أزمة
التغيير في سورية !.
د.نصر
حسن
يتفق جميع المهتمين
بالشأن الوطني في سورية على
خطورة المرحلة التي أوصل النظام
البلاد إليها , وزاد العدوان
الهمجي على لبنان بمخلفاته
التدميرية المادية واستقطاباته
السياسية إيضاح الصورة
واهتزازها أيضا ًحول دور النظام
السوري التخريبي على مستوى
سورية ولبنان والمنطقة ,واستغلها
لخلط الكثير من الأوراق هادفا ً
إلى جر الأحداث وفق أولوياته
وأجندته السياسية المتمحورة
أساسا ً على الإلتفاف على أية
محاولة لإستحقاق التغيير في
سورية , هذا الدورالذي يهدف إلى
البقاء في السلطة واستخدام كل
مايساعده على ذلك من قمع على
المستوى الداخلي واللعب بورقة
الحرب الأهلية في لبنان وتقديم
كل التنازلات المطلوبة على
المستوى الإقليمي والدولي .
والجميع يقربأن
النظام السوري قد فاته قطار
الإصلاح وسلوكه في الداخل
والخارج يؤشر بوضوح ذلك وأن
عزفه على النغمة الوطنية لدى
الشعب هي محطة أخرى على طريق
الإنتحار الذي يسير عليه بإصرار
غريب, وعليه أصبح خيار
التغييرلدى كل أطراف المعارضة
يمثل الضرورة التي لابد منها
لتخليص الشعب من سلوك النظام
الطائش الذي يدفع سورية إلى
الهاوية, لكن التغييرنفسه يعيش
أزمة على مستوى المعارضة
والنظام معا ً وكل على طريقته ,
وأزمة النظام معروفة لدى كل
فصائل العمل السياسي في سورية ,
وأزمة المعارضة التي يحاول
النظام بكل قوته في الداخل
والخارج على حرف أولوياتها
وحصرها سياسيا ً في دائرته وبث
حالة الشقاق والتمزق يشاركه في
ذلك كم من الأبواق المسعورة
والمأجورة التي تحاول سحب
المعارضة إلى سجالات جانبية
مدفوعة بشتى مستويات الخطاب
السوقي الذي يهدف إلى تفتيت
وحدة المعارضة وخلخلة عملها
ونقل المواجهة إلى فضاء
المعارضة بما فيه محاولة إنقاذ
النظام المنهار.
وأزمة المعارضة هي
الأخرى لاتزال قيد الغيب تتداخل
فيها الكثير من الأمور الداخلية
والإقليمية , التنظيمية
والسياسية , الوطنية المرتبطة
بالمقاومة والتحرير وبرياح
المشاريع المتعددة المطروحة
للتغيير, ومتعلقة أكثربالعلاقة
بين المسار الوطني الذي يحاول
النظام تهويشه ليتناغم مع
غوغائيته ومسار التغيير
الديموقراطي الذي يحاول النظام
ربطه بالخارج لتشويه صورة
المعارضة وتثبيت الإستبداد
والشمولية وإنعاشها من مخلفات
الحرب على لبنان والإصرار على
استمرار دورها القمعي ووقف
عملية التطور السياسي المدني في
سورية ولبنان والمنطقة .
والفائدة الأساسية
هي أن الجميع متفق على ضرورة
التغيير , والمشكلة أن الكثير
مختلف على شكل التغيير وآليته
وحوامله السياسية والفكرية
التي لازالت قنوات الحوار
البينية هامشية وغير جدية
ولاتعكس خطورة المرحلة التي تمر
بها سورية , هذا التناقض هو
المعيق الأساسي لعملية تطوير
آليات التغيير الشاملة وحصرها
في إطار جزئي بين الداخل
والخارج أو بين هذا الفصيل
أوذاك من فصائل العمل الوطني
والديموقراطي في سورية .
ماالعمل الذي يجب
على قوى المعارضة السورية أن
تقوم به لتتجاوز مرحلة الأزمة
التي تعيشها ؟.
هناك الكثير من
المقاربات التي تحاول الإجابة
علىهذا السؤال ولسوء الحظ كلها
لاتزال إلى الآن متعثرة ولم
ترتق بعد إلى مستوى الرد على
خطورة الأحداث التي تتقاذف
سورية والتي في مجملها من صناعة
الإستبداد وسياسته الحمقاء على
كافة المسارات, ومبعثرة بين
فصيلين أساسيين إلى الآن وهما
جبهة الخلاص الوطني وإعلان دمشق
واللذان لازالا في طورعلاقة
التكامل العذرية الخائفة
والمخفية وتحكمها طقوس قبيلة
الإستبداد وتخاف بطشها
المستمرويالتالي لازالت في
عداد المتفرجين والمنتظرين .
على أن الكثير من
النقد إلى جبهة الخلاص وإعلان
دمشق لم يكن وطنيا ً مؤسسيا ً
بقدر ماكان فرديا ً وفوضويا ً
لأنه لم ينطلق من حرص وطني ووضوح
سياسي وفكري بقدر ماكانت تحركه
الدوافع الفردية الأنانية التي
هي الطابع الأكثر شيوعا ً في
الوسط السياسي السوري , يرافقه
حملة أبواق النظام المسعورة
المقيمة في الخارج والمكلفة
بتشويه المعارضة عبرطرح سيل من
التهم محاولة ً جر المعارضة إلى
مستوى النظام وشبكة ألفاظه
ومفاهيمه ومحدداته السياسية
والوطنية وأصبح شاغلها هو
الهجوم غير المنهجي على
المعارضة ونسيت النظام الذي
أفرزكل هذا الفساد.
ولعل الهجوم
المستمر الذي يقوم به نيابة ً عن
النظام أو بتوجيه منه بعض (
المعارضين ) على جبهة الخلاص
الوطني وإعلان دمشق مايمثل أحد
أوجه الأزمة التي يعيشها النظام
وخوفه الشديد من أي تطور في آلية
عمل المعارضة السورية في الداخل
والخارج والعمل على وضع عوازل
بينهما ووقف تفاعلهم مع نسيج
المجتمع السوري وحصرهما في إطار
الخطاب السياسي النظري البعيد
عن محددات الواقع الذي يعيشه
الشعب.
وبالمقابل تقع على
جبهة الخلاص الوطني وإعلان دمشق
وكل القوى الوطنية
والديموقراطية مسؤولية وطنية
كبيرة تتجسد في تبني موقف
التغيير الديموقراطي السلمي في
سورية , ولكن كل على انفراد
مبعثه قصرالنظروخوف من
الخطرالذي يشكله النظام القمعي
على كل الأطراف والداخلية منها
على وجه التحديد , وهذا خطر دائم
ومتزايد وعليه يجب البحث عن
آلية معينة جديدة للتعبير عن
هذا الموقف ونقله تدريجيا ً إلى
حيزالحوار ومن ثم إلى مستوى
التنسيق على برنامج وطني واضح
للتغيير.
على أن الواضح أيضا
ً أن هناك بحكم الظروف التي
تعيشها فصائل المعارضة
الداخلية أنها تتحرك سياسيا ً
ومفهوميا ً في فضاء النظام نفسه
أو بجزء منه على وجه الدقة ,هذا
الجزء هو الذي يحدده النظام
وآلية قمعه الأمنية وهذا أحد
العوامل الثابتة في حياة
المعارضة الداخلية لم تستطع أن
تخطو الخطوة المطلوبة لتجاوزه
ودفع استحقاقه الذي تدفعه
بالتقسيط مرة واحدة ليكون قادرا
ً على نقلها من حال إلى حال أخرى
تتميز بالفعل على وحدة المعارضة
لأنها الخطوة التي لابد منها
لإجراء عملية التغيير .
والأمر الآخر الذي
لازال لم يتم حسمه هو العلاقة
بين الهم الوطني الذي يلعب به
النظام وبين الهم الديموقراطي
الذي يحاربه النظام بل ويلغيه
من حياة الشعب , وعليه يجب على كل
فصائل المعارضة حسم الأولوية
التي تخدم المجتمع وتنقذه من
محددات الشمولية وأمراض النظام
وفساده الذي قننه في حياة
المجتمع لعقود ,وأن سبب كل هذا
التردي هو النظام أولا ً وغياب
الحرية والديموقراطية ثانيا ً
وتعميم حالة الفساد لتصبح
المحرك الوحيد للدولة والمجتمع
ثالثا ً.
والخلاصة هي أن على
كل فصائل المعارضة السورية في
الداخل والخارج أن تتجاوز
القصور في استقراء الوضع
السياسي في سورية وخارجها وأن
يكون خطابها مستقلا ً عن خطاب
النظام الذي يجترنفسه سياسيا ً
وفكريا ً , وأن تبحث عن آلية
معينة للتنسيق بينها , وأن تنتقل
بخطابها من النمطية المطلبية
المتكررة إلى خطاب يؤسس لبناء
خطة عملية واضحة لخوض معركة
التغيير الديموقراطي السلمي في
سورية , وهذا يتطلب قبل كل شيء
القطع النهائي مع سياسة استجداء
النظام أو الإنجرار وراء بعض
الأطر الغوغائية التي أفرزها
العدوان على لبنان ويتمسك بها
النظام على أنها حبل النجاة له
مما هو فيه , والربط بين الداخل
والخارج على أسس القواسم
المشتركة وهي كثيرة وأهمها هو
التغيير الذي يحافظ على وحدة
الوطن ووحدة الشعب ومصالح
البلاد العليا والتأسيس إلى
إعادة بناء الوطن على أسس
الديموقراطية التعددية السبيل
الوحيد للحفاظ عليه في هذه
الظروف الإقليمية والدولية
المفتوحة على كافة الخيارات .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|