطلق عليها اسم الفتاوى الصفراء!! وكنت أسمي الفقه الذي قامت عليه الفقه الموطئ لأصحاب السلطان.. كنت أتمثلها دائماً في تسويغ قواعد الاستبداد وتهوين آفاق الذلة، وأسمعها على لسان الغزالي صاحب الإحياء (مئة عام من ظالم ولا ساعة فتنة..). كنت  أقول مثل هذا وطّأ لبني مروان وبني العباس وبني عثمان المنابر، وألقى على أكتافهم (البردة) وأسلم إليهم (القضيب). لم أكن أصغي إلى ما يردده أبو حامد بأنه في ساعة الفتنة يستحل من الدماء والأعراض والأموال ما لا يستحل في مائة عام من الظلم!! حتى كان ما يجري أمام أبصارنا في أفغانستان أو في العراق أو في لبنان، فجعلني ذلك أراجع كل المسلمات التي كانت قائمة في ذهني.

ولكنني مازلت أتساءل هل زار أبو حامد الغزالي (غوانتانامو) أو (أبو غريب) وهل تفيأ ساعة واحدة سلطان (التكريتي) و(القرداحي)، ولا أقصد بالقرداحي طبعاً (J.K)، وإنما أقصد من أنسبه لبلدته الصغيرة لأعفي دائرته الأوسع من تبعاته.

وكم أتمنى على من يتهم دائرته الأوسع به، أن يسير في الأرض كما أمر الكتاب العزيز (قل سيروا في الأرض فانظروا..) وأن يجوس خلال الديار، أي أن يتخلل الجزئيات، ويغوص على الحقائق ليدرك غير ظاهر العلم، وليرى أزاهير الظلم وثمار الفقر.

يبدو أنني ذهبت بعيداً عن حالة الانبعاث المباشر التي أردت أن أؤكد عليها، والتي تحضرني اليوم في مشاهد عديدة لا يشترط في أصحابها سوء النية، ولا الشقاوة ولا طلب الفساد في الأرض، وإنما الذي يجمع بينهم وبين أحمر ثمود هذا الانبعاث التلقائي الذي يتجنب التفكير والتقدير والموازنة.. فيقود فاعلهم أو فعله إلى أبواب من المنكر والفساد لا طاقة لهم بها. كمن يهدم سداً ويعجز عن حجز ما خلفه، أو يخرق خرقاً يعجز عن رتقه.

ما جرى في لبنان، وما يجري في العراق، ولما كان من أمر نزيل تورا بورا من قبل، وما تسبب به (غازي الكويت) لنفسه ولوطنه ولأمته يفسر ما أريد أن أقول. وكلما تعمقت في الأحداث حولك رأيتكَ ترفع أصبعك لتشير إلى قدار (الأشقى) أو قدار (الأحمق).

وحين تسمع من بعض القوم أحاديث النصر فعليك أن تعلم أن النصر شيء آخر غير الرغاء، وغير أن تمنح العدو كتفيك ثم تنادي على نفسك (ما أصبرني على اللطم..). فملحمة اللطم هذه التي شهدناها مراراً على أرض العراق وعلى أرض لبنان لا يمكن أن تماثل لطماً بكربلاء. والقبول بالقرار /1701/ لا يمكن أن يكون نصراً، والنزول على حكمه عين الهزيمة وإن عظمت التضحيات.

قدار بن سالف الجاني على قومه مرّ على أفغانستان وعلى العراق وعلى لبنان وعبث طويلاً بمرابع (الزباء) يجوس بين أطلالها ولا أزيد!! نادى عليه المهلهل بن ربيعة التغلبي في شخص (جساس) قاتل كليب، من أجل ناقة أخرى اسمها (البسوس) ولم تكن البسوس في قدر ناقة صالح ولا قدسيتها، ولكنها كانت ناقة مثلها. كان عاقر البسوس قد افتتح باب الشر وجاء قاتله ليكسر هذا الباب.. سيظل نداء المهلهل يتردد في أذنيك:

يا أيها الجانـي علـى قومـه      جنايـةً  ليـس لهـا بالمطيق

جناية لـم يـدر مـا كنهها       جان، ولم يصبـح لها بالخليق

كقـاذف يـوماً  بأجرامـه        في هُوّة ليس  ها مـن طريق

من شاء ولىّ  النفس في مَهْمَه        ضنك ولكن مـن له بالمضيق

إن ركوب  البحر ما لم يكن         ذا مصدر من مهلكات الغريق

إنها الجناية التي تقود إلى النهاية. أو البداية الحمقاء التي تحصد الموت والخراب والذل. إنها صعلكة السياسي، وفتك أمير جماعة، ينجو بنفسه، ويحمل الناتج أطفال أفغانستان، أو أطفال العراق، أو أطفال قانا. والفاتك وحده هو الذي لا ينظر في العواقب. الفاتك مَن:

إذا هم ألقى بين عينيه همـه      ونكّب عن ذكر العواقـب جانباً

تلك سجايا الفتاك والصعاليك. والصعلوك لا يعني الرجل الفقير الذي لا شيء له فقط، وإنما يعني أيضاً الرجل المنخلع من قومه المتفرد في رأيه وفعله؛ لا يتحمل قومه جرائره، ولا يطالبون له بدم ولا قود. ولكنني لم أعلم حتى اليوم أن قانون بادية العرب أصبح من بعض القانون الدولي الذي تلتزم به الحكومات والشعوب!!

قدار بن سالف والرهط الثمانية الذين كانوا معه لم يفكروا في عاقبة فعله، مضوا إلى غايتهم شفاء لنفوس مأزومة خلّفت لقومهم ويلاً وثبوراً، شفى صدام حسين نفسه من أمير الكويت ثم كان ماذا؟! واستمتع المنفردون أو المنخلعون في جبال تورا بورا بمشهد البرجين يتهاويان، ورأوه رومانسياً على فاجعيته، ثم كان ماذا؟! وصدق حسن نصرالله الوعد باختطاف الجنديين الصهيونيين ثم كان ماذا؟!

كان كل الذي رأيناه ونراه على شاشات الفضاء؛ سالت أنهار الدماء، وتقصفت سنابل ذهبية واعدة تحت سنابك نورج قاس لا يرحم. وكان وراء كل واقعة (قدار) بقدره، قدار بحسن نية، وآخر بسوئها. وحده كليّ العلم، كليّ القدرة، كليّ الحكمة الذي لا يخاف تبعة أحد.. وهو، جل شأنه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون..

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ