شرق
أوسط جديد.. إسلامي وديمقراطي!
محمد
جمال عرفة (*)
منذ أن رفع الجناح اليميني
المسيحي المتطرف في الإدارة
الأمريكية بزعامة وزير الدفاع
دونالد رامسفيلد يده عن خطط
تشكيل العالم بعد إخفاقاته
المتكررة في العراق وفلسطين
وغيرها، وأطلق الرئيس جورج بوش
يد وزيرة خارجيته كوندوليزا
رايس في رسم خريطة العالم وفق
تخطيط أمريكي جديد أكثر
برجماتية وتعاملاً مع الواقع،
وهناك توقعات يؤيدها
دبلوماسيون مصريون وخبراء
أمريكان تشير باحتمالات تغير
نوعي في سلوك إدارة بوش (خارجيًّا)
خلال العامين المتبقيين لها في
الحكم.
الخطة الدبلوماسية الجديدة
طرحتها رايس -كبديل للطريقة
الصدامية لجناح رامسفيلد- وظهرت
معالمها في تصريحاتها قبل وبعد
العدوان الإسرائيلي المستمر
علي فلسطين ولبنان، وتركزت على
خلق شرق أوسط جديد يرتكز على دول
محورية (صديقة) ، إضافة إلى (الحليفة)
إسرائيل، في مواجهة محور الشر (إيران
وسوريا)، مع السعي لخلع قوى
المقاومة (حزب الله وحماس
والجهاد) من الخريطة عبر
إسرائيل بالإنابة.. هذه الخطة
اصطدمت بدورها بذات النمط من
التفكير الأمريكي الإمبراطوري
الذي يتجاهل الحقائق على الأرض.
وجاء صمود حزب الله في لبنان
وانتصاره عمليًّا، مقابل فشل
إسرائيل في تحقيق أي من أهداف
العدوان باستثناء نشر الجيش
اللبناني على الحدود؛ ليؤكد فشل
خطط رايس أيضًا، خصوصًا أن هذا
الفشل عززه استمرار صمود قوى
المقاومة في فلسطين رغم الثمن
الباهظ الذي يدفعه الشعب
الفلسطيني يوميًّا من دمائه
وممتلكاته وخطف ربع أعضاء
الحكومة والبرلمان الفلسطيني.
البديل الإسلامي!
ولهذا أصبح الحديث يدور في
الأوساط السياسية والبحثية
الأمريكية والأوروبية ليس فقط
عن كيفية تفادي فشل هذه الخطط
الغربية في خلق شرق أوسط جديد
"مسالم" وخال من المقاومة
وتديره تل أبيب، ولكن أيضًا
يدور حول التحذير من مخاطر
انتشار المقاومة في كل الشرق
الأوسط وانتعاشها بعد صمود حزب
الله، وأصبح السؤال يدور -كما
طرحته قناة أم إس أن بي سي MSNBC-
عن "كيف ستؤثر نتائج هذه
العمليات على التخطيط
الإستراتيجي بواشنطن"، ما
يعني فشل مخططات الشرق الأوسط
"الأمريكي" الجديد؟!.
ولأن البديل لشرق أوسط أمريكي
خال من المقاومة أو حتى
الديمقراطية (بعدما ثبت أنها
تأتي بالإسلاميين)، ويلعب فيه (الحليف)
الإسرائيلي دورًا رئيسيًّا، هو
انتعاش قوى المقاومة والحركات
الإسلامية، والمزيد من
الكراهية لأمريكا بسبب
ازدواجية المعايير الأمريكية
حتى فيما يخص قضية الديمقراطية
التي تنكرت لها واشنطن بعد فوز
الإخوان وحماس، فقد أصبح الحديث
يدور حول بداية تشكل شرق أوسط
جديد بالفعل ولكن أكثر عداء
لأمريكا وللإسلاميين دور أكبر
فيه.
فحزب الله في لبنان تحول -كما
ألمحت قناتي سي إن إن وفوكس نيوز-
ليس فقط لمنتصر، ولكنه بدأ يعزز
دوره في الداخل اللبناني كمؤسسة
خدمات اجتماعية ضمن جهود إعادة
البناء لدرجة دفعت
الإسرائيليين أنفسهم لمناشدة
الحكومات العربية والغرب سرعة
التدخل لإعمار لبنان؛ لتفويت
الفرصة على اتساع نفوذ حزب الله
السياسي في لبنان.
وحركة حماس الراسخة في الشارع
الفلسطيني منذ سنوات بسبب دورها
الخدمي، أصبحت تتوجه لها
الأنظار مرة أخرى خصوصًا بعدما
هددت بحل السلطة وإعادة الأوضاع
إلى ما كانت عليه قبل عملية
أوسلو برمتها، فهرع الرئيس عباس
لطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية،
وبدأ الحديث عن تسريع عملية
التفاوض باعتبار أن القضية
الفلسطينية هي وقود هذا الغضب
الإسلامي الذي أحرق خطط الشرق
الأوسط الجديد، بل والسعي
للتفاوض مع سوريا وتقديم حزمة
"جزر" من التنازلات
لإخراجها من معادلة إيران
والمقاومة (الخارجية
الإسرائيلية بدأت تستعد
للتفاوض).
والخشية الأمريكية من شرق أوسط
إسلامي لا تقتصر فقط على منطقة
الأزمات المحيطة بفلسطين، بل
تتعداها إلى مناطق أخرى مثل مصر
مع تزايد نفوذ جماعة الإخوان
المسلمين واستمراره، والمغرب
حيث استطلاع للرأي أجراه المعهد
الجمهوري الأمريكي يشير إلى
احتمالات فوز حزب العدالة
والتنمية الإسلامي المغربي بـ47%
من مقاعد البرلمان في
الانتخابات التشريعية المقبلة
2007، متقدمًا على الحزبين
الحاكمين (الاتحاد الاشتراكي
للقوات الشعبية وحزب الاستقلال)،
وحتى تصاعد نفوذ حزب العدالة
التركي في مواجهة علمانية الجيش.
إسلامي وديمقراطي أيضًا!
وأكثر ما يقلق الأمريكان أنهم لا
يتوقعون أن ينتهي المخاض بظهور
شرق أوسط إسلامي فقط، بل ومنادٍ
بديمقراطية حقيقية تنافس خطة
بوش لنشر الديمقراطية التي ثبت
كذبها، بحيث تأتي بهؤلاء
الإسلاميين للسلطة في غالبية
الدول العربية والإسلامية بعد
تبنيهم للخيار الديمقراطي
والفوز في الانتخابات وفق آلية
الانتخاب الحر، ومن ثَم تبعات
هذه الديمقراطية التي ستعني
تلقائيًّا انتهاء دور الحكومات
الموالية لأمريكا في المنطقة
والتي كانت تعتمد عليها واشنطن
للحفاظ على مصالحها
الإستراتيجية هناك!.
والأمر لا يقتصر على ذلك، بل لقد
عاد سؤال "لماذا يكرهوننا؟"
للواجهة مرة أخرى في أمريكا،
وفق ما ذكرته (جوليا إي. سويج) من
"مجلس العلاقات الخارجية"
الأمريكي المتصل بالإدارة في
صحيفتي "لوس أنجلوس تايمز
وواشنطن بوست 21 أغسطس 2006، حيث
قيل صراحة إن شعوب العالم لا
تكرهنا بسبب قيمنا وحرياتنا كما
قال الرئيس بوش، ولكن "لأن
سمعة الولايات المتحدة"
كدولة تقوم بتوفير العدالة
انهارت، وأن الحل سيكون في "اتباع
السياسات التي كانت سببًا في
رواج نموذجها في السابق مثل
البراجماتية، والسخاء،
والتواضع، والتعقل، والتعاون،
والتعاطف، والعدل، ومراعاة
قواعد السلوك القويم،
والالتزام بالقوانين"!.
وربما لهذا أيضًا طرح الدكتور
سعد الدين إبراهيم مدير مركز
ابن خلدون للدراسات الإنمائية
والكاتب الصحفي فهمي هويدي
تصورًا متشابهًا عن تكوين "شرق
أوسط إسلامي جديد وغاضب في نفس
الوقت من السياسات الأمريكية".
والأهم أن تصور د. سعد الدين
إبراهيم - الذي نشره منتصف أغسطس
الماضي في صحيفة "واشنطن بوست"
حول شرق أوسط "إسلامي" في
مواجهة الشرق الأوسط "الأمريكي"
ارتكز على فكرة برجماتية قالت
أوساط دبلوماسية وإعلامية
عربية قادمة من واشنطن لـ(إسلام
أون لاين.نت) إنها تتداول
حاليًّا بالفعل في إدارة بوش،
وكانت سببًا في إطلاق يد رايس
الدبلوماسية مؤقتًا في تشكيل
المنطقة بصرف النظر عن فشل رايس
في تسويقها!.
هذه الفكرة تقوم على التحايل
والتعامل بشكل واقعي لا أيدلوجي
والتخلي عن الأفكار السابقة عن
الحركات الإسلامية ووضعها في
سلة واحدة، والسعي لدمج الحركات
الإسلامية سياسيًّا أو على حد
قول إعلامي عربي بارز في واشنطن
"الاستعداد حتى للجلوس مع
زعماء هذه الأحزاب الإسلامية،
بشرط أن يضمنوا هذا المصالح
الأمريكية"، ما يعني أن تحل
هذه الحركات محل الأنظمة
الديكتاتورية الحاكمة في
المنطقة العربية.
ولكن المشكلة أن مخاطر هذه
الفكرة ربما تكون أكبر في
التصور الأمريكي، وقد ترفضها
الإدارة الجمهورية اليمينية
الحالية في نهاية المطاف أو على
الأقل تتركها للإدارة القادمة
لتتعامل معها، خصوصًا أن هناك
حديثًا عن "حرب المحافظين
الجدد القادمة" تحدثت عنه "سيدني
بلومينتا" يوم 12 أغسطس الجاري
2006 في موقع (salon) يقوم على محاولة المتشددين في
إدارة بوش توسيع دائرة النزاع
في الشرق الأوسط ليشمل إيران
وسوريا، وليس إيقافه من خلال
تزويد إسرائيل بمعلومات سرية من
وكالة الأمن الوطني، وتحجيم دور
كوندوليزا رايس.
بعبارة أخرى، وعلى حد قول د. سعد
الدين إبراهيم في مقاله: "سيحمل
الشرق الأوسط الجديد ملامح حزب
الله اللبناني، وحماس
الفلسطينية، والإخوان المسلمين
المصرية، وحزب العدالة
والتنمية التركي، وحزب العدالة
والتنمية المغربي، فهذه
الحركات والجماعات والأحزاب
أثبتت جدارتها اجتماعيًّا
واقتصاديًّا، قبل أن يعلو صوتها
سياسيًّا، ويشتد ساعدها
عسكريًّا.. فالأبعاد الخدمية
لها سبقت الجوانب النضالية أو
رافقتها جنبًا إلى جنب.. وربما
كان وسيظل هذا التكامل الإنساني
- المجتمعي هو الذي جعل محاولات
القضاء عليها غير مجدية بالمرة".
جدارة التيار الإسلامي
أما أهم ثلاثة صور لهذه الجدارة
للتيار الإسلامي -وفق تصور د.
إبراهيم المفترض أن واشنطن
تدرسه- والتي تصب في خانة تشكل
شرق أوسط إسلامي ديمقراطي جديد،
فهي:
1- أن الحركات الإسلامية المذكورة
سابقًا استطاعت أن تتجاوز
الأمراض السياسية المهلكة في
الشرق الأوسط، مثل معضلة اختيار
القيادات (تعددها وتنوعها بعكس
رؤساء الدول وحتى الأحزاب
العربية المجمدين في مواقعهم).
2- أن هذه القيادات تجاوزت مشكلة
الفساد (بفضل أسلوب الحياة
البسيط والمتواضع للقيادات) رغم
زيادة مواردها المالية.
3- أن معظم الإسلاميين مثل حزب
الله، وحماس، والإخوان
المسلمين، وحزبي العدالة
والتنمية في تركيا والمغرب قد
قبلوا ومارسوا الديمقراطية
الانتخابية وأجادوها أكثر مما
كانت ترغب الولايات المتحدة
بعكس الحكام المستبدين.
المشكلة الحقيقية بالتالي كما
يراها الأمريكان هي أن الشرق
الأوسط الجديد الغاضب من الدور
الأمريكي المنحاز بالكلية
لإسرائيل، والمتحكم حتى في
قرارات مجلس الأمن لحد عرقلة
إدانة قتل جنود من الأمم
المتحدة أو أطفال لبنانيين
بالطائرات والصواريخ
الأمريكية، سيولد من رحم هذا
الفشل الإسرائيلي والأمريكي في
ضرب المقاومة في فلسطين ولبنان
رغم الحصار والقتل والتدمير؛
ولهذا سيكون مضادًّا لمصالحهما
معًا وفي صالح القوى المناهضة
الصاعدة من الإسلاميين
والقوميين الجدد.
والمشكلة الكبرى أن التسويات
التي قد تسعى واشنطن مرة أخرى
للعودة بها للمنطقة لتحييد
المقاومة أو القوى التي تساندها
خصوصًا سوريا، بهدف التفرغ
للتهديد الإيراني الأكبر،
أصبحت غير مقبولة عربيًّا
ومشكوكا في نواياها؛ بسبب سجل
العداء والانحياز الأمريكي
الأعمى لإسرائيل، فضلاً عن أن
هذه التيارات الإسلامية في
المقاومة أصبحت تعتقد أنها
صاحبة اليد الطولي بعدما أثبتت
جدارتها شعبيًّا واجتماعيًّا
وعسكريًّا، وأصبح لها دور سياسي
في اللعبة الدائرة سواء ارتضت
واشنطن ذلك أم لا؟.
*المحلل السياسي بشبكة "إسلام
أون لاين.نت".
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|