ـ

ـ

ـ

الأحد 03/10/2004

الأخلاق الأميركية في الشرق الأوسط

د. محمد احمد النابلسي*

الحرب تصبح خاسرة إن هي فقدت الأخلاق....

عبارة محفورة على تمثال نصفي ليوليوس قيصر في المتحف الإيطالي. وهي تمثل عبرة تاريخية. فلكي تقنع شعبك بخوض حرب تعرض حياة أبنائه لخطر الموت عليك أن تقدم له أسباباً أخلاقية تبرر تلك الحرب. وهذا ما فعلته إدارة بوش بإستغلالها ذرائع اسلحة الدمار الشامل العراقية وعلاقة العراق بالقاعدة إذا ما وجدت علاقة بين الأخيرة وحوادث 11 أيلول وفائمة من الذرائع التي تبين بطلانها بعد إعلان أميركا إحتلالها للعراق.

هكذا سقطت الذرائع الأخلاقية للحرب الأميركية على العراق فأصبحت الحرب خاسرة. وهذا ما يترجمه العجز الأميركي عن تأمين الحماية للجنود الأميركين. ومع فقدان الأمن إطلاق الغرائز العدوانية وممارستها بصورة وحشية على الأسرى العراقيين. عداك عن لا أخلاقية إيقاع 700 قتيل مدني في يوم واحد في الفلوجة ومن ثم قصف النجف الأشرف. لقد فقد الأميركيون أخلاقهم بصورة فاضحة ففقدوا الحرب. البعض يرى أن العراق لا يبلغ مستوى فيتنام. إلا أننا نقول أنه مستنقع أنتن. فقد كانت ذريعة الشيوعية لا تزال قائمة أيام فيتنام. وكانت معرفة بالدول الإشتراكية العدوة. أما اليوم فالبديل هو الإرهاب الذي لا يمكن تعريفه مع غياب دول عدوة وإستبدالها بأشخاص مثل بن لادن والظواهري والمرزوقي .. الخ. فطوبى للدولة العظمى التي تقود شعبها الى حروب من هذا النوع وبمثل هذه التبريرات الأخلاقية. بإختصار فقد قامرت إدارة بوش بكل الرصيد الأخلاقي الأميركي ومعه بكامل المصداقية الأميركية. فهي خرجت على الأمم المتحدة ومجلس أمنها وعلى حلف الناتو وتعديلاته الإستراتيجية والعلاقة مع الأصدقاء العرب والشرق أوسطيين بمن فيهم تركيا. كما أن هذه الإدارة لم تحترم تعهدات الولايات المتحدة تجاه الصين ودول الإتحاد الأوروبي وحتى تجاه الهند وإسرائيل. والأهم أن اللاأخلاقية الأميركية وصلت الى حدود الوحشية بالتعامل مع الأسرى وإنتهاك كل القوانين الدولية بهذا الخصوص. وليست فضيحة سجن أبو غريب سوى قمة رأس جبل الجليد في هذا النوع من الفضائح.

بالإنتقال الى لبنان والقرار 1559 نجد أن الولايات المتحدة تواصل حربها في المنطقة وفق منطق الوحش الذي أثبت وحشيته وإنتقل الى الإكتفاء بالتهديد مستنداً الى الأمثلة التي أظهرها على وحشيته. حتى يمكن إعتبار القرار ومعه قانون محاسبة سوريا وتوابعه ممارسات حربية غير أخلاقية. ففي البداية كيف يمكن أخلاقياً إدانة التدخل السوري المفترض في التمديد للحود في مقابل التغاضي عن إنتهاك حرمات الشعب العراقي وأرواحه الباقية دون إدانة من مجلس الأمن. هذا المجلس الذي تحول الى نوع من الباش كاتب الأميركي ( بدل العثماني). وبمتابعة المقارنة فإن التدخل السوري قد يكون مؤثراً ولكن لمدة لا تتجاوز الثلاث سنوات في مقابل تدخل أميركي في العراق أقل ما يوصف بأنه دموي. فهل تبقي هذه المقارنة شيئاً مما قد يسمى بالأخلاق؟!.

فإذا ما تجاوزنا النظري والأخلاقي فإننا نعود لنسأل: هل أن التمديد للرئيس لحود يهدد إنتخابات بوش؟ أم أنه يؤثر على الأمبراطورية الأميركية وقدرتها على البطش؟ أم تراه يشكل حجر عثرة في طريق تنفيذ مخططات الصقور الأميركيين في الشرق الأوسط الكبير؟... الخ من الأسئلة التي تقودنا للتأكيد بأن معارضة التمديد تبطن أهدافاً تكميلية لنوبة الهياج العراقي لتبقى معارضة التمديد مجرد قناع يقدم التبرير لتوظيف الساحة اللبنانية في خدمة العثرات الأميركية في العراق. وأيضاً لإعلان عودة الإهتمام الإستعماري بلبنان وسوريا وكامل المنطقة. فإذا ما نظرنا للقرار من هذه الزاوية أدركنا أن خطورته تتجاوز المعلن إلى محاولة إحتواء جديدة ولكن من الداخل للبنان. وهذا ما بينته التدخلات الأميركية الصارخة والمتصاعدة في الشؤون الداخلية اللبنانية. حيث بات لأصدقاء أميركا الصغار حصصهم المعروفة على كافة الصعد الإدارية والسياسية في لبنان. وذلك وسط صمت من أكثرية لبنانية ساحقة معارضة لهذه التدخلات وصامتة بحكم عدم رغبتها في عرقلة المساعي السورية لعقلنة اللامعقول.

الخطر إذاً في القرار هو الإعلان الأميركي عن تجاوز مسألة الأخلاق والموافقة الحماسية الفرنسية على المشاركة في جني حصاد اللاأخلاقية الأميركية دون المشاركة فيها. وهي غرصة لا تتاح إلا عندما يقع الوحش جريحاً فبدفعه ألمه الى قبول تقاسم الفريسة.

* رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ