عشر
وصايا إلى فقراء سوريا
المهندس:
شاهر أحمد نصر / طرطوس
أيها الفقراء ! لا تبتئسوا فهناك
العديد من الخبراء الذين درسوا
في الغرب والشرق، ممن يهمهم
أمركم، سيأتون لدراسة وضعكم،
بالتنسيق مع العديد من المنظمات
الدولية، بما فيها التابعة
للأمم المتحدة، وسيجبرون
الأرقام على إنقاص نسبتكم
سنوياً حتى تصلوا إلى ما دون
الصفر.
ها هي صحيفة "تشرين" تطالعنا
في عددها الصادر بتاريخ 12/10/ 2004
بخبر أسعدنا للوهلة الأولى،
مفاده، أنّ معدل الفقر في سوريا
أقل من 9%، وكم كنا نتمنى أن يكون
هذا الرقم دقيقاً وصحيحاً، على
أرض الواقع، كما نتمنى أن تكون
هذه النسبة تقارب الصفر.. لكن مع
الأسف الشديد فإنّ نسبة 9%، بحد
ذاتها، تحتاج إلى تدقيق، كما
نعتقد..
تستند "تشرين" في معلوماتها
على دراسة "المكتب المركزي
للإحصاء وبالتعاون مع هيئة
تخطيط الدولة وبرنامج الأمم
المتحدة الإنمائي"؛ وتتابع
الصحيفة قائلة: "وأكد المصدر
أن الرقم أقل من ذلك أيضاً وأشار
إلى أنّ معدل الفقر في مصر 26% وفي
الأردن 15% وفي لبنان 30%."
وتتضمن الدراسة التي انتهت اللجنة
من تجميع معطياتها في أيار (مايو)
الفائت (كما تقول صحيفة تشرين)
معلومات مفصلة حول تكاليف
المعيشة ومستوى الدخول. وتعبر
عن سبر (واقعي) لمستويات المعيشة
في كافة المحافظات. وعلاقة ذلك
بمعدلات البطالة ومستوى
التعليم.مخاطر الدراسات
والإحصائيات الرقمية على مصير
العباد والبلاد لقد توقفتُ
ملياً عند هذا الرقم 9%، ولفت
انتباهي أنّ العديد من المهتمين
بالشأن العام لم يتوقفوا عنده،
ولم يناقشه أي منبر حزبي أو
شيوعي أو جبهوي، أو حتى معارض،
وكأنّ الأمر إما مسلم به ودقيق،
أو كغيره من الأرقام والتصريحات
فقدت مصداقيتها ولا تستحق
التوقف عندها؟؟!!
ولما كنت قد نشرت في أكثر من مقال
سابق، منها على سبيل المثال،
مقال تحت عنوان "الإصلاح
الشامل وبناء الدولة على أسس
عصرية سليمة مهمة وطنية وقومية"
أرقاماً أخرى حول نسبة السكان
الذين يعيشون دون مستوى خط
الفقر في سوريا ـ (مستنداً إلى
إحصاءات اقتصادية، منها "المجموعة
الإحصائية 2003 ، دمشق، الجدول 12/16،
ص535 ـ المجموعة الإحصائية 2003،
دمشق، جدول 9/16،ص533. ـ نبيل سكر،
الاقتصاد السوري إلى أين، مجلة
الاقتصادي الكويتي، الكويت،
العدد406، يوليو/ تموز2003، ص47-48.
ـ هيئة
مكافحة البطالة في سوريا ـ
التقرير السنوي الأول 2002 ، ص4،
أنظر أيضاً جريدة الحياة
اللندنية، العدد 14949، 2 آذار 2004،
ص13. ـ
جريدة الاتحاد، أبو ظبي،
العدد 10162، الجمعة 2 /5/200،ص17.
ـ جريدة
الاتحاد، أبو ظبي، العدد 10305،
الاثنين22/9/2003،ص27 ) ـ تبين اختلاف
التقديرات المحلية والعربية
والدولية لمعدل البطالة في
سوريا، فالجهات الرسمية
الحكومية في سوريا تقدرها بنحو
11،5% في حين تقدر هيئة مكافحة
البطالة المعدل بنحو 15% عام 2002 و16%
أي نحو 850 ألف عاطل عن العمل عام2003
من إجمالي القوى العاملة
المقدرة بنحو 5،3 مليون عامل(
تقدر نسبة القوة العاملة إلى
إجمالي مجموع السكان بنحو 31,1 %
عام 2000، وفي دراسة صادرة عن مجلس
الوحدة الاقتصادية العربية
ومنظمة العمل العربية بعنوان
البطالة في الدول العربية، تشير
إلى أن معدل البطالة في سوريا
يقدر بحوالي 30% في حين يقدرها
البنك الدولي بحوالي37%، هذا
فضلاً عن البطالة المقنعة، في
المؤسسات الحكومية ومؤسسات
القطاع (العام).. وقلنا إنّ
الآثار السلبية لهذه الحالة
غنية عن البيان.. وهي تعكس وضعاً
كارثياً يدل على أن نسبة تقارب
40% من أبناء المجتمع، إن لم يكن
أكثر، تعيش دون مستوى خط الفقر..
وها هو المكتب المركزي للإحصاء
وهيئة تخطيط الدولة وبرنامج
الأمم المتحدة الإنمائي يدحض
تلك الأرقام مبيناً أنّ معدل
الفقر في سوريا أقل من 9%!!!
فأي الأرقام أدق؟
نعود لنؤكد أمنيتنا بأن يكون معدل
الفقر في سوريا أقل معدل في
العالم، وأن يقارب الصفر.. ولكن
التمنيات شيء، والواقع ولغة
الأرقام شيء آخر.. والملفت
للانتباه أن واضعي هذه الدراسة
يتناقضون مع أنفسهم.. فها هو
رئيس هيئة التخطيط في سوريا
الدكتور عبد الله الدردري يقول:
"لقد اكتشفنا أن 16% من تلاميذ
المدارس في سوريا كان لديهم فقر
دم، وهذه قضية بدأنا نعالجها
ومن هنا اختيارنا لكل هذه
المعايير والمؤشرات، يعني
اختيارنا للقرى المستهدفة." (انظر
جورج كدر :مجلة أبيض وأسود و"
كلنا شركاء 27/10/200 )"
ولا يسعنا إلاّ أن نسأل هيئة تخطيط
الدولة، التي شاركت في إعداد
تلك الدراسة: كيف يمكن الموافقة
بين معدل 16% من تلاميذ المدارس
الذين لديهم فقر دم، ومعدل
الفقر في البلاد أقل من 9% ،
علماً بأن التلاميذ الذين
يعانون من فقر الدم يعيشون في
أسر لا يقل عدد أفرادها عن ثلاثة
أشخاص (3×16=48%) دون خط الفقر،
أليست هذه كارثة وطنية؟؟!..
وفي هذا السياق لا يسعنا إلاّ أن
نقدر عالياً رأي الباحث سالم
فضل في تصريحه لوكالة (آكي)
الإيطالية للأنباء في دمشق في 11
تشرين الثاني/ نوفمبر 2004 ، حيث
استغرب النتائج التي توصلت
إليها هذه الدراسة، والتي تشير
إلى انخفاض نسبة الفقر في سوريا
إلى نسبة تقارب الـ 9%. واعتبرها
"بعيدة عن الواقع" وقال:
"إن مؤسسات الدولة المعنية
ترى أنها بخفضها هذه النسبة على
الورق يعني أنها انخفضت فعلاً"،
وأضاف "ما على المسؤولين
وباحثيهم سوى النزول إلى
الشوارع والدخول إلى البيوت
والتجول في القرى والأحياء
الفقيرة ليروا نسبة الفقر
وطبيعته على حقيقتها".
وقال فضل "إن وسطي دخل الفرد في
سوريا أقل من 1500 يورو سنوياً،
ونسبة التضخم مستمرة، والقدرة
الفعلية لدخل المواطن تتآكل،
ونسبة البطالة عالية وتتجاوز 20%،
فكيف ينخفض معدل الفقر ضمن هذه
المعطيات وأشار في حديثه أيضاً
إلى أن "أكثر من 60% من جملة
العاملين بأجر يتقاضون أقل من 120
يورو، وهذا الدخل يعتبر
بالمقارنة مع تكاليف معيشة
الأسرة متدنياً جداً"،
واستطرد "يمكن أن تكون أرقام
الدراسة هذه صحيحة، بحالة أن
المعنيين بالدراسة اعتبروا أن
تعريف الفقر هو (الموت جوعاً)".
وتتابع (آكي)
القول: "ومن الجدير بالذكر أن
دراسات متخصصة لباحثين سوريين
تشير إلى تراجع نسبة حصة ذوي
الدخل المحدود في البلاد، بسبب
تفاوت توزيع الدخل، وبسبب تقارب
وسطي معدل نمو السكان مع وسطي
معدل النمو الاقتصادي، الأمر
الذي يدفع أصحاب الدخل المحدود
إلى مضاعفة يوم عملهم وحتى إلى
تشغيل أطفالهم."
وبقي معدل 9% لغزاً بالنسبة إلي،
يقض مضجعي، إلى أن أنبأتنا
صحيفة (الحياة)
في عددها الصادر في 10/11/2004
بحقيقة ذلك المعدل، حيث جاء:
"أوضحت دراسة أجراها «المكتب
المركزي للإحصاء» عن دخل ونفقات
الأسرة السورية، أنّ متوسط
إنفاق الأسرة الشهري ارتفع من
17900 ليرة في عام 1997 إلى نحو 20600
ليرة (نحو 400 دولار أمير كي)
السنة الجارية. وتبيّن أنّ خط
الفقر بلغ 1321 ليرة سوريا السنة
الجارية (حوالي 26.5 دولار أمريكي)
مقابل 1113 ليرة في عام 1997."
وإذا أردنا أن نترجم مبلغ 1321 ليرة
سوريا، في الشهر، إلى لغة السلع
لوجدنا أنّه يعادل:
(طعام: 90 (سندويشة
فلافل (بمعدل ثلاث سندويشات في
اليوم)) ×10 ل.س=900 ل.س (18دولاراً)) +
اهتلاك أحذية وألبسة
100 ل.س (دولارين) + مستلزمات
سكن 200 ل.س (أربعة دولارات) + رسوم
كهرباء وماء وتدفئة 100 ل.س
(دولارين) +21 ل.س (نصف دولار)
رفاهية..
وهكذا نجد أنّ هذه الدراسة لم
تغفل، حسب زعمنا، (ترفيه)
الفقراء في سوريا، وكأنّ لسان
حال المكتب المركزي للإحصاء،
وهيئة تخطيط الدولة، وبرنامج
الأمم المتحدة الإنمائي يوصي
فقراء سوريا بضرورة تقيدهم
بالعديد من الوصايا، بعدم
مغادرتهم منازلهم، أو التفكير
بتناول أية وجبة عدا الفلافل،
مراعاة لصحتهم، كي لا يذهبوا
إلى الطبيب، أو يشتروا أية
أدوية، لأنّ ذلك لم يرد في الخطة
ولا في الدراسة، ومن هذه
الوصايا الملزمة ـ التي يمكن
الاستدلال عليها من الأرقام
أعلاه ـ ما يلي:
1 ـ عدم مراودة أي نوع من أنواع
الخضار أو الفاكهة حتى في
الأحلام..
2 ـ العودة إلى اللباس التقليدي
لأجدادنا في العصور الغابرة،
لأنّ الدراسة لم تلحظ شراء
اللباس العصري..
3 ـ يسمح بالتنفس المجاني وشرب
المياه من المناهل العامة، أما
مياه الاستحمام وغسل الثياب
بالغسالة فمؤجلة..
4 ـ عدم التفكير بحلاقة الذقن أو
شعر الرأس، لأنّها تولد الطموح
لاستخدام العطور الخاصة
بالأكابر..
5 ـ الاستعاضة عن عمليات تنظيف
الأسنان بالفرشاة والمعجون،
بالغرغرة بالماء الفاتر والملح..
7 ـ تناول
اللحم، العسل، الأجبان،
الألبان، البيض، السمك..الخ
مثلها مثل الكفيار عادات
برجوازية تغوي البروليتاريا،
وتبرجزها (والعياذ بالله)..
8 ـ يحظر ركوب السرافيس و(السياحة
الداخلية) في يومي العطلة، وما
شابه من سيران وصبحيات الخ.. الخ..
9 ـ القهوة، الشاي، الزوفا، مثلها
مثل الويسكي للأكابر..
10 ـ أي نوع من أنواع المحارم غير
ضروري، يمكنكم أن تمسحوها
بأكمامكم..
هناك العديد العديد من الوصايا
والمحرمات الأخرى، لك أيتها "الدرة
بين الركام" كالتفكير بشراء
كتاب، أو جريدة، أو مشاهدة
السينما أو المسرح، أو استخدام
الكهرباء، والهاتف وما شابه..
لكن طالما اكتفى الذين سبقونا
بعشر، فلنكتفِ نحن بعشرٍ أيضاً،
حتى ينخفض معدل الفقر إلى
المستوى الذي تريده تلك الجهات..
ونود التنويه إلى أنّ تلك الدراسة
أعدت قبل الغلاء الأخير الذي
طرأ على الأسعار، فها هي صحيفة
تشرين في عددها الصادر في 2/11/2004
تصرخ "الحكومة تفقد السيطرة
على الأسعار .. زيادة في أسعار
معظم المواد لنسبة 15% .. أسر تبحث
عن الأرخص لتدبير طعام أولادها
وأخرى أصبح اللحم ضيفاً غريباً
على موائدها! .." والحبل على
الجرار، فهل مثل هذه الزيادات
تؤخذ بعين الاعتبار عند تحديد
معدل الفقر في البلاد؟!
لكم تريحنا النسب المنخفضة لمن
يعيش دون خط الفقر في بلادنا،
نحن نريد أن تصل هذه النسبة في
الواقع وليس على الورق إلى
الصفر، لكننا نأسف لافتعال
النتائج التي تعيق من الرؤية
الصحيحة والسليمة لواقع
المجتمع.
كم هو مؤسف أن تأتي أول دراسة من
هذا النوع في سوريا، وتشارك
فيها منظمة تابعة للأمم
المتحدة، وهيئات يعول الكثيرون
عليها، (أن تأتي) بهذا الشكل
الملفت للانتباه، والداعي
للاستغراب. كم هو مؤسف أن تلعب
هذه الهيئات والمسؤولين عنها
دوراً ديماغوجياً في حياة
البلاد، ونأسف لمشاركة جهات
دولية وتابعة للأمم المتحدة في
هذه العملية..
وفي نفس الوقت لا بد من التحذير من
مخاطر تقديم الإحصائيات التي
ستبنى عليها التصريحات، وعلى
أساسها ستوضع الخطط التنموية
على طريق (التطوير والتحديث)،
وتوضع الميزانيات.. ونذكر
بالأخطاء الكبيرة التي كانت
تعتمدها هيئة تخطيط الدولة في
الاتحاد السوفيتي والدول
الاشتراكية المنهارة، والتي
كانت تقدم أرقاماً وإحصائيات
وهمية، تبين، على سبيل المثال،
تفوق جورجيا، على فرنسا،
والجميع يعرف مآل تلك الخطط
والدول..
إنّ الجهات التي قامت بهذه
الدراسة مدينة بالاعتذار إلى
الشعب السوري..
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|