رب
يوم بكيت منه ... ثم بكيت عليه
الطاهر
إبراهيم*
قلةٌ
من الحكام العرب من نظر إلى ما
بعد صدام حسين في العراق بعد أن
أصبح زواله من الحكم -حسب
اعتقادهم- هو الحل لمشاكل
المنطقة. وقلةٌ من العرب من توقع
ما سيحصل بعد اجتياح القوات
الأمريكية للعراق في نيسان 2003 .وإذا
كان كثير من العراقيين كانوا
يتطلعون إلى اليوم الذي يرون
فيه نظام صدام حسين وقد قذف إلى
الجحيم، وكأنهم
كانوا يحملونه على ظهورهم،
فإن القليل منهم من توقع ما يحصل
في العراق الآن.
الآن
وقد زال حكم صدام وتخلص منه
هؤلاء وأولئك الذين ذكرناهم،
وغيرهم كثير. فهل يأتي عليهم يوم
يتمنون فيه أن لو كان صدام –على
عُجَرِه وبُجَرِه- قد بقي في سدة
السلطة ولا يرون هذا الهرج الذي
يحصل من بعده، حتى ليقول أحدهم:
"دعوت
على عمرٍو فمات فسرني ..... وعاشرت
أقواما بكيت على عمرو"؟
يقول
معارضو نظام صدام حسين: إن من
عارض صدام حسين كان مصيره إما في
المقابر الجماعية أوفي أحسن
أحواله سيعتقل، ولا يدري أهله
إن كان سيعود إليهم أم يقضي داخل
المعتقلات. غير أن الذين
كوَتْهم نار الفتنة يقولون إن
الذين كانوا لا يعارضون صدام
كانوا في مأمنٍ مما أصاب غيرهم،
ومن سالم سلم. أما في هذا الوقت،
فلا يستطيع أحد أن يجزم أنه
سيكون بمأمنٍ من القتل، أكان مع
السلطة أو كان ضدها.
فالعسكري
أو الشرطي أو موظف الحكومة يودع
أهله صباحا، وهو يعلم أنه قد
يأتيه الموت ،من حيث يدري ولا
يدري، داخل حافلة نقل تقله
جاءتها قذيفة قاصدة أو طائشة.
فإن سلم، فربما لن يسلم من سيارة
مفخخة، أو يقودها انتحاري كما
يزعم أنصار السلطة في بغداد. وقد
لا يكون من الموالين ولا مع
المعارضين. أما إن كان انتمى إلى
حزب البعث أومن أهل السنة فقد لا
يأمن "فِرَق الموت" التي
زُعِم أن وزارة الداخلية
أنشأتها لتصفية البعثيين أو من
يشتبه بأنهم قد يلتحقون
بالإرهابيين، على حد زعم
الوزارة.
وإذا
اعتزل العراقي هؤلاء وأولئك،
وفضل أن يتنسك ويعبد الله في
مسجد أو حسينية، جاءه الموت مع
حامل حزام متفجر –مزعوم- أو
سيارة يقودها انتحاري. ولعل "سعدا"
لو قال له قائل "أنج سعد فقد
هلك سعيد" فلربما تأتيه قذيفة
طائشة تذهب بسعد وسعيد. ولعل
عراقيا ، ينام ليلَه، وهو لا
يأمن أن يبقى حيا إلى الصباح
،يتذكر أيام حكم صدام حسين وما
كان يلقى فيها من قسوة النظام
والحصار، فيقارنها في نفسه مع
ماآل إليه حاله فيردد مع الشاعر
: ربَّ يومٍ بكيت فيه فلمّـــا
صرت في غيره بكيت عليه.
ولو
تركنا عامّة الشعب العراقي
ويممنا شطر أمراء المليشيات
ووارثي عرش صدام حسين الذين
ورثوا من بعده المشاكل أيضا،
وليس واحد منهم قد ورث الحكم من
بعده حتى الآن، ولم يتفرد في قصر
الحكم كما تفرد صدام، ولربما لا
يأمن "أي" منهم أن تأكله
السلطة، فلا يجد سجنا يفرد فيه
عضلاته كمايفعل صدام حسين الآن،
يلقي خطبه العصماء أمام القاضي
،وتحت سمع وبصر سجانيه
الأمريكيين، وكأنه ما يزال
الحاكم بأمره في بغداد.
وإذا
كان هذا شأن العراقيين، فربما
كان شأن حكومات الجوار ليس
بأفضل منهم بعد أن أصبحت بين
خوفين: خوفٍ من أن تمتد الفتنة
خارج العراق، ولا أحد من هذه
الحكومات يتكهن أين يمكن أن يصل
سعيرها ولا أين يتوقف، وهي ترى
على أرض العراق مالم تكن
تتوقعه، خصوصا وأن هناك من يزعم
أن دولة جارة للعراق تسعى بأن
تلقي بشرر الفتنة داخل هذه
الدولة أو تلك.
وخوفٍ ثان ٍأن تحاول واشنطن
الهروب إلى الأمام من مشاكل
العراق فتسعى لتشرك معها دول
الجوار، وهذه في ذلك غير راغبة.
كما أنها لا تعلم كيف يمكن أن
تتصرف واشنطن تجاهها وقد غاصت
أقدامها في وحل العراق. ومن لا
يصدق ذلك فهذه مدن العراق شاهدة
على ذلك.
جال
بعض هذه الأفكار في خاطري وأنا
أتابع الجدل الذي أثاره مسعود
البرزاني عندما أمر بإنزال
العلم العراقي ورفع العلم
الكردي مكانه، وكأن العراق قد
حلت جميع مشاكله، ولم يبق منها
إلى "ترف" المناظرة بين
العراقيين حول ألوان العلم .
وإذا كان مدمنو التسويات
والترقيع قد يستطيعون إيجاد
مخرج لقضية العلم، فإن الدعوة
التي أطلقها الائتلاف الشيعي
الموحد بزعامة عبد العزيز
الحكيم لتقسيم العراق إلى
كنتونات مذهبية وأثنية، قد تأتي
على ماتبقى من الهيكل العظمي
العراقي.
بعض
العرب من الذين كرهوا دول
الحلفاء أثناء الحرب العالمية
الثانية، كانوا يدعون الله أن
ينصر ألمانيا. بل إن بعضهم أطلق
على زعيم ألمانيا اسم "الحاج
محمد هتلر". فلما وضعت الحرب
أوزارها، نسجوا القصص الخارقة
حول هتلر، وبعضهم زعم أنه
متوارٍ عن الأنظار، وأنه سيعود
ليؤدب الحلفاء. ولعل من
العراقيين من أكلته الفتنة -وقد
لا يكون له في هذه الفتنة ناقة
أو جمل- يعيش مثل هذه القصص،
ويحلم بأن صدام حسين –وقد لا
يكون من أتباعه- سوف يخرج من
سجنه ،بطريقة أو بأخرى، لينتقم
من أعدائه.
بعض
أصحاب الخيالات الخصبة لا
يستغرب أن تسعى واشنطن –في ظل
وضعها الداخلي المتأزم كي تجد
لها مخرجا لائقا من أوحال
العراق- لعقد صفقة مع صدام حسين
تخرجه فيها من السجن فيخرجها هو
من هذا المأزق الحرج. فحسب هؤلاء:
أنه لا مستحيل فوق أرض العراق.
عراقيون
يقتلهم الأمريكان وعراقيون
يقتل بعضهم بعضا. بعض القَتَلة
لا يدرون لمَ يَقتلون؟ وبعض
القتلى لا يدرون لم تُزهق
أرواحُهم؟ والبسطاء ،وهم
أكثرية الشعب العراقي، لا
يدركون الحكمة من كل هذا القتل.
واشنطن وحدها تعرف أنها أخطأت
الدخول، ولا تدري كيف تحسن
الخروج. وإذا كان كثيرٌ من
المعلقين السياسيين قالوا إن
العالم بعد أحداث 11 أيلول "سبتمبر"
هو غير العالم قبلها، فإن بعض
الحكماء من السياسيين يعتقد أن
أمريكا قبل اجتياح بغداد هي غير
أمريكا التي ستكون بعد هذا
الاجتياح، ومن يدري؟
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|