هل
ثمة خصومة بين الإسلام
والعروبة؟
سيد
يوسف
تساؤلات تمهيدية
إن الباحث المتأمل
يجد أن ليس ثمة خطر يتهدد
العروبة من الإسلام ، وأن ليس
ثمة خطر يتهدد الإسلام من
العروبة ، فهل
ثمة خصومة بين الإسلام
والعروبة؟ أم بين عقلية
الإسلاميين والقوميين؟ وإذا
كان فهم
الشيء فرعا من تصوره ، فلماذا
يهتم البعض بأقاويل تطلق من
هنا أو من هناك دون البحث عن
جذور التصورات؟ ولم يغيب الحوار-
المثمر- بين
الإسلام والعروبة؟
لا فهم بلا تصور
صحيح ومن ثم شاب تناول الحوار
بين الإسلاميين وبين القوميين
ما شابه من صراعات أو خصومات فى
جبهتنا الداخلية كان من السهل
أن يحدث تقارب ما بينهما إذا وقف
كل طرف على أرضية مشتركة وفهم
أعمق لما يدعو إليه الآخر...ولو
أن الفريقين أحسنا الظن ببعضهما
لما نشب بينهما اختلاف لكنه سوء
الظن وغياب الحوار الفاعل ،
واستدعاء خصومة الماضى ،
والتركيز على مواطن الاختلاف
بدلا من الالتفاف حول مناطق
الاتفاق....ولو أن
دعاة العقلانية من كل فريق
وحدوا جبهتنا الداخلية لكان
خيرا لنا وأقوم .
ويحسن بنا أن نضع
تعريفا ومنهاجا مختصرا لكل...ويمكننا
أن نتبنى تعريفا- وصفيا- مبسطا
للعروبة كما يلي: إنما العروبة
انتماء للأمة العربية التى تتسم
بعدة خصائص مشتركة منها اللسان
العربي ، والتاريخ المشترك ،
والمصير المشترك فضلا عن بعض
السمات الفكرية والثقافية التى
تمتد بجذور تاريخية طويلة.
توضيح
والعروبة بهذا
التعريف الوصفى
المبسط تمثل واقعة اجتماعية
ونفسية ذات جذور تاريخية لكنها
لا تمثل عقيدة خاصة ،أو فلسفة
محددة ...ومثال ذلك : انتماء
المواطن السورى والمصرى
والتونسى والصومالى يحدده
اللغة ،والتاريخ والمصير
المشترك ويمثل جزءا من ارتباط
عصبى بالمجتمع ، فالقومية
العربية هي إذن الواقع التاريخي
واللغوي والثقافي والجغرافي
العام لقوم من الأقوام .
والإسلام : يمثل
عقيدة وهو دين خاتم للأديان دين
شامل ونظام متكامل ينتظم كل
شئون الناس فى أمور الحياة
والممات وفقا لتعاليم القرآن
والسنة الصحيحة.... يقول تعالى: {قُلْ
إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي
وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام162
ولقد اصطفى الله
العرب لحمل رسالة الإسلام وفقا
لعوامل متعددة يقال إن منها :
رجاحة العقل العربي ، وسلامة
لسانهم ، وغير ذلك ومن هنا فقد
جاء الإسلام ليجعل للعرب ذكرا
بين العالمين يقول تعالى : {لَقَدْ
أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ
كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ
أَفَلَا تَعْقِلُونَ }الأنبياء10
ومن هنا حق للعربى
أن يفخر بانتمائه للإسلام الذي
أعلى من ذكره ، ونشر لغته ،
وحافظ عليها من الزوال ، وجعل
أراضيه هى موطن المقدسات ،
ومهبط الرسالات ، وتجمع الثروات
، وهو
الأمر الذى يجعل
العرب تدين للإسلام بأنه اختار
العربية موطنا ولغة تنزيل ،
ووحد بين قبائلهم ، واستطاع
العرب أن يصنعوا
بالإسلام حضارة
سادت الدنيا قرونا .
تعدد الأقطار لا
يلغى روابط الأخوة
وتتعدد أقطارنا
العربية – والإسلامية – ومع
ذلك لا يشهد هذا التعدد على
مستوى الفكر تناحرا وإن شهد على
مستوى الواقع بعض الغبش هنا أو
هناك انطلاقا من مفهوم مغلوط
يعلى من شأن القومية أو
العنصرية على الدين ورباط
العقيدة .
وإذا كان حب
الأوطان تعبير عن مكنونات
النفوس فإن هذا لا يلغى روابط
الدين والعقيدة فالنبى محمد صلى
الله عليه وسلم حين اضطر للخروج
من مكة ودعها قائلا : " والله
إنك لأحب أرض الله إلى ، وإنك
لأحب أرض الله إلى الله ، ولولا
أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت
". أو كما فى الأثر ، وحب
الأوطان مندوحة لا يجوز العدول
عنها إلى محاربة الدين ، أو
تسفيه الذين يدافعون عنه فهذا
سفه ينأى عنه ذو المروءة
لسفاهته.
وتنوع الشعوب
والقبائل ضرورة حتمية-
ومن ثم فليس ثمة مشكلة ها
هنا - تستلزم وفق رؤى الدين
التعارف والتعاون وإن كان ثمة
اختلاف فهو اختلاف- ينبغى له أن
يكون- اختلاف تنوع وإثراء لا
اختلاف تضاد وصراع، باعتبار أن
رباط العقيدة ينضوى تحت لوائه
الجميع حتى وإن تباينت وجهات
النظر بين شعوب الأمة فهذا لا
يلغي اعتزازهم بهذا الدين الذي
أكرمهم الله به وارتضاه لهم .
فالولاء الرئيس للإسلام.
وبناء على هذه
المعطيات التي أشرنا إليها،
فإنه لا تناقض بين الوطنية
والقومية والإسـلامية
والعالمية إذا وضع كل منها في
موضعه الصحيح، وفق الفهم
والمنهج الإسلامي،وذلك بناء
على تحديد المفاهيم الخاصة بكل
أما أن يأتى أحد ما ليقول إن
العروبة أصل والدين جزء أو إن
العروبة مذهب والإسلام دين فى
المسجد لا شأن له بالحياة
فهنا نقول كلا.
إنما
ترفض الوطنية والقومية إذا
جعلناها بديلاً عن الإسـلام أو
طعّمناها بعناصـر غريبة عـنها
معادية للإسلام أو مناقضة
لعقيدته وشريعته مثل إقصاء
الدين أو
تغلب الآلية والمادية وإلغاء
عنصر الوجدان والعاطفة
التي تتضمن محتوى أيدلوجياً
بعيداً عن فكر الإسلام ونظرته
للحياة.
ولله در الدكتور
عبد الستار إبراهيم الهيتي حين
كتب : إن المسـلم الحق هو الوطني
المخلص، وهو القومي المناضل،
وهو العالمي الأصيل، وقد أثبت
التاريخ المعاصر أن أبطـال
الوطـنية في بلادنا العـربية
والإسلامية كانوا إسلاميين
أمثال الأمير عبد القادر في
الجزائر، وأحمد عرابي في مصر،
وعمر المختار في ليبيا، وعبد
الكريم الخطابي في المغرب ،
وأمين الحسيني في فلسطين،
والشيخ ضاري المحمود في العراق،
ومحمد ناصر في أندونيسيا وأبو
الكلام آزاد في الهند، وأبو
الأعلى المودودي في
باكستان،وغيرهم الكثير،مما
يثبت أنه لا يوجد تقاطع كبير بين
الخصوصية
القومية أو الوطنية
وبين الالتقاء تحت مظلة الإسلام
باعتباره الوطن الأكبر لأبناء
الأمة.
نماذج متطرفة
للإسلاميين والقوميين
لقد كان – وما يزال-
الغرب حين يقول العرب فهو يقصد
الإسلام، وكثير من الناس لا
يفرقون بين العروبة والإسلام،
ولا بين العرب والمسلمين ولله
در الشاعر / محمود غنيم حين قال:
إن العـروبة لفظ إن
نطقت به
*** فالشرق
والضاد والإسلام معناه
ويحسن بنا أن نسوق
ها هنا نموذجين متطرفين لكلا
الفريقين ساقه
الدكتور عبد الستار إبراهيم
الهيتي يقول أكرمه الله : يحاول
بعض حملة الدعوة الإسلامية
التقليل من شأن العرب والعروبة
من خلال إظهار أثر الإسلام
وقيمته في حياة العرب والمسلمين
والناس أجمعين، حتى إن بعض
هؤلاء يحاول إنكار عروبته
والتقليل من شأنها فيتساءلون
مستغربين: ومن هم العرب ؟
وفي جانب آخر يقف
فريق من دعاة القومية العربية
محاولين التقليل من شأن الإسلام
والمسلمين، من خلال إظهار أثر
العرب وفضلهم على الحضارة
العالمية ويحاول هؤلاء إنكار
الإسلام أو التنكر له زاعمين
أنه ليس سوى صفحة ماضية من حياة
العرب، وإذا كان قد صلح
للسابقين من أبناء الأمة فإنه
لا يصلح للاحقين في عصر العلم
والتكنولوجيا، ولذلك فهم
يصفونه بالرجعية ويصفون أتباعه
بالرجعيين والمتخلفين عن ركب
الحضارة.
إن نظرة متفحصة
وهادئة لواقع العلاقة بين
الإسلام والعروبة تثبت أن الخطر
على الإسلام لا يتأتى من
العروبة ولا من دعاتها
المستنيرين، ولكنه يأتي من
أعداء العروبة ومن دعاتها الذين
لم يعرفوا أحكام الإسلام ونظمه
وقوانينه فجحدوا فضله على
العرب، كما أن الخطر على
العروبة لا يأتي من الإسلام ولا
من المسلمين المستنيرين، وإنما
يأتي من الذين يحاولون تشويه
الإسلام والعروبة على السواء،
ويسعون لتعميق الخلافات بين
الأخـوة بداعي الخوف والحذر،
وكذلك يأتي من بعض الجهلة الذين
لم يصلوا إلى اكتشاف العلاقة
التكاملية بين الإسلام
والعروبة، وليس أظلم ممن يصدر
أحكاماً دون استيفاء ودراسة
جميع المعطيات والأدلة
والبراهين. انتهى
دعوة مخلصة صادقة
وبناء على ذلك
العرض الموجز فإننا ندعو كلا
الطرفين للتعرف على الآخر وفق
أدبياته ومناهجه وتحديد نقاط
الاتفاق ونبذ مواطن الجدل لأن
الخطر الحقيقى الذى يتهددنا
جميعا
مصدره ليس فى
العروبة ولا فى الإسلام وإنما
فى غيرهما.
وكم نرجو أن يستأنس
دعاة الحوار بين الفريقين
بهاتين المفردتين:
* ليست العروبة خصما
للإسلام – وفق تعريفنا المبسط
أعلاه- ولا هى عنصرية تزعم تفوق
الجنس العربي ، ولا هى تعصب أعمى
لكل ما هو عربي يخالف الحق
والفطرة السليمة ، وإنما
العروبة فى أحد صورها هى امتداد
للتوحد الإسلامى .
* كتب الدكتور عبد
الستار إبراهيم الهيتي
: إن الدعاة إلى الإسلام
اليوم مطالبون بوقفة هادئة أمام
الشعارات التي يرفعها دعاة
الوحدة العربية، لأن تلك الوحدة
إذا تجردت من العنصرية والعصبية
فإن الإسلام سيكون هو المكوّن
الرئيس لها، وهذا ليس شراً
يستعاذ منه، بل إنها في الحقيقة
ستكون سبيلاً إلى تحقيق الحضارة
المنشودة، وليس أدل على ذلك من
أن نبينا محمداً
قد بدأ دعـوته من خلالها
عملاً بقـوله تعالى: (وَأَنذِرْ
عَشِيرَتَكَ الاْقْرَبِينَ)
الشعراء:214) ثم انطلق بعدها لنشر
الإسلام بين سائر الشعوب
والأمم، مما يشير إلى أن هذا
المسلك مناسب لأوضاع الأمة
وطبيعة تعاملها في نشر الدعوة
وتحقيق دين الله في الأرض. انتهى
واستناداً إلى هذه
المعطيات التي أشرنا إليها،
فإنه ينبغي أن يكون الحوار بين
العروبة والإسلام قائماً على
هاتين القاعدتين على الأقل حتى
نضمن حواراً علمياً هادئاً
بعيداً عن التشنجات العاطفية،
وملبياً لتطلعات الأمة العربية
والإسلامية، محققاً للإسلام
عالميته وحافظاً للأمة
خصوصيتها، بعيداً عن الإفراط
والتفريط.
فى النهاية
نسأل الله أن
يبصرنا الحكمة وأن ينفعنا جميعا.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|